ملحمة إنسانية تعكس قيم الوطن
تاريخ النشر: 19th, December 2023 GMT
ملحمة إنسانية تعكس قيم الوطن
تنفيذاً لتوجيهات وأوامر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة “حفظه الله ورعاه”، يأتي استقبال الدفعة السادسة من الأطفال الفلسطينيين الجرحى ومرضى السرطان “61 من محتاجي الرعاية الطبية مع 71 مرافقاً من عائلاتهم”، ضمن مكرمة سموه الإنسانية الحانية لعلاج ألف طفل فلسطيني من المصابين وعدد مماثل من مرضى السرطان من مختلف الشرائح العمرية في قطاع غزة بمستشفيات الدولة، ليعكس الجهود النبيلة التي تقوم بها الإمارات انطلاقاً من قيمها الأصيلة في العطاء والتفاعل الإيجابي مع احتياجات المنكوبين الأساسية، والتي تقدم أروع المثل على الاستجابة الواجبة وقوة جهود الخير وفاعلية المبادرات الاستثنائية للحد من معاناة المدنيين جراء الأوضاع الصعبة التي يمرون بها عبر منظومة متكاملة على أكثر من صعيد ضمن عملية “الفارس الشهم3″ بكل ما تشكله من ملحمة إنسانية و”فزعة خير” مبهرة ومحطة مشرفة ضمن الجهود التاريخية الداعمة للأشقاء الفلسطينيين في كافة الظروف، حيث أرسلت الإمارات 131 طائرة وسفينة شحن وأوصلت 14000 طن من المواد الغذائية والطبية، وأقامت مستشفى ميدانياً داخل القطاع يتسع لـ150 سريراً ويعمل بإشراف فريق طبي إماراتي، ودشنت 3 محطات تحلية مياه في رفح المصرية لتزويد القطاع بالمياه عبر تحلية نحو 600 ألف غالون يومياً وضخها عبر أنابيب لتأمين احتياجات 300 ألف نسمة، وكذلك استقبال 33 طالباً وطالبة من أبناء غزة للدراسة في الدولة وعلى نفقتها.
العطاء قيمة متجذرة في مجتمع الإمارات الحريص على المشاركة انطلاقاً من توجيهات القيادة الرشيدة ليكون صاحب دور مؤثر في المساعي التي تنتصر للإنسانية من خلال التطوع والمشاركات المنتجة، ومنها حملة “تراحم من أجل غزة”، والمتطوعون الطبيون الذين يشاركون في المستشفى الإماراتي الميداني في القطاع، بالإضافة إلى وفد الدولة المتواجد في مدينة العريش المصرية لتقديم المساعدات عبر معبر رفح، والتي تجسد مدى التضامن والتآزر وتشكل إضافة إلى مسيرة العطاء الإنساني في موازاة جهودها الدبلوماسية التي تسعى إلى التوصل إلى وقف فوري ونهائي لإطلاق النار عبر مواقفها التي تشدد على حتمية التعاون الدولي الهادف لحماية المدنيين وتأمين ممرات آمنة لمساعدتهم، ودعوتها الدائمة لإنجاز حل جذري للصراع يكون كفيلاً بتحقيق السلام العادل والشامل عبر “حل الدولتين” وفق المرجعيات المعتمدة، وهي مواقف تحظى باحترام العالم الذي يواكب بكل اعتزاز ما تقوم به الإمارات في مجلس الأمن ومشاريع القرارات التي تتقدم بها وسعيها لتقريب وجهات النظر بهدف إيجاد خرق ينهي الجمود الدولي ويوفر مساراً يتشارك فيه الجميع العمل لإنجاز المسؤوليات الإنسانية والأخلاقية الواجبة.
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
أحمد الأشعل يكتب: 30 يونيو… لحظة الخلاص وميلاد الجمهورية الجديدة
في حياة الشعوب محطات لا تُنسى، لحظات تصنع التاريخ وتُعيد رسم الخريطة، وتُعلن – بصوت لا يقبل التراجع – أن هذا الوطن باقٍ، وأن أبناءه حين يقررون النهوض، لا يوقفهم شيء. ويوم الثلاثين من يونيو عام 2013 لم يكن مجرد خروج جماهيري عارم، بل كان إعلانًا شعبيًا حاسمًا لاستعادة مصر من فم الخطر، وتحرير الدولة من قبضة جماعة لم تؤمن يومًا بفكرة الوطن، ولا بقيم الدولة، ولا بحق الناس في الحياة الكريمة.
كان ذلك اليوم لحظة فاصلة قرر فيها المصريون أن ينهضوا من الصمت، وأن يقولوا كلمتهم الأخيرة في وجه حكم لم يعرف إلا التسلط، ولم يسعَ إلا للتمكين باسم الدين، ولا رأى في الشعب إلا تابعًا لا شريكًا. كانت الملايين التي خرجت من كل شبر في مصر، تدرك أن ما يجري ليس خلافًا سياسيًا، بل معركة وجود، معركة على الهوية، وعلى المصير، وعلى البقاء.
ولم يتردد القائد الوطني المخلص عبد الفتاح السيسي لحظة، في أن ينحاز إلى صفوف الشعب، وأن يتخذ القرار الأصعب في التوقيت الأصعب، حاسمًا المعركة لصالح الوطن، واضعًا خريطة طريق واضحة لبناء دولة جديدة تستحق هذا الشعب العظيم، وتحمي هويته، وتعيد إليه شعوره بالأمان والانتماء. لم يكن الأمر سهلًا، ولم يكن المسار ممهدًا، بل كانت الطريق مليئة بالأشواك، بالمؤامرات، وبحرب ممنهجة على كل جبهة، داخلية وخارجية.
منذ ذلك اليوم بدأت معركة جديدة، أشد قسوة، لكنها أكثر نبلاً: معركة البناء. دولة خرجت من عنق الزجاجة، وبدأت ترمم ما تهدّم، وتعيد بناء ما فُكك، وتستعيد هيبتها ومكانتها ودورها الإقليمي والدولي. وشيئًا فشيئًا، ومع كل تحدٍ جديد، كانت مصر تنتصر. انتصرت على الإرهاب، وعلى محاولات التقسيم، وعلى حروب الجيل الرابع، وعلى الأزمات الاقتصادية التي عصفت بدول العالم. انتصرت لأن الشعب صدّق قائده، ولأن القائد لم يخن لحظة حلم الناس في دولة حديثة قوية عادلة.
الجمهورية الجديدة لم تكن شعارًا، بل تحوّلت إلى مشروع متكامل، بدأ بتثبيت أركان الدولة، ثم إطلاق مشروعات البنية الأساسية، والتمهيد لنهضة شاملة في كل المجالات، من الطاقة إلى الصحة، من التعليم إلى الرقمنة، من العدالة الاجتماعية إلى الأمن القومي، من عشوائيات مهجورة إلى مدن ذكية تنبض بالحياة، ومن قرى منسية إلى قرى نموذجية بكرامة كاملة تحت مظلة “حياة كريمة”. إن ما تحقق خلال سنوات قليلة، كان يتطلب في دول أخرى عقودًا، ولكن إرادة الدولة المصرية – بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي – لم تعرف التراخي، ولم تقبل الحلول المؤقتة أو المسكنات المرحلية.
لكن ما يجب أن نعيه جيدًا، أن التحديات لم تنتهِ، وأن ما ينتظرنا أخطر وأدقّ، لأن المعركة اليوم ليست فقط مع الإرهاب أو التخريب، بل مع استحقاقات التنمية، ومع موجات الغلاء العالمية، ومع ضغوط الواقع الاقتصادي، ومع طموحات شعب بات يعرف طريقه ولا يقبل العودة للخلف. ولهذا فإن اللحظة الراهنة تقتضي وقفة حقيقية من الحكومة وكل مؤسسات الدولة، وقفة تليق بجسامة المسؤولية. لقد آن الأوان أن نقولها بوضوح: كونوا رجالًا على قدر المرحلة، وكونوا عونًا للرئيس لا عبئًا عليه. لا مجال للرتابة، ولا وقت للتجريب، ولا عذر أمام التقصير. مصر أكبر من المكاتب المغلقة، وأوسع من حسابات الوقت الضائع. والرئيس الذي اختار المواجهة ولم يختبئ خلف الشعارات، يستحق منكم أن تكونوا شركاء لا متفرجين، مبادرين لا متلقين، رجال دولة حقيقيين لا موظفين يُديرهم الخوف والانتظار.
وإذا كانت 30 يونيو قد أنقذت الدولة من السقوط، فإن بناء الجمهورية الجديدة يحتاج إلى نفس الروح، ونفس الإصرار، ونفس الإيمان العميق بأن الوطن يستحق. يستحق أن نمنحه كل ما نملك من وقت وجهد وعقل، ويستحق أن نرسم له غدًا يُشبه تاريخه ويليق بشعبه. لقد اختار الشعب طريقه، واختار رئيسه، وبقي أن تختار الحكومة أن تكون على قدر التكليف. فمصر التي صمدت في وجه العاصفة، لن تقبل التراخي في وقت البناء.
التاريخ سيتوقف طويلًا أمام هذه السنوات، وسينصف تلك اللحظة التي قرر فيها المصريون أن يستعيدوا وطنهم. وسيكتب أن ثورة 30 يونيو لم تكن مجرد انتفاضة على نظام، بل كانت لحظة وعي، وميلاد قيادة، وانطلاق مشروع أمة. وما نراه اليوم من مدن ترتفع في الصحراء، ومن مصانع تعود للعمل، ومن قرى تتغير وجوهها، ومن جيش يحمي ولا يحكم، ومن رئيس لا ينام، هو الدليل الحيّ على أن هذا الشعب حين يقرر، فإنه يغير وجه التاريخ.
ثورة 30 يونيو ستبقى حية في ضمير الوطن، وشاهدًا على أن مصر لا تُكسر، ولا تُشترى، ولا تُدار إلا بإرادة أبنائها. والجمهورية الجديدة ليست حلمًا، بل قدرٌ نمضي إليه بثبات، وإيمان، وعزم لا يلين.