عمرها 7 سنوات.. شاهد الوثيقة التي تنبأت بـ "طوفان الأقصى"
تاريخ النشر: 30th, October 2023 GMT
عواصم - الوكالات
كشف موقع Ynet الإسرائيلي عن وثيقة تعود إلى عام 2016 تم فيها تحذير رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من أن "حماس" تنوي نقل الصراع المقبل إلى إسرائيل واحتلال المستوطنات واحتجاز رهائن".
وثيقة تحذيرية سلمت لنتنياهو قبل 7 سنوات وتنبّأت بـنتنياهو ينفي مجددا تحذيره قبل السابع من أكتوبر من هجوم تخطط له "حماس"
وقال الموقع في تقرير أن الوثيقة أصدرها وزير الدفاع آنذاك أفيغدور ليبرمان يوم 21 ديسمبر 2016، وتم فيها التنبؤ بعملية "طوفان الأقصى"، التي شنتها حركة "حماس" يوم 7 أكتوبر 2023، مبينا أن الوثيقة مكونة من 11 صفحة تتضمن بالتفصيل "نوايا حماس، بما في ذلك تسلل قواتها إلى الأراضي الإسرائيلية، واحتلال المستوطنات المحيطة واحتجاز الرهائن.
وأفادت الوثيقة بأن الهدف الرئيسي هو "تدمير إسرائيل بحلول عام 2022 وتحرير جميع الأراضي الفلسطينية".
وذكر Ynet أن "ليبرمان كان قلقا من تعزيز المنظمة الإرهابية التي تسيطر على غزة. لكن لم يأخذ أي من الأطراف التي عرض عليه التحذير، بما في ذلك نتنياهو ورئيس الأركان السابق غادي آيزنكوت، هذا السيناريو بالجدية التي يستحقها".
وتناولت الوثيقة، التي صنفت على أنها "سرية للغاية"، تقييما للوضع في قطاع غزة وفصلت موقف وزير الدفاع آنذاك، وتضمنت الأهداف المرجوة من العملية ومنها: "ضمان أن المواجهة القادمة بين إسرائيل وحماس ستكون الأخيرة".
وقالت الوثيقة إن "أفضل طريقة للقيام بذلك، هي أن تفاجئ حماس إسرائيل بضربة أمامية"، كما تطرقت إلى الإجراءات اللازمة التي ستؤدي إلى هزيمة معظم قادة الفرع العسكري لحركة حماس.
وحسب الموقع فإن الوثيقة وصفت بـ"طريقة دقيقة ومرعبة، الهجوم الإرهابي المروع الذي سيحدث بعد سبع سنوات"، وجاء فيها إن "تأجيل قرار تنفيذ ضربة استباقية على غزة بعد يوليو 2017، سيكون خطأ فادحا له عواقب بعيدة المدى، وفي بعض النواحي أكثر من نتائج حرب يوم الغفران. من حيث آثارها على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وعلى وعي مواطني إسرائيل، وعلى صورة إسرائيل ومكانتها في المنطقة".
وتابعت الوثيقة: "تريد حماس أن تكون الحملة المقبلة ضد إسرائيل متعددة الساحات من خلال بناء ساحات إضافية لقطاع غزة (لبنان، سوريا، الأردن، سيناء)، وحتى ضد أهداف يهودية في أنحاء العالم".
وفصلت القوة المتزايد لكتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، وزيادة آلاف العناصر منذ عملية "الجرف الصامد" في عام 2014. كما تم تفصيل أهداف حماس: "40 ألفا ينشطون بحلول عام 2020، مع التعزيز الرئيسي في تشكيل أرض القتال".
كما أن هناك إشارة إلى زيادة عدد الصواريخ، ومحاولات تطوير قدرات متقدمة في القطاع البري والبحري، وقدرات جديدة في القطاع الجوي تشمل منصات هجومية، وطائرات بدون طيار لجمع القدرات الاستخباراتية، والتشويش على اتصالات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS).
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
طوفان الأقصى.. وما بعد الصهيونية
7 أكتوبر 2025م.. أتمَّ طوفان الأقصى حولين كاملين، وأُعلن عن اتفاقية بين إسرائيل وحماس؛ من أهم بنودها: وقف الحرب وانسحاب إسرائيل من قطاع غزة، وتسليم الرهائن الإسرائيليين كلهم، ووضع خطة لإدارة غزة. تابعتُ أحداث الطوفان بنشر مقالات عنها في جريدة «عمان»، آخرها بتاريخ: 28 يناير 2025م، عندما اتفقت إسرائيل وحماس على هدنة بتاريخ: 17 يناير 2025م. ثم صدرت المقالات عن مركز الندوة الثقافي ببَهلا في كتاب بعنوان «طوفان الأقصى.. رصد الأحداث وقراءة المتغيرات». المقال.. يبني عليها، ويحبذ الرجوع إليها لإدراك أبعاد «ما بعد الصهيونية».
من بعد؛ كان الوضع يكرر نفسه بمشاهد الإبادة الجماعية، وبحصار خانق لا يسمح بدخول الماء والغذاء والدواء إلى غزة، حتى مات كثير من الفلسطينيين؛ عطشًا وجوعًا ومرضًا. بالإضافة إلى سقوط عشرات الشهداء يوميًا تحت آلة الدمار الصهيونية العمياء عن كل شيء إلا القتل، وتدمير ما بقي من بُنية أساسية في قطاع غزة. ومع تكرار المشهد؛ هناك حراك بمسارين:
- مسار شعبي عالمي.. حيث تزداد المظاهرات والاحتجاجات ضد ممارسات الكيان الصهيوني، وقد تكللت بـ«أسطول الصمود»، توجه فيه أناس من أنحاء العالم على متن عشرات السفن؛ لكسر الحصار عن غزة. وأشيد هنا بمشاركة العمانية أمامة بنت مصطفى اللواتية، التي أسرتها القوات الصهيونية مع العشرات من أحرار العالم، وكذلك سعيد المسكري وجمال الزدجالي، وقد احتفى العمانيون بهم، فاستقبلوهم في مطار مسقط الدولي استقبال الأبطال، وأشكر حكومة سلطنة عمان على اهتمامها بالأسيرة؛ وإعادتها إلى أرض الوطن.
- مسار حكومي دولي.. وهو اعتراف معظم دول العالم بـ«دولة فلسطين»؛ وتصويتهم لـ«حل الدولتين» بحدود 1967م، في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، بتاريخ: 22 سبتمبر 2025م. ولولا استعمال أمريكا الفيتو لصالح إسرائيل لتم الحل، وهذا يؤكد على ضلوعها فيما يحصل بغزة، وعلى ضرورة إلغاء الفيتو من مواثيق الأمم المتحدة.
«ما بعد الصهيونية».. مصطلح ارتبط في إسرائيل بـ«المؤرخين الإسرائيليين الجُدد»، الذين ظهروا بعد قيام دولتها عام 1948م، فأعادوا قراءة السردية الإسرائيلية، فكشفوا عن الأساطير والأكاذيب التي تتبناها الصهيونية وتروّج لها. وقد اتفقت روايتهم كثيراً مع الرواية الفلسطينية والعربية حول السردية الإسرائيلية. وهم لم يتبنوا رؤيتهم هذه تضامناً مع الفلسطينيين، وإنَّما إعمالاً للمنهج التأريخي الموضوعي، ولتجاوز الأخطاء والأغاليط التي مارسها مؤرخو الصهيونية، والتي يرون أنَّها مؤذنة بخراب إسرائيل. لذا؛ يرون التحول بإسرائيل إلى دولة ديمقراطية أمراً ضرورياً لبقائها. فما تروّج له الصهيونية بأنَّ إسرائيل دولة ديمقراطية؛ لا يُسلّمون به، لأنَّها قاصرة على اليهود، ولا تشمل مواطني إسرائيل العرب، فضلاً أنْ يتعاملوا بمنطق ديمقراطي مع الفلسطينيين والعرب.. بل ولا في أروقة الأمم المتحدة. لقد سُميّ توجه هؤلاء المؤرخين بـ«ما بعد الصهيونية».
إنَّ «ما بعد الصهيونية» لدى المؤرخين الجُدد لا تعني زوال إسرائيل أو تفكك مؤسساتها، ولا هم يسعون إليه. وإنَّما تعني التخلي عن الصهيونية لإدارة الدولة الإسرائيلية بتبني ديمقراطية تشمل كل مواطني دولة إسرائيل، ويجري التعامل بها في الداخل والخارج، ورفض التعصب؛ الديني والعرقي، وعدم العمل على التمدد والهيمنة في المنطقة، بأنْ تصبح إسرائيل نظام دولة طبيعيًا.
يرى بعض منظريهم؛ أنَّ صلاحية الصهيونية قد انتهت بقيام دولة إسرائيل عام 1948م، فإنْ كانت «لازمة» قبل هذا العام لحشد اليهود وتجنيد القوى لإقامة كيان لهم؛ فإنَّ إسرائيل قد قامت، وعليها أنْ تتحول إلى دولة طبيعية ذات كيان ديمقراطي. ويذهب آخرون إلى اعتبار عام 1967م هو نهاية صلاحيتها، حيث اعتبر هذا العام فيصلاً للحدود بين إسرائيل وفلسطين باعتماد الأمم المتحدة. وهو ما ارتضاه العالم بسعيه للاعتراف بدولة فلسطين. ومع ذلك؛ ظلت إسرائيل تتبنى الصهيونية، وتصاعدت غلواؤها في ظل الحكومة اليمينية، المناهضة للمؤرخين الجُدد؛ أي لـ«ما بعد الصهيونية»، مقارنةً باليسار الذي كان يسمح لهم بأنْ يقدموا برامجهم التثقيفية، حتى للطلبة في مدارسهم.
لفهم أثر طوفان الأقصى على «ما بعد الصهيونية» ينبغي ملاحظة أمرين:
- التحولات الصهيونية.. لبثت اليهودية أحقاباً ولم تعرف الصهيونية، حتى نشأت لها حركة أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، على يد الألماني تيودور هيرتزل (ت:1904م)، وقد رفضها اليهود بدايةً، واعتبروها معادية للسامية. ثم انقلب الحال.. فاعتُبِر من يرفض الصهيونية هو المعادي للسامية. بيد أنَّ آباء الصهيونية كانوا غير متدينين.. فهم علمانيون وبعضهم ملاحدة. وقد استمر الوضع حتى قيام دولة إسرائيل؛ لتأخذ الأحداث مسارها لصالح التدين؛ بما أسميتُه بـ«اليهودية السياسية»، وقد أصبحت أكثر صهينةً وتطرفاً من الصهاينة المؤسسين، وقد ظهر هذا في الحكومة الحالية؛ التي عرّاها طوفان الأقصى.
- تناقضات الكيان الصهيوني.. يستغرب المرء من بقاء إسرائيل بهذه الكثرة من التناقض كل هذه السنين، ولكنها الإرادة الاستعمارية الغربية التي تمدها بشريان البقاء لتحقيق مصالحها. يوجد تناقض في كل شيء.. فإسرائيل التي أسسها الناشطون السياسيون العلمانيون؛ استعملوا الرموز والمصطلحات الدينية في اليهودية، إلا أنَّهم فشلوا في تحويلها إلى مفاهيم مدنية، فأصبحت معتقدات مولِّدة للعنف والكراهية. وقام هذا الكيان الاستعماري زمنَ غروب مرحلة الاستعمار، وكأنَّه جاء ليُعبِّر عن الحركة التي تسبق الموت؛ حركة مهما طالت أنفاسها تُسلِم الكيان الإسرائيلي إلى الزوال. والإسرائيليون.. لا توجد فيهم روح الانسجام، فهم لفيف من جماعات متباينة جاءت من شرق الأرض وغربها؛ لكل منها ثقافتها ومعتقداتها وآمالها وآلامها، وهي قابلة للانفجار.. بل إنَّه لا يوجد تعريف متفق عليه في الثقافة اليهودية لـ«هُوية اليهودي».
أضف إلى ذلك؛ تنامي التيار الرافض لقيام دولة إسرائيل؛ ويعتبرها كفراً بالعقيدة اليهودية، فضلاً عن الأكاذيب التي تسير عليها إسرائيل. والتناقض الأكبر إنَّها توجد في محيط كاره لها على أساس ديني؛ سواءً أكان مسلماً أم مسيحياً. والمغالطة التي ترتكبها إسرائيل -كأنَّما تخادع نفسها- هي التطبيع مع حكومات المنطقة، في حين تعتبر الشعوب المسلمة والعربية زوال إسرائيل وعداً إلهيًا، يفوز بالسعادة؛ دنيا وأخرى من يتحقق على يديه.
بمنطق الجدل الهيجلي؛ فإن هذه الأضداد ستتمخض عن مسار جديد في المنطقة؛ قد لا يكون زوال إسرائيل، ولكن لن تبقى على الصيغة التي هي عليها اليوم.
وبعد؛ فإنَّ طوفان الأقصى بصورته الجزئية مؤلم للفلسطينيين، خاصةً لأهل غزة، حيث أباد الكيان الصهيوني حوالي 70 ألف فلسطيني، وأكثر من 150 ألف مصاب، وعدد لم يُعرف من المفقودين، وتدمير هائل؛ لم يشهد القرن له مثيلاً، وتصفية قيادات المقاومة الفلسطينية؛ على رأسهم القائد العسكري يحيى السنوار والقائد السياسي إسماعيل هنية، وفصد أذرع جبهة الإسناد؛ المتمثلة في حزب الله بلبنان؛ بقتل أمينه العام حسن نصر الله، والنظام السوري برحيل بشار الأسد، وإيران باغتيال بعض علمائها وقياداتها العليا، و«حرب 12 يوماً» التي شُنّت عليها. صورة مؤسفة؛ لكنها جزء من المشهد فقط، ورغم ذلك؛ فلا تخلو من مؤشر على أنَّ بلوغ الطغيان مداه مؤذن بزواله. كما أنَّ نتنياهو وحكومته المتطرفة لم يحققوا الأهداف التي وضعوها للحرب، فالمقاومة لا زالت حية، ولم يهجّر الفلسطينيون من غزة، ولم يسترجع أسير واحد من الإسرائيليين، دون مفاوضات مع حماس.
أما الصورة الكلية؛ والتي غدت سائدة في العالم، فهي اهتزاز مشروعية بقاء إسرائيل، وخروج شعوب العالم ضدها، ومؤازرة العديد من الحكومات هذه الصرخة العالمية، واعتراف الدول بالدولة الفلسطينية، فهذا مؤشر بأنْ إسرائيل دخلت مرحلة «ما بعد الصهيونية»، ولكن هذه المرة.. ليس من نافذة السردية التاريخية للمؤرخين الجُدد، وإنَّما من بوابة طوفان الأقصى بما أحدثه من تفكك داخلي في إسرائيل، وانفضاض خارجي عنها، ووعي عالمي بالحق الفلسطيني.