يمن مونيتور:
2025-08-12@01:31:13 GMT

لماذا تخشى أسواق الطاقة العالمية توسع حرب غزة؟

تاريخ النشر: 22nd, November 2023 GMT

لماذا تخشى أسواق الطاقة العالمية توسع حرب غزة؟

تراقب أسواق الطاقة العالمية عن كثب مجريات الحرب الراهنة في منطقة الشرق الأوسط بين إسرائيل والفلسطينيين، والتي من المُرجح أن تستمر لأسابيع طويلة، وهذا ما يجعل من الصعوبة بمكان التنبؤ بدقة بأبعادها وتبعاتها على المنطقة والعالم. ومع اندلاع الحرب في 7 أكتوبر 2023، أُثيرت مخاوف جدية حول احتمالية تصاعد الحرب واتساع نطاقها الإقليمي على نحو قد يفضي إلى تعطل إمدادات النفط والغاز القادمة من الشرق الأوسط.

وربما انحسر القلق العالمي بفضل تسارع الجهود السياسية والدبلوماسية الرامية لتحجيم نطاق الأزمة، ما يجنب العالم حتى الآن صدمة جديدة في أسواق الطاقة. ومع ذلك، يبقى انجرار أطراف إقليمية أخرى للحرب احتمالاً قائماً، الأمر الذي قد يتبعه اضطراب في أسواق الطاقة والاقتصاد العالميين.

 

تفسير الصدمات:

على هامش هذا التحليل، من المفيد الإجابة عن تساؤل رئيسي هو لماذا تحدث صدمات أسعار الطاقة في العالم؟ وهنا استعرض عدداً محدوداً من الأدبيات العلمية للصدمات التاريخية لأسواق الطاقة العالمية وخاصة النفط، مع تحديد أنماطها، وتفسير أسبابها. إذ استخدمت بعض الدراسات نموذجاً يرتكز على ثلاثة متغيرات لتفسير صدمات الطاقة في العالم، وهي: إنتاج النفط، والنشاط الاقتصادي الحقيقي (باستخدام مؤشر دورة الأعمال)، وأسعار النفط. وهذه متغيرات حاكمة في التأثير في استقرار أسواق الطاقة العالمية كافة بنهاية المطاف.

وقد ميزت الأدبيات بين نمطين رئيسيين لصدمات الطاقة وهما، أولاً: صدمة الإمدادات، وترتبط في المقام الأول بالتغير الجذري في مستوى الإنتاج العالمي من النفط أو الغاز الطبيعي، وهي ناتجة، كما يُظهر التاريخ، عن صراعات جيوسياسية حادة في مناطق الإنتاج الرئيسية أو تحولات سياسية جذرية على الساحة الدولية.

وكمثال حديث على ذلك، أدى نشوب الحرب الروسية الأوكرانية في فبراير 2022، إلى انقطاع معظم تدفقات الغاز الروسي إلى أوروبا، وصاحب ذلك ارتفاع في أسعار الغاز الأوروبي في نفس العام بنسبة 148% مقارنة بعام 2021. وكشاهد تاريخي آخر على ذلك، تسببت حرب الخليج الأولى في عام 1990 في أكبر زيادة تاريخية في أسعار النفط بنسبة قاربت 53% خلال فترة ثلاثة أشهر (أغسطس إلى أكتوبر 1990).

ثانياً: صدمة الطلب، وتنصرف إلى التغير الحاد في الاستهلاك العالمي للطاقة بتأثير من دورات الاقتصاد العالمي (النمو السريع أو الركود الحاد). وخير مثال على ذلك، الأزمة المالية العالمية في عام 2008، والتي أدت إلى انكماش واسع للنشاط الاقتصادي العالمي، وانخفاض أسعار النفط الخام بنسبة 102% مقارنة بمستوياته ما قبل تلك الأزمة.

وقد تحدث صدمات الطاقة عندما يشهد الطلب على النفط أو الغاز نمواً قوياً في مواجهة مرونة منخفضة للمعروض، أو يكون هناك قدر وافر من الإمدادات يقابله ركود في الطلب. وهذا ما حدث أثناء جائحة “كورونا”، عندما تدهورت أسعار النفط بشدة مع انخفاض الاستهلاك جراء الإغلاق الاقتصادي العالمي. وبالتالي، يمكن القول إن ديناميكية العرض أو الطلب تحدد مسار صدمة أسعار الطاقة، وليس جانباً واحداً من تلك الديناميكية.

 

تقلبات السوق:

تسببت الحرب المستمرة حتى الآن في قطاع غزة، في تصاعد القلق العالمي بشأن إمكانية تأثر إنتاج الشرق الأوسط من النفط والغاز وبالتالي اضطراب أسواق الطاقة العالمية. وأضاف هذا التطور الجديد مخاطر جيوسياسية (risk premium) في تسعير خامي النفط والغاز العالميين. فبعد اندلاع هذه الحرب، وصلت أسعار العقود الآجلة لخام برنت ذروتها عند 92 دولاراً للبرميل في 18 أكتوبر الماضي، أي بزيادة تفوق 7 دولارات عن مستويات ما قبلها.

ونفس الأمر بالنسبة لسوق الغاز، فقد ارتفعت الأسعار الفورية للغاز الطبيعي المُسال في آسيا بنسبة تجاوزت 48% لتصل إلى حوالي 19 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في 18 أكتوبر الماضي، وذلك مقارنة بـ12.8 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية في جلسة 6 أكتوبر الماضي.

لكن سرعان ما تراجعت أسعار النفط والغاز الطبيعي إلى مستويات ما قبل الصراع تقريباً مع نهاية شهر أكتوبر الماضي. ويبدو من المنطقي حدوث هذا الارتداد السريع بالنظر إلى انحسار المخاوف العالمية من امتداد الصراع إلى المنطقة بأكملها، وتلاشي التحذيرات من وجود تهديدات حقيقية أمام بيع ونقل إمدادات النفط والغاز الطبيعي في المنطقة.

وبنهاية الأسبوع الأول من شهر نوفمبر الجاري، تراجعت أسعار النفط إلى مستوى أدنى من 82 دولاراً للبرميل، وجاء ذلك أيضاً بفضل مخاوف تباطؤ الطلب العالمي من الخام، وضعف نمو الاقتصاد العالمي. بينما جرى تداول الأسعار الفورية للغاز الطبيعي المُسال في شمال شرق آسيا عند 15.7 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وتقل في منطقة جنوب غرب أوروبا إلى 13.2 دولار لكل مليون وحدة حرارية، إذ تبدو أوروبا أكثر استعداداً لفصل الشتاء مع ملء مرافق تخزين الغاز بنسبة وصلت إلى 98.7% في 24 أكتوبر الماضي.

 

مسار التصعيد:

يبدو سيناريو حدوث صدمة جديدة في أسواق الطاقة العالمية غير مرجح إلى حد كبير، وسط وفرة الإمدادات العالمية من النفط والغاز الطبيعي واستقرار الإمدادات من الشرق الأوسط حتى الآن. ومع ذلك، فإن الحرب الراهنة سوف تكرس مخاوف مستمرة لدى صُناع القرار بشأن تراجع المعروض من إمدادات الطاقة، واحتمالية حدوث اضطرابات في أسواق النفط والغاز.

ورجح البعض أن الإدارة الأمريكية قد تتجه إلى تضييق الخناق أكثر على تصدير النفط الإيراني، مع انتشار مزاعم حول تورط طهران في مساعدة حركة حماس عسكرياً قبل الحرب الحالية. وسوف يوقف أي إجراء عقابي أمريكي جديد نمو مبيعات النفط الإيراني التي وصلت ذروتها عند 1.5 مليون برميل يومياً في شهر أغسطس الماضي، وهو أعلى مستوياتها خلال خمس سنوات.

ومن منظور أوسع، إذا تصاعد الصراع الراهن واتسع نطاقه في الشرق الأوسط، فسيؤدي إلى تزايد عدم اليقين وكذلك التقلبات في أسواق الطاقة العالمية. وربما يؤدي تورط أطراف إقليمية وفواعل مسلحة أخرى في تلك الحرب إلى إلحاق أضرار مباشرة بالبنية التحتية لإنتاج ونقل النفط والغاز الطبيعي في المنطقة، ما يتبعه حتماً اضطراب واسع في أسواق الطاقة العالمية.

وفي ضوء تلك المخاوف، وضع البنك الدولي ثلاثة سيناريوهات رئيسية حول تعطل إمدادات النفط جراء حرب غزة وما سيصاحبها من ارتفاع أسعار الخام. ويفترض البنك الدولي أن الإمدادات قد تنخفض نحو نصف مليون برميل في أدنى السيناريوهات وتصل في أقصاها إلى 8 ملايين برميل يومياً، وسيصاحب ذلك زيادة أسعار النفط لما يتراوح بين 93 دولاراً عند أقل نقطة، و157 دولاراً للبرميل في سيناريو “التعطل الكبير”.

ولا ينفصل خطر التصعيد بالشرق الأوسط عن مجريات أسواق الغاز العالمية خاصة في أوروبا. وفي الواقع، لا يزال سوق الغاز في القارة الأوروبية أكثر حساسية لاضطرابات الإمدادات؛ نظراً لتحولها إلى الاعتماد على شحنات الغاز المُسال الفورية لتعويض نقص الغاز الروسي منذ اندلاع الحرب الأوكرانية. وإذا ما تصاعدت المخاطر في الشرق الأوسط، فهذا قد يعني انخفاض تدفقات الغاز بأسواق الاستهلاك الرئيسية، مما سيقود إلى ارتفاع قياسي في أسعار الغاز الطبيعي ليس في أوروبا فقط، وإنما أيضاً في باقي مناطق العالم.

إذن يمكن القول إن التعقيدات والتشابكات الجيوسياسية لحرب غزة، ستجعل من الصعب الجزم بمسارات أسواق الطاقة في الفترة المقبلة. إذ إن مجريات الحرب الراهنة، وما إذا كانت ستظل محصورة في قطاع غزة أم قد تنتقل إلى دول أخرى في الشرق الأوسط؟ وكيف سترد الأطراف الأخرى في المنطقة على الحرب؟ هي كلها عوامل ستحدد التداعيات المُحتمل أن تتركها تلك الحرب على استقرار أسواق الطاقة العالمية. وفي كل الأحوال، سيترقب منتجو النفط والغاز الطبيعي مجريات الحرب الراهنة وتطورها لتقييم مسارات الاستجابة الممكنة من أجل دعم استقرار أسواق الطاقة. ومن الوارد أن يبقى السحب من المخزونات الاستراتيجية للنفط والغاز الطبيعي أو التحول إلى مصادر أقل جودة بيئياً مثل الفحم؛ خيارات مطروحة على طاولة صُناع القرار في أسواق الاستهلاك للتعامل مع أي طوارئ مُحتملة في الفترة المقبلة.

 

*نشر أولاً في: “المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة

يمن مونيتور22 نوفمبر، 2023 شاركها فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام مركز دراسات يحذر من تدخل أمريكي واسع في اليمن بعد "اختطاف السفينة" مقالات ذات صلة مركز دراسات يحذر من تدخل أمريكي واسع في اليمن بعد “اختطاف السفينة” 22 نوفمبر، 2023 كيف يؤثر اختطاف الحوثيين سفينة شحن على أسعار السلع في اليمن؟ 22 نوفمبر، 2023 صحيفة عبرية: على إسرائيل شن هجمات فورية في اليمن 21 نوفمبر، 2023 جنوب إفريقيا تعلق علاقاتها مع الاحتلال وتغلق سفارة تل أبيب 21 نوفمبر، 2023 اترك تعليقاً إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

التعليق *

الاسم *

البريد الإلكتروني *

الموقع الإلكتروني

احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.

شاهد أيضاً إغلاق آراء ومواقف أهلاً بكم إلى “مقبرة الأطفال”… هنا غزة 10 نوفمبر، 2023 الأخبار الرئيسية مركز دراسات يحذر من تدخل أمريكي واسع في اليمن بعد “اختطاف السفينة” 22 نوفمبر، 2023 كيف يؤثر اختطاف الحوثيين سفينة شحن على أسعار السلع في اليمن؟ 22 نوفمبر، 2023 صحيفة عبرية: على إسرائيل شن هجمات فورية في اليمن 21 نوفمبر، 2023 البيت الأبيض يعلن مراجعته قرار إزالة الحوثيين من قوائم الإرهاب 21 نوفمبر، 2023 الحكومة اليمنية تطلق حملة رسمية وشعبية لإغاثة الفلسطينيين في غزة 21 نوفمبر، 2023 الأكثر مشاهدة واللاتي تخافون نشوزهن 14 مارس، 2018 الحكومة اليمنية تبدي استعدادها بتوفير المشتقات النفطية لمناطق سيطرة الحوثيين وبأسعار أقل 12 أكتوبر، 2019 التحالف يقول إن نهاية الحوثيين في اليمن باتت وشيكة 26 يوليو، 2019 مجموعة العشرين تتعهّد توفير “الغذاء الكافي” في مواجهة كورونا 22 أبريل، 2020 (تحقيق حصري) كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ 29 أغسطس، 2021 اخترنا لكم أهلاً بكم إلى “مقبرة الأطفال”… هنا غزة 10 نوفمبر، 2023 دروس عملية للمطبعين 10 نوفمبر، 2023 سمير عطا الله يكتب: ليس صحيحاً ما ترى 10 نوفمبر، 2023 تاريخ موجز للحائط المقدس.. في الصراع العربي – الإسرائيلي 17 أكتوبر، 2023 تمر في صنعاء 14 أكتوبر، 2023 الطقس صنعاء غيوم متفرقة 17 ℃ 22º - 15º 57% 2.5 كيلومتر/ساعة 22℃ الأربعاء 21℃ الخميس 22℃ الجمعة 23℃ السبت 22℃ الأحد تصفح إيضاً لماذا تخشى أسواق الطاقة العالمية توسع حرب غزة؟ 22 نوفمبر، 2023 مركز دراسات يحذر من تدخل أمريكي واسع في اليمن بعد “اختطاف السفينة” 22 نوفمبر، 2023 الأقسام أخبار محلية 24٬826 غير مصنف 24٬146 الأخبار الرئيسية 12٬092 اخترنا لكم 6٬475 عربي ودولي 5٬838 رياضة 2٬035 كأس العالم 2022 72 كتابات خاصة 1٬991 اقتصاد 1٬925 منوعات 1٬793 مجتمع 1٬742 تراجم وتحليلات 1٬443 صحافة 1٬440 تقارير 1٬413 آراء ومواقف 1٬400 ميديا 1٬205 حقوق وحريات 1٬194 فكر وثقافة 834 تفاعل 752 فنون 453 الأرصاد 160 بورتريه 62 كاريكاتير 26 صورة وخبر 20 الرئيسية أخبار تقارير تراجم وتحليلات حقوق وحريات آراء ومواقف مجتمع صحافة كتابات خاصة وسائط من نحن تواصل معنا فن منوعات تفاعل من نحن تواصل معنا فن منوعات تفاعل © حقوق النشر 2023، جميع الحقوق محفوظة   |   يمن مونيتورفيسبوكتويتريوتيوبتيلقرامملخص الموقع RSS فيسبوك تويتر واتساب تيلقرام زر الذهاب إلى الأعلى إغلاق فيسبوكتويتريوتيوبتيلقرامملخص الموقع RSS البحث عن: أكثر المقالات مشاهدة واللاتي تخافون نشوزهن 14 مارس، 2018 الحكومة اليمنية تبدي استعدادها بتوفير المشتقات النفطية لمناطق سيطرة الحوثيين وبأسعار أقل 12 أكتوبر، 2019 التحالف يقول إن نهاية الحوثيين في اليمن باتت وشيكة 26 يوليو، 2019 مجموعة العشرين تتعهّد توفير “الغذاء الكافي” في مواجهة كورونا 22 أبريل، 2020 (تحقيق حصري) كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ 29 أغسطس، 2021 أكثر المقالات تعليقاً 4 سبتمبر، 2022 مؤسسة قطرية تطلق مشروعاً في اليمن لدعم أكثر من 41 ألف شاب وفتاه اقتصاديا 19 يوليو، 2022 تامر حسني يثير جدل المصريين وسخرية اليمنيين.. هل توجد دور سينما في اليمن! 27 سبتمبر، 2023 “الحوثي” يستفرد بالسلطة كليا في صنعاء ويعلن عن تغييرات لا تشمل شركائه من المؤتمر 27 سبتمبر، 2023 وفاة رجل الأعمال اليمني محمد حسن الكبوس 15 ديسمبر، 2021 الأمم المتحدة: نشعر بخيبة أمل إزاء استمرا الحوثي في اعتقال اثنين من موظفينا 2 سبتمبر، 2023 عزوف الطلاب عن الدراسة الجامعية في تعز.. ما الأسباب والتداعيات؟ أخر التعليقات الصفحة العربية

انا لله وانا اليه راجعون ربنا يتقبله ويرحمه...

رانيا محمد

ان عملية الاحتقان الشعبي و القبلي الذين ينتمون اغلبيتهم الى...

Abdallah El Saeid Elhelw

مع احترامي و لكن أي طفل في المرحلة الابتدائية سيعرف أن قانتا...

الضباعي اليافعي

مشاء الله تبارك الله دائمآ مبدع الكاتب والمؤلف يوسف الضباعي...

ماجد عبد الله

الله لا فتح على الحرب ومن كان السبب ...... وا نشكر الكتب وا...

المصدر: يمن مونيتور

كلمات دلالية: أسواق الطاقة العالمیة النفط والغاز الطبیعی فی أسواق الطاقة اختطاف السفینة الحرب الراهنة الغاز الطبیعی أکتوبر الماضی الشرق الأوسط أسعار النفط حرب غزة من الم

إقرأ أيضاً:

لماذا اغتالت إسرائيل أنس الشريف؟

اواصل الجيش الإسرائيلي جرائمه ضد الإعلام، فقتل مراسلي الجزيرة أنس الشريف ومحمد قريقع، عامدا متعمدا، وهو ما اعترف به هذا الجيش في بيان له، وكأنه لم يعد معنيا بالإبقاء على صورة مصطنعة صاغها على مدار سنوات طويلة وسوقها للعالم زاعما أنه أكثر الجيوش أخلاقية، مع أنه لم يكفّ يوما عن تنفيذ ما يسميه "سلاح الاغتيالات" للسياسيين والإعلاميين، وقتل مدنيين عزّل حتى في غير أيام الحرب.

لم يكن استهداف الشريف وقريقع مستبعدا، لأنهما كان يمثلان في الشهور الأخيرة أكثر من عين وأذن للعالم أجمع على ما يعانيه أهل غزة من مجاعة، وما يرتكبه الجيش الإسرائيلي من فظائع، ومارسا دورهما بشجاعة نادرة، غير آبهين بشيء سوى فضح جرائم الاحتلال، وإيصال صوت أهل غزة المحاصرين المكلومين.

ولعل الرسالة التي تركها الشريف، وحملت وصيته تبين أنه كان يتوقع استشهاده وينتظره، كما تبين كم كان هو ورفيقه، يدركان جيدا أنهما يشكلان قلقا شديدا للحكومة الإسرائيلية وجيشها، لمهنيتهما الظاهرة، ومخاطرتهما في سبيل نقل الصورة الحقيقية، في وقت كانت فيه إسرائيل تبذل كل ما في وسعها من أجل التعتيم على ما يجري.صورة ل

ولعل الدليل على ذلك أن الصحفيين الشهيدين تلقيا تهديدات متواصلة من الجيش الإسرائيلي، وطالما ذكرهما إعلام في تل أبيب على أنهما يشكلان منبرا حيا ونشطا وفائقا، لفضح ما يفعله هذا الجيش.

في العموم، ومنذ انطلاق طوفان الأقصى، وإسرائيل تحرص على إسكات أي صوت يفضح حقيقة "الإبادة الجماعية" التي ترتكبها، ولذا قتلت نحو مائتي صحفي فلسطيني، حتى الآن، واعتقلت آخرين، وأغلقت مكاتب عدد من وسائل الإعلام العربية، ومنعت طواقمها من العمل في غزة، ومنها قناة "الميادين" اللبنانية وقناة "الجزيرة"، ثم أغلقت مكتب الأخيرة في رام الله، ومارست تضييقا على من تركتهم يعملون كمراسلين حربيين ميدانيين، وفعلت الأمر نفسه حتى مع المحليين الإسرائيليين أنفسهم، سواء الذين يظهرون في قنواتها الفضائية، أو يكتبون مقالات وأعمدة وتقارير وتحليلات في الصحف، ما داموا يبثون ما لا ترضى عنه الحكومة.

إعلان

لم يقتصر الأمر على ذلك، إنما وجدنا يد الرقابة العسكرية تمتد إلى الإسرائيليين أنفسهم، ممن كانوا يرفعون بهواتفهم الذكية مقاطع على شبكة الإنترنت، يصحبها أحيانا تعليق أو تعبير صوتي عن أي خسائر تقع داخل إسرائيل خلال الشهور الأولى للحرب، وأثناء قصف إيران مدنا إسرائيلية، واليوم ينتقد بعضها تضحية نتنياهو بالأسرى، أو إصراره على العودة إلى اجتياح غزة.

يقود التحليل الأوّلي لحادث استشهاد الشريف وقريقع، أنه مؤشر على أن الجيش الإسرائيلي بصدد اجتياح غزة لاحتلالها كما قررت حكومة بنيامين نتنياهو قبل أيام، وأنه هذه المرة سيضرب المدنيين بكل قسوة، وسيرتكب جرائم أكثر من السابق، في وقت تعالت فيه أصوات داخل تل أبيب تتحدث عن أن الجيش الإسرائيلي في حالة "فشل ذريع" في غزة، وهناك من يصف ما جرى بالهزيمة، بينما يصر متطرفون داخل الحكومة على تهجير قسري لأهل غزة.

فضلا عن هذا، وفي العموم، فإن إسرائيل مارست طوال الحرب الحالية تعتيما إعلاميا أكثر مما فعلت في حروبها السابقة، للأسباب الآتية:

إخفاء الخسائر العسكرية التي تصيب الجيش الإسرائيلي لخفض مستوى الانتقادات الداخلية له، وكذلك للحكومة التي تدير الحرب. الاستمرار في ممارسة الدعاية الكاذبة عن "الجيش الأخلاقي"، وهي مسألة استفادت منها إسرائيل كثيرا على مدار العقود الفائتة، ووظفتها في التغظية والتعمية على جرائم ارتكبتها ضد المدنيين سواء خلال الحروب، أو في غير أوقاتها.

واليوم، يريد الجيش الإٍسرائيلي، وهو على باب اجتياح بري مدينة غزة، أن يخفي الجرائم التي سيرتكبها بقتل البشر، وتدمير الحجر، حتى يخفض من درجة الانتقادات التي تلاحق قادته وجنوده والحكومة التي تقف خلفه، في العالم بأسره، حتى من قِبل مناصري إسرائيل.

3. إنقاذ ما تبقى من صورة الجيش الإسرائيلي على أنه "الجيش الذي لا يقهر"، وذلك في عيون الذين استثمروا فيه، ويراهنون عليه في الإدارات الغربية، لا سيما لدى أولئك الذين يدركون أن الجيش يمثل نقطة الارتكاز الأساسية لـ "دولة وظيفية"، تعد رأس حربة عسكرية وأمنية للمشروع الغربي في منطقة الشرق الأوسط، والذي يحاول أن يقنع بعض دول المنطقة بأن إسرائيل يمكن أن تكون مصدر حماية لها، وليس أمامها سوى الرضوخ، أو التوافق والتعاون معها.

4. حرمان المقاومة الفلسطينية من إيصال صوتها وفعلها للعالم، مع توقع دخولها في حرب عصابات أكثر ضراوة ضد الجيش الغازي، بما يبين للرأي العام الإسرائيلي أن جيشهم يواصل تخبطه وتوعكه أو نزيفه المستمر.

وعلى النقيض يرفع هذا من الروح المعنوية للمقاومين، ويزيد من ثقة الحاضن الاجتماعي بهم، لا سيما بعد أن ثبت للغزيين أن إسرائيل لا تريد سوى اقتلاعهم من أرضهم.

إن إسرائيل لم تمارس استهدافا للإعلام بهذا الشكل في حروبها السابقة، لأنها هذه المرة تريد تغطية عجزها وجرائمها الآن، عجز في ميدان القتال وتوحشها في مواجهة المدنيين العزل، بالقتل والتجويع والتدمير.

كانت إسرائيل في السابق تفتح مساحة تعبير لتحقيق بعض الأهداف منها: فرض معادلة الردع على الخصوم، وممارسة الحرب النفسية عليهم، وإشراك الداخل في الانشغال بالمعركة، لا سيما أن الجيش الإسرائيلي يعتمد كثيرا على قوة الاحتياط، ويعبئ موارد الدولة كاملة حول العسكريين في الحروب، لكنها اليوم لم تعد معنية سوى بإسدال سُتُر كثيفة على جرائمها.

إعلان

ومن المؤكد أن طول أمد الحرب ساهم في استهداف إسرائيل الإعلام بهذا الشكل في الحرب الراهنة، وهو ما لم تعتده إسرائيل التي كانت تميل إلى الحروب الخاطفة.

فقد أدى هذا إلى وقوع جيشها في "حرب استنزاف" في غزة. ففي مثل هذه الحالة تتوالى الخسائر، تعلو وتهبط ثم تصعد من جديد، ما يجعل الحقيقة ضاغطة أكثر على أعصاب الجيش والمجتمع الإسرائيلي معا، وقبلهما حكومة نتيناهو. وكلما خسر الجيش الإسرائيلي عسكريا انتقم من المدنيين، ويريد أن يفعل هذا بعيدا عن عين الإعلام وأذنه.

إن اغتيال إسرائيل للشريف وقريقع، بقدر ما يبين أن إسرائيل تريد أن تزيد من الإبادة الجماعية خلال الاجتياح الوشيك، فإنه، وعلى الوجه المقابل، يُظهر صعوبة الحرب التي تخوضها إسرائيل حاليا.

وهي مسألة ليست خافية على المقاومة، ولا المحللين العسكريين والسياسيين، وربما يزاح الستار يوما عما تم إخفاؤه، حين تضع الحرب أوزارها، ويبدأ حساب نتنياهو ومن معه، بل وحساب المشروع الإسرائيلي برمته، الذي فقد كثيرا من مناصريه.

لقد التحق الشريف وقريقع برفاقهما من شهداء الصحافة والإعلام، لكن هناك بين صفوف الفلسطينيين في غزة الآن من سيحمل راية الحقيقة من جديد، ويفضح جرائم الاحتلال.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحنمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطبيان إمكانية الوصولخريطة الموقعتواصل معناتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتناشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتناقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • لجنة الطاقة بمجلس النواب ترفض قرار اللجنة المالية بشأن عقود النفط
  • جنرال إسرائيلي: لماذا لم تُهزم حماس بعد كل الضربات التي تلقتها؟
  • محلل أسواق: تراجع أسعار النفط يزيد من تحديات تاسي
  • وزير الطاقة السوري يزور بغداد لبحث لنقل النفط عبر دمشق للبحر المتوسط
  • تشكيل لجنة لمراجعة عقود النفط والكهرباء وسياسات التعاقد في قطاع الطاقة
  • أسعار الخضر والفاكهة في أسواق الوادي الجديد
  • لماذا اغتالت إسرائيل أنس الشريف؟
  • تقرير: ليبيا تستعيد اهتمام شركات النفط العالمية وسط انتعاش قطاع الطاقة
  • تراجع شراء الهند لنفط روسيا يدفع موسكو للبحث عن أسواق بديلة
  • وزير الطاقة السوري: سأزور العراق لبحث تأهيل خط نفط كركوك–بانياس