ناموا آمنين مطمئنين، لا يعكر صفوهم شيء، ولا يقطع هدوء نومهم سوى ضجيج الهزات الأرضية المتتالية، التي وقعت في حوالي الحادية عشرة من مساء أمس الجمعة، ليهرول الجميع هرباً إلى الشوارع، ظناً منهم أنها آمنة وبمنأى عن الزلزال المدمر، الذي ضرب المملكة المغربية، باتوا ليلتهم ما بين صراخ الأمهات ومحاولة الآباء إنقاذ أسرهم، على وقع زلزال هو الأعنف منذ 60 عاماً، أسفر عن أكثر من 1000 قتيل، ومئات المصابين.

«الصحراوي» ينقل أسرته ويعود للبحث عن ابنه

لم ينجُ صغير ولا كبير من زلزال المغرب المدمر، الذي أوقع عشرات الضحايا، بينهم أسرة «مؤيد الصحراوي»، من منطقة «أداسيل»، بإقليم «شيشاوة»، في مراكش، حيث خلد الرجل السبعيني إلى النوم ليستيقظ على زلزال شديد يهز أرجاء منزله، وعلى الفور أسرع محاولاً إنقاذ أسرته، لكنه لم يستطع الخروج بهم جميعاً.

وقال لـ«الوطن»: «كنت نائماً وفجأة لقيت الدار بتتهز جامد والحيطان بتتهد علينا، حاولت أنقذ زوجتي وأبنائي وأحفادي، لكنني لم أستطع إنقاذهم جميعاً، خرجت حاملاً حفيدتي بين ذراعي، وزوجتي بين الآخر، وهرول ولدي وابنه وزوجته إلى الشارع، لكننا لم نستطع إنقاذ ابني الآخر، الذي يقطن في الطابق الأعلى».

صراخ وعويل، كان المشهد الأبرز في الليلة الصعبة التي قضاها سكان مدينة مراكش، مفترشين الشوارع والطرقات البعيدة عن المباني، خوفاً من سقوطها عليهم كما حدث بمنازلهم، وفق «الصحراوي»، لكنه قضى ليلته بحثاً عن ابنه الذي لا زال مفقوداً بين حطام وركام منزله المتهدم.

وقال: «داري تهدمت وأنقذت أسرتي إلا ابني عبدالرحمن، بت ليلتي أبحث عنه مع فرق الإنقاذ، التي وصلت بعد الزلزال، وبعد هروب الناس إلى الشوارع والطرقات البعيدة، وجدت مأوى لأسرتي بأحد الطرق، وعدت للبحث عن ابني، الذي لا زال مفقوداً، لا أعرف له طريقاً، ولا أعرف إذا كان حياً أو ميتاً».

عشرات الضحايا تحت حطام المنازل المهدمة

ركام يغطي أزفة شوارع ومنازل مراكش، وبخاصة منطقة «أداسيل»، التي يعيش فيها «الصحراوي» مع أسرته، فالحي الذي كان هادئا قبل ساعات، يتسابق الجميع لخدمة بعضهم البعض، أصبح عبارة عن حطام منازل متهدمة، تحوي أسفلها ضحايا لم يتم انتشالهم بعد، لكن وقع الصدمة لم يؤثر على الرجل السبعيني الذي لا زال يبحث عن ابنه وسط ركام منزله.

وتابع في هذا الصدد: «الموضوع كان أكثر من انفجار قنبلة، شعرنا بلحظات خوف ممزوجة برائحة الموت، لازلت أبحث عن ابني في كل الطرقات وأسفل ركام منزلنا الذي تهدم، وزوجتي فاقدة الوعي تنتابها نوبات من الهلع، ولا صوت يعلو فوق صراخها».

«حفيظة»: فقدت زوجي في لحظة ولم أجد له أثراً

لم تكن أسرة «الصحراوي» وحدها هي التي فقدت أفراد من أسرتها، بل باتت «حفيظة الغبار»، البالغة من العمر 63 عاماً، ليلتها بين دموع لم تنقطع وصراخ ودعوات تعانق السماء، بعدما فقدت زوجها في حي الملاح بمراكش، لاتزال تبحث عنه تارة، وتعود للاطمئنان على ابنتيها تارة أخرى.

وقالت: «ما بعرف إيه اللي حصل، فجأة وأنا وزوجي وبناتي قاعدين، بدأت أجزاء من دارنا تقع علينا، وسمعنا صرخات الناس فحسينا بالخطر الكبير، هربنا مسرعين إلى تحت السرير ومنه إلى الشارع، لكننا أثناء جرينا، فقدت زوجي، ولا أعرف عنه شيئا».

أكثر من 30 عاماً عاشتها «حفيظة» مع زوجها وابن عمها «دراج الغبار»، لم يعكر صفو حياتهما سوى تلك اللحظات المرعبة التي عاشتها السيدة المكلومة، فالثنائي تعاهدا على أن يسيرا الطريق معاً لنهايته، إلا أن زلزال المغرب المدمر، يبدو أن له رأي آخر، فرق الزوجين اللذين كان جيرانهما يتناقلان قصة حبهما.

وتابعت بقولها: «رفيق حياتي وزوجي وابن عمي لا أعرف عنه شيئاً، كنا متشابكين الإيدي إلا أنني فجأة فقدته ولا أعرف له طريقاً، لا أعرف إذا كان حياً أم في تعداد المفقودين، أبحث عنه في المستشفيات والطرقات، بناتي لا يمتنعن عن الصراخ والدموع، كل آمالنا العثور على رفيق دربي وأبو ولادي».

«شيرين أحضي»، البالغة من العمر 45 عاماً، لم تستوعب حتى الآن ما حل ببلدها الذي كان آمنا قبل ساعات، فالسيدة التي تقطن في إقليم «شيشاوة»، لا زالت تحمل أطفالها بين ذراعيها، تتنقل بهم من طريق لآخر، باحثة عن شقيقها الذي كان في زيارة لها، لكن القدر أراد أن يضل طريقه بدلاً من العودة لأسرته.

وقالت: «كنا قاعدين وكنت لسة بودع أخوي الحسين، بعد زيارته لي، وفجأة كل شيء من حولنا يهتز بشدة، وصرخات النساء كانت مدوية، فخرجت وأطفالي الثلاثة إلى الأسفل، وحاول شقيقي اللحاق بنا، لكننا ضللنا الطريق وفقدنا بعضنا، لا أعرف أين هو حتى الآن، الصدمة والرعب في كل مكان، لا أعرف إذا كنا راح نلتقي مرة أخرى أم لا، أتمنى أن تنتهي كل هذه المآسي وأن نجتمع مرة أخرى».

وفقًا للمعهد الوطني للجيوفيزياء، تم تسجيل زلزال المغرب بقوة 7 درجات على مقياس ريختر في إقليم الحوز وسط البلاد، وأسفر زلزال المغرب فى مقتل 1037 شخصاً، وإصابة 1204 جرحى، بينهما 721 فى حالة خطرة، وتواصل فرق الإنقاذ جهود البحث عن مئات المفقودين، وسط توقعات بارتفاع عدد الضحايا.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: زلزال المغرب المغرب مراكش الزلازل زلزال المغرب لا أعرف

إقرأ أيضاً:

دعوة إلى استعادة نعمة الملل في زمن الضجيج

في عالمٍ يركض بنا ركضاً محموماً، حيث تلاحقنا المواعيد وتتنافس على أسماعنا أصوات الأجهزة والشاشات، يبدو الملل لكثيرين عيباً ينبغي محوه، ونقيصة لا تُحتمل. لكن، كم منّا جرّب أن ينسحب من هذا الصخب، ولو لساعةٍ واحدة، ليعيد إلى ذهنه صفاءه، ويغسل روحه من غبار الأيام؟ كم من إنسان تجرأ على أن يمنح نفسه استراحة حقيقية، يتخلّى فيها عن كل ما يقيّده من إشعارات ورسائل وأعمال، فيتذوق طعم السكون العميق الذي طالما خشيناه؟ إننا، في واقع الأمر، أحوج ما نكون إلى تلك اللحظات التي يصفها الناس بالملل، لا لأنها فراغٌ عقيم، بل لأنها دواء خفيّ ينقّي العقل ويجدّد الروح.
وقد وجدتُ هذا المعنى جلياً في مقالٍ قرأته على موقع “فوربس”، يقرر فيه علماء الأعصاب أنّ الملل ليس عارضاً تافهاً، بل ضرورةٌ لصحة الدماغ وسلامته. فالدماغ الذي لا يتوقف عن العمل لحظةً، يحتاج إلى فسحات من السكون؛ كي يطرح فضلاته الكيميائية ويعيد ترتيب مساراته، تماماً كما تحتاج المدينة إلى عمال النظافة كل فجر لتستعيد عافيتها. النوم يحقق بعض هذا الترميم، غير أنّ الملل الواعي يمنح الذهن فرصةً أوسع لأن يسبح في فضاءٍ بلا قيود، فيلتقط ومضات الإبداع ويستحضر صفاء الرؤية.
ويؤكد هذا الطرح ما ذهب إليه أستاذ هارفارد آرثر سي. بروكس في مقاله الشهير بمجلة”هارفارد بزنس ريفيو”؛ إذ يرى أنّ الملل الذي نحسبه خصماً لحياتنا، إنما هو رفيقٌ ضروري لمعناها. فاللحظات التي نتوقف فيها عن الانشغال تفعّل في أدمغتنا ما يعرف بـ”شبكة الوضع الافتراضي”، وهي مساحةٌ عصبية توقظ فينا أسئلة الوجود الكبرى: ما الغاية؟ إلى أين نسير؟ وما مغزى هذا السباق اليومي؟ ونحن إذ نغرق في شاشات هواتفنا كلما شعرنا بأدنى فراغ، إنما نغلق الأبواب أمام هذه التساؤلات العميقة، فنحرم أرواحنا من زادها، ونترك القلق والاكتئاب يتسربان إلى حياتنا دون أن نشعر.
ولعلّ أعظم ما يقترحه بروكس أن نتدرّب على”تمارين الملل”: أن نذهب إلى الصالة الرياضية بلا هاتف، أن نأكل بلا شاشات، أن نقطع مسافة الطريق من دون موسيقى أو بودكاست، وأن نسمح لعقولنا أن تحلّق حرةً في سماء الصمت. قد نظنّ هذه الدقائق هدراً للوقت، لكنها في حقيقتها نبعٌ صافٍ يفيض بأفكار مبتكرة ولحظات إلهام، مثلما تحدّث كثير من المبدعين عن ومضاتٍ جاءت في حمام دافئ أو نزهةٍ متأنية أو حتى أثناء ترتيب أثاث المنزل. إنّها لحظات “الإشراق” التي تتفتح فيها أعمق الرؤى من رحم السكون.
وليس هذا دعوةً إلى كسلٍ أو بطالة، بل إلى ما يسميه الإيطاليون “حلاوة عدم فعل شيء”، وهو فنّ التوقف المقصود الذي يشبه سكتات الموسيقى بين النغمات. فكما لا يكتمل جمال اللحن بلا صمت، لا يكتمل اتزان الروح بلا فسحات من فراغ نتأمل فيها ذواتنا. ويمكننا إلى جانب قوائم الأعمال اليومية أن نصنع “قائمة كينونة” ندرج فيها لحظات للحضور الخالص، لحظات نعيشها لا لنعمل بل لنكون.
وما أبعد هذا المعنى عن ثقافتنا العربية والإسلامية؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:”نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ”. إنّه الفراغ الإيجابي الذي يُعيد إلينا وعينا بنعمة الوقت، ويعلّمنا أن الفراغ بابٌ للتفكر لا ثغرة للكسل.

مقالات مشابهة

  • أستاذ طب نفسي يحذر من كارثة: جريمة الإسماعيلية مؤشر على فقدان الطفولة لسماتها
  • لحظات لا تُنسى في المغرب.. فرحة عارمة متواصلة بعد تتويج أشبال الأطلس بكأس العالم للشباب
  • كلمات مؤثرة من مينا ماهر بعد إنجاز المغرب في مونديال الشباب
  • محمد بن حم يزور معرض “العين في عيون أبنائها” بمكتبة زايد المركزية
  • زبيري.. القناص الذي قاد المغرب إلى المجد العالمي
  • دعوة إلى استعادة نعمة الملل في زمن الضجيج
  • أشرف حكيمي يوجه رسالة مؤثرة إلى "أشبال الأطلس" قبل نهائي مونديال الشباب
  • أحمد موسى: حماس فقدت الاتصال بعناصرها الموجودة في رفح الفلسطينية منذ سيطرة الاحتلال
  • شكرًا لإعادتها في تابوت.. عائلات الرهائن القتلى تنتقد نتنياهو بعد تسلّم رفات أبنائها من غزة
  • "أسلحة".. الفيلم الذي فاجأ الجميع وأصبح المفضل لعام 2025