إسقاط القدوات وتحديات التنشئة
تاريخ النشر: 2nd, December 2023 GMT
د. محمد بن خلفان العاصمي
هناك مقولة شهيرة ومتداولة على نطاق واسع تقول: "إذا أردت أن تهدم حضارة أمة، فهناك وسائل ثلاث: اهدم الأسرة، اهدم التعليم، إسقاط القدوات، ولكي تسقط القدوات عليك بالعلماء، اطعن فيهم، شكك فيهم، قلل من شأنهم، حتى لا يسمع لهم ولا يقتدي بهم أحد".
إنَّ التربية بالقدوة هي أحد أساليب التربية وتنشئة الأجيال، وتهتم المجتمعات كثيراً بصنع نماذج لشخصيات اجتماعية؛ سواء كانت رموزا سياسية وطنية أو دينية أو علمية أو فنية أو رياضية أو غيرها من المجالات، حتى تكون أمثلة تحتذي بها الأجيال القادمة، وتقتدي بها، في محاولة للوصول لمستواها المتميز من البذل والعطاء والتحلي بالصفات التي تحملها هذه النماذج، خاصة على مستوى القيم الاجتماعية والسلوك السوي.
إنَّ هوية المجتمعات تتشكل بما تملكه من قدوات، وما تنهجه من أساليب في التنشئة الحديثة، لذلك وعبر التاريخ اهتمت الحضارات بهذا الجانب، وقد سعت المجتمعات لإبراز ما يميزها من شخصيات مؤثرة، فعلى سبيل المثال ما إن تذكر الحضارة اليونانية إلا ويتبادر للذهن عصر الفلاسفة مثل أفلاطون وأرسطو وسقراط، والحال ذاتها عندما نذكر عصور ما قبل الإسلام حيث يبرز الشعراء كالمتنبي وامرئ القيس وعمرو بن كلثوم وغيرهم، وفي عهود الإسلام يبرز العلماء والمجددون في الفكر الإسلامي، وهكذا الحال على مر العصور.
وفي مجتمعاتنا العربية، ومن المؤسف أن نشاهد من يتطاول على القدوات للدرجة التي تصل به إلى محاولة التشكيك في قيمتها ومكانتها العلمية والاجتماعية، وهذا الفعل مرده إلى الفهم السطحي لمعنى حرية التعبير عن الراي، وعدم إدراك الفرد لحقيقة مستواه الفكري، فيظن أنه بمجرد قراءاته لعدد من الكتب وتفرده بتخصص معين أنه أصبح متمكناً وقادراً على نقد العلماء الراسخين في العلم، بل إن أكثر من يقوم بهذا الفعل ينطلق من سوء تقديره لمفهوم الصراحة وخلطه بينها وبين الوقاحة وانعدام اللباقة.
ومن البديهي أن كل رأي قابل للصحة والخطأ وهذ حقيقة علمية ثابتة وأن النقد ديدن العلم، وأن التمحيص في كل ما يرد للإنسان هو منفذه لقبول السمين وتجنب الغث، لكن بشرط أن يمارس كل ذلك وفق أدبياته وأصوله ومنطلقاته وآلياته، وأن يمارسه من هو أهل لذلك حتى لا يكون الهدف منه زرع الشك في نفوس الناشئة، وتضليل الناس حول هذه الشخصية الاجتماعية، وإفقاد المجتمع أحد أهم أساليب التربية الحديثة؛ وبالتالي الوصول إلى مرحلة من البحث عن نماذج بديلة وقوالب تناسب الفراغ الذهني الذي يتركه مثل هذا السلوك.
وفي الوقت الحالي، بدت عملية إسقاط القدوات الممنهجة سهلة للغاية في ظل توافر العديد من العوامل المساعدة، كضعف مؤسسات التعليم، وقصور دور المؤسسات المجتمعية التربوية مثل الأسرة والمسجد، وانشغال المربين بالحياة والأعمال، والاستعانة ببدائل المربين مثل العاملات المنزلية ودور الحضانة، والأسوأ من هذا كله هو توافر الوسائل لنشر هذه الأفكار ورواجها وسهولة الحصول عليها، وأقصد هنا وسائل التقنية الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي.
لقد قدمت هذه الوسائل خدمة جليلة لأصحاب الأفكار الهدامة، والذين يسعون لإفساد النشء من خلال إسقاط القدوات، وعندما نرى أن مساحة صوتية في إحدى وسائل التواصل الاجتماعي تسفه رأي عالم جليل، فعلينا أن ندرك أن الهدف ليس مجرد حرية التعبير عن الرأي وطرح ومناقشة الأفكار، وإنما الهدف أكبر من ذلك بكثير، وعلينا أن نعي أن من يقوم بهذا الفعل لديه أجندة محددة للوصول بالمجتمع إلى أدنى مراحل المحافظة على القيم التي يتمتع بها أفراده.
وفي المقابل، نرى أن النماذج السيئة تظهر على السطح ويتم الترويج لها بشكل يثير الريبة والدهشة، وتتصدر المشهد في وضع مريب يجعلك تتساءل عن أسباب ذلك، ولماذا يحاول البعض إظهار المجتمع من خلال هؤلاء الأفراد الذين لا يملكون فكراً ولا محتوى هادفا ولا معرفة علمية ولا قيما يمكن الاعتداد بها لصناعة جيل يواجه تحديات المستقبل، بل إن بعض هذه النماذج وصلت بها الحال إلى اعتبارها أحد عوامل هدم القيم المجتمعية وتقويض بناء الاسرة ومصدر للسلوك السيئ.
علينا كمسؤولين عن تربية النشء الانتباه جيداً وقراءة الأحداث التي تمر علينا يومياً قراءة تحليلية فاحصة، فلكل سلوك سبب ظاهر وسبب مخفي، والمسؤولية تلزمنا بأن نقف في وجه من يحاول إسقاط القدوات لأن ذلك سوف يعود أثره علينا جميعاً، وأن نتصدى لمحاولة صناعة نماذج سيئة وتقديمها كقدوات لأبنائنا وبناتنا، والله من وراء القصد.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
إسقاط 78 مسيرة روسية خلال الليل 3 قتلى بينهم طفل بمدينة سومي الأوكرانية .. وإصابة شخصين بموسكو
كييف (أوكرانيا) "أ ف ب" "د ب أ": أسفرت ضربات روسية بطائرات مسيّرة عن مقتل ثلاثة أشخاص، من بينهم طفل يبلغ ثماني سنوات، في مدينة سومي الواقعة في شمال شرق أوكرانيا، وفق ما أعلنت الإدارة الإقليمية صباح اليوم.
وقال رئيس الإدارة الإقليمية أوليغ غريغوروف "قرابة منتصف الليل، نفّذ الروس هجوما ضخما بطائرات مسيّرة على قرية .. لدينا معلومات تفيد بمقتل ثلاثة أشخاص".
وبالإضافة إلى الطفل "قتل رجل وامرأة أيضا" بحسب غريغوروف الذي أوضح أن "الضربة أودت بحياة أشخاص من عائلات مختلفة، وكانوا جميعا يعيشون في الشارع نفسه".
من جهته، قال رئيس بلدية خاركيف إيغور تيريخوف في منشور على تلغرام إن روسيا أطلقت سبع طائرات مسيّرة على المدينة الواقعة في شمال شرق أوكرانيا خلال الليل مشيرا إلى أن خمسة أشخاص أصيبوا في الهجمات.
وأعلن سيرغي ليساك، حاكم منطقة دنيبروبيتروفسك (جنوب) أن ضربات بالمدفعية وبطائرات مسيرة استهدفت بلدة نيكوبول، غرب زابوريجيا.
واشار إلى إصابة أربعة أشخاص موضحا أنهم "يتلقون العلاج في عيادات متنقلة"، وإلى تضرر مبنى حكومي وبرج سكني ومنزلين ومتجر جراء الغارات.
إصابة شخصين في موسكو
في العاصمة الروسية موسكو استهدفت طائرة مسيّرة مبنى سكنيا ما أدى إلى إصابة شخصين نقل أحدهما إلى المستشفى، وفق ما أعلن حاكم منطقة موسكو أندري فوروبيوف على تلغرام. وأضاف أنه "تم إجلاء حوالى مئة شخص من بينهم 30 طفلا من المبنى".
وأضاف أن طائرتين مسيرتين أخريين أسقطتا فوق غرب العاصمة الروسية، دون التسبب في وقوع إصابات.
وليل الأحد الاثنين، قُتل ما لا يقل عن عشرة أشخاص في "عمليات قصف روسية ضخمة" استهدفت كييف والمنطقة المحيطة بها، وفق ما أعلن وزير الداخلية الأوكراني ايغور كليمنكو على تلغرام، في وقت تتعثر الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب بين البلدين.
واستمرت الضربات أكثر من أربع ساعات، في البداية بطائرات مسيّرة متفجرة، ثم بصواريخ بالستية وصواريخ كروز.
وتعرضت أحياء عدة في العاصمة الأوكرانية لأضرار نتيجة الهجوم، كما دمر قسم كامل من مبنى سكني متعدد الطوابق.
وأسفرت ضربات في منطقة أوديسا في جنوب أوكرانيا الاثنين عن مقتل شخصين وإصابة ما لا يقل عن 12 آخرين، وفقا للسلطات المحلية.
كما تضررت مدرسة، بحسب الرئيس الأوكراني الذي قال "للأسف، من المرجح أن بعض الأشخاص ما زالوا عالقين تحت الأنقاض".
وتتعرّض المدن الأوكرانية لضربات روسية كل ليلة، في وقت وصلت المحادثات لوقف إطلاق النار إلى طريق مسدود.
وتحتل موسكو حاليا نحو خمس مساحة أوكرانيا بعدما أعلنت ضمّ أربع مناطق أوكرانية، بالإضافة إلى شبه جزيرة القرم التي غزتها عام 2014.
من جهته، أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، خلال زيارة الرئيس الأوكراني للمملكة المتحدة الاثنين، اتفاقا لإنتاج طائرات مسيّرة ما يعزز التعاون العسكري مع أوكرانيا.
إسقا مسيرات
أعلن سلاح الجو الأوكراني، في بيان عبر تطبيق تليجرام، اليوم أن قوات الدفاع الجوي الأوكراني أسقطت 78 من أصل 97 طائرة مسيرة معادية أطلقتها روسيا على الأراضي الأوكرانية خلال الليل.
وقال البيان إن القوات الروسية شنت هجمات على أوكرانيا، خلال الليل، باستخدام 97 طائرة مسيرة من طراز شاهد، وطرازات أخرى خداعية تم إطلاقها من مناطق أوريل، وميليروفو، وكورسك، وبريمورسكو-أختارسك الروسية، وتشودا بشبه جزيرة القرم المحتلة مؤقتا، حسبما ذكرت وكالة الأنباء الوطنية الأوكرانية "يوكرينفورم".
وأضاف البيان أنه تم صد الهجوم من قبل وحدات الدفاع الجوي ووحدات الحرب الإلكترونية ووحدات المسيرات وفرق النيران المتنقلة التابعة لسلاحي الجو والدفاع الجوي الأوكرانيين.
وقال البيان إنه بحلول الساعة 00:8 صباح اليوم أسقطت وحدات الدفاع الجوي 78 طائرة مسيرة من طراز شاهد، وطرازات أخرى خداعية في شرق وجنوب وشمال أوكرانيا.
وأضاف البيان أن هجمات الطائرات المسيرة تسببت في وقوع أضرار في ستة مواقع على الأقل.
من ناحية أخرى، أعلن الجيش الأوكراني، اليوم، ارتفاع عدد قتلى وجرحى العسكريين الروس منذ بداية الحرب على الأراضي الأوكرانية في 24 فبراير 2022، إلى مليون و13 ألفا و700 فرد، من بينهم 1200 قتلوا، أو أصيبوا، خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية.
وجاء ذلك وفق بيان نشرته هيئة الأركان العامة للقوات الأوكرانية، في صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وأوردته وكالة الأنباء الوطنية الأوكرانية (يوكرينفورم)، اليوم الثلاثاء.
وبحسب البيان، دمرت القوات الأوكرانية منذ بداية الحرب 10966 دبابة، منها دبابة واحدة أمس الاثنين، و22879 مركبة قتالية مدرعة، و29511 نظام مدفعية، و1424 من أنظمة راجمات الصواريخ متعددة الإطلاق، و1188 من أنظمة الدفاع الجوي.
وأضاف البيان أنه تم أيضا تدمير 416 طائرة حربية، و337 مروحية، و41915 طائرة مسيرة، و3388 صاروخ كروز، و28 سفينة حربية، وغواصة واحدة، و52916 من المركبات وخزانات الوقود، و3920 من وحدات المعدات الخاصة.