نقادة.. حين تحوَّلت السحابة السوداء إلى فرصة خضراء
تاريخ النشر: 17th, November 2025 GMT
لم يكن أحد يتصور أن قرى مركز نقادة بمحافظة قنا، ستشهد هذا التحول العميق الذي أعاد تشكيل ملامح الحياة والهواء والأرض ووجوه الناس، فسنوات طويلة عاش الأهالي تحت وطأة ظاهرة حرق قش القصب، التي كانت تتحول إلى موسم للرعب يبدأ مع الحصاد وينتهي بسماء سوداء خانقة تُغلق الصدور وتحوِّل النهار إلى ما يشبه الليل.
كانت الأمهات تغلق النوافذ بإحكام، والأطفال يفرّون إلى داخل الغرف بحثاً عن هواء أقل قسوة، وكبار السن يختبئون من موجات الدخان التي لا ترحم أحداً، بينما يقف المزارع حائراً أمام واقع لا يملك حياله خياراً سوى الحرق.
مشروع وُلد من قلب الأزمة
وسط هذا المشهد المرهق، بزغ مشروع جمعية تنمية المجتمع بنقادة بدعم من برنامج المنح الصغيرة، ليقلب المفاهيم رأساً على عقب. لم تكن المبادرة مجرد محاولة بيئية لتهدئة أزمة موسمية، بل كانت إعلاناً عن بداية جديدة في التعامل مع مخلفات القصب، باعتبارها مادة خام ذات قيمة اقتصادية وليست عبئاً يحترق في الحقول.
قبل المشروع، كانت القرية تعيش قصة أزمة ممتدة، أكوام قش تملأ الأرض، هواء محمّل برائحة الحريق، ومستشفيات تستقبل كل موسم أعداداً متزايدة من مصابي الصدر والحساسية.
صوت الفلاحين قبل التغيير
يقول الحاج عبد الرحيم فرج، أحد كبار المزارعين:
«القش كان نقمة حقيقية. يتراكم في الأرض ويخنقها، ثم نحرقه فنخنق أنفسنا وأطفالنا. كنا نعيش كل موسم في معاناة لا تتوقف.»
صوت الرجل يحمل مزيجاً من الأسى على الماضي، وارتياحاً واضحاً لما باتت عليه القرية اليوم.
تغيير يبدأ من الأرض ويصل إلى الناس
مع انطلاق المشروع تغيّر المشهد تدريجياً، قبل أن يصبح واقعاً ثابتاً يلمسه كل من يدخل القرية. فقد بدأت الجمعية جمع وفرز وتدوير القش داخل وحدات جديدة يعمل بها شباب وفتيات من أبناء القرية، وجدوا للمرة الأولى فرصة عمل مستقرة داخل مجتمعهم.
وتقول منى أبو الحسن، وهي شابة تعمل في وحدة التدوير:
«قبل المشروع لم تكن هناك أي فرص عمل مناسبة، وكنا نفكر في السفر. اليوم أعمل عملاً محترماً وأشعر أن لي دوراً في تغيير قريتنا.»
هكذا تحوّل القش من مادة تُحرق إلى منتجات اقتصادية: أعلاف للمواشي تقلل التكلفة على المربين، سماد عضوي يحسّن جودة التربة، وفرشة للدواجن ترفع مستوى النظافة وتقلل الأمراض.
تغيير في السلوك قبل الإنتاج
توضح حسانية محسب، مدير المشروعات بالجمعية، أن الهدف كان تغيير مفهوم الفلاحين تجاه قش القصب:
«لم نُجبر أحداً. قدمنا بديلاً عملياً يثبت فائدته، ومع الوقت أدرك الفلاح أن الحرق لم يعد منطقياً.»
وبالفعل، أصبح المزارعون ينتظرون فرق الجمع بدلاً من إشعال النار في الحقول. حتى طلاب الجامعة من أبناء نقادة باتوا يرون أن ما يحدث تحوّل ثقافي قبل أن يكون بيئياً أو اقتصادياً.
هواء أنقى وصحة أفضل
أما أم محمد، التي عانت سنوات طويلة من اختناق أطفالها، فتقول: «لأول مرة منذ سنين أفتح النوافذ في موسم القصب دون خوف، الهواء أصبح أنقَى، والقرية التي كانت تغرق في الدخان الأسود أصبحت اليوم تتنفس هواءً هادئاً ونقياً.
وعي متزايد وتغيّر في العقل الجمعي
لم يقتصر المشروع على التدوير والإنتاج، بل امتد إلى حملات توعية واسعة داخل القرية وخارجها. وتدريجياً أصبحت مصطلحات مثل «المناخ» و«جودة الهواء» و«الاقتصاد الأخضر» جزءاً من حديث المزارعين اليومي، وبات الأهالي يرون بأعينهم العلف المنتج محلياً، والسماد الذي حسّن المحاصيل، والعمل الذي أتاح فرصة للشباب.
أهمية استراتيجية ونموذج قابل للتعميم
وتكتسب التجربة بعداً أكبر عندما ندرك أن محافظة قنا من أكبر محافظات مصر إنتاجاً للقصب، وأن منظومة التعامل مع مخلفاته تحتاج إلى حلول مستدامة. وهو ما يجعل مشروع نقادة نموذجاً قابلاً للتوسع في باقي المراكز والمحافظات.
حين تتحول الأزمة إلى فرصة
قصة تدوير قش القصب في نقادة ليست مجرد مبادرة، بل قصة مجتمع قرر أن يغيّر نفسه، تحوّلت الأزمة إلى فرصة، والعبء إلى مورد، والدخان إلى حياة، والقرية إلى نموذج يحتذى به في الاقتصاد الأخضر والتنمية المحلية.
من نقادة تنطلق رسالة تقول: إن التغيير يبدأ بفكرة صائبة، وإرادة جادة، وأيدٍ تعمل من أجل مستقبل يستحق الحياة.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: قنا البيئة مشروعات تنموية فرص عمل الاقتصاد الأخضر حماية البيئة إعادة التدوير قصب السكر تلوث الهواء تمكين الشباب نقادة صحة الأطفال الزراعة المستدامة السحابة السوداء التنمية الريفية برنامج المنح الصغيرة مخلفات زراعية وعي بيئي سماد عضوي
إقرأ أيضاً:
أحمد موسى: الرئيس السيسي يبني مصر الجديدة.. والفسطاط بها مساحات خضراء وأماكن ترفيهية
أكد الإعلامي أحمد موسى، أنه تم تطوير منطقة الفسطاط بالكامل وأصبح بها مساحات خضراء ومراكز تجارية وأماكن ترفيهية ومطاعم ومسرح.
وقال الإعلامي أحمد موسى في برنامجه " على مسئوليتي " المذاع على قناة " صدى البلد"، :" منطقة الفسطاط أصبح بها فنادق وحركة سياحة متكاملة وأصبح بها مسرح روماني ".
وتابع الإعلامي أحمد موسى :" الرئيس السيسي يبني مصر بجد وبيبني مصر الجديدة بمعنى الكلمة ".
أكمل الإعلامي أحمد موسى :" كنت في مرسى مطروح اليوم ورأيت حجم الإنجازات من الطائرة ورأينا حجم التغيير الهائل الذي حدث في مصر ".
لفت الإعلامي أحمد موسى ، :" إحنا اتفرجنا من الطائرة على حجم الإنجازات التي تم تنفيذها في مصر ".