العقال الحساوي.. حرفة تمتد جذورها إلى آلاف السنين
تاريخ النشر: 18th, November 2025 GMT
في أروقة الحرف التقليدية، يلفت الحرفي صالح السلطان أنظار الزوار بحرفته الدقيقة في صناعة العقال اليدوي الحساوي، تلك الحرفة التي تحكي تاريخًا يمتد لآلاف السنين، يقف السلطان بين أدواته وخيوطه المتقنة ليقدّم للزائرين رواية تراثٍ عميق، يعود إلى ما بين 2000 و4000 سنة قبل الميلاد، حين عُثر على تماثيل قديمة تظهر فيها ملامح العقال بوضوح.
ويستعرض السلطان مراحل تطور العقال عبر العصور، ابتداءً من عقال السحاب الذي ارتبط اسمه بوظيفته الأولى في عقل أرجل الحلال “النياق والجمال” قبل أن يتحول إلى الشكل المعروف اليوم بعقال القحاطة، المميز بمرونته وقابليته للتوسع والانكماش، وهو ابتكار يعكس مهارة الصانعين الأوائل.
اقرأ أيضاًتقاريرالمشاتل الزراعية بجازان.. رحلة سياحية بين الطبيعة الساحرة والمعرفة الزراعية
ومع الزمن تطور شكل العقال ليظهر العقال المُقصّب، الذي احتل مكانة بارزة، وصولًا إلى العقال الأسود الذي أصبح رمزًا للزي السعودي المعاصر, وحرفة العقال تتوارثها الأجيال، وتظلّ جزءًا أصيلًا من الهوية التي تفخر بها الأحساء ويمتد وهجها في ذاكرة الثقافة السعودية.
المصدر: صحيفة الجزيرة
كلمات دلالية: كورونا بريطانيا أمريكا حوادث السعودية
إقرأ أيضاً:
من الإمام إلى السلطان
أشرق أزهى عصور التاريخ العماني عبر سفر ممتد للدولة البوسعيدية منذ تولي الإمام أحمد بن سعيد مقاليد الأمور على هذه الأرض المباركة في 1744 م حتى اليوم يأخذنا مسار التاريخ لعهد السلطان هيثم بن طارق آل سعيد الذي يكمل عصر التحول الكبير الذي بدأه السلطان الراحل المغفور له قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه-.
بين فترة التأسيس وهذا اليوم مرت البلاد فيها عبر كل هذه العقود من السنوات بتحديات عظام، وعمل شاق ومضنٍ تكلل بتحقيق إنجازات أعظم بقيت خالدة إلى اليوم نرتكز عليها لمواجهة المستقبل محتفين بجهد الأئمة والسلاطين الذين قادوا هذه البلاد عبر استحضارهم في مناسبة 20 نوفمبر من كل عام تقديرا لدورهم البنّاء الذي حافظ على عُمان.
فقد جاءت هذه المرحلة من حكم سلطنة عمان في وقت ينفتح فيه الغرب على الشرق وتعاظم المخاطر التي كانت تحملها؛ حيث توجه الأنظار الاستعمارية لدول وكيانات الشرق الذي بات خطرا جسيما، لكن هذه الدولة التي ورثت هذا المجد عن دولة قبلها استطاعت أن تدحض خطر الفرس عن عمان بعد أن بايع أهل عمان هذا الإمام المقدام وصاحب الحكمة الذي وحّدها تحت رايته.
وعلت مع هذا التفوق رايات عمان في أعالي البحار، وامتدت خلال عهده وما يليه من أئمة وسلاطين كبار إلى الشمال والغرب والجنوب من الإقليم، وذلك بالإقدام عبر أسطول عمان البحري الذي صارع الأهوال والمعتدين من بعض القوى الأوروبية، وصدهم عن تحقيق أطماعهم .
شكّلت الدولة البوسعيدية التي تمتد إلى 281 عاما حتى هذا العام مرحلة من مراحل التوسع والحفاظ على المكتسبات، وصيانة هذا الركن من الأرض في الجنوب الشرقي من الجزيرة العربية، وأقامت سلطنة أخرى في شرق إفريقيا عام 1856 امتدت لأكثر من مائة سنة، ومثلت أحد جوانب النهضة الحديثة في تلك البقعة، وإن كانت قد تلاشت بعد 108 سنوات في 1964م لتبقى آثارها الممتدة. وبهمم قادة البلاد استمرت عمان في دورها الريادي، وبقيت رغم التحديات والظروف وطنا موحدا رغم ما حدث في القرن العشرين من بعض التضاد بين أبناء الوطن الذين وُحّدوا بعدها تحت راية واحدة في 1970 م.
ولعل حكم السلطان سعيد بن سلطان بين 1806 إلى 1856 يعد من الفترات الطويلة امتدت لـ50 عاما؛ حيث توسعت وازدهرت عمان في عصره، وبلغت قدرتها بأن تصبح إمبراطورية بحرية ذات نفوذ فاعل في الإقليم والعالم.
وقد تركت الدولة البوسعيدية على مدى مئات السنين بصمة تاريخية واضحة؛ فقد تواصلت مع العالم من خلال سفرائها أبرزها رحلة السفينة سلطانة إلى نيويورك عام (1840 م)، والوصول إلى ميناء كانتون بالصين، وإحياء المسار التاريخي للسفن العمانية الذي كان بين (618- 906 م) ليعود الازدهار التجاري بين سلطنة عمان والموانئ التي وصلت لها في آسيا وأفريقيا والهند.
اليوم يواصل حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله- ملحمة أخرى في تاريخ هذه الدولة، وهي ملحمة التحديث والتطوير، وتعظيم الاقتصاد الذي يمثل ركيزة مهمة وحيوية لتوفير كل ما يلزم لأبناء عمان من الخدمات، وبناء الدولة على أسس حديثة تتواكب مع المتطلبات والمستجدات العالمية من خلال تطوير النظم والتشريعات والإجراءات، ورفع مؤشرات سلطنة عمان دوليا، وتثبيت تلك العلاقات التاريخية مع دول العالم الكبيرة منها وصغيرة.
ولأن ذلك يتطلب جهدا وعملا ورؤية ونظرة نحو مستقبل متسارع؛ فإن النهضة المتجددة لا تكتمل إلا بفاعلية أبنائها. فالتاريخ السالف لم يكن وليد صدفة إمام أو سلطان فقط، بل رعية وثقت في قدراته، واستطاعت أن تسطر تاريخا يقدّره العالم اليوم ويضع له اعتبارا في مرحلة من مراحل التاريخ الصعبة التي تعصف بالمنطقة تحتاج إلى الحكمة والاتزان، وتجنيب عمان المخاطر الكبيرة.
مرحلة من الدهر تستوجب علينا جميعا أن نكون صفا واحدا لا يستجيب لنداءات الفرقة، بل لتعزيز الوحدة الوطنية ولمّ الشمل، والعمل على البناء والتطوير والتحديث؛ لأنها مرحلة تفرض معطياتها لبناء أجيال قادمة عليها، كما يتحقق لنا الآن في هذا العصر الذي نفخر فيه بتلك المراحل التي بنت عمان ووسّعت قدراتها منذ 281 عاما.