كُتّاب وروائيون: تقمّص الشخصية يتطلّب ذكاءً عاطفياً
تاريخ النشر: 10th, November 2025 GMT
الشارقة (الاتحاد)
ناقش عدد من الأدباء والروائيين مفهوم «تقمّص الشخصية» في الكتابة الإبداعية، خلال جلسة حوارية ضمن فعاليات الدورة الـ 44 من معرض الشارقة الدولي للكتاب، جمعت الكاتب والأديب نبيل سليمان، والروائية الحاصلة على جوائز دولية كاتيا أبيكينا، والكاتبة والباحثة رهف السبع، والكاتبة سارة لابري، وأدارت الجلسة عائشة المازمي.
وأكد نبيل سليمان أن كتابة الرواية تتطلب من الكاتب الانقسام إلى «أنَوَاتٍ متعددة»، معتبراً أن «الكاتب خلال عملية الكتابة يعيش في ذوات شخصياته جميعها، سواء كانت خيّرة أو شريرة، رجلاً أو امرأة، قاتلاً أو ضحية».
وأضاف أن الروائي مُجبَر على تقمّص كل شخصية ليكتبها بصدق، حتى وإن كانت سلبية، مشيراً إلى أن بعض الكتّاب يقعون في مأزق حين تأسرهم شخصية روائية واحدة فلا يستطيعون الانفصال عنها لبناء شخصيات جديدة. ولفت إلى أن أصعب ما واجهه في تجربته هو بناء الشخصيات النسائية، فضلاً عن اختيار إحدى الشخصيات التي أثّرت في تكوينه الأدبي، بدلاً من أن يكون هو المؤثر فيها.
شخصيات مختلفة
من جانبها، تحدّثت كاتيا أبيكينا عن تجربتها في بناء الشخصيات، موضحة أن روايتها تتناول قصة شقيقتين في مرحلة المراهقة، وتُروى من وجهة نظر الفتاة الكبرى. وقالت: «أحب الكتابة عن أشخاص يختلفون عني تماماً، لأن الكتابة بالنسبة لي هي محاولة لفهم الآخر، وفهم الأسباب التي تدفعه إلى سلوكٍ ما، حتى وإن كان خاطئاً». وأضافت: «حين أكتب، أضع الكثير من العاطفة في النص، ليس بالضرورة لأنني أتفق مع الشخصية، بل لأنني أحاول أن أفهم دوافعها».
ذكاء عاطفي
أما رهف السبع، فأوضحت أن تقمّص الشخصية يمثّل نوعاً من «الذكاء العاطفي المتقدّم»، مشيرة إلى أن الكاتب الحقيقي يستطيع أن يمنح الإحساس لكل ما يكتب عنه، حتى الجمادات. وقالت: «نحن ككتّاب نتحدّث عن رصيفٍ يخاطب المارة، أو وردةٍ تتحدث إلى الناس، فالتقمّص هو الغوص في النفس البشرية دون أن نغرق فيها»، مضيفة أن بعض الكتّاب يلجأون إلى العلاج النفسي بعد انتهاء أعمالهم نتيجة صعوبة الخروج من الشخصيات التي عاشوها أثناء الكتابة، مؤكدة أن هذا الجانب يتجلّى بصورة أوضح في الرواية مقارنة بالأجناس الأدبية الأخرى.
وتحدّثت عن محاولتها الحفاظ على التوازن العاطفي أثناء الكتابة، قائلة: «أحاول ألا أُظهر تعاطفي أو انفعالي العاطفي مع الرواية لأنها خيالية، خصوصاً عندما أفهم شخصيات أخرى غير الشخصية الرئيسية، فكل شخصية تمثل مجموعة من التحديات التي تواجه بطل الرواية، ولها عمق تربوي وأسري واجتماعي، إضافة إلى ارتباطها بالمكان الذي نشأت فيه».
الانجذاب إلى العاطفة
بدورها، قالت سارة لابري: «أعتقد أن معظم الكتّاب ينجذبون إلى الجوانب العاطفية في حياتهم، ويجدون فيها ما يستحق الكتابة. ففي أحد كتبي تناولت صعوبات واجهتني في طفولتي، والعديد من المواقف التي تركت أثراً عميقاً في نفسي، وما زلت أشعر بأنها حاضرة إلى اليوم، وهذه من روائع مهنة الكتابة، أن نعيد اكتشاف ذواتنا من خلالها».
وأضافت: «يجب على الكاتب أن يتعمّق في عواطفه، وأن يعمل وفق ما تمليه عليه مشاعره ليستكشفها بصدق، رغم ما يرافق ذلك من صعوبة، فقد كنت أحتفظ بمذكرات مفصّلة منذ الصغر، أعود إليها دائماً لأستحضر تلك الأحاسيس وأعبّر عنها بوضوح في نصوصي».
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: معرض الشارقة الدولي للكتاب
إقرأ أيضاً:
حاصد البوكر باول لينتش: الكتابة بحث مستمر عن الحقيقة الإنسانية
الشارقة (الاتحاد)
استضاف معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الرابعة والأربعين، الكاتب الإيرلندي باول لينتش، الحائز على جائزة «البوكر» العالمية عن روايته الشهيرة «بروفيت سونغ»، في جلسة حوارية تناولت موضوعات الأدب والحرية والخوف، وسط حضور جماهيري من محبي الأدب العالمي والمهتمين بصناعة الكتاب.
في بداية الجلسة، عبّر لينتش عن رؤيته العميقة لمسار الكتابة قائلاً: «عندما تكون كاتباً في بداياتك ولم تقرأ في عوالم أخرى، فإنك تحلم بأن تفوز بجائزة مثل نوبل وتمنح جمهورك ما يستحقه من الاهتمام».
وأشار إلى أنه قبل فوزه بجائزة البوكر نشر أربع روايات، حققت مبيعات جيدة، لكنه لم يكن يتخيل أن يصل إلى الشهرة العالمية التي منحته إياها الجائزة، قائلاً: «الجائزة التقطتني بيد من السماء ووضعتني على القمة».
وأضاف أن الفوز بجائزة مرموقة مثل «البوكر» فتح أمامه آفاقاً جديدة، إذ تُرجمت روايته إلى نحو 49 لغة، ما حمّله مسؤولية كبيرة تجاه القراء حول العالم، لكنه في الوقت نفسه أكد أن العزلة تبقى شرطاً أساسياً للإبداع، قائلاً: «العزلة لا تعني الانسحاب من العالم، بل هي مساحة التأمل التي تنضج فيها الكتابة، إلا أن الشهرة أحياناً تسلب الكاتب هدوءه ومصدر إلهامه».
وأكد في حديثه عن الكتابة أن الأدب ليس مجرد تسلية أو عرض للأحداث، بل هو بحث مستمر عن الحقيقة الإنسانية والحرية والوجود، وأن كل قصة تحمل إمكانات جديدة لتفسير الحياة وفهم الغربة والتناقضات التي تصوغ التجربة البشرية، موضحاً أن القارئ يجب أن يشعر بالحقيقة العميقة وراء الرواية، وأن الكتابة ليست مجرد كلمات، بل فلسفة للحياة وتجربة روحية معقدة.
وتحدث لينتش عن تجربته مع رواية «بروفيت سونغ»، التي وصفها بأنها كانت مغامرة محفوفة بالمخاطر، قائلاً: «كنت أشعر أنني أضع مسيرتي الأدبية على المحك أثناء كتابتها، لكنها كانت ضرورة لا بد منها».
وأضاف: «كل كتاب أكتبه يفتح لي عوالم جديدة، مثل سلسلة من المعادلات التي تشرح الوجود الإنساني».
ويرى لينتش أن القصة هي مرآة للهوية الإنسانية، وأن الكاتب حين يواصل الكتابة لا يفقد ذاته بل يخلق رموزاً تمنح الحياة معنى أعمق، موضحاً أن «القصص البسيطة غالباً ما تحمل في داخلها أبعاداً وجودية عميقة، والكتابة الحقيقية هي رحلة إلى أعماق النفس، وليست مجرد حكاية تُروى».