4 مستهدفات لتعزيز قوة الشركة بالسوق

 

الطرق لا تفرش بالورد، ولا تعطر بالمسك، فاجتهد للحد الذى يجعل الجميع يتمنى لقائك.. كل الدروب صعبة، وتحتاج إلى محاربين، والاجتهاد نهج العظماء، الذين لا ينتظرون الصدف، فكن واحداً منهم، إذا أردت الوصول إلى القمة.. لا تظن أن هناك مستحيلاً، فالكفاح وحده يجعلك قادراً على العبور، فعليك بالعمل والفعل، فالعلم بلا عمل لا يساوى.

. وكذلك محدثى فلسفته أن لكلٍ دوره، فمن انشغل به وأتقنه قد فاز.

اجتهد قدر المستطاع، فكل خطوة صغيرة ستكون حجر فى بناء ذاتك، حسن نفسك، وتعلم من خلال ما كتبه الآخرون، وهكذا ستكسب بسهولة ما استغرق الآخرون وقتًا طويلاً من أجله.. وعلى هذا كانت مسيرة الرجل السعى فى عقيدته مسارا ينتهجه العظاء، وهو سر تميزه.

ياسر سعد رئيس مجلس إدارة شركة الأقصر لتداول الأوراق المالية.. كل يوم يتعلم شيئاً جديداً، يسعى إلى أن يكون أفضل مما كان، وضع هدفا، منحه الطاقة والأمل، مضى فى طريقه، ووصل إلى هدفه، يحمل كل معانى التقدير لوالديه، وزوجته.

أشجار مثمرة، ونباتات عطرية، تحمل لوحة جمالية، تحيط بالمكان، أحواض عشبية صممت بصورة هندسية دقيقة، على مساحة 400 متر، صيغة فريدة تختلف عن غيرها من الحدائق، عند الواجهة تجدها تمتلك سمات خاصة، تشعر عند المدخل الرئيسى بالسمات الخاصة التى يتفرد بها، تعبيرات بسيطة تحكيها الألوان، البيج هو اللون الذى يسود الجدران، 5 لوحات كل واحدة تقص حكاية عما تحمله من ذكريات مصورة.. حجرة مكتبه عبارة عن مجموعات كبيرة من الأرفف، تضم نوادر من كتب التراث، المجلدات المتنوعة، وكتب التاريخ، والزعماء الذين يستمد منهم تجاربه، لا يستخدم الورق فى تدوين جدول عمله.. مشوار طويل من الذكريات والمطبات تقصها سطور مذكراته، بدأها بقوله «اطمئن، فكل جهد شاق، ستكون ذكراه سعيدة».

عقلانى، يتحدث بحكمة، وموضوعية، يحلل بعمق، يحدد المشكلات ويسعى لعلاجها، واقعى ولا يبالغ فى نبرة التفاؤل، يعرف متى يتكلم، وفى أى وقت يلتزم الصمت، تحمل رؤيته المشهد القادم بكافة تفاصيله.. يقول: «إن الدولة قامت بتطوير البنية التحتية خلال السنوات الماضية، ونجحت فى تحقيق قيمة مضافة لذلك، عززت من القدرة على تحويل السوق المحلى لمنافس قوى، يحظى بقدرة تنافسية كبيرة، لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية، ولكن التحفظ فى كل ذلك كان على التوسع فى الاقتراض الخارجى، وكان يجب على الدولة الترشيد فى عملية الاقتراض، لما له من تداعيات سلبية على إرهاق الاقتصاد، وتحميله بأعباء ضخمة على موازنة الدولة، لذلك لا بد من إعادة النظر فى هذا الشأن، والتوقف عن الاقتراض، مع اتجاه قوى للعمل على تنشيط الزراعة والصناعة، والإنتاج، حتى تستطيع الدولة تصحيح المسار الاقتصادى للأفضل بالعمل على الإنتاج والتصدير».

لا يقرر أمراً أو يفعل فعلاً حتى يدرس نتائجه وآثاره، ونفس الحال عندما يتحدث عن التحديات الداخلية، التى كان لها التأثير الأكبر فى ارتباك الاقتصاد، حيث يرى أن المشكلة التى تواجهها الحكومة تتمثل فى عدم الاعتراف بالمشكلات الداخلية، وتعليق الأزمات على المتغيرات الخارجية، وتجاهل العمل على استكمال المسار بشأن الاهتمام بالإنتاج والصناعة، والتصدير.

- بهدوء وعقلانية يجيبنى قائلاً: «إن معدلات التضخم ستستمر فى الارتفاع، بسبب غياب الرقابة الحكومية الشديدة على الأسعار فى الأسواق، والتى تدفع التجار لرفع الأسعار، ويجب على الدولة هنا دفع الجهات الرقابية للقيام بواجبها نحو التجار، ويستشهد الرجل فى هذه الحالة بالأرباح الخيالية التى حققتها بعض الشركات العاملة فى مجال القطاع الاستهلاكى، حيث سجلت هذه الشركات أرباحا تتجاوز 60%، بسبب فروق الأسعار».

القدرة على طريقة التفكير، مع القدرة على توليد أكبر عدد ممكن من الأفكار بشأن الأزمات، هو ما يميز الرجل، تجده عند الحديث عن السياسة النقدية، ممثلة فى البنك المركزى، أكثر حيادية، وتضامناً مع البنك المركزى، حيث يعتبر أنه لا يتحمل المسئولية بمفرده، ولكن السياسات الأخرى سواء كانت السياسية المالية، أو التجارية، تتحمل جزءا من هذا الارتباك، فى ظل عمليات التعويم التى بدأت نوفمبر 2016، بتدفقات أجنبية ضخمة، لم يتم توجيهها بالشكل الأمثل للاستثمارات القادرة على تحقيق عوائد مستدامة، بالإضافة إلى أن هذه التدفقات اعتمدت بصورة أساسية على الأموال الساخنة التى تخارجت بمجرد تصاعد الحرب الروسية الأوكرانية، وقيام الفيدرالى الأمريكى برفع أسعار الفائدة، التى دفعت المستثمرين الأجانب للتخارج السريع، وتوجيه استثماراتهم إلى السندات، وأذون الخزانة الأمريكية، مما أثر سلبا على الاقتصاد المحلى.

الوضوح والصراحة، من السمات المستمدة من والده، لذلك هو أكثر تركيزا ودقة فى الحديث عن عملية رفع وخفض أسعار الفائدة، ومدى تأثيرها على الاقتصاد الوطنى، إذ يرى أن عملية رفع أسعار الفائدة، لم تعد منصفة للاقتصاد، خاصة أن أسعار الفائدة، أداة من الأدوات المسيطرة على التضخم، حال تزايد السيولة فى السوق، يضطر البنك المركزى إلى رفع أسعار الفائدة، لسحب السيولة من السوق، لكن فى حالة الاقتصاد الوطنى، لم يكن التضخم، زيادة طلب، وإنما كان بسبب ارتفاع التكلفة.

الحكمة والتوازن أساسيان فى رؤيته للأحداث، لذلك تجده فى حديثه عن الاقتراض الخارجى دقيقا.. يقول إن «الاقتراض الخارجى، يبدو مقبولاً فى البداية، لكن مع استمرار التوسع فيه، يتحول إلى أعباء على الاقتصاد، بما يعمل على تعميق الفجوة التى يعانيها السوق، من توافر الدولار، لذلك أيضاً لابد أن يكون الاقتراض تحت رقابة البرلمان، بحيث لا يتم دون موافقة البرلمان، ولتوافر العملة الصعبة فى السوق، ليس أمام الحكومة سوى التركيز على الإنتاج والتصنيع، وكذلك التوسع فى التصدير، بما يحقق حجم صادرات تتناسب مع إمكانيات وقدرة الاقتصاد.

ثقتك وإيمانك بذاتك، تمكنك من تحقيق أى شىء، ونفس المشهد حينما يتحدث عن ملف السياسة المالية، تجده أكثر غضبا، حيث يحمل ملف السياسة المالية مسئولية الكثير من الأزمات التى يمر بها الاقتصاد الوطنى، نتيجة لاعتماد الحكومة على الضرائب، التى تعد مورداً مهماً من إيرادات الدولة، إذ تصل نسبة الإيرادات من الضرائب لنحو 85%، وهى تعد كارثية، لذلك على الحكومة البحث عن موارد أخرى متنوعة، وأهمها قطاع الاقتصاد غير الرسمى، الذى من قدرته تحقيق إيرادات أكبر، تسهم فى زيادة الإيرادات، بعد ضمه إلى منظومة الضرائب الرسمية، مع العمل على تشجيع القطاعات الإنتاجية القادرة على تحقيق نمو، بالإضافة إلى تقديم حزمة محفزات من شأنها تحقيق الثقة فى هذا الاقتصاد، مع أيضاً تغيير فلسفة العمل، ودعم الدولة لأصحاب هذا الاقتصاد.

- مرونة، ورؤية واضحة يعتمد عليها الرجل فى تحليله.. يقول إن «قرارات الحكومة تعد حبراً على ورق، حيث أن هذه القرارات لم تترك لدى رجل الشارع أى أثر إيجابى، من عملية تنفيذها، وكذلك لا بد من توفير وتقديم محفزات إضافية، لجذب الاستثمارات الأجنبية، بالعمل على دراسة تجارب الدول المجاورة، وتطبيقها، مع تحديد رؤية متكاملة بما سيتم تقديمه للمستثمرين، من خلال تنشيط بعض الصناعات، القادرة على تحقيق مكاسب كبيرة للاقتصاد، وتسهم فى زيادة النمو الاقتصادى، وتحقيق الاستدامة، مع تحديد قانون منظومة الضريبية والعمل بها، بحيث يتم ثبات واستقرار القوانين، والتشريعات لفترة زمنية، يتمكن خلالها المستثمر من تنفيذ دراسات الجدوى الخاصة بمشروعاته الاستثمارية، ليحدد مدة استرداد ما تم إنفاقه على المشروعات، وأيضاً العمل على العودة لتأسيس مناطق اقتصادية حرة بقوانين خاصة».

تجاربه المتعددة، ومغامراته لتحقيق أهدافه، أصقلت من خبراته، لذلك تجده أكثر حماسا عند الحديث عن القطاع الخاص الذى يعتبره قد واجه معاناة كبيرة، بسبب عدم تحقيق العدالة فى المنافسة، والأعباء التى يواجهها لتوفير متطلباته من الطاقة، وحصوله على تسهيلات تسهم فى تحقيقه لمستهدفاته، بالإضافة إلى أن القطاع الخاص عليه أن يقوم بدوره ومسئولياته الاجتماعية، والعمل على دفع عجلة للاقتصاد إلى الأمام، خاصة أن هناك بعض الشركات تحقق قفزات سعرية كبيرة بسبب فرق الأسعار، وهذا تكشف فى بعض الشركات المقيدة بالبورصة.

فى ظل اتجاه الحكومة مؤخرا لطرح الشركات الحكومية لمستثمر استراتيجى من شأنه السداد بالعملة الصعبة، من أجل سد عجز الفجوة الدولارية بالسوق، تباينت وجهات النظر حول مدى إمكانية تنفيذ اكتتابات بالبورصة للقطاع العريض من المستثمرين، إلا أن محدثى له رؤية خاصة فى هذا الشأن تقوم على أن هدف الحكومة هو الحصول على العملة الصعبة، وليس الهدف تنشيط البورصة، أو توسيع قاعدة الملكية، سوى فى حالة عدم توافر مستثمر استراتيجى أجنبى، رغم أن السوق المحلى مؤهل لتنفيذ ونجاح الاكتتابات لقاعدة المستثمرين، خاصة أن نشاط أى بورصة قائم على أركان السيولة، والحالة النفسية الإيجابية، والبضاعة المتاحة للطرح.

- علامات تفاؤل وارتياح ترتسم على ملامحه قبل أن يجيبنى قائلاً إن «الشركة نجحت فى عبور الأزمات التى فرضها تدنى التداولات فى البورصة خلال الفترات الماضية، وعبر استراتيجية الحفاظ على بقاء الشركة، استطاعت تلبية متطلبات العملاء، والموظفين لتبدأ الشركة مرحلة جديدة بدعم عودة البورصة للنشاط، والتداولات لأحجام التعاملات، وتقوم هذه المرحلة على الدخول فى شراكات والتوسعات، وزيادة رؤوس الأموال، كونها مرحلة لتحقيق 4 مستهدفات تقوم على إعادة هيكلة متكاملة وشاملة للشركة، وزيادة رأس مال الشركة إلى 25 مليون جنيه، وكذلك التوسع جغرافيا، بافتتاح 5 فروع للشركة فى مناطق مختلفة، وتوسيع قاعدة العملاء المؤسسات والأفراد أصحاب الملاءة، وتفعيل رخصة السندات.

تغلب على كل ما يضعفك فى الحياة، وتغلب على كل شعور خوف بداخلك، لذلك حقق نجاحات متتالية، وتحمل المسئولية فى عمر مبكر، وهو سر المحبة التى يحظى بها، يحرص على نصح، وحث أولاده على السعى والاجتهاد.. لكن يظل شغله الشاغل الوصول بالشركة مع مجلس الإدارة إلى الريادة فى السوق.. فهل ينجح فى تحقيق ذلك؟

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الأوراق المالية الطرح شركات الحكومية البورصة الاستراتيجي أسعار الفائدة العمل على

إقرأ أيضاً:

يوم واحد من الاحتفال.. ومعاناة على مدار العام


أم باعت ذهبها لعلاج طفلها.. وتأخر التشخيص أضاع آلاف الأطفال
 

معارك يومية لأصحاب الإعاقة الحركية للوصول للمدارس والجامعات
 

فى الثالث من ديسمبر من كل عام، يقف العالم دقيقة صامتاً أو يرفع شعاراً أو ينشر بياناً يعيد التذكير بحقوق ذوى الاحتياجات الخاصة، يوم واحد تتغير فيه لغة المؤسسات ويزدحم المشهد بعبارات الدمج والتمكين والحقوق والأمل لكن خلف هذا الاحتفال السنوى تعيش آلاف الأسر رحلة طويلة ومعقدة تمتد لأعوام لا يشعر بها سوى مَن حمل طفلاً على كتفه، أو دفع كرسياً متحركاً فوق رصيف غير ممهد، أو استيقظ فجراً ليبحث عن جلسة علاج طبيعى فى مركز مزدحم.
ومع أن اليوم العالمى لذوى الاحتياجات الخاصة يأتى لتسليط الضوء على واقع هذه الفئة المظلومة رغم كل كلمات الدعم والتأييد، إلا أن الواقع نفسه لا ينتظر مناسبة عالمية كى يكشف عن قسوته، فعلى مدار أيام العام كلها تتشكل حياة أصحاب الهمم من سلسلة صغيرة من الانتصارات اليومية تتخللها معارك صامتة لا يسمع عنها أحد مشاوير لا تنتهى بين مستشفيات، مراكز تأهيل، لجان طبية، مدارس غير مؤهلة، وأوراق حكومية لا تراعى أن مقدمها قد لا يستطيع الوقوف فى طابور طويل أو الصعود إلى طابق عال.
ورغم اختلاف المحافظات والبيوت والمستويات الاجتماعية، تبقى الحكايات التى تحملها أسر ذوى الاحتياجات الخاصة متشابهة فى الألم والدوران الطويل داخل دوائر البحث عن علاج أو تشخيص أو فرصة متساوية فى الحياة. ومع كل باب يُغلق، تولد حكاية جديدة تُشبه تلك التى كانت من قبل وجع يتكرر فى تفاصيل كثيرة، بعضها ظاهر وبعضها لا يراه أحد. ذلك الواقع المرير رصدته «الوفد» من خلال مجموعة من الحكايات الواقعية التى تكشف حجم المعاناة اليومية وما يواجهه الكبار والصغار فى رحلة لا يختارونها، لكنها تُشكِّل حياتهم بالكامل.
حكايات من دفتر الصمت
تحكى إحدى الأمهات أن البداية لم تكن صاخبة كما يتخيل البعض، بل كانت صامتة تماماً صمتاً يشبه الوقوف أمام باب لا يفتح.
لاحظت أن طفلتها لا تلتفت للصوت لا تنتبه لخطواتها ولا تبتسم عند رؤيتها كانت تظن فى البداية أن الأمر تأخر طبيعى قبل أن يصبح القلق ضيفاً لا يغادر البيت بدأت رحلتها بين الأطباء كل يقدم رأياً مختلفاً وكل مركز يطلب نوعاً جديداً من التحاليل حتى تحولت حياتها إلى جدول مزدحم بالزيارات والمتابعات.
تروى أنها كانت تتمنى فقط كلمة واضحة: هل تسمع ابنتها أم لا لكنها لم تحصل على الإجابة إلا بعد عام كامل وعشرات الجلسات غير المفيدة، لتكتشف فى النهاية أن طفلتها تعانى ضعف سمع مع سمات توحد وأن وقتاً ثميناً ضاع بلا سبب. تحكى وهى تحاول منع دموعها كان ممكن أبدأ العلاج من بدرى كان ممكن أدى بنتى فرصة أحسن بس ضاع وقت كبير بين تضارب التشخيص وتكاليف فوق طاقتي.
وعلى جانب آخر، تتحدث أم لطفل كان ينسحب من اللعب مثل ظل يخاف الضوء كان لا يرفع عينيه عند مناداته يفضل الجلوس وحده ويتوتر من الأصوات العالية، حاولت إقناع نفسها بأن الأمر مرحلة لكن قلبها كان يعرف الحقيقة.
اصطدمت بتشخيصات مرتبكة لأحد الأطباء قال لها إن الطفل طبيعى، وآخر أكد أنها تتوهم، وثالث ألقى العيب على أسلوب تربيتها، وعندما قررت التوجه لمركز متخصص فوجئت بتكاليف لا تستطيع تحملها وبرامج علاجية لا تلتزم بمعايير واضحة تحكى أن أكثر ما أوجعها لم يكن قلة المال، بل شعورها بالعجز حين ترى طفلها يريد التواصل ولا يستطيع. «كنت حاسة إنه محبوس جوا نفسه… ومحدش فاهم ده غيرى».


وتروى أم أخرى عن طفلتها التى كانت تبكى لساعات طويلة وترفض الطعام، وتنفجر فى نوبات غضب بلا سبب واضح.
فى البداية ظنت أن الأمر حساسية أو مغص أو سوء هضم، لكن البكاء لم يتوقف. نصحها الأطباء بتغيير اللبن، ثم أدوية للمعدة، ثم فيتامينات وبعد شهور من التشتت، أخبرها أحد المختصين بأن الطفلة لديها تأخر لغوى فقط وستتحسن مع العمر لكن الطفلة لم تتحسن.
تروى الأم أنها كانت تخرج كل يوم بجسد مرهق وعينين متعبتين تبحث عن تفسير وحين وصلت أخيراً إلى طبيبة متخصصة فى التوحد، فهمت لأول مرة ما يحدث قالت لى إن ابنتى محتاجة تدخل مبكر… وإن بكاءها مش دلع ولا عند، ده جزء من اضطراب التوحد نفسه. وقتها بس بدأت أفهم ابنتي.
وفى مكان آخر، تحكى أم اضطرت لبيع ذهبها وأغلى ما تملك كى تستمر فى العلاج كانت تستيقظ قبل الفجر لتلحق بأول قطار إلى القاهرة ثم تقضى اليوم كله بين جلسة تخاطب وعلاج وظيفى وتنمية مهارات قبل أن تعود فى المساء مرهقة تحمل طفلها ونصف أمل.
كانت تتشبث بأى كلمة يقولها ابنها بأى نظرة عين، بأى خطوة صغيرة لكنها كانت تعرف أيضاً أن الطريق أطول من قدرتها المالية كنت حاسة إنى بحارب لوحدى ومفيش جهة واحدة تمسك إيدى.
معاناة بحجم الزمن
الأمر لم يختلف كثيراً حين كبر هؤلاء، فقد كبرت معهم المعاناة ونمت وتضخمت، إذ تروى شابة من ذوى الإعاقة الحركية تجربتها المريرة مع المواصلات كانت تدرس فى الجامعة، وتصف كيف أصبحت كل رحلة ذهاب وعودة معركة يومية، الأوتوبيسات لا تتوقف، السائقون يرفضون الانتظار، الناس لا تفسح الطريق، والأرصفة غير ممهدة كنت بحس إنى مطاردة… كل خطوة فيها تحدى… وأحياناً كنت برجع البيت وأنا مش قادرة أحرك إيدى من التعب.
وفى شهادة أخرى، يروى رجل كفيف معاناته مع البيروقراطية كل ورقة يريد استخراجها تتطلب صورة بطاقة وشخص يوقع مكانك وشاهد وضامن وفورمات لا نهاية لها.
يقول إنه يشعر أحياناً بأن المؤسسات تُعامله كأنه غير موجود إلا إذا أحضر معه شخصاً مبصراً، وأضاف قائلاً: «أنا بنى آدم… ليه لازم حد يمشى معايا علشان أعمل ورقة فى مصلحة حكومية».
وتروى فتاة تعانى إعاقة سمعية تجربتها فى سوق العمل تقدمت لعشرات الوظائف، لكن أول سؤال كان دائماً هتسمعى التعليمات إزاي
ورغم امتلاكها مؤهلاً عالياً ودورات تدريبية كانت الأبواب تُغلق واحدة تلو الأخرى كنت راجعة كل مرة أحس أن الإعاقة مش فى الإعاقة فى نظرة المجتمع.
رحلة أصحاب الهمم ليست مجرد قصة فردية أو مناسبة سنوية؛ إنها سرد متواصل لكل يوم يعيشه الأطفال والكبار، ولكل خطوة صغيرة نحو الاعتماد على الذات، ولكل ابتسامة تتحقق بعد صراع طويل ما كشفته الشهادات السابقة ليس مجرد ألم أو تحديات فردية بل انعكاس لفجوات حقيقية فى منظومة الدعم الرسمى والمجتمعى، ولحاجة ملحة لتوفير خدمات متكاملة تشمل التعليم والعلاج والتأهيل النفسى والاجتماعى، بعيداً عن الإجراءات المعقدة والتكاليف الباهظة.
القوانين وحدها لا تكفي
ويؤكد الواقع أن التقدم القانونى، مثل إصدار قوانين حقوق الأشخاص ذوى الإعاقة، لا يكفى بمفرده. التحدى يكمن فى التطبيق العملى، وفى قدرة الدولة والمجتمع على توفير بيئة متكاملة: مدارس مجهزة، مراكز علاجية بأسعار مناسبة، برامج دمج فعالة، أرصفة ومواصلات صديقة لذوى الاحتياجات الخاصة، وسوق عمل يعترف بقدراتهم ويستثمر فيها.
وهو ما أكدته فيروز الجوهرى، مدرب ومترجم لغة الإشارة بالمجلس القومى للأشخاص ذوى الإعاقة، فى حديثها مع«الوفد» مشيرة إلى أن ملف الإعاقة السمعية ما زال يواجه تحديات متشابكة تبدأ من التشخيص المبكر وتمتد إلى التعليم والعمل والخدمات التأهيلية، وصولاً إلى الحصول على الحقوق والخدمات المتكاملة.
وأوضحت أن وزارة الصحة توفر بالفعل خدمة الكشف المبكر لحديثى الولادة من عمر يوم وحتى أسبوع، ما يتيح اكتشاف مشكلات السمع مبكراً، إلا أن بعض الوحدات الصحية لا يتوفر بها جهاز قياس السمع، وهو ما يستدعى من الأسرة التوجه لأقرب مركز مجهز وعدم تجاهل الإجراء بدعوى أن الطفل «يبدو بخير»، لأن إغفال التشخيص المبكر يضاعف المشكلات لاحقاً. وأوضحت أن التأمين الصحى يوفر السماعات الطبية، كما يغطى جزءاً كبيراً من تكلفة زراعة القوقعة، لكن التحدى الحقيقى يظهر بعد العملية، إذ يحتاج الطفل إلى جلسات تخاطب وتأهيل مستمر، إضافة إلى ارتفاع تكلفة قطع الغيار الخاصة بالقوقعة حال تلف أحد أجزائها، وهو ما يمثل عبئاً مادياً كبيراً على كثير من الأسر.
وأضافت أن جلسات التخاطب التابعة للتأمين الصحى ومعهد السمع والكلام تعانى تكدساً شديداً، ما يدفع كثيراً من الأسر للاستعانة بأخصائيين بشكل خاص بتكاليف مرتفعة تصل إلى 150 أو 200 جنيه للجلسة الواحدة، وهو ما يجعل الخدمة بعيدة عن متناول عدد كبير من أولياء الأمور.
وانتقلت الجوهرى إلى ملف التعليم، مؤكدة أن الإعاقة السمعية ما زالت تواجه فجوات واضحة فى المدارس والجامعات، سواء من ناحية تأهيل المعلمين أو تجهيز المناهج، ورغم أن وزارة التربية والتعليم وفرت شاشات ذكية ومناهج مترجمة بلغة الإشارة لعرضها داخل الفصول أو تحميلها عبر الهواتف، فإن عدداً كبيراً من المدارس لا تتوافر بها هذه الشاشات، كما أن بعض الأسر لا تمتلك هواتف حديثة لفتح المحتوى التعليمى. وأوضحت أن غياب المعلم المؤهل يجعل الطالب ينتقل من مرحلة لأخرى دون امتلاك المهارات الأساسية فى القراءة والكتابة، فيخرج من التعليم الفنى غير قادر على التعبير عن نفسه أو فهم المحتوى الدراسى رغم قدرته على «نقل» الكلمات دون استيعابها.
أما فى الجامعات، فالوضع أكثر تعقيداً، إذ يعتمد الطلاب ذوو الإعاقة السمعية بشكل كامل على مترجمى الإشارة الذين يتولون الترجمة والتلخيص وشرح المحتوى وحتى المساعدة فى الأبحاث، وهو ما يحول المترجم إلى «طالب بديل» يتحمل عبئاً تعليمياً فوق دوره الأصلى.
وفيما يخص سوق العمل، شددت الجوهرى على ضرورة الخروج من الصورة النمطية التى تحصر ذوى الإعاقة السمعية فى وظائف الخدمات المعاونة أو الأعمال اليدوية، مشيرة إلى أن هناك شباباً ماهرين فى التصميم الجرافيكى، والبرمجة، وصيانة الحواسيب والطابعات، والأعمال الإدارية والسكرتارية. ورغم ذلك، لا تزال العديد من فرص التوظيف تعرض عليهم وظائف محدودة لا تعكس قدراتهم. ودعت القطاعين الحكومى والخاص إلى تدريب عامل واحد على الأقل فى كل مؤسسة على أساسيات التواصل بلغة الإشارة بما يتوافق مع طبيعة العمل، بما يضمن دمج الموظفين دون الحاجة إلى مترجم دائم.
وتطرقت الجوهرى لأزمة كارت الخدمات المتكاملة، موضحة أن المجلس تلقى شكاوى عديدة من أشخاص ذوى إعاقة سمعية تم تصنيفهم على أنهم «غير ذوى إعاقة» لمجرد أنهم يستخدمون سماعات أو يستطيعون التواصل عبر قراءة الشفاه. وأكدت أن السماعة ليست بديلاً عن الأذن الطبيعية، وأن تلف جزء من القوقعة أو توقف السماعة يعيد الشخص فوراً لحالته الأصلية كفقدان سمع كامل، وبالتالى لا يجوز إسقاط حقه فى الكارت، تماماً كمن يستخدم طرفاً صناعياً ويظل شخصاً ذا إعاقة حتى عند ارتداء الطرف.
كما تناولت أزمة السيارات المخصصة لذوى الإعاقة، مؤكدة وجود سيارات محتجزة فى الجمارك رغم صدور موافقات رسمية بالإفراج عنها، مشيرة إلى أن المجلس يسعى لحل هذه الشكاوى لكنه يصطدم بعدم تنفيذ بعض الجهات للقرارات. وأكدت أن فقدان كارت الخدمات المتكاملة يحرم الشخص من حقه فى الحصول على سيارة مجهزة حتى لو كان من أصحاب الإعاقة فعلياً، وهو ما حدث فى حالات جمعت بين إعاقات سمعية وحركية ورغم ذلك خرجت من اللجان الطبية بلا تصنيف.
واختتمت حديثها بالتأكيد على أهمية تقبل المجتمع للاختلاف، وعدم التنمر أو النظر لذوى الإعاقة بنظرة شفقة أو انتقاص، لأن قوة المجتمع تُقاس بقدر الخدمات والفرص المتاحة لأفراده جميعاً، ومن بينها الأشخاص ذوو الإعاقة. وأكدت أن دمجهم الحقيقى هو الطريق لبناء مجتمع متقدم.
تقييم دائم
وعلى صعيد آخر، أكدت الدكتورة إيمان كريم فى حوار خاص للوفد أن المجلس القومى للأشخاص ذوى الإعاقة يحرص على تقييم الوضع الميدانى ورصد التحديات من خلال تواصل مباشر وفعّال مع المواطنين فى مختلف المحافظات، خاصة خلال الزيارات الميدانية للمدن والقرى والمراكز. موضحة أن هذا التقييم يتم عبر حوارات مجتمعية منظمة مع الأسر، ضمن مبادرة «أسرتى قوتى» التى تُقام برعاية السيدة انتصار السيسى.
وأوضحت أن المجلس عمل خلال الفترة الأخيرة على رصد إنجازات الدولة فى ملف تمكين ودمج الأشخاص ذوى الإعاقة، بدءاً من التشريعات الداعمة لحقوقهم، مروراً بقوانين الحماية الاجتماعية، وزيادة مخصصات الموازنة، بالإضافة إلى متابعة تطبيق نسبة الـ5% فى قانون العمل من خلال اللجنة المشتركة بين المجلس ووزارة العمل، ووحدة التشغيل والتدريب بالمجلس.
وتتابع: «باعتبار دورنا الأساسى هو حماية حقوق الأشخاص ذوى الإعاقة وصون كرامتهم، كان علينا التعامل بجدية مع جميع الشكاوى التى ترد للمجلس». وتؤكد أن أبرز التحديات التى رصدها المجلس تتعلق ببطاقة الخدمات المتكاملة، سواء ارتفاع تكلفة الكشوف الطبية، أو المشكلات التقنية الخاصة بحجز المواعيد عبر موقع وزارة الصحة، أو تأخر إصدار البطاقة لأسباب لوجستية. وقد تم التواصل الفورى مع الوزارات المعنية، لحل هذه المشكلات.
وتوضح الدكتورة إيمان كريم أن المجلس عمل على رفع الوعى المجتمعى بحقوق الأشخاص ذوى الإعاقة، وأن المبادرة ساهمت فى تعريف الأسر بآليات الوصول لخدمات الدولة، بدءاً من الكشف المبكر والتدخل المبكر، وصولاً إلى الأجهزة التعويضية المجانية. كما تم تنفيذ مبادرة «صوتك حقك» لتوعية المواطنين بحقوقهم السياسية، وتسهيل مشاركتهم فى العملية الانتخابية من خلال بطاقات بطريقة برايل وعلامات إشارية داخل أوراق التصويت، إلى جانب تدريب رؤساء اللجان والقضاة على آليات التعامل مع الأشخاص ذوى الإعاقة.
وتضيف أن من أهم إنجازات المجلس وضع الاستراتيجية الوطنية للأشخاص ذوى الإعاقة بالتعاون مع مختلف الوزارات، وتوسّع المبادرات التوعوية، كما تعاون المجلس مع وزارة الصحة لإطلاق قوافل طبية تقدم خدمات مجانية للأشخاص ذوى الإعاقة، إضافة إلى مبادرات للتمكين الاقتصادى والتدريب الحرفى، مثل مبادرة «حرفتنا من تراثنا» التى استهدفت عشرات السيدات، وتوفير فرص للتشبيك مع الجهات الممولة من خلال جهاز تنمية المشروعات.
وفى ملف الإتاحة، نجح المجلس فى التعاون مع وزارة النقل وهيئة المترو لضمان تطبيق التخفيضات المقررة، وبث حملات توعية على شاشات المترو بلغة الإشارة، كما وفرت وزارة العدل محررات شهر عقارى بطريقة برايل فى عدد من مكاتب التوثيق.
وتؤكد الدكتورة إيمان أن المجلس ينظم سنوياً فعاليات جماهيرية لرفع الوعى ومنع التنمر، مثل الماراثونات التى أطلقها من برج القاهرة ثم من منطقة الأهرامات، وصولاً لآخر ماراثون بعنوان «حقهم يفرحوا.. واجبنا نحميهم» بمشاركة 600 شاب وفتاة من مختلف الإعاقات.
وفى قطاع الحماية الاجتماعية، طوّر المجلس منظومة الشكاوى وأنشأ مركزاً لتحليل البيانات، ووفر دعماً نفسياً وقانونياً للنساء والأطفال المعرضين للعنف. كما تم تنفيذ تنفيذ مبادرة «دين الأمن» لرفع مهارات الأطفال ذوى الإعاقة وتوعيتهم بكيفية مواجهة التنمر، ومبادرة «إرادة وقيادة» لدعم طلاب الجامعات ذوى الإعاقة وتدريبهم على مهارات القيادة المجتمعية. كما أطلق المجلس برنامج «المذيع الصغير» لتدريب الأطفال على مهارات الإعلام وإبراز قدراتهم.
وفى الختام، توجه الدكتورة إيمان كريم رسالة للمواطنين بمناسبة اليوم العالمى لذوى الاحتياجات الخاصة، مؤكدة أن الدولة تبذل جهوداً كبيرة لحماية حقوقهم وتعزيز مشاركتهم، وأن احترام الأشخاص ذوى الإعاقة ودمجهم مسؤولية مجتمعية يجب أن يلتزم بها الجميع.
 

مقالات مشابهة

  • يوم واحد من الاحتفال.. ومعاناة على مدار العام
  • ولي العهد: صندوق الاستثمارات العامة سيواصل دعم تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030 
  • ولي العهد: ميزانية 2026 تؤكد عزم الحكومة على تعزيز متانة ومرونة الاقتصاد
  • خبير نفطي:دعوة الحكومة للشركات النفطية الأمريكية للعراق سياسية بحتة
  • بيع 24 منشأة تجارية بالعاشر من رمضان بقيمة 57.3 مليون جنيه
  • إي اف چي هيرميس تنجح في إتمام خدماتها الاستشارية لصفقة الطرح العام ا لشركة «شري للتجارة»
  • هبوط أسعار البيض.. مكسب للمستهلك أم أزمة لصغار المربين؟
  • هل تستطيع الحكومة اليابانية الجديدة التغلب على التحديات الاقتصادية؟
  • إدراج وبدء تداول «شري للتجارة» في السوق السعودية اليوم
  • ضبط متورطين بالاتجار غير المشروع بالنقد الأجنبى بقيمة 7 ملايين جنيه