دارفور.. ناجون يصفون عاما من الجحيم
تاريخ النشر: 31st, December 2023 GMT
مع تصاعد العنف في السودان منذ أبريل الماضي، نزح آلاف الأشخاص من مناطقهم بحثا عن الأمان في مناطق أخرى في البلاد، ولكنهم لم يتوقعوا أن يهربوا من جحيم المعارك ليعيشوا جحيما آخر، حيث أصبحوا "عبيدا".
وروى مجموعة من الناجين من مناطق سيطرة المسلحين في دارفور معانتهم لصحيفة الغارديان، التي عنون شهاداتهم بـ "عام من الجحيم".
غمار الدين، كان يزور أحد أصدقائه، في أبريل الماضي، ويقول: "عندما عدت إلى بيتي في الجنينة بدارفور وجدت الجميع قد ماتوا، أمي أبي، أعمامي، إخوتي، أخواتي.. أردت أن أموت في تلك اللحظة".
وذكر أنه أثناء دخول المسلحين للمنطقة شاهد مجموعة منهم يجردون امرأة من ملابسها ثم يغتصبونها في الشارع، مضيفا أنهم قالوا له: "هذه المنطقة ملك لنا، وليست لكم، أنتم عبيد".
وشهدت مناطق في دارفور، منذ منتصف أبريل الماضي، غارات شبه يومية شنتها قوات الدعم السريع وميليشيات عربية متحالفة معها، مستهدفين المناطق التي تسكنها قبيلة المساليت، وهي إثنية عرقية أفريقية.
واستهدفت الهجمات المتعلمين من رجال المساليت، ثم لاحقوا الفتيان وأطلقوا عليهم النار، وقتلت نساء وفتيات وتعرضت النساء للاغتصاب بالقرب من الجثث.
ويشهد السودان، منذ 15 أبريل، حربا بين الجيش بقيادة، عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة، محمد حمدان دقلو، المعروف باسم"حميدتي".
محمود آدم، وهو مترجم سابق مع قوة حفظ السلام التي غادرت المنطقة بنهاية 2020، وكان يعيش قرب قاعدة لقوات الدعم السريع، قال إن "الميليشيات العربية كانت تصل في الصباح على ظهور الخيل والدراجات النارية قبل أن تتوجه لشن هجمات على المساليت".
وأضاف "لمدة شهرين. كان هذا رويتنهم.. كنت أسمعهم يتحدثون عن عدد الأشخاص الذين قُتِلوا بنهاية كل يوم".
ووقعت هذه الهجمات بينما كان اهتمام العالم ينصب على القتال الذي يدور في العاصمة، الخرطوم، حيث أطلقت الحكومات الأجنبية عمليات نقل جوية لإجلاء مواطنيها، ولكن المأساة في دارفور ، التي دمرتها 20 عاما من أعمال العنف والإبادة الجماعية، لم تبدأ بالظهور إلا بعد أسابيع.
وبدأت الهجمات، في 24 أبريل الماضي، أي بعد ما يزيد عن أسبوع من اندلاع القتال على مستوى البلاد بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وبلغت ذروتها منتصف يونيو بعد مقتل حاكم ولاية غرب دارفور، الأمر الذي دفع السكان من المساليت إلى الهرب مذعورين إلى تشاد المجاورة ومنطقة أردماتا النائية.
وحتى من هربوا لم يكونوا بمعزل عن أهداف قوات الدعم السريع الذين أطلقوا النار على الحشود والمركبات، بحسب ما قال أحد الناجين.
وأضاف أنه "مشهد من الجحيم" حيث ظهرت عشرات الجثث على الطريق، أو جرفتها الأمواج على ضفاف نهر قريب وبعضهم كانت أيديهم مقيدة.
وكان العنف الجنسي سمة من سمات العنف في الجنينة، حيث قام مسلحون بجمع واغتصاب النساء والفتيات، بحسب ما نقلته الغارديان عن الشهود.
وكان عدد سكان الجنينة في السابق يقدر بنحو نصف مليون نسمة، ولكن أحياء المساليت أصبحت مهجورة، ويقول أحد عمال الإغاثة للصحيفة: "لا يوجد أحد هناك، المكان هادئ.. وكأنها مدينة أشباح".
أريك كواكيا، عالم النفس في لجنة الإنقاذ الدولية قال للصحيفة: "يعاني كل شخص عبر الحدود تقريبا من نوع ما من الصدمة.. لقد رأوا أشياء فظيعة".
ما وقع في دارفور حيث يتعرض المدنيون لأعمال عنف على نطاق واسع، أثار مخاوف الأمم المتحدة من حدوث إبادة جماعية جديدة في الإقليم، بحسب وكالة فرانس برس.
وتروي مريم آدم يايا (34 عاما) لوكالة فرانس برس "ما شهدناه في أردماتا كان مروعا. قوات الدعم السريع قتلت مسنين وأطفالا بشكل عشوائي".
وتحاول مريم جالسة على الارض أمام مسكنها في مخيم أدري، إسكات جوعها باحتساء شاي غلته على الحطب.
وعبرت مريم وهي من قبيلة المساليت، الحدود سيرا بعد رحلة استغرقت أربعة أيام، من دون طعام، فيما كانت تحمل ابنها البالغ ثماني سنوات على ظهرها. وتقول إنها اضطرت لترك سبعة من أطفالها الآخرين بعد هجوم شنّه رجال "مدججون بالسلاح" على قريتها.
واتهمت عواصم غربية من بينها واشنطن "عناصر من قوات الدعم السريع وميليشيات متحالفة معها بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وأعمال تطهير عرقي". ويشتبه الاتحاد الأوروبي أيضا في حدوث "تطهير إثني" في دارفور.
وبمجرد وصول اللاجئين إلى منطقة وداي الحدودية، يتكدسون في المخيمات التي تديرها منظمات غير حكومية وفي مخيمات أخرى غير رسمية حيث يقيمون ملاجئ بما توافر من مواد.
وتضم تشاد، الدولة الواقعة في وسط إفريقيا والتي تعد ثاني أقل البلدان نموا في العالم وفق الأمم المتحدة، أكبر عدد من اللاجئين السودانيين، ووصل عددهم الى 484626 شخصا منذ بداية الحرب بحسب آخر حصيلة صادرة عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
ويضاف الجوع إلى معاناة النزوح والفظائع التي شهدها السودانيون.
وأسفرت الحرب في السودان عن مقتل 12 ألف شخص، وفقا لحصيلة منظمة أكليد المتخصصة في إحصاء ضحايا النزاعات. لكن يرجّح أن يكون هذا العدد أقلّ بكثير من العدد الفعلي للضحايا.
ووفق أرقام الأمم المتحدة، أجبر أكثر من سبعة ملايين شخص على الفرار من منازلهم، بينهم 1.5 مليون لجأوا إلى البلدان المجاورة.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع الأمم المتحدة أبریل الماضی فی دارفور
إقرأ أيضاً:
تعنت وتصعيد جديد للأزمة السودانية.. الدعم السريع يرفض الهدنة الجزئية في الفاشر
البلاد (الخرطوم)
في تصعيد جديد للأزمة السودانية، أعلنت قوات الدعم السريع رفضها لأي هدنة جزئية في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، مؤكدة تمسكها بضرورة التوصل إلى وقف إطلاق نار شامل يرتبط بحل سياسي جذري للصراع المستمر في البلاد منذ أكثر من عام.
وأكد المستشار القانوني لقوات الدعم السريع، محمد المختار النور، أن قواته لم تتلقَ أي طلب رسمي من أي جهة محلية أو دولية بشأن هدنة إنسانية في الفاشر، رغم إعلان رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان موافقته على الهدنة المقترحة، موضحاً أن قوات الدعم السريع لم تتلقَ أي اتصالات رسمية من الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة بشأن المبادرة التي يجري تداولها دولياً، والتي تهدف إلى فتح ممرات آمنة لإغاثة المدنيين المحاصرين في المدينة.
وشدد النور على أن قوات الدعم السريع لن تقبل بأي صيغة لوقف إطلاق النار تكون “مؤقتة أو جزئية”، سواء في الفاشر أو في أي منطقة أخرى من السودان، مؤكداً أن القبول بالهدنة مرهون فقط بالتوصل إلى وقف شامل ومستدام لإطلاق النار يكون جزءاً من حل سياسي شامل، يعالج جذور الأزمة. كما أشار إلى أن مدينة الفاشر باتت شبه خالية من المدنيين، بعد موجات نزوح جماعي إلى مناطق مثل طويلة وكرمة وجبل مرة، موضحاً أن من تبقى داخل المدينة هم مقاتلون تابعون للجيش السوداني.
التعنت الميداني يأتي في وقت تتزايد فيه التحذيرات الدولية من كارثة إنسانية وشيكة في الفاشر. وأفادت تقارير حقوقية بأن عشرات الآلاف من المدنيين ما زالوا محاصرين داخل المدينة، ويواجهون نقصاً حاداً في الغذاء والمياه والأدوية وسط تدهور مقلق في الأوضاع الصحية والمعيشية.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، قد أعلن أنه يجري اتصالات مكثفة مع الأطراف السودانية من أجل التوصل إلى هدنة إنسانية عاجلة تسمح بوصول المساعدات إلى المدينة المنكوبة. وذكر غوتيريش أنه تلقى موافقة من قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان على مبادرة الهدنة، معرباً عن أمله في أن يستجيب الطرفان لتفادي كارثة محتملة في الفاشر.
وتؤوي مدينة الفاشر، وفق آخر الإحصاءات، نحو نصف مليون شخص، إضافة إلى عشرات الآلاف من النازحين الذين لجؤوا إلى المدينة هرباً من المعارك المستمرة منذ اندلاع النزاع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023.
وتعاني المدينة من أزمة خانقة في الإمدادات الغذائية ومياه الشرب والخدمات الصحية، في وقت تشير فيه تقارير إنسانية إلى تفاقم خطر المجاعة وانتشار الأمراض في معسكرات النزوح والمناطق المحاصرة.
موقف قوات الدعم السريع برفض الهدنة الجزئية يعكس تعقيد المسار السياسي في السودان، حيث تتعثر المفاوضات، وتفشل المساعي الإقليمية والدولية في دفع الأطراف نحو تسوية شاملة تنهي الحرب، التي دمّرت البنية التحتية وعمّقت الأزمة الإنسانية في البلاد.
وفي ظل غياب آفاق قريبة للحل، تتصاعد المخاوف من اتساع رقعة المعارك وارتفاع فاتورة الخسائر البشرية، وسط ضغوط أممية ودولية متزايدة لوقف التصعيد وإنقاذ المدنيين المحاصرين.