وهم التكرار.. ماذا تعرف عن متلازمة بادر ماينهوف؟
تاريخ النشر: 6th, October 2023 GMT
هل لاحظت أن الأغنية التي أعجبتك مؤخرا تتردد في كل مكان، هل صار الكثيرون فجأة يرتدون قطعة الملابس ذاتها التي اشتريتها للتو؟ ربما هي ليست مصادفة، وإنما تأثير يدعى "بادر ماينهوف"، الذي يتملك الكثيرين حول العالم حين يلاحظ المرء شيئا ما، ثم يجد أنه يظهر بشكل متكرر في الأيام، أو الأشهر التالية.
وبينما يتم اعتبار هذا التأثير دليلا على نظرية المحاكاة والأكوان الموازية، يعتبره البعض الآخر مجرد انحياز معرفي ووهم، لذا إليك الحقيقة حول تأثير "بادر ماينهوف".
يعود اسم "بادر ماينهوف" إلى جماعة يسارية متطرفة دبرت لعدد من عمليات التفجير والاختطاف والاغتيال في ألمانيا الغربية، قبل أكثر من 50 عاما، إلا أن الجماعة التي اشتهرت في حقبتي الستينيات والسبعينيات، عاد اسمها ليظهر مرة أخرى في مقالات لكاتب يدعى تيري مولن عام 1994، حيث ادعى أن اسم الجماعة المتطرفة صار يظهر من جديد في أماكن عديدة وبصور مختلفة.
وهو ما أيده القراء الذين راحو يرسلون إلى الجريدة عبر بريد القراء شهاداتهم على الطريقة التي تكرر بها ظهور اسم الجماعة بصور مختلفة حولهم، في الصحف والتلفزيون، وأحيانا في الشارع، ومنذ هذا التاريخ صار لاسم "بادر ماينهوف" معنى جديد يرتبط بالظهور المتكرر للأشياء.
وهم التكراريطلق على تأثير "بادر ماينهوف" أسماء عدة مثل وهم التكرار، ووهم التردد، وانحياز الاهتمام الانتقائي، وفي أحيان أخرى يسمى متلازمة السيارة الحمراء أو متلازمة السيارة الزرقاء، لكن في كل الأحوال، يبقى التعريف واحدا، بأنه الوعي المفاجئ بكلمة، أو عبارة، أو حقيقة، أو شيء لم يتعلمه المرء إلا مؤخرا.
هذا يعني أنه حين يقرر المرء شراء سيارة حمراء، أو زرقاء ليتميز عن الآخرين، فإنه يقابل عقب قراره عددا أكبر من السيارات الحمراء، والزرقاء، لأنه منذ لحظة اتخاذ القرار صار عقله ينجذب تلقائيا إلى السيارات التي لها نفس اللون.
بحسب نظرية الأوتار الفائقة، فإن للكون أبعادا تسعة، وليس ثلاثة فقط، وأنها أبعاد أعلى من أبعادنا، يمكنها أن ترانا ولا نراها، وتدركنا ولا ندركها، وعليه يرى المؤمنون بحديث الكون إليهم، أن تكرار الإشارات والعلامات، أيا كانت صورتها، ليست سوى شكل من أشكال التواصل بين العوالم المتوازية.
فوائد مذهلة لوهم التكراريبدو تأثير "بادر ماينهوف" مفيدا أيضا في مجال التسويق، حيث يتم استغلاله خلال عمليات الإعلان عن بعض المنتجات، فبحسب الدراسات، كلما زاد تركيز ووعي المرء بشيء ما، زادت احتمالية رغبته في الحصول عليه، وهي الفكرة التي تعتمد عليها وسائل التواصل الاجتماعي، حين تتم كتابة كلمة معينة في صندوق البحث، فتبدأ كل الإعلانات الواردة مرارا وتكرارا تدور حول الأمر في محاولة لدفع المستخدم لسحب بطاقته الائتمانية، بحسب موقع "هيلث لاين".
كانت أشهر تجارب التسويق باستخدام تأثير "بادر ماينهوف"، ما قدمته شركة كوكاكولا منذ بدأت في الإعلان عن منتجها يوم عيد الشكر عام 1950، وحتى الآن، متخذة سياسة الحملات الإعلانية المكثفة للتفوق على منافسيها، إيمانا بمبدأ أنه كلما تعرض المستهلك لإعلاناتها، زاد استهلاكه لمنتجاتها.
وهو ما تحقق فعلا على مدى السنوات اللاحقة، وصولا إلى عام 2022، حيث حققت كوكاكولا إيرادات تزيد على 43 مليار دولار وأكثر من 9.5 مليارات دولار صافي ربح، متفوقة على منافستها بيبسي.
برغم الفوائد التسويقية لظاهرة "بادر ماينهوف" وتأثيرها على اتخاذ القرارات، وأنها أيضا غير ضارة في العموم، فإن المفاجأة بشأن تلك الظاهرة أنها تعد بحسب عالم النفس كريستوفر هيتشز أحد أشكال الذهان الخفيف، لذا يصير الأمر جديا إذا ما أصاب هذا التأثير بعض المصابين بأمراض عقلية بالفعل.
وعلى رأس هذه الأمراض العقلية الفصام المصحوب بجنون العظمة، أو تلك الأمراض التي يكون المصابون بها قابلين للإيحاء بدرجة كبيرة، حيث يضخم الشخص أهمية التكرارات، ما قد يؤدي إلى إيجاد رابط بين أمور غير منطقية، والشك في أنه يتم التحكم فيه، أو التحدث إليه من قوة أعلى أو صوت خارجي.
تسيطر ظاهرة "بادر ماينهوف" على الناس في كواليس العمل والحياة اليومية، حتى لو لم يكن الشخص مريضا بمرض عقلي، لذا ينصح الخبراء بضرورة الوعي بالظاهرة، تجنبا لعدم الانسياق معها، حيث ثبت وجود صلة بين تأثير "بادر ماينهوف" والقلق، وتأكيد الشكوك، حتى تصير حقائق لدى البعض.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
قراءة إسرائيلية في تأثير زيارة نتنياهو إلى واشنطن ومستقبل الترتيبات في غزة
في الوقت الذي يواصل فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانتقال من تهديدات التصعيد إلى الدبلوماسية، وتدابير بناء الثقة، يواصل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو التشبث بمزاعم "النصر الشامل"، ونزع سلاح حماس، وفيما لا أحد يعلم إلى أين يتجه، يسعى جيش الاحتلال، إلى خطوة دبلوماسية أخيرة لإنهاء القتال الدائر، بعكس رغبة الحكومة.
وأكد محرر الشئون العسكرية في صحيفة "يديعوت أحرونوت" رون بن يشاي أنه "في خضم الضجيج الإعلامي، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، الذي تُحدثه السياسة الداخلية للحكومة، غاب عن جزء كبير من الجمهور حقيقة مهمة وجلية وهي أننا دخلنا مرحلة "غسق الحرب"، التي يوجد فيها بالفعل وقف إطلاق نار مؤقت، حيث تعمل الأطراف والوسطاء على صياغة الترتيبات الدائمة التي ستُرسّخ وقف القتال لفترة طويلة.
وأضاف يشاي في مقال ترجمته "عربي21" أنه "في هذه المرحلة، لا يزال ممكناً للأطراف استخدام القوة، لكن الأهم هو المفاوضات الدبلوماسية التي ستُصيغ الترتيبات الأمنية والسياسية الخاصة بالمنطقة في السنوات القادمة، مما جعل ترامب يوصي نتنياهو بالانتقال لهذه المرحلة، من المبادرات الهجومية والتهديدات بالتصعيد إلى الدبلوماسية وبناء الثقة، حتى يتسنى الانتقال للمرحلة المدنية لتطبيق خطته "العشرين نقطة" في غزة، والتوصل لوقف كامل ومستقر للأعمال العدائية، وربما حتى بعض اتفاقيات التطبيع على جبهات نشطة أخرى".
وأشار إلى أن "تفاصيل المحادثات التي سيُجريها نتنياهو وفريقه عند وصوله واشنطن تلبيةً لدعوة ترامب، تخللها تلقيه توصية مماثلة من كبار مسؤولي الجيش، الحريصين على البدء بإعادة بنائه بعد أكثر من عامين من الحرب، وبناء جيش كبير وحديث لمواجهة تحديات المستقبل، لذلك، ترى أغلبية في هيئة الأركان العامة أنه في الوقت الحالي، وفي كل ما يتعلق بغزة، ينبغي "التوافق" مع ترامب وتوصيات مركز التنسيق المدني العسكري الأمريكي في كريات جات، وتحقيق أهداف الحرب، أو معظمها، بترتيبات تُحدد وتُرسخ الإنجازات العسكرية".
وذكر أن "إعلان نتنياهو عن الموافقة على فتح معبر رفح لخروج الجرحى والمرضى من القطاع تحت إشراف ممثلي السلطة والدول الأوروبية، قابله رفض مصري لعدم فتحه في الاتجاهين، وليس بالضرورة أن تكون دبلوماسيًا ماهرًا كي تدرك أن مجرد الموافقة الإسرائيلية على هذه الخطوة يُعدّ تنازلًا سياسيًا واضحًا، مما يعني أن نتنياهو يريد من الترتيبات التي سيتم اتخاذها منع السلطة الفلسطينية من الحصول على موطئ قدم في غزة، لمنع إقامة دولة فلسطينية تشملها، وألا يكون لتركيا وقطر موطئ قدم عسكري أو مدني في إعادة إعمار غزة".
وأوضح أن "نتنياهو يريد تفكيك حماس في غزة بالوسائل الدبلوماسية، لكنه لا يزال يُصرّ على مطلبه بأنه إذا لم يتحقق ذلك في غضون بضعة أشهر، فإن الجيش سيتوغل في الأراضي التي تسيطر عليها غرب غزة لتفكيك بنيتها التحتية تحت الأرض، ونزع سلاحها، كما يفعل الجيش حاليًا في مناطق رفح وخانيونس وبيت حانون، حيث لا تزال هناك جيوب مقاومة تحت الأرض، ويُشدد الجيش حصاره عليها، مما يُجبر سكانها على الاستسلام أو الموت".
وأضاف أن "الجيش الإسرائيلي الآن لديه مصلحة، مثل ترامب، في الانتقال من مرحلة القتال العنيف على مختلف الجبهات إلى وقف مستقر للقتال، ويؤكد رئيس الأركان إيال زامير، في غزواته المتكررة في الميدان في مختلف ساحات القتال، أنه مهتم الآن في المقام الأول بإعادة تأهيل وإعادة بناء الجيش بعد أكثر من عامين من القتال".
وأوضح أن "الجيش يسعى لاستعادة كفاءته من خلال إعادة التنظيم، وتجديد الاحتياطيات، وإنشاء وحدات وتشكيلات جديدة تعتمد على التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي، والاستعداد للتحديات العملياتية المتوقعة في ساحات القتال السبع، وفقًا لمفهوم الأمن الجديد، وأهمها منع التهديدات في بدايتها، وإحباط التهديدات القائمة".