موقع النيلين:
2025-06-21@06:44:22 GMT

لا وطنَ للعبد!

تاريخ النشر: 22nd, February 2024 GMT


تأسست الدّول باعتبارها شخصا معنويا سياسيا منظّما كأرقى تنظيم بشري لصون الحقوق وتحقيق مصالح شعوبها في الحرية والكرامة والعيش الكريم.

وبهذا الغرض النبيل تطور الأمر  في الدول من التسيير الفردي إلى تسيير المؤسسات إذ تضمن ديمومة خدمة الإنسان من دون ارتباط الحكم بشخص أو مجموعة أشخاص إلى مؤسسات ثابتة لا تتغير ولا تتبدل إلّا بالقدر الذي يضمن أداء خدمة المواطن ضمن قواعد العدل والصّرامة والإنصاف.

لهذا السبب تصبح الخدمة العامّة شرفا وتكليفا؛ تصبح شرفا لأنّ الذي يقوم بالخدمة العامّة يكون نتاج خيار المواطن وإرادته، وتكليفا لأنّ مناطه المسؤولية، فإذا قصّر في القيام بالواجب الذي يتطلبه التكليف استُبدِل بغيره بالطرق القانونية التي تحكم طبيعة نشأة مؤسَّسات الدولة وطرق تسييرها.

هذه القواعد والمبادئ التي أصبحت في الدولة المعاصرة ثابتة ومعلومة، ما زالت في بعض الدول المتخلِّفة محطّ جدل وشك وتذبذب، بل صارت أحيانا محل تحايل لا يُؤخذ بها إلّا صوريا على سبيل التّذرع والتغطية، إذ تصبح الخدمة العامة غطاءً لتمرير أولوية خدمة الذّات، أو المسار المهني، أو الفئة، أو الجهة، أو أيًّا ما كانت هذه الجهة إقليما، أو تنظيما، أو طائفة، أو ما شابه ذلك.

وعندما تُسيَّر شؤون الدولة وتُسخَّر إمكاناتها لخدمة شخص، أو طائفة، أو جهة، أو فئة، أو نخبة، أو حزب، أو جماعة، أو تيار، وتتأخَّر بذلك عن واجب خدمة شؤون المواطنين بل وتحجبها أحيانا، عندها تُصبح الوطنية وسيلة مخادعة، ويصبح الواجب الوطني عند المواطن غير ذي شأن، بل أسوء من ذلك يفقد المواطن شعور الانتماء تدريجيا إلى الحد الذي يرى فيه أنّ الهجرة إنقاذٌ له وأُفقٌ لتحسين ظروف حياته بل وإنجاز متميّز ومتفرِّد.

وتبعا لذلك، يتغير مفهوم “رجل الدولة” من ذلك الشخص الذي يُكلَّف بتحمُّل واجبات أثقل لحُسن تأهيله في تقدير المصلحة العامة والتّفاني في تحقيقها إلى اعتبار مركزه امتيازا له يؤهِّله لنيل حقوق تفضيلية على بقيّة أبناء شعبه، وعندما يعمّ هذا المفهوم تصبح الدولة غنيمة في أيدي هؤلاء الذين يصفون أنفسهم بـ”رجال دولة”.

إنّ خدمة مصالح الناس ابتغاء إسعادهم وتحسين ظروف حياتهم من أجلِّ العبادات في المفهوم الشرعي، وهي تاجٌ على رأس الوطنيين الصادقين الذين يرَوْن في مسؤولية الدولة تكليفا وأمانة لا مركزا للإثراء والإطراء وربما للاعتداء والاستكبار. وعليه سُمِّي المسؤول مسؤولا لأنّه يُسأل عن أمانته في خدمة الآخرين. والمسؤولية بهذا المعنى ليست مركزا تفضيليا تجعل صاحبها مخدوما لا خادما كما يفهمها البعض اليوم.

وما لم تأخذ هذه المعاني طريقها إلى التجسيد العملي بفعل الوعي أو بسلطان القانون، فإنّ الرِّباط الوطني يصبح هشّا، وربما ينذر بالزوال والاندثار لا قدّر الله.

وقد وصل الدّاءُ في بلدان كثيرة من عالمنا العربي والإسلامي إلى درجة التّحقير والتّهميش لمن يعيد التذكير بهذه الأصول البديهية في تولّي المسؤولية وإدارة الشّأن العام.

وأعتقد أنّ الأولوية اليوم هي لمعالجة هذا الموضوع بجدية وصرامة لأنها الخطوة الصحيحة الأولى لإعادة التقويم والقضاء على داء “القفازة” الذي أصبح عُملة شائعة في التعامل العامّ وكاد أن ينزع الثّقة نهائيا في الانتماء الوطني والحضاري لشعوبنا ودولنا.

قيل قديما (لا وطن للعبد) ومِن ثمَّ فإن الذي يشعر أنّه مُستعبَد في حرية رأيه ومسكنه ومعاشه وعلاجه وكل متطلبات حياته لا يمكن أن يلعب دور المواطن الصالح المُبدِع المُنتِج، وقد تزداد خطورة إصابته فلا يشعر معها بالانتماء، ويسهل بذلك احتواؤه والتّلاعب به، وقد يُستَغلُّ وضعه لتوظيفه ضد وطنه وقومه، والتاريخُ القديم والحديث مليء بالنّماذج المصابة بهذا الداء، وأخشى أن تتوسع دائرته مع انتشار ثقافة (إذا مِتُّ ضمآنا فلا نزل القطر).

عبدالوهاب دربال – الشروق الجزائرية

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: الذی ی

إقرأ أيضاً:

هل تصبح تركيا مركزاً لصناعة السيارات في أوروبا؟ الأرقام تُجيب

سجل قطاع السيارات التركي أعلى قيمة صادرات في تاريخه خلال الفترة من يناير حتى مايو، حيث بلغت 16 ملياراً و581 مليوناً و107 آلاف دولار. وخلال هذه الفترة، جاءت ألمانيا في صدارة الدول المستوردة بقيمة 2.6 مليار دولار، تلتها فرنسا بـ1.8 مليار دولار، والمملكة المتحدة بـ1.7 مليار دولار، ثم إسبانيا بـ1.5 مليار دولار، وإيطاليا بـ1.3 مليار دولار.

ولا تزال السياسات الحمائية التي تنتهجها الإدارة الأمريكية تمثل مصدراً للغموض على الصعيد العالمي، خاصة في ظل تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي أشار الأسبوع الماضي إلى أنه فرض رسوماً جمركية بنسبة 25% على السيارات المستوردة لحماية العاملين في القطاع داخل بلاده، مؤكداً أن هذه الخطوة ساهمت في زيادة الاستثمارات والإنتاج داخل الولايات المتحدة. وأضاف ترامب أنه قد يرفع هذه الرسوم في المستقبل القريب قائلاً: “كلما ارتفعت الرسوم، زادت احتمالية إنشاء مصنع هنا.”

وفي ظل هذه التطورات، يبرز صعود قطاع السيارات التركي بوضوح. ووفقاً لبيانات مجلس المصدرين الأتراك (TİM)، حقق القطاع رقماً قياسياً في صادراته خلال الفترة من يناير إلى مايو من العام الحالي، بلغت قيمتها 16 ملياراً و581 مليوناً و107 آلاف دولار.

وقد سجلت صادرات قطاع السيارات خلال هذه الفترة زيادة بنسبة 10% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وشكلت 17.2% من إجمالي صادرات تركيا.

وبلغ إجمالي صادرات تركيا خلال نفس الفترة 110 مليارات و947 مليوناً و201 ألف دولار، بزيادة سنوية قدرها 3.5%. كما سجلت صادرات شهر مايو وحده ارتفاعاً بنسبة 2.7% لتصل إلى 24 ملياراً و834.2 مليون دولار.

– ألمانيا في الصدارة
احتلت ألمانيا المرتبة الأولى بين الدول المستوردة للسيارات التركية خلال الفترة من يناير إلى مايو بقيمة 2.6 مليار دولار، تلتها فرنسا بـ1.8 مليار دولار، ثم المملكة المتحدة بـ1.7 مليار دولار، وإسبانيا بـ1.5 مليار دولار، وإيطاليا بـ1.3 مليار دولار.

كما تصدرت ألمانيا قائمة الدول التي شهدت أكبر زيادة في قيمة الواردات من السيارات التركية، حيث ارتفعت صادرات القطاع إليها بمقدار 528.9 مليون دولار. وتلتها إسبانيا بزيادة قدرها 460.8 مليون دولار، وسلوفينيا بـ354.6 مليون دولار، ورومانيا بـ178.1 مليون دولار، وبلجيكا بـ149.6 مليون دولار.

اقرأ أيضا

تحذير إيراني صارم لأميركا: تجاوز الخط الأحمر يعني الرد بلا…

الأربعاء 18 يونيو 2025

وبلغت صادرات السيارات إلى سلوفينيا 913.1 مليون دولار، وإلى رومانيا 601.7 مليون دولار، وإلى بلجيكا 699.8 مليون دولار.

مقالات مشابهة

  • يا د. كامل إدريس: ليست هذه مهمتك، وما هكذا تُبنى حكومات الإنقاذ الوطني
  • المفوض العام لدولة الكويت في «إكسبو 2025»: احتفالنا باليوم الوطني عكس تنوع التراث الكويتي وجمال فنونه
  • لماذا يُعدّ التنافس العام على الحقائب الوزارية خطراً على الدولة؟
  • “هيئة العناية بشؤون الحرمين”: أكثر من 238 ألف مستفيد من خدمة العربات خلال حج هذا العام
  • هيئة العناية بشؤون الحرمين: أكثر من 238 ألف مستفيد من خدمة العربات خلال حج هذا العام
  • د.حماد عبدالله يكتب: "المال "والسَّلطَّة !!
  • هل تصبح تركيا مركزاً لصناعة السيارات في أوروبا؟ الأرقام تُجيب
  • "الأنصاري": هدفنا خدمة المواطن وتحقيق رضاه.. ومواصلة السعي تؤدي إلى حتمية الوصول
  • ­­ أكثر من 48 ألف خدمة تقدمها مراكز الدفاع المدني العلاجية منذ بداية العام الحالي
  • بعد الكروكس الأصفر..هذا الحذاء الذي أطلّت فيه بروك تشيلدز على السجادة الحمراء