استمعت مؤخرا لشريط مسجل بالصوت والصورة للشيخ السلفي وجدي غنيم دون التأكد من تاريخه، خصصه للهجوم بعنف على قادة حماس، ويعلن على الملأ أنه يتبرأ منهم ويصفهم بـ"المجرمين" و"الخونة" و"التجارة بفلسطين". واعتبر أن "أهل السنة والجماعة" التي ينتمي إليها لا تقر بما أقدمت عليه حماس عندما ركن قادتها إلى البعثيين في سوريا والشيعة في إيران، وهذه بالنسبة إليه تعتبر "سياسة نجاسة" لا علاقة للإسلام بها.
ليست المرة الأولى التي يتصرف هذا الداعية بهذا الأسلوب المتعالي، إذ سبق له أن رفض الترحّم على حسن الترابي عندما وافته المنية ونعته بـ"الضال المضل"، وهاجم نائب المرشد العام للإخوان المسلمين إبراهيم منير لمجرد نعيه للترابي. وبدل أن يراعي مصيبة الموت، وأن الفقيد يبقى في النهاية من بين رموز الحركة الإسلامية التي ينتمي إليها غنيم نفسه، استعرض في الوقت الذي يواري فيه الرجل التراب ما اعتبره كفريات المرحوم، وهي حزمة الاجتهادات التي توصل الرجل إليها أثناء تأملاته ومراجعاته، مثل حرية المسلم في التخلي عن الإسلام (إباحة الردة)، وطعنه في تفسير الرسول للقرآن، ودعوته إلى تجديد التراث، وتحاكمه مع من وصفهم وجدي غنيم بالكفار في الديمقراطية العلمانية، وكذلك إلغاء الحدود.
هناك من يعتبر نفسه وصيا على المسلمين، يمسك برقابهم، ويريد باسم الإسلام أن يفرض نفسه عليهم بحجة أنه أعلم منهم بالحقيقية الإلهية، وأنه الأولى بتوجيههم نحو ما يعتبرونه طريق الصواب والمنهج الإلهي، ولا يترددون لحظة في تكفير من يخالفونهم الرأي وتقدير المصلحة
عندما زار تونس، أحدث أزمة في البلاد، وألّب شباب النهضة ضد قيادتها، وعندما حاول عبد الفتاح مورو أن يهدئ من روعه ويتحدث معه على انفراد، سمح هذا الأخير بتسجيل الجلسة الثنائية، وبثها على الإنترنت مما عرّض مورو إلى حملة واسعة من قبل النخب التونسية بسبب بعض ما دار في ذلك اللقاء. ولم يكتف بذلك بل انقلب على مورو، وهاجمه، فردّ عليه هذا الأخير بشدة حتى قال فيه: "ذكر اسمه موجب لإعادة الوضوء"، وأقر مورو بكونه أخطأ عندما التقى بهذا الشخص، واعتذر للتونسيين عما بدر منه خلال تلك الجلسة التي بقي يحمل وزرها حتى الآن. وبالتالي كانت دعوته ودعوة غيره من شيوخ السلفية إلى تونس من بين الأخطاء الكبيرة والفظيعة التي دفع الإسلاميون بسببها ثمنا ثقيلا على الصعيدين الديني والسياسي.
لم أكتب هذا المقال دفاعا عن حماس وعن خطها السياسي، فالحركة لها قيادتها وكوادرها التي تتولى ذلك، لكن ما يجب الإقرار به أن ظروف الحركة كما هو الشأن بالنسبة لحركة الجهاد، صعبة ومعقدة داخل غزة وخارجها، ومن لم يدرك ذلك فهو جاهل بالسياسة، ولا يحق له الخوض في مثل هذه المسائل، وأن يحشر أنفه فيها.
هناك من يعتبر نفسه وصيا على المسلمين، يمسك برقابهم، ويريد باسم الإسلام أن يفرض نفسه عليهم بحجة أنه أعلم منهم بالحقيقية الإلهية، وأنه الأولى بتوجيههم نحو ما يعتبرونه طريق الصواب والمنهج الإلهي، ولا يترددون لحظة في تكفير من يخالفونهم الرأي وتقدير المصلحة.
هل نسي وجدي غنيم الوفد الذي تشكل من مختلف الحركات الإسلامية بقيادة المرشد العام للإخوان المسلمين، وتوجه إلى طهران لمقابلة الخميني بعد الإطاحة بالشاه؟ ظن الكثيرون بأن تلك الزيارة من شأنها أن تضع حدا لعداوة مستفحلة أضرت بالإسلام والمسلمين منذ مقتل علي وابنه الحسين، لكن طغيان الحسابات الآنية وأخطاء فادحة ارتكبها الطرفان أعاد مشاعر الحذر والشك وحتى الكراهية بين السنة والشيعة على حساب الانتماء إلى نفس المحيط الثقافي والجيوسياسي، وذلك بعد أن أصبحت إيران قوة إقليمية وازنة ذات مصالح حيوية يتسع حجمها يوما بعد يوم.
في هذه الأجواء المشحونة، وأمام الاختيارات المحدودة أمام الفصائل الفلسطينية وغيرها، وأمام الانخرام الكامل لموازين القوى إقليميا ودوليا، يطالبها البعض بأن تتجاهل كل ذلك، وأن تقاطع الجميع بحجة أن تكون وفيّة للمرجعية الدينية كما يفهمها ويحددها التيار السلفي
في هذه الأجواء المشحونة، وأمام الاختيارات المحدودة أمام الفصائل الفلسطينية وغيرها، وأمام الانخرام الكامل لموازين القوى إقليميا ودوليا، يطالبها البعض بأن تتجاهل كل ذلك، وأن تقاطع الجميع بحجة أن تكون وفيّة للمرجعية الدينية كما يفهمها ويحددها التيار السلفي.
هذا لا يعني أن ما اختارته حماس وغيرها سيفضي إلى نتائج حاسمة على الأرض، لأن للأنظمة مصالح تفرضها على حركات المقاومة، وأن هذه الأنظمة لها خطوط حمراء تعتقد بأنه "لا يجوز الاقتراب منها" لاعتبارات استراتيجيتها. وكما تستفيد هذه الأنظمة من الورقة الفلسطينية، ومن دعمها المحدود للفصائل المسلحة، حتى يكون لها موطئ قدم في قلب الشرق الأوسط، فيحسب لها حساب في رسم خرائط المرحلة القادمة، فإنه في المقابل، تحاول تلك الفصائل أن تضمن لنفسها اعترافا إقليميا، وأن تتمكن من الصمود أطول فترة ممكنة؛ لعل الأوضاع تتعدل فيحسن ذلك قليلا أو كثيرا من قدراتها. نعم المعركة سياسية، تقاد بطرق سياسية، وتحكمها اعتبارات سياسية، وتقتضي منطقا سياسيا وعقلانية هادئة، بعيدا عن الغوغائية والعنف اللغوي والعقائدي. في كلمة واحدة، الوضع يعكس حقيقة المرحلة بعد أن انهار كل شيء أو يكاد في كامل المنطقة، إنها معركة وجود بكل ما تعنيه الكلمة من دلالات، فكفانا مزايدة باسم الدين.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه حماس السلفية حماس الإسلاميين السلفية التكفير سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة رياضة اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
ذي هيل: تجنب ترامب زيارة إسرائيل إشارة إلى أن نتنياهو لم يعد حليفا
نشر موقع "ذي هيل" مقالا للباحث جون ماك غليون قال فيه إن "رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لم يعد حليفا لأمريكا، وقد اكتشف الرئيس دونالد ترامب هذا أخيرا".
وبدأ مقالته بالقول إن انتقاد نتنياهو، الرجل والسياسي والمتآمر ليس معاداة للسامية ولكن واقعية وقد طال انتظارها، ورغم ذلك يرى الكاتب أن "معاداة السامية حقيقة قبيحة ومستمرة ويجب إدانتها في كل مناسبة".
وتابع: "عليه، فعندما تجاوز دونالد ترامب إسرائيل في جولته الأخيرة في الشرق الأوسط، واختار بدلا من ذلك مصافحة يد الرياض والدوحة متجاهلا تل أبيب تماما، فلم يكن هذا كراهية ولا خيانة. بل كانت ابتعادا وبراغماتية. وكان هذا تذكير بأن الولايات المتحدة هي القوة العظمى وليست دولة تابعة ولا مانحة، ولا خادمة. ولا تحتاج إلى التوقف في تل أبيب لإثبات هذه النقطة".
وقال إن "هذا الابتعاد يؤشر إلى شيء كانت الطبقة السياسية في أمريكا تخشى النطق به وهو: بنيامين نتنياهو ليس صديقا للولايات المتحدة، فقد يسمي نفسه حليفا وقد يلقي خطابا أمام الكونغرس وربما تحدث عن القيم المشتركة وعن الحضارة الغربية، لكن إن جردنا الصورة من مضمونها، فلن نجد سوى رجل حريص على التمسك بالسلطة، مستعد لتعريض الاستقرار العالمي للخطر وتأجيج نيران الحرب وقطع العلاقات مع الدولة التي يدعي تبجيلها، إن كان هذا يعني إبعاد نفسه عن زنزانة السجن".
وأضاف أن "ترامب يحسب له إدراكه لهذا أخيرا. وعلى عكس الرؤساء السابقين الذين كانوا يتحدثون بهدوء بينما كانوا يحررون شيكات مفتوحة لإسرائيل، يتحدث ترامب بنفوذ لأنه يفهم ما لا يرغب الكثيرون في قوله بصوت عال: أمريكا هي من تتحكم بزمام الأمور".
ويعلق الكاتب أن المدافعين عن إسرائيل أصيبوا بنوع من الانهيار، ومن بينهم بن شابيرو [معلق محافظ وكاتب عمود في أكثر من وسيلة إعلامية أمريكية]، حيث اتهم ترامب بخيانة إسرائيل والشعب اليهودي وما يسمى بالنظام الأخلاقي.
ويؤكد الكاتب أن "من قام بالخيانة هنا، لم يكن ترامب بل نتنياهو، وهو يفعل هذا منذ سنوات"، مضيفا أنه "يجب ألا ننسى أن نتنياهو قوض عندما ناسبه الأمر، السياسة الخارجية الأمريكية وأكثر من مرة. وعارض علانيةً اتفاق إدارة أوباما مع إيران، حتى أنه شن حملةً ضده على الأراضي الأمريكية بمخاطبة الكونغرس دون موافقة البيت الأبيض. وتخيلوا الغضب لو فعل زعيم دولة أخرى الشيء نفسه".
وأردف قائلا: "حكومة نتنياهو باعت التكنولوجيا العسكرية والسيبرانية للصين من وراء ظهر أمريكا"، مشيرا إلى أن نتنياهو "استهزأ بكل رئيس أمريكي ولم يفعل ما يريده بالضبط، بينما كان يجني مليارات الدولارات من المساعدات الأمريكية دون مساءلة أو محاسبة".
وذكر أن "بقاء نتنياهو السياسي بات على المحك، لذلك يقوم بلعبة خطيرة للغاية، ويطيل أمد الحرب الوحشية في غزة، ليس بدافع المبدأ أو الضرورة لكن بدافع اليأس السياسي، فكل قنبلة ترمى وكل مستشفى يقصف وكل مدني يقتل (..)".
وأشار إلى أنه "إذا لم يكن جر غزة إلى الهاوية كافيا، فإن نتنياهو يحاول الدفع بشكل متزايد باتجاه عملية عسكرية ضد البرامج النووية الإيرانية، ليس لأنها عملية منطقية من الناحية الاستراتيجية، أو أنها تخدم المصالح الأمريكية، بل لأنه يعلم أن الحرب هي الطريقة الوحيدة لحرف النظر والإلهاء والدرع الواقي له".
وأكد الكاتب أنه "للمرة الأولى، اختار ترامب التحايل والعمل من خلف الرجل الذي نصب نفسه لفترة طويلة حارسا للسياسة الأمريكية في المنطقة. لقد تصرف كما ينبغي لرئيس قوة عظمى: بشروطه الخاصة، وهذا جيد".
وأوضح أن "نتنياهو بحاجة لأمريكا أكثر من حاجة الأخيرة له، وهذه ليست غطرسة، بل واقع، لأن واشنطن توفر الأسلحة والغطاء والفيتو في الأمم المتحدة، ودون أمريكا لا يمكن لإسرائيل البقاء في شكلها الحالي".
وختم قائلا: "على الحزب الجمهوري أن يقرر هل يخدم مصالح الولايات المتحدة أم يدافع عن بقاء وشرعية سياسي أجنبي غارق في فضيحة؟"، منوها إلى أن "انتقاد نتنياهو لا يعني التخلي عن إسرائيل، بل هو فضح لرجل حوّل تل أبيب إلى وعاء لأنانيته (..)".