لماذا نحتاج إلى المقاومة في حياتنا؟
تاريخ النشر: 27th, February 2024 GMT
يتكون الجسم البشري في غالبيته (60%) من الماء (حوالي 42 لترا) موزعة على نحو فريد، إذ إن ثلثي هذه الكمية في داخل الخلايا والثلث الباقي في خارجها، وهذه البحيرة المائية معرضة بين الحين والحين لمخاطر عدة أهمها الغزو الخارجي، لذا فقد خلق الله جهازا كاملا للمناعة يعمل على مدار الساعة لمنع أي محاولة للاختراق والتعامل معها فور دخولها والتفاعل الإيجابي، ولولا جهاز المناعة أو ما أسميه "المقاومة" بلغة السياسة والحرب؛ سوف يصبح الإنسان عرضة للفناء في وقت قصير كما الحال مع ظاهرة نقص المناعة المكتسبة والمعروفة اختصارا بالإيدز (AIDS).
لولا المقاومة أو المناعة لأصبح الجسم البشري كلا مباحا للكائنات الدقيقة من فيروسات وبكتريا وفطريات أو للطفيليات والخلايا السرطانية، ولأي شيء قد يثير دخوله الجسم تفاعلات سلبية مثل الغبار الذي قد تنشأ عنه "حمى القش" على سبيل المثال.
وكلما زادت مقاومة الجسم قلت معدلات الإصابة بالأمراض المختلفة، والعكس صحيح، فكلما قلت المناعة أو المقاومة كلما زادت معدلات الإصابة ومضاعفاتها في فترة زمنية قصيرة، على أن أخطر ما يصيب جسم الإنسان هو أن يتحول جزء منه إلى جزء معاد له، وهذا ما يحدث في مرض السرطان إذ تتحول بعض الخلايا إلى خلايا سرطانية تأكل المزيد وتنهش مساحات واسعة من جسم الإنسان الذي يصبح جهازه المناعي عاجزا وضعيفا عن فهم ما يجري وعن كيفية التصدي له؛ أخطر ما يصيب جسم الإنسان هو أن يتحول جزء منه إلى جزء معاد له، وهذا ما يحدث في مرض السرطان إذ تتحول بعض الخلايا إلى خلايا سرطانية تأكل المزيد وتنهش مساحات واسعة من جسم الإنسان الذي يصبح جهازه المناعي عاجزا وضعيفا عن فهم ما يجري وعن كيفية التصدي له؛ لأن الجهاز المناعي تم تكييفه على أنه يقاوم العدو الخارجي أما في حالة السرطان فالعدو داخلي لذا فالمهمة تصبح شبه مستحيلة، لذلك فالاكتفاء بجهاز المناعة وحده ليس كافيا في كثير من الأحيان والأمر يتطلب جهاز بل أجهزة الكشف المبكرلأن الجهاز المناعي تم تكييفه على أنه يقاوم العدو الخارجي أما في حالة السرطان فالعدو داخلي لذا فالمهمة تصبح شبه مستحيلة، لذلك فالاكتفاء بجهاز المناعة وحده ليس كافيا في كثير من الأحيان والأمر يتطلب جهاز بل أجهزة الكشف المبكر؛ حتى يتم التعامل مبكرا وقبل أن تستفحل الحالة وتقتل خلايا السرطان بقية خلايا الجسم الحية دون ردة فعل مناسبة لوتيرة المرض.
إذا أردت أن تقوم بعمل مقاربة بين ما يحدث في داخلك من تفاعلات عنوانها المقاومة أو المناعة؛ مع ما يحدث معك في خارج الجسد وأعني به في الحياة والمجتمع فالأمر بسيط جدا، ويمكنك النظر في حجم الإغراءات والإغواءات والشر الذي يتربص بك على مدار اليوم والليلة، وانظر إلى حجم المقاومة أو المناعة (المقاومة) التي تتمتع بها، وانظر كيف يمكنك أن تتحول إلى شخص ضعيف غير قادر على مواجهة الإغراءات التي تسقطك من أول نظرة وتحيلك إلى عبد ذليل غير قادر على قول "لا"، أو أن تصبح قويا عزيزا تواجه بقوة. قد تسقط مرة وتنهض مرات، ولكنك في كل الأحوال تبقى شخصا قويا تحترم ذاتك كلما نظرت في المرآة كل صباح.
وإذا أردت أن تقوم بعمل مقاربة بين طبيعة عمل المناعة في الجسم وبين عمل المقاومة في الأمة فالأمر جد بسيط، فكما الحال في الجسم فالوضع نفسه يسري على الأمم والشعوب التي من المفترض أن يكون لديها مقاومة وجهاز مناعي يحول بينها وبين دخول القوات المعادية، ويقاومها إن دخلت على حين غرة أو غفلة أو بسبب خيانة النظم نفسها أو بعض "حراس البوابات" والقائمين على الثغور.
حين يكون العدو من خارج الجسم (الوطن) فالأمور تبدو معقولة ويمكن التعامل معها بطريقة أو بأخرى، وسواء كانت الجيوش مستعدة أم لا فالشعوب يمكنها تحفيز وتشغيل ودعم جهاز المناعة (المقاومة)، وهذا ما جرى في العديد من البلدان على مر التاريخ، ولكن المصيبة الكبرى ستظهر حين يكون العدو داخل الوطن إذ يصعب اكتشافه وحين يتم اكتشافه عادة ما يكون الأمر متأخرا ولا سبيل للمقاومة، إذ نكتشف أن الأمة تتمزق مع سرعة انتشار السرطان (العدو الداخلي)، وهنا تأتي أهمية الكشف المبكر والتنبيه على الأمة بأن تعرضها للخيانة من داخلها أمر يمكن حدوثه، فليس هناك أمة معصومة وليس هناك شعب محصن ضد الخيانة خصوصا بين أولئك الئين يتبنون خطاب الوطنية الجوفاء، إذ اكتشفنا أن من يفسدون أو يخونون هم أكثر من يتغنون بالوطنية، وراجع تاريخ المنطقة خلال النصف قرن الماضية وستكتسف أن الذين باعوا الأوطان وأثْروا على حساب المواطنين البسطاء هم أصحاب المناصب والخطابات الرنانة في حب الوطن والوطنية.
مشكلة العالم العربي منذ وصول العساكر المدعومين من الغرب إلى السلطة أن السرطان استشرى في الجسم العربي؛ وتم تمزيقه عبر اتفاقيات أعدت خصيصا لتناسب طبيعة الحكام الجدد الذين تنقصهم الخبرة ولا ينقصهم الجشع وشهوة الانتقام من الشعوب، ولاينقصهم أيضا الاستعداد لبيع كل شيء والتفريط في كل شيء نظير بقائهم في كرسي الحكم.
"العساكر" الذين يحكموننا اليوم هم سرطان العصر الحديث ولولا أنهم سرطان ما تخلصت أوروبا والعديد من دول أمريكا اللاتينية من حكم العساكر، فغالبية هؤلاء العساكر تربوا على موائد الغرب وتم نزع جهاز المناعة من أجسامهم وزرعت مكانها أجسام مضادة للاستقلال والإرادة الحرة، لذا فهم ينظرون للشعوب باحتقار وللأمة بازدراء شديدين، ناهيك عن احتكارهم للمعرفة بشئون الدنيا واطلاعهم على شئون الدين.
سر الصمود الهائل في غزة وفلسطين هو أن المقاومة في فلسطين أدركت بعد الحسم في غزة خطورة العدو الداخلي وقامت بانتزاع سرطان التجسس من الجسد المقاوم، فباتت المهمة في المتناول على صعوبتها
المقاومة الحاصلة في فلسطين اليوم واستمراريتها على مدار ما يقرب من خمسة أشهر هي دليل إدانة لكل من كان يراهن على سقوطها بعد عدة أيام أو أسابيع، وهي دليل إثبات على صحة من نقوله، فالجسم الفلسطيني لا يزال حيا أما الجسد العربي فيبدو أن سرطان حكم العساكر قد أنهكه لدرجة عدم القدرة على التمييز بين الحق في البقاء والاستسلام للفناء.
أعتقد أن سر الصمود الهائل في غزة وفلسطين هو أن المقاومة في فلسطين أدركت بعد الحسم في غزة خطورة العدو الداخلي وقامت بانتزاع سرطان التجسس من الجسد المقاوم، فباتت المهمة في المتناول على صعوبتها، ولولا تنظيف المجتمع الفلسطيني من عشرات المئات من الجواسيس لما صمدت المقاومة هذا الصمود الأسطوري طوال هذا الوقت الطويل في تاريخ حروب العدو على شعبنا وأهلنا في غزة والضفة الغربية.
تحتاج الأمم إلى أن تكون عيونها مفتوحة على مدار الساعة على العدو الداخلي الذي ينتشر في هدوء وبسرعات فائقة، تماما كما يجب أن تكون منتبهة إلى العدو الخارجي الذي -في رأيي المتواضع- يمكن للأمة المتعافية من سرطان الداخل (العساكر) أن تواجهه وتهزمه شر هزيمة والتاريخ خير شاهد.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المناعة المقاومة جسم الإنسان الخيانة غزة غزة المقاومة الخيانة جسم الإنسان المناعة مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة جهاز المناعة جسم الإنسان المقاومة فی على مدار ما یحدث فی غزة
إقرأ أيضاً:
الهدوء الذي يسبق العاصفة
علي بن مسعود المعشني
ali95312606@gmail.com
يعيشُ الوطن العربي حالة تاريخية غير مسبوقة من الترقب، تتراوح فيها نسبة انتصار الأمة ومصيرها بين معدليْ ممتاز جدًا وسيئ جدًا، ولكل حالة من الحالتين أسباب وشروط وضوابط. وإذا كان الكثير من عرب زماننا يعيشون في حالة سيئة جدًا الى درجة الثمالة، ويعتقدون بأن حالة الممتاز جدًا أضغاث أحلام وإفراط في التفكير، فإن الواقع اليوم يساوي بين الحالتين في احتمالية التحقيق.
شكَّل "طوفان الأقصى" حالة تاريخية صادمة ومُفاجأة لعرب زماننا قبل العدو، وخاصة النُخب العربية بفئتيها الرسمية والعامة؛ بسبب تراكم غبار الفكر التاريخي وتشكيله ضبابية كثيفة على الوعي وربيبه الفكر؛ حيث تلبسوا بتلابيب الهزيمة وأنتجوا ثقافة البؤس والفجيعة، وعلقوا شماعة بؤسهم على العرب بتاريخهم وثقافتهم وموروثهم وأدوات حضارتهم، وانتقوا من تاريخ الأمة وموروثها ما يعزز ويدعم سردياتهم ويبرر حالتهم في الخنوع والاستسلام والتسليم بضعفهم وقوة خصومهم وبراعتهم وقوة حيلهم وتدبيرهم. وأصبحوا يترقبون المعجزات لتغيير حالهم وموائد من السماء وهم عاكفون في تقاعسهم ومتواكلون على تدبيرهم.
أتى الطوفان، فزلزل تلك القناعات والسرديات، وكشف عوار فكرهم، وبرهن لهم أنَّ الصراع صراع إرادات أولًا ثم قوة سلاح واقتصاد وعدد وعُدة، وفي المقابل رأوا حجم العدو الحقيقي حين واجه الإرادة؛ حيث تآكلت سرديات أدواته وقلاعه التي تستر خلفها لعقود ليدخل الرعب في قلوب أبناء الأمة، ويُعجزهم حتى عن مجرد التفكير في مواجهته.
قليلٌ من عرب زماننا من أدركوا وظيفة كيان العدو ومهمته وحقيقة قوته، وأدواته للسيطرة على وعي الأمة وعقلها أولًا ليتمكن من مقدراتها وثرواتها وجغرافيتها لاحقًا، لهذا اختصروا التفكير وحملوا السلاح وواجهوا العدو، فالسلاح هو اللغة الوحيدة التي يخشاها العدو ويفهم أثرها البالغ عليه.
ما زال الطوفان يعتمل في وجدان الجميع بين مُصدق ومُكذب لما حدث، وخاصة انكشاف العدو وظهوره على حقيقته؛ الأمر الذي سيجعل عرب زماننا يقلبون الرأي في موروثهم العقلي والنقلي المكتسب من ثقافات وعد بلفور وسايكس بيكو وحلف بغداد وكامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو.
ومن لم يُقلب الرأي سيتجاوزه الزمن ويصبح رأيه شبيهاً بالخرافات والأساطير التي ظهرت قبل الحقائق العلمية الدامغة والناسخة لما قبلها.
وسيدفع الطوفان وثقافته بمعاصريه إلى نسخ الثقافات الانهزامية الموروثة والمتناسلة من تاريخ الخلافات النفعية البالية والاحتلالات السالبة لكل شيء. من يتأمل حالة مواجهة اليمن اليوم لقوة كبرى، يعلم بأنَّ وراء تلك المواجهة ارادة انتصار صلبة قبل كل شيء، ومن يرى حالة كيان العدو وتشظيه يعلم بأنَّ ما بُني على باطل فهو باطل، حتى وإن سلَّمنا جدلًا أو يقينًا بأنَّ المقاومة ومحورها هُزمت والعدو ومحوره انتصر، فأعراض الطوفان وصدمته كفيلان بإحداث ارتدادات قوية وعميقة ومراجعات تُشبه محاكاة الفناء بداخل كيان العدو ورعاته، لأنهم وبكل بساطة وصلوا المرحلة النهائية للطُغاة وهي الغلو في البطش والقتل والدمار.
الطوفان ليس حالة عابرة؛ بل ثقافة عابرة للحدود والأجيال معًا. والله غالب على أمره.
قبل اللقاء.. من يعتقدون بأنَّ التاريخ أصبح مادة مستقرة في بطون كتب المناهج التعليمية فهم واهمون؛ فما زال التاريخ يُصنع كل يوم، وعلى كل أن يختار موقعه من الإعراب والتاريخ معًا.
وبالشكر تدوم النعم.