لجريدة عمان:
2024-06-02@22:32:56 GMT

إسرائيل ضحية قادتها

تاريخ النشر: 6th, January 2024 GMT

المتابع للصراعات التي تحدث في العالم المعاصر يشعر بقدر كبير من الخطر على مستقبل البشرية، يستوي في ذلك الدول المتقدمة والدول النامية، أو حتى الدول المتخلفة عن ركب الحضارة المعاصرة، لعل العنوان الأهم في هذا المشهد البائس هو غياب العدالة، رغم وجود منظمات دولية وأخرى إقليمية، وجميعها تستهدف منع الصراعات والحيلولة دون استقواء الدول الكبرى على حساب الدول الصغرى، والعمل على حل المشاكل بين الدول بالطرق السلمية، لعل الحالة الفلسطينية تمثل نموذجًا لفشل الدول الكبرى والمنظمات العالمية حينما فشلت في حل القضية الفلسطينية التي طال أمدها لأكثر من خمسة وسبعين عاما، واجه فيها الفلسطينيون واقعا بائسا من الظلم، حينما أُجبروا على الهجرة من أرضهم إلى أوطان غير أوطانهم، ومن بقي منهم متمسكا بأرضه واجه قسوة مفرطة وظلمًا لا مثيل له في تاريخ البشرية، تحت نظر وبصر العالم الذي يرفع شعار العدالة والحرية والعيش المشترك، وقد تبين أن جميعها مجرد شعارات فارغة خلت من محتواها.

اللافت للنظر أن الدول ذاتها التي تدعو إلى الحرية والعدالة والديمقراطية وحقوق الإنسان، هي نفسها التي أقامت الدنيا ولم تقعدها حينما يئس الفلسطينيون من الوصول إلى أي حلول عادلة، وبعد أن عوملوا على أرضهم كغرباء لا يستحقون أي حياة كريمة، وعاشوا أوضاعا قاسية في ظل هيمنة عدوهم على كل مناحي حياتهم باعتبارهم مواطنين غرباء، مما خلَّف شعورًا باليأس وهو ما يُعد سببًا كافيًا لإقدامهم على اختراق حاجز الخوف، وكان المشهد عظيا يوم ٧ أكتوبر ٢٠٢٣، وقد انتفضت الدول الكبرى للدفاع عن إسرائيل وإدانة الفلسطينيين، ولم يكتفوا بمجرد الإدانة وشيطنة الفلسطينيين في وسائل إعلامهم، بكل لغات العالم، وإنما راحوا يحشدون كل أنواع الأسلحة الفتاكة دفاعا عن إسرائيل، ولم يلتفتوا إلى واقع الفلسطينيين والأسباب الحقيقية التي أوصلتهم إلى هذه الحالة، والتي جعلتهم يختارون الموت والاستشهاد بديلًا عن حياة غابت فيها العدالة تحت أعين وبصر العالم.

لقد انكشفت نوايا الدول التي ترفع شعارات خالية من محتواها، ونحن نشهد صباح مساء القسوة المفرطة واجتياح إسرائيل لقطاع غزة، الذي لا تتجاوز مساحته أكثر من ثلاثمائة وخمسين كيلومترا، بكل وسائل الدمار واستخدام أحدث الأسلحة المدمرة ضد شعب لا يملك من وسائل الدفاع عن نفسه إلا أسلحة قديمة، لكنهم يملكون ما هو أخطر من أسلحة عدوهم، وهي تلك الصدور العارية والإرادة الصلبة، وهو ما أنزل بعدوهم خسائر لا تقارن بخسائرهم، حينما دُمرت البيوت على ساكنيها تحت صرخات النساء والأطفال وأمام أعين وبصر العالم الذي يشاهد أشلاء القتلى تحت الأنقاض، ولم يسلم من هذا العدوان حتى المستشفيات والمدارس في مشاهد مروعة يندى لها جبين العالم المتخاذل، الذي انحاز لدعم القاتل بدلًا من رفع الظلم عن المقتول.

رغم تنديد الكثير من الدول بهذا العدوان الغاشم، إلا أنه من الملاحظ أن الدول الكبرى «الاتحاد الأوروبي» والولايات المتحدة الأمريكية، جميعهم قد تحدوا العالم ومنظماته الدولية بشكل لافت وتحت مبررات غير منطقية، من بينها تحرير الأسرى الإسرائيليين بينما تغافلوا عن شعب يتضور جوعًا وقد استشهد منه ما يقرب من خمسة وعشرين ألفا، وأضعافهم من المصابين ومئات الألوف من المشردين في جنوب غزة بلا غذاء أو ماء أو دواء، وفي ظل مناخ شديد البرودة بعد أن دمر العدو ما يزيد عن ستين في المائة من المباني التي حال القصف العشوائي عن دفن موتاهم وقد شاهدنا عبر وسائل الإعلام الجثث التي تحللت تحت الأنقاض، ومناشدة منظمة الصحة العالمية بمخاطر الأوبئة الناجمة عن تحلل الجثث، ورغم ذلك كله فلا يزال أهل غزة يتعرضون لقذف الأسلحة الذكية التي اخترعها العالم المتحضر التي تحصد الأبرياء بين ساعة وأخرى.

المثير في الأمر، أن أحداثا مروعة أخرى يشهدها العالم من قبيل الصراع الروسي-الأوكراني الذي جيشت فيه أوروبا كل إمكاناتها العسكرية والاقتصادية لإنزال الهزيمة بالروس، وهو الصراع الذي طال أمده لما يقرب من عامين، وخلَّف آثارًا سلبية على معظم دول العالم، ورغم أن هذه الحرب لا تزال قائمة إلا أنها تراجعت في اهتمام السياسات الأوروبية والأمريكية، بل اعتبرتها وسائل الإعلام العالمية خبرًا ثانويًا، بينما أصبح الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي في صدارة المشهد، باعتباره صراعا بين قوتين متماثلتين في عددهما وعدتهما، وهو موقف غريب حينما نساوي بين القاتل والمقتول. وفي السياق ذاته غاب المشهد السوداني الذي تفاقم بشكل مروع وأحال السودان إلى ساحة حرب مدمرة، راح ضحيتها عشرات الآلاف من القتلى ومئات الآلاف من المشردين، في ظل أوضاع اقتصادية واجتماعية مروعة، وغير ذلك من القضايا المعقدة في دول أخرى من العالم، إلا أن العالم «المتحضر» قد انتفض دفاعا عن إسرائيل، وقد رفض مجرد وقف عمليات الإبادة الجماعية.لقد سبق أن كتبت من قبل أن الفلسطينيين حتما منتصرون لا محالة، وقد عاتبني البعض.. كيف سينتصر الفلسطينيون أمام هذا الجيش الذي يملك كل وسائل الأسلحة المدمرة؟ لكنني راهنت على الفلسطينيين الذين اجتاح العدو مدنهم وقراهم، ورغم الأعداد الهائلة من الشهداء وتدمير مئات الألوف من المنازل، والقضاء على البنية الأساسية من الكهرباء والماء، لكن يبقى الفلسطيني المقاتل على أرضه ووسط ركام المباني المدمرة مُصرًا على أن يُنزل بعدوه ضربات موجعة لا تتحملها إسرائيل، وكل يوم نشاهد بطولات عظيمة، حيث يخرج المقاتل الفلسطيني من تحت أنقاض البيوت المهدمة أو من تحت الأرض أو من خلف شجر الزيتون، وقد أنزل بعدوه خسائر تلو الأخرى ضاعفت من انقسام الشعب الإسرائيلي وحكومته، بعد أن عجز نتانياهو عن تحديد موعد لإنهاء الحرب، ولم تتمكن قواته من تحقيق الأهداف التي قال من قبل بأنها ستستغرق شهرًا أو اثنين، وهي الإفراج عن الأسرى وتدمير حماس وقتل قادتها، وهي أهداف لم تتحقق بعد.

الملاحظ أيضا، تماسك الشعب الفلسطيني في غزة وقوة معنوياته، تراهم وهم يرفعون الأنقاض لإخراج جثث شهدائهم، تراهم وهم يبتسمون في منافيهم خارج بيوتهم، رغم الجوع والبرد وافتقاد كل وسائل الحياة، ترى أطفالهم وهم يلعبون ويضحكون أمام خيامهم، نشاهد تكاتف الفلسطينيين وتوحد إرادتهم، لعل كل ذلك يثير حقد عدوهم، وهو ما يضاعف من قذفه حتى للمخيمات إلا إن الذي آلمني كثيرًا هو الموقف العربي، وخصوصًا وقد راحت بعض أقطارنا العربية من خلال وسائل إعلامها تتشفى في هؤلاء البؤساء، وهي تلقي باللوم عليهم حينما قبلوا الدعم من قوى إسلامية على الضفة الشرقية للخليج العربي لأسباب سياسية، بل راح البعض منهم يتباهى بعلاقته بإسرائيل، وهو مشهد بائس ينم عن افتقادهم لأي مشاعر عروبية وإسلامية وحتى إنسانية.

في شوارع غزة ومدنها وقراها والضفة الغربية نشاهد حجم الأعداد الهائلة من الشباب والأطفال وقد رأوا بأعينهم استشهاد أحبائهم وأمهاتهم وآبائهم. هل تستطيع إسرائيل بعد كل ذلك تبديل مشاعر الكراهية من هؤلاء جميعا؟ هل يمكن لإسرائيل أن تعيش في سلام وأمن وهي تشاهد كل يوم المظاهرات والانتفاضات الغاضبة في معظم العواصم العربية؟ هل يمكن لإسرائيل أن تعيش في سلام وأمن بعد أن ارتكبت كل هذه المجازر؟ أستطيع أن أقول بكل ثقة أن نتانياهو وكل قادة إسرائيل قد حددوا مستقبلًا بائسًا لشعب إسرائيل، وأضاعوا فرصا عديدة لكي يعيش الفلسطينيون والإسرائيليون في أمن وسلام وفي دولتين متجاورتين يتعاونان فيما بينهما لإقامة حياة إنسانية كريمة، من المؤكد أن قادة إسرائيل قد بددوا كل مستقبل لكي ينعم الشعبان بحياة مستقرة، لذا فإن الفلسطينيين ليسوا فقط هم الضحية وإنما الإسرائيليون أيضا هم ضحية قادتهم.

د. محمد صابر عرب أستاذ التاريخ بجامعة الأزهر ووزير الثقافة المصرية (سابقا) ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية (سابقا).

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الدول الکبرى بعد أن

إقرأ أيضاً:

المتغيرات بالساحة الفلسطينية والدولية بعد الصمود الأسطوري

لولا الصمود الأسطوري للمقاومة وشعب غزة خلال الأشهر الثمانية الماضية، ما كان العرض الأمريكي الأخير لوقف إطلاق النار على حماس، وسواء كان ذلك مناورة أمريكية إسرائيلية كما حدث من قبل لكسب مزيد من الوقت لتنفيذ هدفهما المشترك للقضاء على المقاومة، أو كان ذلك بعد نهاية مهلة أتاحها الرئيس الأمريكي للإدارة الإسرائيلية حتى تنفذ أهدافها، قام خلالها بدعمهما عسكريا وسياسيا وإعلاميا، وجلب لها مشاركة من العديد من الدول الأوربية كبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وغيرها، إلا أن الأمر الواضح للجميع أن الأهداف التي وضعتها الإدارة الإسرائيلية عند غزوها البري لغزة لم تتحقق. فلم تستطع القضاء على المقاومة التي ما زالت تكبد قوات الاحتلال الخسائر في الأفراد والمعدات، أو إطلاق سراح الرهائن أو تحقيق السيطرة الكاملة على غزة، فما إن تجلو قوات الاحتلال من منطقة إلا وتفاجأ بوجود هجمات عليها من المقاومة فيها، وها هو الصمود الأسطوري لشعب غزة مستمرا، رغم ما لحق به من خسائر غير مسبوقة بالأفراد والبيوت والمرافق، وإبادة كاملة للعديد من العائلات.

ومن هنا، يمكن الخروج بعدد من المتغيرات التي تحققت للقضية الفلسطينية، بعد ثمانية أشهر من الصمود ومواجهة العدو حسب الإمكانيات المتاحة، ورغم الفرق الكبير في التجهيزات العسكرية، والعون الأمريكي والغربي الذي عبر عنه الرئيس الأمريكي خلال عرضه للمبادرة الأخيرة لوقف إطلاق النار؛ بأنه الرئيس الأمريكي الوحيد الذي زار إسرائيل وقت الحرب، وأن القوات الأمريكية تصدت للهجوم الإيراني على إسرائيل، وهو ما تكرر من قبل القوات البريطانية حينذاك.

تآمر الحكام العرب للقضاء على المقاومة
القضاء على أساطير إسرائيلية عديدة تم ترديدها طوال العقود الماضية، باعتبار إسرائيل صاحبة الجيش الذي لا يُقهر بما لديه من معدات حديثة وأجهزة استخبارات وجنود مدربين، حيث استطاعت المقاومة إثبات عدم صحة تلك الخرافات عمليا
أولا: إثبات المقاومة الفلسطينية قدرتها على الإعداد والتخطيط والتنفيذ منذ بداية عملية طوفان الأقصى وحتى الآن، وتلاحم الشعب الغزاوي معها، صامدا أمام حرب التجويع والإبادة الجماعية، وتحمل معاناة القصف المستمر والنزوح المتكرر إلى أماكن غير مجهزة للسكن، وعدم التأثر بالحرب النفسية التي أججتها وسائل إعلام غربية وعربية لشق الصف الغزاوي، وامتداد المقاومة إلى الضفة الغربية رغم التوسع في القتل والاعتقال وتواطؤ السلطة الفلسطينية تجاههم.

ثانيا: القضاء على أساطير إسرائيلية عديدة تم ترديدها طوال العقود الماضية، باعتبار إسرائيل صاحبة الجيش الذي لا يُقهر بما لديه من معدات حديثة وأجهزة استخبارات وجنود مدربين، حيث استطاعت المقاومة إثبات عدم صحة تلك الخرافات عمليا؛ بداية من اجتياز السور العازل لغزة، إلى مهاجمة القواعد العسكرية في غلاف غزة وأسر عدد من جنودها، إلى تدمير عشرات الآليات للعدو واختراق القبة الحديدية وما شاببها من وسائل دفاع جوى، ووصول الصواريخ الفلسطينية إلى تل أبيب ومدن إسرائيلية أخرى حتى قبل أسبوع.

ثالثا: كشْف تآمر العديد من الدول العربية على المقاومة وتنسيقهم المستمر مع إسرائيل، وانصياعهم للتعليمات الأمريكية والغربية للنيل من المقاومة والمساهمة في تجويع شعب غزة، بل ومتاجرة بعض تلك الدول بمواقفها المتواطئة للحصول على مكاسب غربية، مثلما حدث مع مصر والأردن والسعودية وغيرها، ومنعها لأية مظاهر للتأييد الشعبي للمقاومة، وعدم مشاركتها لجنوب أفريقيا في دعواها ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، وبما يؤكد أن تحرير فلسطين يبدأ من تحرير الدول العربية من هؤلاء الحكام.

كشف تآمر العديد من الدول العربية على المقاومة وتنسيقهم المستمر مع إسرائيل، وانصياعهم للتعليمات الأمريكية والغربية للنيل من المقاومة والمساهمة في تجويع شعب غزة، بل ومتاجرة بعض تلك الدول بمواقفها المتواطئة للحصول على مكاسب غربية
ورافق ذلك روح الفردية والأنانية التي عمت الكثيرين من العرب، والاستكانة لمواقف الخذلان رغم تكرار عمليات الإبادة الجماعية، وتمادي البعض في الفجور بالنيل من المقاومة عبر مواقع التواصل الاجتماعي إرضاء لحكامهم. إلا أن الصورة العربية والإسلامية الشعبية لم تخلُ من جوانب مشرقة، حيث عبرت قطاعات شعبية أخرى عن تأييدها للمقاومة ومحاولة توصيل المساعدات لها، وما واكب ذلك من حملات مقاطعة للسلع ولفروع الشركات التي ساندت إسرائيل، إلى جانب الدعاء المكثف والمستمر، رغم التفاوت الكبير في موازين القوة.

مواقف صورية للمنظمات الدولية لرد المظالم

رابعا: تبيان أن الخصم الأكبر للعرب والمسلمين يتمثل في الولايات المتحدة التي عطلت كل محاولة لوقف إطلاق النار، وحلفائها من الدول سواء في أوروبا أو آسيا أو الأمريكتين، في مواقف كاشفة للمعايير المزدوجة بالمقارنة بما فعلته مع شعب أوكرانيا في ظل عدوان روسيا عليه، وكاشفة لخرافة دفاع تلك الدول عن حقوق الإنسان التي ظلت تتشدق بها لسنوات طويلة، حين لم تر فيما قامت به إسرائيل من مجازر متعددة وقصف للمستشفيات ومحرقة رفح الأخيرة أمرا يرقى لمرتبة الإبادة الجماعية.

وهذا يرتبط بالثبوت العملي لخرافة إمكانية تحقيق سلام مع إسرائيل، والذي ما زالت السلطة الفلسطينية وغالبية الدول لعربية تتحدث عنه، حيث توافق الجميع في الداخل الإسرائيلي على إبادة غزة؛ لا فرق لديهم بين طفل وامرأة وصبي، بدعوى أن الطفل هو مشروع مقاتل مستقبلا والمرأة بمثابة المُنتجة لهؤلاء المقاتلين.

خامسا: صورية مواقف المنظمات الدولية من تحقيق العدالة ونصرة المظلوم، حيث داست إسرائيل بدعم أمريكي غربي على كل قرارات منظمات الأمم المتحدة، لا فرق في ذلك بين مجلس الأمن أو الجمعية العامة أو محكمة العدل الدولية، وصورية مواقف العديد من الدول التي تدعي صداقة العرب لمصالح تجارية وعسكرية وسياسية، وأبرزها الصين وروسيا اللتان لم تفعلا شيئا ملموسا لمساعدة الشعب الفلسطيني في معاناته المستمرة، حيث وجدتا في استمرار الحرب وسيلة لشغل الجانب الأمريكي بعض الوقت عن خلافه معهما، وهو ما تكرر بشكل أكثر سلبية مع اليابان والهند اللتين كانتا تدعيان الصداقة مع العرب.

سادسا: وجود تيار إنساني عالمي رافض للعربدة الإسرائيلية عبر عن نفسه من خلال العديد من التظاهرات المطالبة بوقف الحرب، في العديد من المدن الغربية، والتي امتدت إلى العديد من الجامعات الأمريكية والأوربية بل وإلى كندا وأستراليا، رغم القيود والعقوبات التي تعرض لها الكثيرون، ورغم التحيز الواضح من قبل وسائل الإعلام الغربية لتبنى الرواية الإسرائيلية للأحداث ومنع الرواية الفلسطينية، والحظر الذي مارسته العديد من مواقع التواصل الاجتماعي تجاه التدوينات المساندة لفلسطين، أو التي تعرض مقاطعا لجرائم الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل بغزة.

وأبدت عدد من الدول الأوربية مواقف محترمة تجاه الفضية الفلسطينية، مثل إسبانيا وأيرلندا والنرويج وبلجيكا وسلوفينيا وغيرها، وسبقتها مواقف مؤيدة للحق الفلسطيني في العديد من دول أمريكا اللاتينية مثل: بوليفيا وكولومبيا وتشيلي وهندوراس وجامايكا وبليز، رغم الضغوط الأمريكية وامتدت المؤازرة للمطالبة بوقف إطلاق النار إلى جنوب أفريقيا والبرازيل.

الحذر من الخداع الإسرائيلي والأمريكي

سابعا: وجود تصدعات بالداخل الإسرائيلي تمثلت في الخلافات بين الأحزاب الرئيسية وقيادات مجلس الحرب، والتظاهرات من جانب أُسر الأسرى لوقف الحرب، وزيادة معدلات طلبات الهجرة للخارج، وتأثر الاقتصاد الإسرائيلي سلبا بطول فترة الحرب، وتراجع الإقبال على المشاركة بالحرب من قبل جنود الاحتياط، وكثرة عدد القتلى الإسرائيليين في الحرب بالمقارنة بما يتم إعلانه رسميا.

ما زال هناك شبه إجماع إسرائيلي على استمرار الحرب حتى تحقق أهدافها المعلنة، بعد أن أصبحت تتعلق بالوجود الإسرائيلي أساسا، وتوقع قيام الولايات المتحدة وحلفائها بتعويض إسرائيل عن قدر كبير من خسائرها المالية والعسكرية. وإذا كانت عزلة إسرائيل قد تزايدت دوليا، فما زالت تنعم بمؤازرة قوى دولية كبيرة
لكننا لا بد أن ندرك أنه ما زال هناك شبه إجماع إسرائيلي على استمرار الحرب حتى تحقق أهدافها المعلنة، بعد أن أصبحت تتعلق بالوجود الإسرائيلي أساسا، وتوقع قيام الولايات المتحدة وحلفائها بتعويض إسرائيل عن قدر كبير من خسائرها المالية والعسكرية. وإذا كانت عزلة إسرائيل قد تزايدت دوليا، فما زالت تنعم بمؤازرة قوى دولية كبيرة.

ورغم العرض الأمريكي الأخير لوقف إطلاق النار فإننا يجب أن نحذر الخداع الأمريكي، من أجل الحصول على الرهائن وإفقاد المقاومة ذلك العامل التفاوضي المُؤثر، وربما السعي لتهدئة الأجواء حتى تمر الانتخابات الأمريكية ثم السماح لإسرائيل باستمرار عدوانها للقضاء على المقاومة، بعد أن تكون قد نظمت صفوف جيشها ومكوناتها الداخلية.

وكذلك يجب الحذر من سبل التواطؤ من قبل الحكام العرب الذين لن يتورعوا عن تنفيذ كل ما تطلبه منها أمريكا وإسرائيل أملا في الحماية الأمريكية والإسرائيلية لها، سواء بالمشاركة في قوات دولية داخل غزة للحد من هجمات المقاومة، ليصبح الصراع بين تلك القوات العربية والمقاومة، وكذلك المشاركة في الحصار الخانق حول غزة باستمرار منع الغذاء والدواء والوقود والاتصالات عنها، أو غيرها من الألاعيب التي لن تتوقف أمريكا إسرائيل عن اتخاذها حتى تحقق أهدافها وعدم السماح للمقاومة بتحقيق النصر، وهي الأمور التي لا بد أن تكون قوى المقاومة قد وضعتها في حساباتها، في ضوء ما شهدناه من تحكم وسيطرة على مشهد الصراع عسكريا وسياسيا من قبل المقاومة، ليس فقط طوال الأشهر الثمانية الأخيرة ،بل منذ إدارتها لغزة عام 2007، وربما قبل ذلك مع نشأة حماس عام 1987 وما قامت به من عمليات مقاومة طوال تلك السنوات السبع والثلاثين الماضية، ومقاومتها للحصار الأمريكي والأوربي لها منذ فوزها بالانتخابات البرلمانية عام 2006.

x.com/mamdouh_alwaly

مقالات مشابهة

  • تصفيات المونديال.. نصف منتخبات إفريقيا لن تلعب على أرضها
  • المتغيرات بالساحة الفلسطينية والدولية بعد الصمود الأسطوري
  • خبير: العالم غير مستعد لمواجهة وباء أخرى
  • عضو بـ"الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز ": العالم غير مستعد لمواجهة جائحة أخرى
  • خبير: العالم غير مستعد لمواجهة جائحة أخرى
  • أسامة كمال: الرئيس السيسي تصريحاته ثابتة من القضية الفلسطينية وطلباته معروفة لكل قادة العالم
  • التاريخ في حياة الشعوب
  • السياسية الامريكية في المنطقة فقاعة ضارة
  • أكبر بلد منتج للحمضيات في العالم يعاني من مرض "اخضرارها"
  • «الصحة العالمية» لـ«الوطن»: زيادة حالات انتشار «كورونا» مرة أخرى في بعض الدول