مدير مشروع مكتب منظمة العمل الدولية بالدوحة : قطر تتبنى قوانين وسياسات مبتكرة
تاريخ النشر: 4th, March 2024 GMT
ثمن سعادة السيد ماكس تونيون، مدير مشروع مكتب منظمة العمل الدولية في الدوحة، الإصلاحات والتطور الكبير فيما يتعلق بتحسين القوانين والسياسات في قطر لصالح العديد من العمال، ولصالح القطاع الخاص أيضا، مشيرا إلى أن هناك أمثلة على حالات تتبنى فيها قطر قوانين وسياسات مبتكرة ورائدة.
وقال سعادته: إن من تلك التغييرات ما يتعلق بإدخال الحد الأدنى للأجور الذي استفاد منه مئات الآلاف من العمال، وكذا القوانين المتعلقة بالتنقل الوظيفي وتدابير السلامة والصحة، معربا عن تطلعه لتحقيق المزيد مستقبلا، مبينا أن مشروع مكتب المنظمة في قطر يدعم هذه العملية، وأنه من المهم التحدث إلى الحكومة والعمال وأصحاب العمل للتأكد من أن الاستشارات الفنية تلبي احتياجات سوق العمل.
كما ثمن سعادته، في حوار خاص أجرته معه اليوم وكالة الأنباء القطرية /قنا/ بمناسبة التوقيع على اتفاق لتمديد برنامج العمل المشترك بين قطر والمنظمة، التعاون الوثيق بين حكومة دولة قطر ومنظمة العمل الدولية، لا سيما منذ العام 2018، ما قاد إلى عدد من الإصلاحات المهمة في مجال حقوق العمال، إضافة إلى اعتماد عدد من القوانين والسياسات في فترة زمنية قصيرة، والتي تصب في صالح العديد من العمال وأصحاب العمل أيضا.
وتابع: "اتخذت قطر خطوات كبيرة وتواصل مساعيها في هذا المسار، وتوقيع هذه الاتفاقية اليوم يشير إلى التزام قطر المستمر بالتأكد من أن جميع العمال وأصحاب العمل يمكنهم الاستفادة من هذه الإصلاحات العمالية، ومن استعداد العمال كذلك لسوق العمل المتطور والمتغير".
ونوه سعادة السيد ماكس تونيون إلى أن استراتيجية التنمية الوطنية لدولة قطر تهدف بوضوح لتطوير قوة عمل جاهزة للمستقبل من مواطنين وأجانب، معربا عن أمله في أن يدعم برنامج منظمة العمل الدولية في المستقبل هذه الرؤية الوطنية خلال السنوات الأربع المقبلة، مؤكدا أن قطر قادرة على جذب المهارات والمواهب التي تحتاجها البلاد والاحتفاظ بها لتحقيق الأهداف الأوسع.
وتطرق سعادته في حديثه لبعض التحديات الخاصة بتنفيذ إصلاحات العمل التي قال إن بعضها ذو طبيعة عالمية وبعضها خاص بقطر، "لكننا نتوسع في مجالات جديدة مثل التأكد من امتلاك العمال المهارات والمؤهلات اللازمة لقوة عاملة متطورة".
وقال إنه على المستوى العالمي، مثلا، هناك تحديات متعلقة بتأثير التكنولوجيا كالذكاء الاصطناعي على تغيير مستقبل سوق العمل، وأوضح أن هذه ليست قضية خاصة بقطر ولكن المنظمة تدرسها من خلال برنامج التعاون بين الجانبين.
وتابع: "هناك أيضا قضايا خاصة بقطر مثل زيادة عدد المواطنين القطريين في القوى العاملة، أو اتخاذ تدابير لجذب المواهب والاحتفاظ بها، وكيفية دخول المزيد من النساء إلى سوق العمل أو البقاء فيه، والنظر في أنواع مختلفة من ترتيبات التأشيرات للعمال، التي من شأنها أن تساعد في تمكين قطر من جذب القوى العاملة التي تحتاجها".
ورأى أن ديناميكيات العرض والطلب تتغير عندما يتعلق الأمر بسوق العمل، سواء في قطر أو حول العالم، مشيرا إلى أن برنامج التعاون المشترك بين منظمة العمل الدولية وقطر يهدف إلى دعم ذلك.
وأوضح سعادة السيد ماكس تونيون، مدير مشروع مكتب منظمة العمل الدولية بالدوحة في حوار مع /قنا/، أن الإصلاحات التي نفذتها قطر في مجال العمل وتلك التي تتم دراستها لصالح العمال ومزاياهم المستحقة في وقت مناسب، لا تصب فقط في صالح العمال، حيث إن القوانين المتعلقة بتنقل العمالة تفيد العمال وأصحاب العمل على حد سواء، وبالتالي فإن أصحاب العمل قادرون على توظيف العمال من داخل قطر، والذين يتناسبون بشكل أفضل مع احتياجاتهم كونهم على استعداد بالفعل للعمل والعيش في قطر، مما يقلل التكاليف والمخاطر المرتبطة باستقدام عمالة من الخارج.
كما بين أن العديد من الإصلاحات التي نفذتها قطر تفيد أصحاب العمل أيضا في المستقبل، موضحا أن الجانبين "قطر ومنظمة العمل الدولية" ناقشا كذلك ترتيبات التأشيرات، التي من شأنها أن تفيد الشركات في استقطاب العمال الذين تحتاجهم الدولة والاحتفاظ بهم لجعل قطر مركزا للمواهب العالمية، وبالتالي الاستثمار العالمي، خاصة أن استقطاب المواهب يعد مشكلة عالمية.
وشدد على أن دولة قطر تحرص على تطوير السياسات للتأكد من أن القطاع الخاص قادر أيضا على الاستفادة من هذه الإصلاحات.
وبشأن إمكانية تطبيق الإصلاحات التي حققتها دولة قطر في مجال العمل في أماكن أخرى حول العالم كنموذج، قال سعادة مدير مشروع مكتب منظمة العمل الدولية بقطر في حواره مع /قنا/: إن هناك أمثلة على حالات تتبنى فيها قطر قوانين وسياسات مبتكرة ورائدة، كالتي تتعلق بالإجهاد الحراري أثناء العمل، وحماية العمال خلال أشهر الصيف.
ونوه في هذا الخصوص إلى أن دولة قطر اعتمدت في عام 2021 تشريعا يعد الأكثر شمولا من حيث الحد من المخاطر التي يواجهها العمال عندما يتعلق الأمر بالإجهاد الحراري.
وذكر سعادته: "لقد انتهزنا الفرص لمشاركة تجربة قطر مع دول أخرى حول العالم، وبالإضافة إلى ذلك، نشعر أن قطر أيضا في وضع جيد لتبادل الخبرات حول رقمنة إدارة العمل لديها، لقد اتخذت قطر بالفعل خطوات كبيرة للأمام للاستثمار في الرقمنة، حيث توفر وزارة العمل مجموعة كاملة من الخدمات الإلكترونية للعمال وأصحاب العمل، وستواصل الاستثمار في هذا المجال، ونشعر أن هناك اهتماما من جميع أنحاء العالم بالتعلم من هذه التجارب مع استمرار قطر في تطوير هذه النماذج".
وأكد من ناحية أخرى أن التعاون بين منظمة العمل الدولية ووزارة العمل قوي جدا وسيستمر في النمو، وقال إن المنظمة تنظر أيضا في كيفية تعميق تعاونها مع الشركاء الآخرين في قطر، بما في ذلك الجهات الحكومية وغير الحكومية التي تساعد في تشكيل سوق العمل، مضيفا أن ذلك يشمل العمل بشكل أوثق مع القطاع الخاص، مبينا أن غرفة قطر تعد أحد المكونات التي ترغب منظمة العمل الدولية العمل بشكل أوثق معها، وأنه من المهم بالنسبة للمنظمة أيضا دعم الهيئات والمنصات التي تمثل العمال داخل البلاد.
وحول طبيعة الاتفاقيات الموقعة بين دولة قطر ومنظمة العمل الدولية، قال سعادته: "لدينا اتفاقيات مع المؤسسة الفنية على المستوى الوطني، بحيث تحدد معايير تعاوننا هنا في قطر، لكن قطر أيضا وقعت وصادقت على معايير العمل الدولية المتعلقة بالعمل القسري، والمتعلقة بتفتيش العمل المتعلق بعدم التمييز والتوظيف وغيرها، إذن هناك أنواع مختلفة من الاتفاقيات التي أبرمتها حكومة قطر مع منظمة العمل الدولية، كما أن هناك تعاونا وثيقا مع الحكومة لتنفيذ معايير العمل التي تتوافق بشكل أوثق مع المعايير الدولية".
وعبر عن تفاؤله بشأن المستقبل، معربا عن اعتقاده أن اتفاقية اليوم إشارة واضحة للغاية فيما يتعلق بالتزام حكومة قطر بمواصلة العمل على إصلاحات العمل، بما يعود بالنفع على جميع العمال وأصحاب العمل في البلاد، مضيفا: "لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين علينا القيام به، لكننا نعتقد أن لدينا هذه الشراكة القوية وأساسا قويا للغاية يمكن البناء عليه" .
وقال إن المنظمة تتناقش مع وزارة العمل حول التعاون المستقبلي وحول عدد من المبادرات الإيجابية التي سيتم تنفيذها خلال عام 2024، والتي سيكون لها تأثير على حياة العمال وأصحاب العمل، وتؤدي إلى تنفيذ أكثر فعالية لهذه الإصلاحات.
وحول مراكز التأشيرات التي افتتحتها قطر في البلدان المصدرة للعمالة، قال إنها تصب في الإصلاحات العمالية "حيث رأينا في السنوات الأخيرة أن قطر تتطلع حقا إلى تعزيز التعاون مع الدول الأصلية الرئيسية التي ترسل العمال، والتي تشكل غالبية القوى العاملة بالدولة".
وبين سعادته أن ذلك يشمل عقد اجتماعات ثنائية منتظمة، بالإضافة إلى افتتاح مراكز تأشيرات في بلدان المنشأ الرئيسية، ما يساعد على تقليل بعض المخاطر التي قد يواجهها العمال في عملية التوظيف مثل عقود العمل المزيفة على سبيل المثال.
ورأى سعادة السيد ماكس تونيون أنه لا يزال هناك عمل يتعين القيام به في هذا المجال، لكنه أكد أن مراكز التأشيرات والأشكال الأخرى من التعاون بين قطر والبلدان الأصلية الرئيسية للعمالة تساهم في ضمان وحماية حقوق العمال.
المصدر: العرب القطرية
كلمات دلالية: منظمة العمل الدولية الدوحة العمال وأصحاب العمل سوق العمل دولة قطر إلى أن فی قطر فی هذا قال إن قطر فی
إقرأ أيضاً:
الشعور بحبّ الوطن يحتاج إلى الغذاء أيضاً
يمكن الافتراض أن كل الأفكار والمشاعر والقيم تسير على خطى الكائن البشري في حاجاته المادية مثل الشراب والمأكل، وفي بحثه الوجودي عن إشباع هذه الحاجات وغيرها. ربما كلمة «الحاجة» هي من كلمات الحياة السريّة، ولكننا لا ننتبه إلى طبيعة النسق الثقافي العربي الذي ننتمي إليه والذي يتميز بنظرة قدسية لعدد من المشاعر والقيم ويتعاطى معها بثبوتية.
وصراحة لا تكفي المعرفة النظرية للانتباه إلى الكينونة الحيّة لمشاعر وأفكار عدّة. التجربة في الحياة تمثل مصدراً مهماً من مصادر تراكم المعرفة عموماً، وكذلك في بعدها الذاتي، أي أن لكل واحد منا تراكماً من المعرفة الذاتية نجمعه من تجاربنا وخيباتنا والمحن التي نمر بها.
لنضرب مثلاً الحبّ، ألم تثبت تجارب المحبين أن الحبّ يحتاج إلى تلبية حاجات ورعاية مخصوصة كي يستمر أكثر ما يمكن؟ ألم نكتشف من خلال تجارب أفراد المجتمع أن عدم الاهتمام بين الزوجين يقتل مشاعر الحبّ ببطء شديد؟ أليس الفقر وتراكم فواتير الماء والكهرباء ومصاريف تربية الأولاد ودراستهم... كل هذا يُؤدي في حالات عدّة إلى الطلاق، باعتبار أن السبب الاقتصادي هو من أهم أسباب ظاهرة الطلاق، ومن ثم فإن هذا الحبّ لم يستطع في حالات لا تحصى ولا تعد الصمود أمام الإكراهات الاقتصادية، مما يفيد بأن الحبّ يشترط حاجات مادية للاستمرار كي لا يتحول إلى جحيم ولعنة.
المعنى الذي نريد إيصاله من خلال هذا المثال الأقرب إلى تجارب النّاس هو أن المشاعر ليست ثابتة، ولا تمتلك قدرة خارقة للعادة على الصمود في حال استحالة تلبية حاجاتها للبقاء والثبات. كل المشاعر الجميلة وذات القيمة الإنسانية العالية تعطش وتجوع ولا بد من توفير الأكل والشراب لها، ومن دون ذلك فمصيرها الانكسار والموت. بلغة أخرى، فإن للمشاعر غذاء أيضاً، وهي تتغذى منه كي تستمر في الحياة. وكما أن المشاعر السلبية مثل الكراهية والحقد والانتقام تكبر وتنمو بالأفعال السيئة فإن المشاعر الموصوفة بالإيجابية تحتاج أيضاً إلى الغذاء، وهذا ما يفوتنا مع الأسف، وذلك لأن المخيال الثقافي العربي الذي يشكل إدراكنا للمشاعر الكبرى التي نتغنى بها شعراً وموسيقى وفناً وحياة، إنما هي مصاغة على نحو ثبوتي، وننسى أن الشعور بوصفه قيمة ميتافيزيقية شيء، وعند استدعائه بوصفه رابطة في العلاقات التي يقيمها الفرد مع الآخر بأشكاله المتعددة شيء آخر.
هذا بشكل عام، إضافة إلى معطى آخر يتمثل في أن المشاعر والأفكار والقيم تتغير درجة أو أكثر من عصر إلى آخر، ومن جيل إلى آخر. فالحبّ القوي اليوم قد لا يساوي أكثر من علاقة عابرة في زمن الحبّ العذري.
بيت القصيد في هذا المقال هو أن المشاعر الوطنية، أو حبّ الوطن يحتاج أيضاً إلى الغذاء، وإذا ما عززنا ذلك فإن هذا الحبّ يصاب بالوهن. أعرف أن هذه الفكرة صادمة ولكنّها حقيقية. ومن الوهم الاعتقاد أنه يمكن للمواطن اليوم أن يحافظ على حبّه للوطن، خصوصاً فئة الشباب التي نشأت على قيم الفردانية ومركزية الذات في صورة تيقنهم أن هذا الوطن لا يقدم لطموحاتهم وأحلامهم شيئاً.
فالبعد المادي اليوم يهيمن على كل أنواع العلاقات: العلاقة بين الأولياء والأبناء، والزوج وزوجته، والصديق وصديقه، وأيضاً المواطن ووطنه. ما يجعل أي علاقة من هذه العلاقات تستمر هو أن يجد الشعور الغذاء الذي يشبعه.
لقد تغير النّاس وتغيرت نظرتهم لتركيبة المشاعر وصياغتها الكيميائية. فانسداد الأفق داخل الوطن يخنق الشعور بحبّ الوطن. والشيء نفسه يفعله الفقر والبطالة وضيق ذات اليد. ذلك أن ذات اليد الضيقة ضعيفة وهشة ولا تقدر على الانخراط في أي مشاعر إيجابية.
إن قرار الهجرة والبحث عن أرض أخرى يعني البحث عن وطن آخر. في الستينات والسبعينات وحتى الثمانينات كان السبب الغالب على الهجرة هو الدراسة وإثراء التجربة المهنية، أما اليوم فالسبب الغالب على قرار الهجرة هو البحث عن وطن جديد وحياة جديدة. إنه الرفض المقنع بالهجرة. والنتيجة هو أن الوطن الأصلي الجدير بالشعور بحبّ الوطن يتحول إلى مجرد ذكرى وزيارة من سنة إلى أخرى، وبعد فترة تبدأ وتيرة الزيارات بالانخفاض، مع ما يعنيه ذلك من نوم الشعور الوطني في سراديب الذاكرة، وخروجه من مجال الحياة اليوميّة للفرد.
الرّهان: على كل دولة أن تقدم كل ما في وسعها من غذاء للشعور بحبّ الوطن لدى مواطنيها. فالمشاعر الوطنية لا تقتات من نفسها، بل تقدم لها الدولة ما يلبي حاجاتها من حلم وعمل وكرامة وحياة كريمة وإبداع. هكذا يمكن للمواطن أن يحبّ حتى بلاد من حجر، ولا شمس فيها ولا بحر.
الشرق الأوسط