سياسة ترامب الاقتصادية الخارجية تغرق في الفوضى
تاريخ النشر: 13th, November 2025 GMT
عندما يتعلق الأمر بسياسة الولايات المتحدة الاقتصادية الخارجية، تواجه إدارة الرئيس دونالد ترامب مشكلتين. ووفقا لما أصبح نمطا معتادا لهذه الإدارة، فإن كلتا المشكلتين من صنعها.
في أمريكا الجنوبية، أصبح ترامب وشركاؤه معرضين بشدة لمحاولة مريبة لتثبيت البيزو الأرجنتيني، وهي المهمة التي خصصوا لها أكثر من 20 مليار دولار.
أوفى رئيس الأرجنتين خافيير ميلي بالوعد الذي قطعه على نفسه بالقضاء تماما على عجز ميزانية بلاده. ولكن لتعزيز انخفاض التضخم، لجأ ميلي إلى دعم سعر صرف البيزو مقابل الدولار، الأمر الذي ألحق الضرر بالصادرات وتسبب في تباطؤ النمو الاقتصادي، فأفضى هذا إلى ارتفاع معدلات البطالة بدرجة غير مريحة. السؤال الآن هو ما إذا كانت جماهير الناس المتململة لتستمر في دعم سياسات ميلي إلى ما لانهاية. يشير التاريخ إلى أنها لن تفعل ذلك، على الرغم من الانتخابات التشريعية التي جرت الشهر الماضي، والتي وفرت فترة راحة مؤقتة. مؤقتة هي الكلمة النافذة هنا: فقد ينقلب الرأي العام مرة أخرى. في إعادة صياغة تعبير منسوب لزميلي موريس أوبستفيلد من بيركلي، أقول إن الأرجنتين مقبرة لعمليات التثبيت غير الناجحة القائمة على سعر الصرف. فقد انهارت أكثر من مرة أشكال مختلفة من هذه السياسة في ركام من الاختلال الوظيفي السياسي. على هذه الخلفية، تخلق استراتيجية ميلي أيضا الشكوك حول ما إذا كانت الأرجنتين قادرة على السداد للخزانة الأمريكية. ذلك أن كبار الدائنين مثل صندوق النقد الدولي، الذي دخل إلى الأرجنتين في وقت أسبق، يجب أن يُدفَع لهم أولا من النقد الأجنبي المحدود في الأرجنتين. ومن المرجح أن تتسرب الأموال التي تضخها وزارة الخزانة الأمريكية إلى الأرجنتين في هيئة مدفوعات لصناديق التحوط التي اغترفت من سندات الأرجنتين بثمن بخس. وحتى لو سددت الأرجنتين على نحو أو آخر ديونها للخزانة الأمريكية لكن الحكومة تعثرت في انتخابات 2027، فسوف يبدو وزير الخزانة سكوت بيسنت، الذي جعل دعم ميلي سياسة أمريكية رسمية، كالأبله.
في حالة الصين، تصور ترامب أن لديه أفضلية في أي نزاع تجاري لأن الولايات المتحدة تشتري من الصين أكثر مما تشتريه الصين من الولايات المتحدة. ولأن الولايات المتحدة هي الجهة الأكثر تقدما في تصميم أشباه الموصلات المتطورة، فقد اعتقد ترامب أن حظر التصدير يمنحه قدرا من النفوذ أكبر من أي شيء قد تهدد به الصين.
الحقيقة بالطبع هي العكس تماما. فالصين قادرة ببساطة على تحويل صادراتها من البضائع والسلع الأساسية من الولايات المتحدة إلى أجزاء أخرى من العالم، تماما كما بدأت تفعل حتى قبل عودة ترامب إلى البيت الأبيض. الصين قادرة أيضا على استيراد أشباه الموصلات المتطورة من أطراف ثالثة أو استخدام نسخة محسنة من نموذج العام الماضي. وعندما تُـسـتَـفَز الصين بإضافة مزيد من الشركات الصينية إلى «قائمة الكيانات» في الولايات المتحدة، وهي قائمة سوداء تضم الشركات الممنوعة من الوصول إلى التكنولوجيا المتقدمة، تستطيع الصين أن تفرض حظرا على صادراتها من المعادن الأرضية النادرة، وهي مدخلات أساسية في تصنيع الإلكترونيات الاستهلاكية، والسيارات، وبشكل خاص المعدات العسكرية الأمريكية.
من هذا المنظور، لم يكن تراجع ترامب بعد اجتماعه الأخير مع شي مفاجئا. فقد قدم شي تعهدا فارغا بشراء كميات أكبر من فول الصويا الأمريكي، تماما كما فعل في الماضي. وقد علّق الحظر الذي فرضه على المعادن الأرضية النادرة، لكنه ترك سيف ديموقليس معلقا. ووافق ترامب من جانبه على تقليص تعريفاته الجمركية العقابية وتعليق رسوم الموانئ على السفن الصينية، وتأجيل التوسيع المخطط له لقائمة الكيانات التي استفزت الصين وجعلتها تهدد بفرض ضوابط على المعادن الأرضية النادرة في المقام الأول.
من الأهمية بمكان هنا أن نذكر أن هذه المفاوضات تحدد نمطا للمستقبل. في المرة القادمة عندما يهدد ترامب الصين بالرسوم الجمركية، أو فرض الرسوم على الموانئ أو ضوابط التصدير، سيهدد شي بفرض الضوابط على تصدير المعادن الأرضية النادرة، وسوف يَـجـبُـن ترامب. لن يدوم احتكار الصين للمعادن الأرضية النادرة إلى الأبد، لكنه سيصمد إلى ما بعد زوال إدارة ترامب.
في حالة الأرجنتين، حيث كان من الخطأ تقديم تعهد غير مشروط في المقام الأول، ينبغي لإدارة ترامب أن تطالب حكومة ميلي، كشرط لاستمرار الدعم الأمريكي، بالسماح لقيمة البيزو بالانخفاض، وإنهاء المبالغة في تقدير قيمته، وبعد ذلك يجب أن يُـسـمَح بتعويم العملة بقدر أكبر من الحرية. عندئذ سيتمكن المنتجون الأرجنتينيون من زيادة صادراتهم، وهذا كفيل بمساعدتهم على تثبيت استقرار النمو وتشغيل العمالة، وفي الوقت ذاته ضمان قدرة الحكومة على سداد ما اقترضته. من الـمُعتَـرَف به أن التضخم سينخفض بشكل أبطأ بعض الشيء مقارنة بما كان مبرمجا في السابق، لأن أسعار الواردات سترتفع بسرعة أكبر. بيد أن إبطاء التضخم سيكون أكثر استدامة من الناحية السياسية، لأنه سيتسبب في مستوى أقل من البطالة والاضطرابات الاجتماعية. وسوف تتضاءل احتمالات رفض عامة الناس للسياسة ــ وميلي ــ في عام 2027. لم يُظهر ميلي أي علامة تدل على أنه يرى النور، بل إنه عمد بدلا من ذلك إلى مضاعفة الجهود في تنفيذ استراتيجيته النقدية المحفوفة بالمخاطر. وبرغم أن بيسنت، الذي يعرف طريقه في التعامل مع أزمات العملة، قادر على إجبار ميلي على التراجع، فإنه لا يُظهر أي استعداد للقيام بذلك. أفضل السيناريوهات يتمثل في امتناع السلطات الأمريكية، بحكمتها، عن خلق هذا النوع من الفوضى الاقتصادية والمالية الدولية في المقام الأول. ولكن لا تحبسوا أنفاسكم انتظارا لذلك.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: المعادن الأرضیة النادرة الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
عاجل| الولايات المتحدة تقدم لمجلس الأمن مشروع قرار معدل يتعلق بمستقبل غزة
وزعت الولايات المتحدة، اليوم الاثنين، مشروع قرار معدلاً على أعضاء مجلس الأمن الدولي يتعلق بتنفيذ خطة إنهاء الحرب في قطاع غزة، متضمناً تفاصيل أكثر وضوحاً بشأن انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من القطاع، وفق ما نقلته مصادر دبلوماسية لقناة الجزيرة.
وأوضحت المصادر أن النص المعدل يحث جميع الأطراف على التطبيق الفوري والكامل للخطة التي وضعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ويرحب بإنشاء "مجلس السلام" بوصفه هيئة حكم انتقالية تتولى الإشراف على إدارة غزة حتى نهاية عام 2027.
ويمنح مشروع القرار المجلس الجديد صلاحيات تشكيل هيئات تنفيذية مؤقتة لتسيير السلطة المدنية في القطاع، كما يدعو الحكومات والمنظمات الدولية إلى تقديم الدعم المالي والبشري اللازم له، مع حث البنك الدولي والجهات المانحة على إنشاء صندوق خاص لإعادة إعمار غزة.
وعلى الصعيد الإنساني، يدعو مشروع القرار إلى استئناف شامل لتدفق المساعدات إلى القطاع بالتنسيق مع الأمم المتحدة، فيما يتضمن في جانبه الميداني بنداً لإنشاء "قوة دولية لتحقيق الاستقرار في غزة" تعمل تحت قيادة موحدة وبالتنسيق مع مصر والاحتلال الإسرائيلي، بهدف نزع السلاح وضمان حماية المدنيين.
وبحسب المصادر الدبلوماسية، ينص المشروع على انسحاب قوات الاحتلال من غزة على مراحل مرتبطة بمعايير نزع السلاح، مع الإبقاء على "وجود أمني مؤقت" في محيط القطاع إلى حين ما تصفه الوثيقة بـ"تحييد التهديدات".
وتأتي هذه الخطوة في وقت تؤكد فيه إدارة ترامب أنها تواصل العمل داخل مجلس الأمن لوضع الإطار الدولي لقوة الاستقرار المزمع إنشاؤها في غزة، مشيرة إلى أن الدول المرشحة للمشاركة فيها تنتظر تفويضاً رسمياً من المجلس.
وكان ترامب قد صرّح قبل أيام بأن وصول القوة الدولية إلى القطاع بات قريباً، مضيفاً أن تنفيذ خطة وقف إطلاق النار يسير "بشكل جيد حتى الآن".
يُذكر أن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة دخل حيز التنفيذ في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بموجب اتفاق شرم الشيخ الذي رعته قطر ومصر وتركيا، ضمن خطة من عشرين بنداً أعدتها الإدارة الأميركية. غير أن الاحتلال الإسرائيلي ما زال يشن هجمات متكررة على القطاع ويقيد دخول المساعدات الإنسانية، في انتهاك واضح لبنود الاتفاق.
© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)
انضممت لأسرة البوابة عام 2023 حيث أعمل كمحرر مختص بتغطية الشؤون المحلية والإقليمية والدولية.
الأحدثترنداشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن
اشترك الآن