العراق رهينة التوقعات والتخمينات..غياب التعداد السكاني يزيد حجم الفساد
تاريخ النشر: 5th, December 2023 GMT
الاقتصاد نيوز-متابعة
لأكثر من ربع قرن، ظل العراق أسيرًا للأرقام والإحصائيات "التخمينية"، وبالرغم من وجود محاولات من قبل الحكومات السابقة لتحقيق التعداد السكاني، الا أنها باءت بالفشل نتيجة لتعقيدات وتدخلات سياسية وعرقية.
تقول وزارة التخطيط إنها تعتزم إتمام التعداد خلال العام المقبل، في حين يبدي اقتصاديون شكوكًا حيال جدية الحكومة في إنجازه.
محاولات "فاشلة"
المتحدث باسم وزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي يشير إلى أن "العراق لم يجرِ تعداداً سكانياً منذ عام ١٩٧٩، والذي لم يكن شاملاً لعدم تضمينه إقليم كردستان".
واوضح الهنداوي خلال حديثه لـ (المدى) أن "غياب التعداد كل هذه السنوات سبب فجوة كبيرة، لوجود حاجة الى البيانات والاحصائيات التي ترسم الواقع وتعكسة بدقة"
ويفيد الهنداوي بإن "المحاولات السابقة لإجراء التعداد واجهت كماً من التحديات ففي عام ٢٠١٠ وصلت إجراءات التعداد الى مراحلها الأخيرة، وتأجل بسبب خلافات سياسية على بعض المناطق المتنازع عليها لم تحل"، وفق قوله.
ويضيف ان "المحاولة الثانية كانت عام 2020 لكن تأجل التعداد السكاني بسبب الوضع العام للبلد الذي لم يكن مستقراً آنذاك".
ويتابع، ان "مجلس الوزراء أصدر قراراً بأن يكون التعداد خلال شهر تشرين الثاني من العام المقبل"، مؤكدا ان "التعداد يعتبر أولوية للبرنامج الحكومي".
متطلبات وإجراءات
وفيما يتعلق بالتحضيرات للتعداد المترقب، يوضح الهنداوي انه " تم وضع خطة بتوقيتات محددة لاجل اتمام التعداد خلال شهر تشرين الثاني من عام ٢٠٢٤، ولكونه يعد مشروعاً ضخماً وكبيراً فهو يتطلب العديد من الإجراءات والتحضيرات".
وعن تلك المتطلبات، يبين أن "هناك حاجة لتوفيرالاجهزة اللوحية بعدد لا يقل عن ١٢٠ الف جهاز، كون التعداد سيكون إلكترونيا"، لافتاً إلى أن عملية التعاقد مع شركات عالمية لاجل توفير وتجهيز الأجهزة يتطلب وقتا يترواح بين ٥-٦ اشهر".
ويستكمل حديثه عن بقية المتطلبات :" نحتاج الى اجراء تعداد تجريبي خلال شهر أيار المقبل بالإضافة الى تدريب ما يقارب ١٣٠ الف عداد من المدرسين والمعلمين، على كيفية استخدام الأجهزة اللوحية وملئ الاستمارة وطرح الأسئلة"، مضيفا ان "اهم اجراء يتمثل بعمليات الحصر والترقيم، التي تحتاج إلى شهرين على الأقل".
ويلفت الهنداوي الى وجود حاجة ملحة "لانشاء مركز وطني يعالج البيانات باحدث التقنيات، وتوفير الصور الفضائية للوحدات الادارية على مستوى المحافظة والقضاء والناحية والقرية. إضافة إلى توفير تغطية الهاتفية وشبكة الانترنيت لكل مناطق العراق، لتمكين نقل البيانات بشكل مباشر وبدقة عالية".
ويشيع الهنداوي إلى أن "موازنة ٢٠٢٢ خصصت مبلغ ١٠٠ مليار دينار لتنفيذ التعداد السكاني"، معربا عن امله في توفير أموال إضافية بموازنة العام المقبل لاستكمال بقية الإجراءات.
وعن أهمية إتمام التعداد السكاني، يوضح الهنداوي أنه "يسهم بتوفير قاعدة بيانات شاملة عن العراق تساعد في حل مشاكل توزيع الثروات بين المحافظات بناءً على الأسس السكانية، وتقديم بيانات دقيقة لخطط التنمية والباحثين، بالإضافة الى التصدي لشكوك بعض المحافظات بخصوص دقة إحصاءات كثافة سكانها، مما يسهم في بناء قاعدة بيانات موثوقة ومستدامة".
أغراض سياسية
الباحث في الشأن الاقتصادي، أحمد عيد، يقول إن "أي دولة تسعى الى تنمية واقعها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، ستضع الإحصاء السكاني ضمن أولوياتها "، مشيرا الى ان "الحكومات العراقية المتعاقبة منذ عام ٢٠٠٣، تجاهلت الاهتمام بإجراء التعداد السكاني".
ويعزوا عيد، أسباب عزوف الحكومات عن اجراء التعداد بـ "وجود دوافع سياسية وأخرى طائفية"، واصفاً التصريحات الحكومية التي تتحدث عن أهمية اجراء التعداد، بانها "استهلاكا اعلامياً يستخدم لأغراض سياسية".
غياب الأرقام
ويبين عيد، أن "الحكومات العراقية خلال ٢٦ عاما التي مضت اعتمدت على قواعد بيانات قديمة وغير مُحدثة، ما ولدت حالة من الإرباك بسبب عدم وجود بيانات صحيحة وواقعية"، مستدركا بالقول ان "عدم وجود قاعدة بيانات رسمية سيجعل البلد رهينة للتوقعات والتخمينات التي تُبنى على أساس طائفي وحزبي".
ويردف، أن "غياب الأرقام الحقيقية يزيد من مستويات وحجم الفساد في جميع مؤسسات الدولة، وعدم وجود بيانات تعتمد على تعداد موثوق يضع البلد في دائرة الخطر التنظيمي والاقتصادي والاجتماعي".
ويلمح الى "عدم وجود بوادر لإجراء التعداد على المستوى العملي"، قائلاً: "مجرد تصريحات يعرف مطلقيها من خلالها مدى خسارتهم بعد إجراء التعداد"،
ويكمل، أن "المؤشرات الإحصائية في العراق عادة ما تدخل حيّز التخمين، وهو ما ترتّب عليه فشل معظم خطط التنمية الوطنية كونها مرتكزة على بيانات تقديرية غير موثوقة"، محذراً من الامتناع عن إجراء التعداد السكاني.
ويختتم عيد حديثه، أن التعداد "ضرورة وطنية مهمة، وواجب اجراءه كل ٨ سنوات"، لافتاً الى ان "إدارة التعداد بمهنية وعملية ونزاهة عالية، لن يكلف الدولة تكلفة مالية كبيرة".
احتياجات العراقيين
من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي، جليل اللامي، إن "الحكومة تعول على أهمية إجراء التعداد في تنفيذ سياسات وتحقيق أهداف برنامجها، ومعالجة المشاكل التي تسعى لحلها والمتعلقة بالصحة والتعليم والسكن والبطالة والفقر"، داعياً إياها الى "بذل أقصى الجهود لإنجازه في الوقت المحدد، وإصدار توجيهات لتهيئة كل الإمكانات والمتطلبات البشرية والفنية والمالية واللوجستية المطلوبة".
وخصصت الحكومة الاتحادية، مبلغ 120 مليار دينار لتنفيذ التعداد السكاني، بهدف تحقيق معالجات حقيقية للسيطرة على معدلات الفقر، ووفقاً لقاعدة بيانات حقيقية، سيتم احتساب معدلات الدخل ومستوى الخدمات التي يحصل عليها الفقراء، في حين سيتم تنفيذ المسوح الميدانية لتحديد أماكن تركزهم، ما يمهد تحديد خط الفقر في البلاد، كما يسهم في دعم ميزانيات المدن وفقاً لاحتياجاتها، وإطلاق المشاريع الخاصة بالسكن وتحجيم البطالة، بحسب ما تحدث به اللامي.
ويؤكد على ان "العراق بحاجة إلى إجراء تعداد سكاني نزيه لا تتدخل فيه الإرادات الحزبية والخلافات بين الكيانات السياسية وبين السلطات في بغداد وأربيل"؟
ويرى اللامي وجود "ضرورة سياسية لإجراء التعداد وهو خطوة هامة تستند على الرغبة في تحديد احتياجات الشعب والتصدي للتحديات التي تعترضه، لتحديد خطة فعّالة لدعم كافة مطالب العراقيين".
المصدر : جريدة المدى
المصدر: وكالة الإقتصاد نيوز
كلمات دلالية: كل الأخبار كل الأخبار آخر الأخـبـار التعداد السکانی إجراء التعداد
إقرأ أيضاً:
تصاعد حرب إسرائيل وإيران يزيد تأهب المستثمرين ويصعد بالنفط والدولار
يدرس المستثمرون عدة سيناريوهات للأسواق في حال زادت الولايات المتحدة من تدخلها في صراع الشرق الأوسط، مع احتمال حدوث تداعيات مضاعفة إذا ارتفعت أسعار الطاقة بشكل حاد.
وركزوا على تطور القتال بين إسرائيل وإيران، اللتين تتبادلان الهجمات الصاروخية، ويراقبون عن كثب ما إذا كانت الولايات المتحدة ستقرر الانضمام إلى إسرائيل في حملة القصف التي تشنها.
قد تؤدي السيناريوهات المحتملة إلى ارتفاع التضخم مما يضعف من ثقة المستهلكين ويقلل فرصة خفض أسعار الفائدة على المدى القريب. ومن المحتمل أن يتسبب ذلك في عمليات بيع أولية للأسهم وإقبال محتمل على الدولار كملاذ آمن.
وفي حين ارتفعت أسعار النفط الخام الأميركي بنحو 10% خلال الأسبوع الماضي، لم يشهد المؤشر ستاندرد اند بورز 500 تغيرا يذكر حتى الآن، بعد انخفاض شهده في بداية الهجمات الإسرائيلية.
ومع ذلك، يقول آرت هوجان كبير محللي السوق لدى بي.رايلي ويلث إنه إذا أدت الهجمات إلى انقطاع إمدادات النفط الإيراني "عندها ستنتبه الأسواق وتتحرك".
وأضاف هوجان "إذا حدث اضطراب في إمدادات المنتجات النفطية في السوق العالمية، فلن ينعكس ذلك على سعر خام غرب تكساس الوسيط اليوم، وهنا ستصبح الأمور سلبية".
وقال البيت الأبيض يوم الخميس إن الرئيس دونالد ترامب سيحدد موقفه حيال مشاركة الولايات المتحدة في الصراع خلال الأسبوعين المقبلين.
ووضع محللون في أوكسفورد إيكونوميكس ثلاثة سيناريوهات تتراوح بين خفض التصعيد في الصراع، والتعليق الكامل للإنتاج الإيراني، وإغلاق مضيق هرمز، وقالت المؤسسة في المذكرة إن "لكل منها تأثيرات كبيرة متزايدة على أسعار النفط العالمية".
وأضافت أنه في أسوأ الحالات، ستقفز أسعار النفط العالمية إلى نحو 130 دولارا للبرميل لتدفع التضخم في الولايات المتحدة إلى ما يقرب من ستة بالمئة بحلول نهاية هذا العام.
إعلانوقالت أوكسفورد إيكونوميكس في المذكرة "على الرغم من أن صدمة الأسعار ستؤدي حتما إلى إضعاف الإنفاق الاستهلاكي بسبب تضرر الدخل الحقيقي، فإن أي فرصة لخفض أسعار الفائدة الأمريكية هذا العام
ستتدمر بسبب مدى زيادة التضخم والمخاوف من تداعيات لاحقة من التضخم".
تأثير النفط
اقتصر التأثير الأكبر من الصراع المتصاعد على أسواق النفط حيث ارتفعت أسعار الخام بفعل المخاوف من تعطيل الصراع الإيراني الإسرائيلي للإمدادات. وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت بما يصل إلى 18% منذ 10 يونيو/ حزيران لتبلغ أعلى مستوى لها في خمسة أشهر تقريبا عند 79.04 دولار يوم الخميس.
وتجاوز ارتفاع توقعات المستثمرين لمزيد من التقلبات على المدى القريب في أسعار النفط زيادة توقعات التقلبات في الأصول الرئيسية الأخرى، مثل الأسهم والسندات.
إلا أن المحللين يرون أن الأصول الأخرى، مثل الأسهم، لا يزال من الممكن أن تتأثر بالتداعيات غير المباشرة لارتفاع أسعار النفط، لا سيما إذا قفزت أسعار الخام في حال تحققت أسوأ مخاوف السوق وهو تعطل الإمدادات.
وكتب محللو سيتي جروب في مذكرة "تجاهلت الأسهم إلى حد كبير التوتر الجيوسياسي لكن النفط تأثر به". وأضافوا "بالنسبة لنا، سيأتي التأثير على الأسهم من تسعير سلع الطاقة".
نجت الأسهم الأميركية حتى الآن من تأثير التوتر المتصاعد في الشرق الأوسط دون أي دلالة على الذعر. ومع ذلك، قال المتعاملون إن انخراط الولايات المتحدة بشكل مباشر أكثر في الصراع قد يؤدي إلى إثارة الذعر في الأسواق.
وقد تشهد أسواق المال عمليات بيع أولية في حال هاجم الجيش الأميركي إيران، إذ يحذر الاقتصاديون من أن ارتفاعا كبيرا في أسعار النفط قد يضر بالاقتصاد العالمي الذي يعاني بالفعل من ضغوط بسبب الرسوم الجمركية التي يفرضها ترامب.
ومع ذلك، يشير التاريخ إلى أن أي تراجع في الأسهم قد يكون عابرا. فخلال الأحداث البارزة السابقة التي أدت لتوتر في الشرق الأوسط، مثل غزو العراق عام 2003 والهجمات على منشآت النفط السعودية في عام 2019، تراجعت الأسهم في البداية ولكنها سرعان ما تعافت لترتفع في الأشهر التالية.
وأظهرت بيانات ويدبوش سيكوريتيز وكاب آي.كيو برو أن المؤشر ستاندرد اند بورز 500 تراجع في المتوسط 0.3% في الأسابيع الثلاثة التي أعقبت بدء صراع، لكنه عاود الصعود 2.3% في المتوسط بعد شهرين من اندلاع الصراع.
يمكن أن يكون للتصعيد في الصراع آثار متباينة على الدولار، الذي تراجع هذا العام وسط مخاوف من تضاؤل التفوق الأميركي.
وقال محللون إنه في حال انخراط الولايات المتحدة بشكل مباشر في الحرب الإيرانية الإسرائيلية، فقد يستفيد الدولار في البداية من الطلب على الملاذ الآمن.
وقال تييري ويزمان محلل العملات الأجنبية وأسعار الفائدة العالمية في مجموعة ماكواري في مذكرة "من المرجح أن يقلق المتعاملون أكثر من التآكل الضمني لشروط التجارة الخاصة بأوروبا والمملكة المتحدة واليابان، وليس الصدمة الاقتصادية للولايات المتحدة، وهي منتج رئيسي للنفط".
إعلانوأضاف "نتذكر أنه بعد هجمات 11 سبتمبر، وخلال الوجود الأميركي في أفغانستان والعراق الذي استمر لعقد من الزمن، ضعف الدولار الأميركي".