حديث

بدأ أحد رجال الأعمال الأمريكان، وقد أصبح ممن يشار إليهم بالبنان في مجال العلاقات العامة بداية فاشلة جدًا. هو نفسه يحكي عن نفسه قال: كنت في السابعة عشرة من عمري حين كلفتني أمي بحضور إحدى الفعاليات الخيرية نيابة عنها. وقالت لي: لا تجلس صامتًا مثل الصنم بل تكلم. فسألتها ماذا أقول؟ قالت: اسأل السيدة التي عن يمينك، هل أنت متزوجة، وكم عدد أطفالك؟ ثم التفت إلى السيدة التي إلى يسارك وتحدث معها أيضًا.

قال: جلست بين سيدتين؛ فسألت التي إلى يميني هل أنت متزوجة؟ فقالت لا. فقلت لها كم عدد أطفالك.. قال: ثم سألت التي إلى يميني كم عندك من الأطفال، فقالت خمسة فسألتها: هل أنت متزوجة؟.
لكن الفتى بعد ذلك ثابر وواظب واجتهد، حتى أتقن فن الاتصال والعلاقات العامة. وأذكر أنني أجبت دعوة صديق على العشاء قبل عشرين سنة أو أكثر، وحضر معنا، أو قل حضرنا نحن مع الشيخ خالد الكتبي. فلله دره- رحمه الله- ما كان أحلى كلامه. ونادم أني عندما عدت إلى منزلي تلك الليلة لم أسجل في مفكرتي ما دار من حديث شهي ومفيد. فحسن الحديث موهبة، إضافة إلى الثقافة وإلى مراعاة ما يناسب الذين تتحدث معهم. وإذا كسبت صديقًا صافي الوداد وفوق ذلك حسن السوالف، فتلك نعمة ليس بعدها نعمة. وقد استمع الخليفة المأمون إلى شاعر أظنه أبا تمام يثني على أخلاق صديق. فقال له خذ الخلافة، وأعطني مثل هذا الصديق.
ليس المقصود الثرثرة ولا معسول الكلام الذي يعطيك من طرف اللسان حلاوة ويروغ منك كما يروغ الثعلب
فلا غنى مع حسن الحديث عن الصدق. وكان ممن يحسنون الحديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب. وقد كان في الجاهلية يصارع الفتيان في سوق عكاظ. ثم صار ممثلًا لقريش يفاوض عنها، ثم سمع القرآن فدخل في دين الله. ثم دارت الأيام فأصبح أمير المؤمنين. وجاءته في خلافته ابنة هرم بن سنان، فسألها ما الذي أعطيتم الشاعر زهير بن أبي سلمى حتى قال فيكم ما قاله. فقالت: قد نسينا ما أعطينا زهيرًا. فقال عمر: لكن الحلل التي كساها زهير أباكم لم يبلها الدهر.
ويروى عن عمر- رضي الله عنه- أنه كان ينشد:
وما بقيت من اللذات إلا
محاورة الرجال ذوي العقولِ
وقد كانوا إذا عُدّوا قليلًا
فقد صاروا أقل من القليلِ
ولكن خذ بالك فقد قال الشاعر:
تكلم وسّددْ ما استطعت فإنما
كلامك حي والســـكوت جمادُ
فإن لم تجد قولًا سديدًا تقوله
فصمتك عن بعض السداد سدادُ

المصدر: صحيفة البلاد