هل صرفت الحرب الإسرائيلية الاهتمام عن أزمة الشغور الرئاسي في لبنان؟
تاريخ النشر: 5th, November 2023 GMT
بيروت – نحو شهر مر على اندلاع المواجهات والقصف المدفعي والصاروخي المتبادل بين حزب الله وقوات الاحتلال الاسرائيلية على طول الشريط الحدودي جنوب لبنان، وسط مخاوف من تدحرج الأمور إلى حرب شاملة بين الجانبين، في وقت تعيش فيه لبنان شغورا في منصب رئيس الجمهورية.
فمنذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في أكتوبر/تشرين الأول 2022، فقد اللبنانيون الأمل في انتخاب رئيس للجمهورية، في ظل عدم توافق سياسي بين مختلف القوى على اسم بعينه وإخفاق المجلس النيابي في انتخاب رئيس على مدار 13 جلسة كان آخرها في سبتمبر/أيلول الماضي.
ويدعم حزب الله وحلفاؤه ترشيح زعيم تيار المردة سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، في المقابل تدعم القوى المسيحية والحزب التقدمي الاشتراكي ترشيح جهاد أزعور وزير المالية السابق ومدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي.
وتسبب الشغور الرئاسي في تعطيل عمل حكومة تصريف الأعمال برئاسة نجيب ميقاتي، والتي وقع الرئيس السابق ميشال عون على قرار استقالتها قبل تركه لمنصبه. في وقت تعصف بلبنان أزمة اقتصادية حادة منذ 2019 أدت لانهيار مالي وتدهور معيشي كبير.
ولا يعد شغور منصب الرئيس المشكلة الوحيدة، ففي يناير/كانون الثاني المقبل تنتهي ولاية قائد الجيش العماد جوزيف عون، فضلا عن شغور منصب حاكم مصرف لبنان المركزي بعد انتهاء ولاية حاكمه رياض سلامة.
حالة انتظار"على الأرجح لن تترجم الحرب في غزة لبنانيا بأي انفراج، لأن الملف اللبناني في حالة انتظار ولا أحد سيتراجع عن موقفه بالنسبة لانتخاب رئيس الجمهورية" بهذه الكلمات علق الصحفي أسعد بشارة على الوضع في البلاد.
ويضيف بشارة -في حديث للجزيرة نت- أن الجميع ينتظر نتائج الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وكيف ستنعكس على المنطقة ولبنان، مشددا على أنه لا يوجد في الوقت الحالي أي مسعى لمحاولة انتخاب رئيس الجمهورية.
ويعتقد بأن سبب الأزمة هو محاولة حزب الله وحلفائه فرض اسم فرنجية رئيسا للبلاد، في حين يحظى هذا الاسم بمعارضة كبيرة عند باقي اللبنانيين، ولذلك لجئوا إلى تعطيل النصاب الدستوري بمجلس النواب خلال 13 دورة انتخابية متواصلة.
وعلى الرغم من أن صلاحيات الرئيس تقلصت إلى الحد الأدنى -كما يقول بشارة- لكنه مازال يحتفظ ببعض المهمات الأساسية منها التوقيع على القوانين وتمثيل لبنان في المحافل الدولية، وهناك صراع على من سيأتي بالرئيس.
وردا على اقتراح بعض الأطراف الدولية طرح مرشح جديد تتوافق عليه القوى السياسية المختلفة، أكد بشارة أن المبعوث الفرنسي إلى لبنان طرح هذه الفكرة، لكنها قوبلت برفض من حزب الله، والمعارضة جاهزة للتفاوض على مرشح آخر.
خيار صعبفي المقابل، يرى الكاتب والمحلل السياسي توفيق شومان أن خيار تدحرج المواجهة في جنوب لبنان أمر وارد جدا، وهو مرتبط بخطين أحمرين وضعهما حزب الله، الأول ارتفاع حجم العدوان الإسرائيلي على غزة وعدم مقدرة المقاومة الفلسطينية على التصدي لها، أما الثاني فهو أن يقدم الاحتلال الإسرائيلي على عدوان مباشر على لبنان.
ويضيف للجزيرة نت: على الرغم من التصعيد الحالي فإن انتخاب رئيس للجمهورية غير مطروح على طاولة البحث بسبب استمرار الخلافات بين القوى السياسية.
ويشدد شومان على أن حزب الله وحلفاءه مستعدون للجلوس إلى طاولة المفاوضات لحل مشكلة الشغور الرئاسي، ولكن القوى السياسية الأخرى التي لا تملك مرشحا واضحا وطرحت أكثر من مرشح خلال الفترة الماضي هي التي تعطل الحوار. وأردف قائلا "طرح شروط مسبقة قبل أي حوار بالتأكيد سيؤدي لعدم التفاهم".
معضلة كبيرةوفي السياق، يقول الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم حيدر إن حرب غزة والتطورات التي تحدث في الجنوب اللبناني، من مواجهات بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي، تطغى على كل الاهتمامات على المستوى اللبناني على الرغم من بعض المحاولات التي تقوم بعض القوى السياسية لتحريك ملف الاستحقاق الرئيسي.
ويعتقد حيدر -في حديث للجزيرة نت- أن المشكلة الحقيقية هي أن المبادرة الفرنسية ومبادرة اللقاء الخماسي في الدوحة توقفت نتيجة تغير الأولويات نحو ما يجري في فلسطين، ولم يعد هناك رافعة لدعم أي محاولة لحل الأزمة.
ويتابع "من الصعب أن تتقدم القوى السياسية لإنتاج تسوية فيما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي، رغم أنه عنوان أساسي لإعادة تصويب الأمور على المستوى السياسي والدستوري، أو هو مدخل لاستعادة الدولة دورها في هذا الخصوص".
ويشدد على أن الامتدادات الإقليمية والدولية هي التي تزيد من حدة الخلافات السياسية في البلاد، التي تعاني من صراع بين محوري الممانعة: الأول بقيادة حزب الله الذي يريد انتخاب رئيس لا يطعن المقاومة في ظهرها، بينما يرى المحور الآخر أن انتخاب مرشح رئاسي مقرب من حزب الله سيضع البلاد تحت طائلة العقوبات الدولية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: القوى السیاسیة انتخاب رئیس حزب الله
إقرأ أيضاً:
حرب غزة التي لم تنته
لا شيء في غزة يشير إلى أن الحرب انتهت عدا اللغة الدبلوماسية الباردة التي اختارت أن تطلق على ما يجري اسم «اتفاق سلام» أو«وقف إطلاق نار». الواقع على الأرض يقول شيئا آخر تماما، قصف مستمر رغم أن البعض يطلق عليه اختراق للاتفاق، وحصار خانق لا ينتبه له الكثيرون، ومعاناة إنسانية تتفاقم كل يوم مع دخول الشتاء، فيما يتراجع الاهتمام الدولي خطوة بعد أخرى، كأن العالم قرر أن يُغلِق الملف لمجرد أن نصا «للسلام» وقع في شرم الشيخ.
لا يوجد أي نوع من أنواع «السلام» في المخيمات العشوائية التي انتشرت على طول القطاع وعرضه، مجرد خيام متهالكة تغرق في مياه الأمطار ومياه الصرف الصحي. ينام الأطفال بملابس مبللة، والمرضى بلا دواء. وجميع الأسر بلا مأوى إلا بطانيات متهالكة ورطبة وبعض خبز جاف.
ورغم أن المنظمات الدولية تتحدث بصوت واضح عن استمرار المجاعة، وتفشّي الأمراض والأوبئة، وعن نظام صحي منهار لا يستطيع التعامل مع أبسط الطوارئ إلا أن أحدا لا يكاد يصغي لكل هذا، ولا حديث إلا عن اتفاق السلام «الهش» وما يعتريه بين حين وآخر من اختراقات إسرائيلية! لكن الحقيقة لا أحد يراها أو يريد أن يراها أن الوضع ما زال مستمرا إلى حد كبير.. الهجمات مستمرة، والشهداء يسقطون كل يوم، والجوع مستمر، وغزة كلها من شمالها إلى جنوبها مكشوفة أمام الشتاء القارص. لا يوحي هذا المشهد أن غزة دخلت «مرحلة ما بعد الحرب».. ما زالت الحرب مستمرة بطريقة أو بأخرى. الذي تغير فقط أن الضمير العالمي يعتقد أنه أدى ما عليه وتم توقيع اتفاق «للسلام» حتى لو كان ذلك على الورق فقط أو في بعض وسائل الإعلام.
أما الاحتلال الإسرائيلي فما زال يتحكم في إيقاع الحياة والموت في غزة؛ يتحكم في المعابر، ويحدد عدد الشاحنات التي تدخل، ونوعية المساعدات المسموح بها، ولم يتحول الاتفاق إلى آلية لتدفق المساعدات وتحول في كثير من الأحيان إلى غطاء سياسي يتيح استمرار الضغط العسكري والاقتصادي على القطاع مع قدر أقل من الضجيج الإعلامي.
تقع المسؤولية إضافة إلى إسرائيل على الدول التي رعت الاتفاق وقدّمت نفسها ضامنة لوقف إطلاق النار الذي لم يتحقق وفق ما تم الاتفاق عليه. وعلى هذه الدول أن تعود مرة أخرى إلى الضغط على إسرائيل وتغير من مستوى اللغة المستخدمة التي تبدو أقرب إلى إدارة أزمة طويلة الأمد منها إلى مواجهة انتهاك سافر للقانون الدولي الإنساني.
والعالم الذي ملأ الشوارع باللافتات المطالبة بوقف الحرب لا يمكن أن يكتفي الآن بالقول إن «اتفاق سلام» وُقِّع وإن الملف في طريقه إلى الإغلاق. إذا كان لوقف إطلاق النار معنى حقيقي، فهو أن يتوقف القتل بالكامل، وأن تُرفَع القيود عن الغذاء والدواء والوقود، وأن تُحمى المستشفيات والمدارس ومخيمات النزوح.
ما ينبغي أن يُقال بصراحة هو أن ترك غزة في هذا الوضع، بعد كل ما شهدته من تدمير وتهجير هو استمرار للتواطؤ الذي بدأ مع بداية الحرب. وأن محاولة تكريس فكرة أن غزة في مرحلة ما بعد الحرب هو وصف تجميلي لحرب ما زالت متواصلة بأدوات أقل صخبا، لكن بالوحشية نفسها.