مونديس: الاحتلال دمّر اقتصاد غزة.. بقيت المجاعة والأسواق السوداء
تاريخ النشر: 27th, January 2024 GMT
سلط موقع "مونديس" الأمريكي الضوء على تدهور الوضع الاقتصادي في قطاع غزة وتأثيره الكبير على السكان.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن اضطرار المرأة إلى الجلوس على جانب الطريق وإشعال النار لإعداد وجبة الإفطار لأسرتها في البرد مع وجود آلاف الغرباء المحيطين بها ليس أمرا طبيعيا في غزة.
هربت آمنة قدوم (48 سنة) من مدينة غزة إلى رفح بعد رحلة نزوح شاقة تنقلت فيها من مكان إلى آخر.
وذكر الموقع أن آمنة وزوجها إسماعيل عاشا خلال الحرب على المساعدات الغذائية التي تصل إلى غزة عبر وكالة الأونروا. وتشتمل وجبة الإفطار التي تحضرها على علبة فول مدمس توزعها الأونروا إلى جانب علبة الحمص. وهذه الوجبة هي كل ما تأكله الأسرة طوال اليوم، يليها بعض شطائر الجبن التي توزعها الأونروا في المساء. في ظل غياب الموارد، يشبه وضعهم وضع آلاف الأسر الأخرى التي لا تستطيع تلبية أي من احتياجاتها الأساسية بخلاف المساعدات الضئيلة التي تحصل عليها.
محو الاقتصاد وتدمير المجتمع
أوضح الموقع أن التأثيرات الأكثر دراماتيكية للحرب هي بلا شك حجم الوفيات البشرية والتشريد ناهيك عن الأذى الجسدي والنفسي. وبعيدًا عن القصف المستمر والتهديد المباشر بالموت، تتمثل السمة الأكثر أهمية لهذه الحرب في أنها تهدف إلى تدمير مجتمع بأكمله. من بين العواقب الأخرى، يعني ذلك أن غزة لم يعد لديها اقتصاد، وظهر بدلاً من ذلك سلسلة من الأسواق السوداء التي تستغل الاحتياجات الإنسانية الهائلة التي خلقتها الحرب وتبيع سلع المعيشة الأساسية بأسعار خيالية.
وفي رفح، لا يزال هناك شارع يشبه السوق يصطف فيه بائعون للتجارة أو بيع المساعدات الإنسانية. كما تدخل أحيانًا سلع تجارية مثل رقائق البطاطس والشوكولاتة والحليب والسكر إلى غزة، وتجد طريقها دائمًا إلى هذا السوق.
لكن بسبب التضخم السريع الذي نتج عن النقص الشديد الذي فرضته خطة التجويع الإسرائيلية، أصبحت هذه السلع تكلف الآن عشرة أضعاف سعرها قبل الحرب. أصبح الكيلوغرام الواحد من السكر الذي كان سعره في السابق (أقل من دولار واحد) الآن يباع بحوالي (6.75 دولارات)، هذا إذا كان متوفرا على الإطلاق. وارتفع سعر الحفاضات من (5-7 دولارات) إلى (27-33 دولاراً)؛ وتتراوح أسعار القهوة بين (8-14 دولاراً) إلى (67 دولاراً) لأرخص نوع؛ وبسكويت الأطفال من (13 سنتا) إلى (2 دولار)؛ وعلبة السجائر تتراوح أسعارها بين (5 دولارات) إلى (27-30 دولاراً).
وقد وصل سعر كيس الدقيق سعة 25 كيلوغراماً هذا الشهر إلى (100 دولار)، ولكن بعد وصول كمية إضافية من الدقيق إلى رفح كمساعدات إنسانية (وهو ما لا ينطبق على شمال غزة)، انخفض سعر الدقيق إلى الضعف فقط. وأصبح لتر الديزل الذي كان يكلف (2 دولار) الآن يتراوح بين (19-24 دولارا). وأضحت أسطوانات البروبان التي يبلغ وزنها 12 كيلوغراما والتي كانت تكلف (13.5 دولارا) لملئها، الآن متاحة في السوق السوداء مقابل (68 إلى 81 دولارا).
وحتى الحطب، الذي كان يكلّف نصف شيكل للكيلوغرام الواحد، ارتفع الآن إلى (أقل من دولار)، نظرًا للطلب غير المسبوق عليه باعتباره مصدر الوقود البديل الوحيد المتاح لدرء برد الشتاء. وقفز سعر البقوليات مثل العدس، وهو غذاء تقليدي للعائلات الفقيرة، من (1.6 دولار) للكيلو الواحد إلى (8 - 9.5 دولارات) للكيلو.
وأشار الموقع إلى أنه بالنسبة لعائلات مثل عائلة آمنة، أدى هذا التضخم الهائل إلى جعل الأموال القليلة التي تمتلكها دون أي قيمة. في هذا السياق، صرحت آمنة: "في هذه الظروف التي نجلس فيها في البرد، والأبخرة المحيطة بنا من السيارات التي تعمل بزيت الطهي بدلاً من الديزل، والقمامة والنفايات من حولنا، نمرض جميعًا. لا أستطيع شراء حتى قطعة صابون للمحافظة على نظافة عائلتي".
وأضافت قائلة: "في الأيام الأولى من الحرب، على الرغم من أننا لم نتمكن من العثور على طعام نأكله، إلا أننا كنا لا نزال آمنين في منازلنا. أصبح في الوقت الراهن بيتنا هو الشارع". وبينما تتحدث، كان صوت سعال الأطفال القادم من داخل الخيمة واضحا. وبالكاد يتوقف بينما تستمر محادثتنا.
وقالت عندما فروا لأول مرة من منزلهم في الشمال، كان الطقس لا يزال دافئًا، ولم يكونوا بحاجة إلى أخذ ملابس ثقيلة معهم. بحلول فصل الشتاء، حاولت آمنة العثور على بعض السترات وشرائها من السوق.
تقول آمنة: "الأسعار يصعب تصديقها". تبلغ تكلفة سترة صغيرة لابني البالغ من العمر 8 سنوات 150 شيكل (40 دولارًا)، ولدي ثلاثة أطفال آخرين. إذا كنت سأشتري سترات لهم جميعًا بهذا السعر، فسيكون هذا الراتب بأكمله الذي كنت أتقاضاه قبل الحرب. والآن لا أملك حتى هذا المبلغ من المال".
وأكد الموقع أن الأسر التي لم يكن لديها مصادر دخل ثابتة قبل الحرب واعتمدت على المساعدات من برنامج الغذاء العالمي ساءت حالتها منذ الحرب. وتشكل هذه العائلات الغالبية العظمى من سكان غزة، ومعظمهم الآن لاجئون في رفح.
عمال القطاع العام يتعرضون للهجوم
وأوضح الموقع أن عائلات أخرى تتلقى الدعم من معيلين يتمتعون برواتب ثابتة نسبيًا، مثل موظفي السلطة الفلسطينية الذين يتلقون راتبًا شهريًا، أو موظفي حكومة حماس في غزة. لكن منذ الحرب، لم يحصل أي من هؤلاء الموظفين الحكوميين على رواتبهم.
وتواصل الطائرات الحربية الإسرائيلية قصف جميع مكاتب الصرافة وأجهزة الصراف الآلي التي توزع الرواتب على موظفي حكومة حماس، على الرغم من أنهم مجرد مدنيين لديهم وظائف في القطاع العام، مثل معلمي المدارس والعاملين في مجال الرعاية الصحية. ومؤخرًا، استهدفت قوات الاحتلال شركة "فروالا" بخان يونس، التي كانت توزع الرواتب المتأخرة على موظفيها عن الأشهر السابقة.
وذكر أن علاء صبح (41 سنة) هو أب لأربعة أطفال فرّ من مدينة غزة إلى غرب رفح على الساحل. ولولا الحرب لكان التخييم في هذه المنطقة ليلا يعتبر ترفيهيا. واليوم، يشوب هذا المنظر نفسه بحرا من الخيام المكتظة الممتدة على طول الساحل، حيث تتجمع عائلات بأكملها حول النيران الهزيلة طلباً للدفء دون ملابس مناسبة. ومما يزيد الأمر سوءًا الرياح الساحلية الجليدية التي تخترق المخيمات ولا تستثني أحدًا.
وأشار الموقع إلى أن علاء كان يعيش حياة مريحة، ويحصل على راتب ثابت كمدرس في الكلية الأزهرية، التابعة لجامعة الأزهر التابعة للسلطة الفلسطينية. صرح علاء: "في السابق حتى عندما ترتفع الأسعار إلى حد ما، كنا قادرين على تحملها. لكن هذه المرة، أصبح ارتفاع الأسعار مكلفا للغاية حتى بالنسبة للأغنياء".
وتابع بغضب: "غزة لم تستورد أي بضائع جديدة خلال الحرب. فلماذا الأسعار مرتفعة جدًا الآن؟ كان من الأفضل لو أخذنا جميعا في الاعتبار ظروف الحرب، وكان على التجار أن يمتنعوا عن رفع الأسعار. وحتى لو رفعوا في الأسعار، كان بإمكانهم على الأقل أن يرفعوها بهامش معقول، ولو الضعف. كنا سنقبل مضاعفة الأسعار. لكن لا يمكننا تحمّل زيادة عشرة أضعاف".
وأورد الموقع أن علاء وزملاءه من موظفي السلطة الفلسطينية تلقوا رواتبهم مع تخفيض الأجور بنسبة 40 بالمائة، مما أدى إلى تفاقم آثار ارتفاع الأسعار. وعلى الرغم من الارتفاع غير المسبوق للأسعار في رفح، إلا أن آثار التضخم لا تضاهي آثار الندرة وصعوبة الحصول على الغذاء والدواء، حيث أن الصيدليات فارغة، ناهيك عن محلات البقالة، حتى أنه من الصعب الحصول على الماء.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية الاقتصادي غزة الاحتلال اقتصاد غزة الاحتلال إبادة جماعية صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قبل الحرب الموقع أن
إقرأ أيضاً:
كريم وزيري يكتب: أرباح الحروب التي لا نراها في نشرات الأخبار
في كل حرب، تتجه الأنظار نحو الجبهات، نحو الدبابات التي تزمجر، والطائرات التي تمطر، والجنود الذين يسقطون على أطراف الخرائط، لكن قليلون من ينظرون خلف الكواليس، حيث تجلس الأطراف الرابحة في صمت، تتابع المشهد من شاشات تحليل البيانات أو مكاتب صفقات السلاح، تحتسي قهوتها بهدوء بينما تُعد الأرواح على الأرض مجرد أرقام في تقارير الأداء، ومنذ الحرب العالمية الأولى وحتى أحدث صراع في أوكرانيا أو غزة، ظل السؤال نفسه يُطرح بين من يجرؤون على كسر السرديات الرسمية وهو من يربح حقًا من هذه الحروب؟
هناك من يعتقد أن تاجر السلاح هو الرابح الأكبر، وهو رأي له وجاهته، فصناعة السلاح هي من أكثر الصناعات التي لا تخسر أبدًا، الحرب بالنسبة لها ليست دمارًا بل موسم رواج، كل دبابة تُستهلك تُستبدل بأخرى، وكل صاروخ يُطلق يُعوض بعقد توريد جديد، وشركات كبرى مثل لوكهيد مارتن، ريثيون، تُضاعف أرباحها كلما احتدمت الجبهات، والحروب تُستخدم كإعلانات حية لمنتجاتهم، ويكفي أن تنجح طائرة واحدة في تنفيذ مهمة دقيقة حتى تصبح نجمة معارض السلاح التالية، والدول لا تشتري فقط القدرة على القتل، بل تشتري وهم التفوق، هالة الردع، وشعورًا زائفًا بالأمان.
لكن الصورة تغيرت، فخلف الكاميرات، هناك لاعب جديد دخل الساحة، لا يرتدي زيًا عسكريًا ولا يظهر في نشرات الأخبار، إنه من يملك المعلومة، من يستطيع أن يوجه الرأي العام، أن يصنع العدو، أن يعيد تعريف النصر والهزيمة حسب مزاج مصالحه، من يملك المعلومة يملك القوة الناعمة والصلبة في آنٍ واحد، شركات مثل غوغل وميتا وأمازون لم تُصنف حتى الآن ضمن "شركات الدفاع"، لكنها تملك بيانات عن الشعوب أكثر من حكوماتها، وتستطيع حرف المسارات السياسية عبر خوارزمية، أو إخماد ثورة بتقليل ظهورها في "الترند".
لم تعد المعركة فقط على الأرض، بل على الشاشات، في كل ما يُقال ويُعاد ويُضخ، في كل إشعار يصل لهاتفك ويستهدف وعيك قبل أن يستهدف جسدك، باتت المعلومة أقوى من القنبلة، لأنها تهيئ لها الطريق، وتُشيطن طرفًا، وتبرر الحرب، وتمنح الضوء الأخضر النفسي قبل العسكري، ومن يتحكم في الصورة، يتحكم في المعركة، ومن يتحكم في التحليل، يتحكم في المصير.
صانع السلاح يربح عندما تشتعل الحرب، لكن صانع المعلومة يربح حتى في الهدنة، بل أحيانًا يُشعل الحرب لتخدم روايته، والمشكلة أن كثيرًا من الصراعات التي نشهدها الآن لم تُخلق من نزاع حقيقي على الأرض، بل من تضخيم إعلامي أو سردية مصطنعة، أصبح بالإمكان تصنيع "عدو"، ثم بث الخوف منه، ثم تسويقه كمبرر لحرب لاحقة، وكل ذلك دون أن يخرج مطلق المعلومة من مكتبه.
منذ سنوات بدأت شركات السلاح تستثمر في شركات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات، والعلاقة بين الاثنين لم تعد منفصلة، وهناك من يصنع السلاح، وهناك من يصنع القصة التي تُبرر استخدامه، وهناك من يجهز الطائرة، وهناك من يجهز عقل المواطن ليتقبل القصف.
المعلومة أصبحت سلاحًا موازيًا، بل سابقًا على القذيفة. فالقصف يبدأ من رأسك، من فكرة يتم زرعها، حتى تصدّق أنها "حرب عادلة" أو "دفاع عن النفس".
السؤال الآن من يربح أكثر؟ من يبيع الموت في شكل معدني أم من يبيعه في شكل رواية؟ من يملك المصنع أم من يملك التأثير؟ من يتحكم في الجيوش أم من يتحكم في العقول؟ الواقع أن كليهما رابح، لكن الفارق أن تاجر السلاح يربح مرئيًا، في حين أن تاجر المعلومة يربح في الخفاء، دون أن يُسأل أو يُحاسب، بل الأسوأ قد تراه بطلًا، أو خبيرًا محايدًا، وهو في الحقيقة من يدير المعركة بطرف إصبع.
الربح في الحروب لم يعد فقط ماليًا، إنه أيضًا في التأثير، في إعادة رسم الخرائط، في التحكم في السرديات الكبرى، والأدهى من ذلك أن الشعوب نفسها باتت هي السلعة، بياناتهم، عواطفهم، مخاوفهم، سلوكهم على الإنترنت، كل ذلك أصبح يُباع ويُشترى ويُستخدم كوقود في حروب غير تقليدية، حروب لا يُطلق فيها رصاص بل تُحقن فيها العقول بما يكفي لتدمير ذاتها.
صانع السلاح يربح حين تسقط الجثث، لكن صانع المعلومة يربح حين تنهار الثقة، حين تصبح الحقيقة مشوشة، والواقع ضبابيًا، والعقل هشًا، قد لا تراه، لكنه موجود في كل إشاعة، في كل فيديو مفبرك، في كل خطاب تعبوي يُبث، في كل "ترند" يُدير الوعي الجمعي دون أن ينتبه أحد.
الحروب القادمة لن تكون فقط على الأرض، بل في الفضاء الإلكتروني، في غرف الاجتماعات المغلقة، في مراكز تحليل السلوك البشري، وساحة المعركة لن تكون فقط الجبهة، بل أيضًا شاشة هاتفك، عقل ابنك، وتصوّرك لما يجري من حولك.
قد لا تشتري سلاحًا، لكنك تستهلك المعلومة، وقد لا تقتل أحدًا، لكنك قد تقتل الحقيقة دون أن تدري.