خبير سياسي: كابوس تايوان أصبح حقيقة بالنسبة للصين
تاريخ النشر: 3rd, January 2024 GMT
شهدت تايوان تحولاً ديموغرافياً وسياسياً كبيراً للغاية خلال العقود الأخيرة، تحول يمنع عملياً أي إعادة توحيد سلمية بين تايوان والصين، حسبما يرى الخبير السياسي الدكتور جيمس هولمز رئيس كرسي جيه سي ويلي للاستراتيجية البحرية بكلية الحرب البحرية الأمريكية.
ويضيف الدكتور هولمز في تقرير نشرته مجلة "ناشونال إنتريست" الأمريكية، أن "الصين تواجه واقعاً سياسياً جديداً في تايوان: فلم يعد هناك أصدقاء لها"، كما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" مؤخراً.
وإذا لم تحظ الصين بأي دعم من جانب الأحزاب السياسية في تايوان، فإن هناك احتمالاً ضئيلاً في أن ينجح شخص ذو علاقة ودية مع الصين، في الفوز بمنصب رئيس تايوان في الانتخابات التي ستجرى هذا الشهر.
Taiwan's seismic demographic and political transformation in recent decades precludes a peaceful unification with China, writes James Holmes. https://t.co/PWTpHwsEc7
— National Interest (@TheNatlInterest) January 2, 2024ويوضح هولمز أنه بدون رئيس وبرلمان تربطهما صداقة بالصين، ليست هناك فرصة لدى الصين لتحقيق هدفها الأسمى وهو السيطرة على تايوان دون قتال. وسوف تضطر لاستخدام القوة المسلحة مع كل ما تنطوى عليه الحرب من أخطار وتكاليف. وليس بوسع كيان الحزب الشيوعي الصيني إلا أن يلوم نفسه فقط على الوصول إلى هذا الوضع المؤسف. إذ يبدو أن دبلوماسيته استهدفت عن عمد تقريباً إبعاد الأصدقاء المحتملين، وتوحيد صفوف التحالفات والإئتلافات لهزيمة أهداف الحزب الشيوعي الصيني.
ويمكن القول بصراحة إن التركيبات السكانية ليست صديقة للصين في مضيق تايوان. ومنذ حوالي 20 عاماً، كانت المشاعر بين سكان تايوان منقسمة بشكل متساو تقريباً ما بين المؤيدين لإعادة توحيد الجزيرة مع الصين والمؤيدين للاستقلال. وفي أقصى الحدود يمكن القول أن نحو 10% يؤيدون إعادة التوحيد الفورية، و10% يؤيدون الاستقلال الفوري.
وأما الـ80% الباقون، فإنهم يبدو أنهم راضون تقريباً بالوضع الراهن لتايوان، ويعربون عن تأييدهم لإعادة التوحيد أو الاستقلال لكن ليس على أساس جدول زمني معين. والمعتدلون يسعدهم بقاء الوضع عليه للأبد بدلاً من حدوث اضطراب نتيجة أي تغيير سياسي جذري.
ومنذ ذلك الحين، تدهورت الأمور من وجهة نظر بكين. ويعتبر حدوث تغير في الأجيال أمراً حتمياً، حيث تختفي الأجيال القديمة وقد تتغير اتجاهات أي مجتمع مع تولي الأجيال الشابة التي شكلتها تجارب تكوينية مختلفة زمام الأمور.
ويقول هولمز أنه منذ مطلع القرن، انخفضت نسبة "مواطني الوطن الأم" الذين فروا إلى تايوان في أعقاب الهزيمة في الحرب الأهلية الصينية، والذين يعتبرون أنفسهم أساساً صينيين إلى %3 من السكان، حسبما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال". وهذه ليست نسبة كبيرة مؤيدة لاتحاد عبر المضيق. ولن يهتم أحد بنسبة 3% من الناخبين.
وسكان الجزيرة من الشياب يعتبرن أنفسهم أساساً تايوانيين وليس صينيين. ولا يظهرون قدراً كبيراً من الانتماء- ناهيك عن الولاء- للصين. وليس من الغريب إذاً أنه لم يقم أي حزب من الأحزاب الثلاثة المتنافسة على الرئاسة في تايوان، بجعل إعادة التوحيد موضوعاً رئيسياً خلال السعي لاكتساب أصوات الناخبين. بل العكس في حقيقة الأمر. إذ أنه حتى الحزب القومي الصيني أوالكومنتانغ، والذي كان مقرباً إلى بكين في الماضي، لجأ إلى التزام الصمت تقريباً فيما يتعلق يالدعوة إلى علاقات أكثر قرباً عبر المضيق. وهذه هي الطريقة التي تعمل بها السياسة الانتخابية.
With voters set to cast their ballots for a new leader in January in a volatile three-way election, Taiwanese politics has shifted decisively, and perhaps irrevocably, away from China https://t.co/8JotjDPzlp https://t.co/8JotjDPzlp
— The Wall Street Journal (@WSJ) December 29, 2023وأكد هولمز أنه من الخطأ الاعتقاد بأن الشيوعيين سوف يتفهمون تقلبات السياسات الديمقراطية. إذ أن تصرفات الصين تجاه تايوان ترقى في حقيقة الأمر إلى مستوى سوء الممارسة الدبلوماسية. إنها سياسة هزيمة ذاتية، ويمكن توقع ذلك في المستقبل. ويعد فشل الصين في كسب ود سكان تايوان جزءاً من تحولها الأوسع نطاقاً من "القوة الناعمة" إلى الإكراه والترهيب. فهي تريد الإخافة بدلاً من الاجتذاب.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: حصاد 2023 التغير المناخي أحداث السودان سلطان النيادي غزة وإسرائيل مونديال الأندية الحرب الأوكرانية عام الاستدامة تايوان الصين
إقرأ أيضاً:
ما المسافة بين تصورات الأجيال المعاصرة؟
تتبادل الأجيال أدوارها، وتخلق تصوراتها الصائبة أو الزائفة عن جيلها وعن بقية الأجيال السابقة واللاحقة، فمثلًا يتعرض كل من ميشيل بيالو وستيفان بود، في دراستهما عن العلاقة الاجتماعية بين العمال الدائمين «العجائز» والمؤقتين الشباب في مصنع بيجو للسيارات قائلين: «كان العجائز يرون في المؤقتين مجرد «شباب» يسقطون عليهم رؤية شبابهم الخاص (اللامبالاة والتمرد)، علمًا أن هؤلاء الشباب يعيشون قبل كل شيء الخوف من ألا يمكنهم أبدًا الارتباط بسوق العمل».
الدراسة نفسها منشورة في الجزء الثاني من كتاب بؤس العالم La Misere Du Monde بإشراف عالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو، وترجم الكتاب للعربية تحت إشراف الناقد الفلسطيني فيصل دراج؛ يضيف الباحثان: «الشباب.. مالوا إلى بناء تصورهم لجيل القدامى في المصنع بالمقلوب، (وهذا الجيل هو بالنسبة لكثيرين منهم هو جيل أهاليهم) فهم جيل لا هم لديه، وربما هو جيل «سعيد» وذلك لمجرد أنه نجح بالماضي في الحصول بسهولة على عمل. هذا التصور.. يعزل عمليًا لحظة واحدة وهي لحظة دخولهم سوق العمل، ويتجاهل مجموع الضغوط التاريخية التي خضع لها أناس ذلك الجيل (كأبناء الفلاحين مثلًا الذين هربوا من عمل الأرض للوصول إلى خيرات ومسرات «المجتمع الاستهلاكي»).
من الواضح أن الأجيال ترسم تصوراتها بناء على خبرتها المعاشة، وتنظر للآخر من واقع همومها وهواجسها، وكل ذلك دليل اهتمام متبادل بين الأجيال وهو دليل صحة وعافية اجتماعية وحركة، وبدون ذلك يختل نمو المجتمع، مهما كانت تلك التصورات نفسها زائفة في غالب الأحيان، فهي على الأغلب طريقة تفكير إنسانية شائعة لتحديد حدود الذات والآخر، حتى في المجتمع الواحد نفسه، لكن الأهم من خلق تلك التصورات نفسها هو فتح أبواب الحوار البنّاء والتعبير الحر بين الأجيال ، وإدامة التواصل بين مختلف الأعمار، والنقاش حول تلك التصورات وعدم الاكتفاء برسمها وإشاعتها داخل أطر مغلقة تخص كل جيل بنفسه، فالمشاركة الاجتماعية وصحة المجتمعات مبنية على التواصل لا على الانقطاع.
لا شك أن لكل جيل متاعبه وهمومه التي حتمتها عليه ظروفه الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبشكل عام من الأفضل للأجيال المتتابعة من المجتمعات أن تتقدم بدل الركود، وأن تطرح وتناقش وتحاور، بصوت عال وبأفكار متحررة، همومها ومخاوفها وأحلامها وآمالها، وذلك الحوار العام هو السبيل الأمثل لخلق مجتمعات متكاملة صحية.
إن الأوضاع الاقتصادية المتسارعة في اقتصاديات ما يدعوه سمير أمين اقتصاديات التبعية فرضت ثقلها على الأجيال المتتابعة، وهي بشكل عام تقلص مساحات حركتهم وحريتهم، ولكن ذلك الوضع نفسه يشمل حتى اقتصاديات المراكز العالمية اليوم، وقد اتسع الفارق بين الأغنياء والفقراء وفق بعض الدراسات إلى ٦٠ مرة عن مستوياته في سبعينيات القرن العشرين، والآثار الاقتصادية المترتبة على غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار بلا شك يسبب قلقًا للأجيال، ويجعل نظرتها قاتمة إلى المستقبل، خاصة الأجيال الناهضة منها، وفي مجتمعاتنا التي تجد نفسها مدفوعة دفعًا للاستهلاك بكافة السبل والوسائل تتآكل الوفرة المادية والمدخرات، وذلك يجعل الأجيال تحمل شعور الإحباط تجاه نفسها وتجاه غيرها، وذلك الشعور النفسي لا يساعدها على بناء المجتمعات ولا على الانتاج أو العمل، بل بالعكس يهبط بمستويات إنتاجها وإبداعها، وينشر حالة السخط والاستنكار في الناس.
إن العناية بالشباب ليست مسألة دعائية، بل هي مسألة إجرائية وفعلية معنية بتأمين واضح لمستقبلهم، ووضع آليات جذرية ونظم حيوية تصنع حلولًا لما يواجههم من مصاعب، وتأخذ بعين الاعتبار قلقهم وخشيتهم، وتعمل فعليًا على بث الطمأنينة فيهم خاصة تجاه مستقبلهم، وهو المستقبل العام للبلاد والناس الذي يشكل الشباب عماده وأساسه.
يشيع في الجيل الأقدم معنا اليوم تصور عن الجيل اللاحق يجعله جيلا كسولا، مهملا، أقل معاناة وبالتالي أقل التزامًا، وأكثر استلابًا لعصره، وبالتالي أكثر خضوعًا وانعدام شخصية، ومطواعًا لكل المؤثرات، وبالتالي أقل قدرة على تولي المسؤولية، في حين يصنع الجيل اللاحق عن الجيل الأقدم تصورًا عن أنه جيل قديم، غير مواكب للعصر ولا لأفكاره، وأن كل محاولاته للحاق بالعصر هي محاولات خرقاء، غير عملية، وأنه جيل حصل على حياته بسهولة، وساعدته الظروف اللينة والصعود الاقتصادي ليعيش ويحقق ذاته، ولم يجابه أية تحديات حاسمة.
لا شك أن النقد في حد ذاته عملية بنّاءة، لكن هناك فرق بين النقد الذي يحاول الفهم وبين تبادل الاتهامات، وعملية النقد لا تكتمل إلا بإشاعة ثقافة نقدية تستهدف الفهم الصحيح واستخلاص العبر والتصحيح والتعديل ومواصلة التجارب، لا إيقافها.
نعيش اليوم بشكل عام متورطين في ثقافة شكلانية تهتم بالأشكال والشعائر والظواهر أكثر من أرواحها وبواطنها، وذلك يؤثر بلا شك حتى على نظرتنا لأنفسنا ولغيرنا، والأمل في الأجيال الجديدة أن تعمل على رفع تلك الثقافة إلى مصاف ثقافة مبدعة وحيوية وأكثر نشاطًا وديناميكية، ثقافة لا ترتهن للشكليات، بل تسعى للتبسيط قدر الإمكان، وهي ثقافة ظلت متوارثة معنا لأجيال، لكنها أضحت اليوم متوارية في الظل، لا تعيد الأجيال استدعاءها أو التفكير فيها، ورغم خطاب الحفاظ على التراث فإن ذلك الحفاظ يبدو شكلانيًا، بما أن الدرس العميق لتلك الثقافة المتوارثة فات مع دخول الحداثة، مع أن الشواهد، العمرانية خاصة، تحتفظ بتلك الثقافة القديمة، وتلك رسالة الأجيال الأقدم، ولكن الرسالة ضاعت كما يبدو مع دخول الحداثة، وأصبحت المجتمعات مهووسة بالشكلانية حتى توشك على الإفلاس من إرهاق ميزانياتها واقتصادها العام للحاق بسراب الشكلانية، ومحاولة التظاهر بالثراء، بدل تحقيق الثراء.
يشير غياب ثقافة البساطة عن عالمنا اليوم بوضوح لانقطاع الاتصال بين الأجيال المتلاحقة، وللفراغات التي نشأت بينها، ولا شك أن دخول الحداثة هو السبب المباشر لانقطاع الطريق القديم، والذي حوّل المجتمع من مجتمع أبرز سماته الإنتاجية إلى مجتمع أبرز سماته الاستهلاكية، لكن هناك سببًا آخر ولا شك يكمن في أننا لم نستوعب رسالة الأجيال في الوقت المناسب، ولم نستثمر حتى تاريخنا المعاصر، بل نسيناه أو تناسيناه، رغم أهميته الملحة وحاجتنا إليه.
لعل أبلغ درس يمكن استنباطه من التجربة العمانية في شرق إفريقيا، وزنجبار خاصة، هو أن أزمنة الوفرة والنشاط الاقتصادي قابلة للانقطاع، بل وللخراب، بيد الحماية الغربية المزعومة نفسها، وأن الأحلاف السياسية للمركزية الغربية متبدلة وفقًا للمصالح الخاصة بها، ولن تقدم بطبيعة الحال مصالح غيرها على مصالحها الذاتية، ففي الوقت الذي كانت فيه زنجبار وتنجانيقا في أوج ازدهارها كانت البلد الأم عمان في أسوأ حالاتها الاقتصادية والسياسية، وتعيش على تحويلات العمالة العمانية في شرق إفريقيا، واليوم يحدث العكس، ولا أبلغ من ذلك إذا نظرنا للتاريخ بعين متأملة.
إن التحديات الجديدة التي يضعنا فيها العالم المعاصر هي تحديات تحتاج التكاتف والحوار المفتوح بين الأجيال ، آباءً وأمهات وأبناءً وبنات، وترك الحوار والانكفاء وتبادل الاتهامات لا تعمل إلا على توسيع الهوة بين الأجيال، وتصنع سياجًا وهميًا بينها، ما يعطل التواصل وانتقال المفاهيم المشتركة والمبادئ والأخلاقيات والعبر التاريخية، وكل ذلك يعطل نمو المجتمع، وهو المجتمع الذي تقع على عاتقه اليوم تحديات جديدة، مختلفة في أشكالها، وأنماطها وأنواعها، وتتطلب حلولًا جذرية جديدة، تضمن قوة المجتمع وديمومة حيويته، وكل تلك الحلول رهن بوعي الفرد والجمع، وكلما ازدادت ثقة الفرد والجمع في ذاته ازدادت احتماليات نجاحه في تجاوز التحديات وصنع حلول أفضل، والعكس صحيح.
نتحدث عن الأجيال، والأجيال اللاحقة ابنة الأجيال السابقة، لكن الولادة ليست بالجسد فقط، بل هي كذلك سلسلة تواصل نفسية وروحية وفكرية ومعيشية، تنقل كثيرًا من الخبرات والمفاهيم التي لا تستطيع اللغة التعبير عنها، ولا يمكن وصولها للأجيال إلا عبر الحضور الكلي والروحي للأجيال ، وعبر المعايشة والتعبير الحر التي يكفلها التواصل الحي بين الأجيال، كي تنتقل الشعلة الحية عبر الأجيال جسديًا وروحيًا، وتبقى متصلة من الماضي إلى المستقبل.
إبراهيم سعيد شاعر وكاتب عُماني