شيخ الأزهر: شهر رمضان فرصة عظيمة لرد المظالم والنجاة من العقاب
تاريخ النشر: 15th, March 2024 GMT
قال الإمام الأكبر د.أحمد الطيب، شيخ الأزهر، إن "العدل" اسمٌ من أسماء الله الحسنى، ويعَّرف بأنه ضد "الجور والظلم"، ويعني أن المالك وهو الله -سبحانه وتعالى-، حين يتصرف في ملكه كيفما يشاء فهو لا يظلم، موضحًا أن اسم الله" العدل"، لم يرد في القرآن الكريم بهذا اللفظ المباشر، وهذا لا يعني أنه لا يكون اسمًا من أسماء الله الحسنى، لأنه مثبت في القرآن الكريم بورود ضده وهو الظلم، كما أنه ورد في السنة المطهرة.
وأشار شيخ الأزهر، خلال الحلقة الخامسة من برنامج "الإمام الطيب"، إلى أن القرآن الكريم استخدم كلمة الظلم ومشتقاتها، في ٢٧٠ موضع لإثبات اسم الله "العدل"، مما يفسر أن الله تعالى لم يحرم على نفسه إلا الظلم، وقال في حديث قدسي عن النبي صلى الله عليه وسلم "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا"، وقد تحدث القرآن عن الظلم وعاقبة الظالمين في ٩١ آية، منها قوله تعالى "وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ"، مبينا فضيلته أن العدل المطلق هو لله سبحانه وتعالى، خاصة وأن جل وعلا نفى عن نفسه الظلم وأثبت أنه ليس بظلامٍ للعبيد، وقال "وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ"، "وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ"، "إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا".
وحول الآلام والابتلاءات التي تصيب البشر، أوضح فضيلة الإمام الأكبر، أن أفعال الله سبحانه وتعالى في العباد ومقاديره تجري كما أراد الله، ومنها ما يتصور الإنسان أنه أذى وضرر له، بينما فيه الخير والنفع، مبينًا أنه لابد أن يفهم الإنسان أمرين، أولًا أن الله يتصرف في ملكه ولذا فلا يُلام ولا يُقال إنه ظالم، بل بالضرورة أن يكون عادلًا، ثانيًا أن الله سبحانه وتعالى أثبت له العدل في القرآن الكريم عن طريق نفي الظلم عن نفسه بنصوص قرآنية صريحة، ثالثًا أن ما يحدث لنا هو قدر مقدور إما للمصلحة أو بحسب مآل الشيء، وحينما يصاب الإنسان بضرر عليه أن يدرك أن هذا إما يكون كفارة للذنوب أو رفع درجات بالصبر والرضا بالقضاء ووضع الشيء في موضعه وهو العدل المطلق.
وحول ما يحدث لأهل غزة بيّن شيخ الأزهر، أن آلامهم وصبرهم على البلاء سيجعل لهم منزلة كبيرة عند الله يوم القيامة، ولن يبلغوا منزلة الشهيد يوم القيامة دون أن يحدث لهم ما حدث، مؤكدًا أنه لولا شهداء غزة ما استيقظت القضية الفلسطينية في الضمير الإنساني العالمي، وأنه من ضمن ما ترتب على العدل الإلهي هنا أن القضية الفلسطينية قد دَبت فيها الحياة من جديد ولا يمكن أن تُنسى مرة ثانية رغم ما تكبده أهل غزة من ثمن، فقد ثار العالم كله وتظاهر تحية إجلال وتقدير لهذا الشعب الأبي، وأصبحت سمعة "الغزاويين"وصبرهم حديث العالم كله، كما تحقق عدل الله حينما نرى الكيان الصهيويني يفقد هذا الظهير الشعبي الغربي الذي انهدم، وأصبح الجميع يطالب بإيقافه عن ممارساته الخبيثة، من قتلً للأطفال والنساء والأبرياء، كما سقطت صورة إسرائيل المظلومة المحاصرة، ولن تعود مرة أخرى، وهذا عدل الله.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الإمام الأكبر شيخ الأزهر شهر رمضان أسماء الله الحسنى سبحانه وتعالى القرآن الکریم شیخ الأزهر
إقرأ أيضاً:
فتاوى :يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان
هل يصح بناء مجلس فوق المسجد، بحيث يكون المسجد فـي الدور الأرضي والمجلس فـي الدور الثاني؟
لا، لا يصح، فإذا أُسس فـينبغي أن يكون مسجدا أرضه وسماؤه. أما أن تكون -يعني- بعض مرافق المسجد أو بعض الملحقات بالمسجد ثم يبنون فوقه بناء لغرض آخر فهذا باب آخر، أما المسجد نفسه فلا يكون فوقه إلا مسجد، و فـي هذه الحالة، يكون مسجدًا وأحكامه أحكام المساجد، لا يدخل الجنب ولا الحائض، يعني من دخله فلا يجلس حتى يصلي ركعتين، والحاصل أنه تسري عليه أحكام المساجد وله قدسية المساجد، والله تعالى أعلم.
ـ السائلة تقول: أنا مطلقة منذ سنتين ولدي ستة أولاد ينفق عليهم أبوهم وهم يعيشون معي، ولا أعمل، والمطلقات لم يصدر قرار بإعطائهم راتبًا شهريًا منذ سنتين، ولكنني أنا من تقوم بإعداد الطعام ورعايتهم، فهل يجوز لي أن آكل معهم من نفقة الأب بحكم قوله: «لا أرضى أن تأكل من نفقة التي أرسلها إلى أولادي»؟
الأصل أنه ليس لها أن تأكل، هذا الأصل، فالنفقة إنما هي للأولاد، أما المطلقة المبتوتة فلا نفقة لها، وليست لها أجرة على حضانتها لأولادها، ويعولها من يلزم بالإنفاق عليها إن لم تكن ذات مال من والد أو أخ حسب درجات الولاية. هذا هو الأصل، ولكن يمكن أن يتساهل فـيما لا مهرب منه، فهي تعد الطعام نعم، ويتعذر أن تعزل طعامها ونفقة طعامها عما تعده، نعم، هذا مما يتساهل فـيه، وليس لأب الأولاد أن يضيق عليها ويحرجها فـي هذا القدر، لأن اتقاءه يكاد يكون مستحيلًا، اتقاء أن تعزل هي ما يتعلق بالطعام والشراب وهي تعد لأولادها وهم ستة، وهي أمهم، هذا يتعذر اتقاؤه، ويتعذر أن تفصل طعامها عن طعامهم ونفقة طعامها عن طعامهم، هذا القدر نعم استثناؤه من باب التخصيص العقلي القائم على العرف.
أما أن تلزم بالنفقة عليهم، تلزم بالحضانة، ولا ملزم بالنفقة عليهم، أما نفقتها فهي فـيما تحتاج إليه من لباس وسكن وغير ذلك من احتياجات النساء، فلا يكون من نفقة الأولاد، خصوصًا وأنه قد ضيق عليها وحرج، ولا نحب له ذلك، ربنا تبارك وتعالى يقول: «ولا تنسوا الفضل بينكم».
لكن إن حصل، فليس لها أن تتوسع، وأن تأكل إلا هذا القدر الذي لا يمكن اتقاؤه، لا يمكن الفصل فـيه دون توسع أو مجاوزة للحد، أما أن يُظن بأنها لها أجرة على تربيتها لولدها أو على حضانتها لأولادها، فلا، هي نفقتها، وإن كانت ذات مال فمن مالها، وإن كانت غير ذات مال فممن هو ملزم بعولها والإنفاق عليها من أوليائها.
لكن كما تقدم، هذا القدر الذي يتعذر عزله وفصله فهذا نعم يمكن أن يتساهل فـيه، ولا ينبغي أيضًا أن يُثرب عليها فـيه، والله تعالى على ما ذكرتم بأنه قياس عقلي، ألا يمكن أن يكون قياسًا شرعيًا على مال اليتيم وإن تخالطوا، فإخوانكم؟ لا، هذا لو كان الأمر كذلك لكانت النتيجة مخالفة، كانت النتيجة بإباحتي أن تأكل، وأن تأكل بالمعروف.
كما هو الشأن فـي شأن من يقوم على مال اليتيم، أما هي فإن واجب الأمومة، نعم، هناك من قال إن كسب الولد كسب للوالدين، وأنه يباح لها ذلك، لكن الصحيح أن هذا ليس من كسب الولد، هذا من نفقة أبيهم التي أُلزم بها لولده، أما هي فلا نفقة لها. لكن كما قلت، يُخرج ما يصعب اتقاؤه أو يتعذر اتقاؤه ويتعذر فصله، هذا مما يمكن أن يُتساهل فـيه، ولا وجه للقول إن للولي، للأب، أن يُحرج عليها فـيه.
أما ما سوى ذلك مما تحتاج إليه، فهذا من مالها، لا من مال ولدها. نعم، إن كان ولدها، إن كان من أولادها من هو مستقل بنفقته، هذا لا يتصور، لأنها فـي هذه الحالة سيكون مال ولدها، يعني ما تأخذه من مال ولدها من كسب يده. بعض الفقهاء، كما أشرت، يرى بأن كسب الولد كسب للوالدين، لكن هذا ليس من كسب الولد، هذه نفقة واجبة على الأب لأولاده، وليس للمرأة. هي نفقتها على وليها، على من يُلزم بعولها. ولذلك فالمسألة، نحن لا نريد أن يصل الناس إلى مثل هذا الحد بالتضييق والتثريب على نسائهم المطلقات، لا سيما وأن بينهم ولدًا، (تذكر ستة أولاد).
وربنا تبارك وتعالى يقول: «ولا تنسوا الفضل بينكم»، مع أن هذه الآية، السياق الذي وردت فـيه هو فـي غير المدخول بهن، فكيف بمن كان بينه وإياها عشرة، ثم كان بينهم ولد؟ فالأبوة لا تنقطع، الوالدية لا تنقطع، والفضل والمعروف ينبغي أن يكون حاضرًا.
فأحق وجوه الإحسان أن يُحسن الرجل إلى مطلقته، لأنها قائمة بشأن ولده، قائمة بتربيتهم وبحضانتهم، فليس من البر والمعروف أن يُضيّق عليها ويُثرب، بل ينبغي له أن يُراعي أحوالها، وأن لا ينسى الفضل الذي كان بينهما. فإن لم يكن بينهما إلا المناكدة، على سبيل المثال، فلا أقل من مراعاة أنها أم ولده، وأن هذه الأمومة لا تسقط بالانفصال، كما أن أبوته هو أيضًا لا تنقطع بكون الأولاد فـي حضانة أمهم.
وعلى الأم أن تغرس فـيهم حب أبيهم وأداء حقوقه والبرّ به، وعلى الوالد أيضًا أن يذكرهم دائمًا بعظيم حق أمهم عليهم، مهما كان بين الوالدين من انفصال، فهذا الذي نأخذه من كتاب الله عز وجل، والله تعالى أعلم.
ـ فـي قوله تعالى: « وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ» ما معنى هذه الآية؟
معنى هذه الآية الكريمة من حيث سياقها الذي وردت فـيه هو تبكيت للمشركين وترهيب لهم، وذلك لأن الذين أعرضوا عن قبول دعوة الحق التي جاء بها نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وإن حرفوا عن الصراط المستقيم، فأصابهم ما أصابهم من الجدب والشدة واللواء، فإن الله تبارك وتعالى يبين لهؤلاء أن هذا الذي أصابهم إنما هو بما كسبت أيديهم، وأنه مع ما يجدونه من شدة يراد منها تذكيرهم، فإن الله تبارك وتعالى قد تجاوز عن الكثير مما صدر منهم.
ولئن صدق هذا المعنى فـي حق أولئك المخاطبين فهو أيضًا صحيح صادق فـي حق عموم المكلفـين، لكنه لا على جهة الحصر، بمعنى أن الذي يصاب به المكلف مطيعا كان لله تبارك وتعالى أو عاصيًا، فإن من نواميسه أنه مما اقترفت يده.
لكن ذلك لا يعني أن كل ما يصيبه إنما هو ناشئ عن ما كسبت الأيدي، فإن الله تبارك وتعالى قد بيّن فـي كتابه الكريم فـي مواضع عديدة أنه جل وعلا يبتلي العباد ابتداءً، أي يبتليهم بالسراء والضراء، (ونبلوكم بالشر والخير فتنة)، قال: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملًا).
فالله تبارك وتعالى ينوع على عباده صنوف الابتلاءات ليرفع درجاتهم، وليطهر إيمانهم، وليزيدهم قربًا منه سبحانه وتعالى، وليظهر عظيم خصالهم وجميل فضائلهم، وسر اصطفائه لهم سبحانه وتعالى أن جعلهم من عباده المقربين.
وأن يقيم على سائر عباده الحجة بما يبتلي به هؤلاء العباد، فـيظهر لربهم تبارك وتعالى الصبر والثبات والاستقامة، ومداومة طاعته فـي السراء والضراء، وفـي الشدة والرخاء، فإن ذلك أيضًا من حكم الله عز وجل بأن الابتلاء محصور فـيما يكتبه الله تبارك وتعالى لعباده بما كسبت أيديهم.
ويخطئ أيضًا من ينفـي هذا السبب فـي أن يكون مما يصاب به العباد إنما هو مما اقترفته أيديهم، ومن انحرافهم عن طاعة الله تبارك وتعالى وزيغهم واتباعهم لطرق الغواية والضلال، وإنما المنهج الحق الراشد هو أن الله تبارك وتعالى ينوع على عباده الابتلاءات، يبتليهم محض ابتداء تمحيصًا لهم، وتطهيرًا، ورفعًا لدرجاتهم، كما أنه جل وعلا يكتب عليهم بعض ما كسبته أيديهم، وما قارفوه مما انحرفوا فـيه عن الصراط المستقيم، ومما جانبوا فـيه الصواب، فليس من الصواب وهذا ينفـي كثيرًا من الشبهات والأقاويل الدائرة فـي هذا الموضوع.
تشهد لهذا آيات كثيرة فـي كتاب الله عز وجل وفـي سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إلا أنه لا يجوز أن يُقال إن كل ما يصيب العباد إنما هو مما اقترفته أيديهم، ونحن نعلم أن صفوة الخلق المعصومين الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام قد أصابهم الله وابتلاهم بما ابتلاهم به.
كما أنه لا يجوز أيضًا أن يُنفـى أن يكون لما تقترفه أيدي العباد من الأمور التي تسخط الله تبارك وتعالى أثر فـيما يبعثه الله عز وجل على عباده تذكيرًا لهم وترغيبًا وترهيبًا، هذا موجود وذلك موجود. وينبغي للمسلم دائمًا أن يتهم نفسه بالتقصير، فإذا أصابه شيء فإنه يبتغي رضوان الله عز وجل بالصبر والثبات واحتساب الأجر، كما أنه يمحص نفسه ليتوب مما عسى أن تكون قد زلت به القدم، ولا يزكي نفسه بالتألي على الله تبارك وتعالى أو بتزكية نفسه من أن تكون قد قصرت أو وقعت فـي شيء من الخلل أو الخطأ أو التقصير، بل عليه دائمًا أن يتهم نفسه دون أن يدفعه ذلك إلى الوقوع فـي اليأس والقنوط.
كما أن رجاءه لما عند الله عز وجل وتحريه لما يكتب له من السراء والضراء وما يمتحن به، فإن ذلك لا ينبغي أيضًا أن يدفعه إلى الركون وترك الحذر من هذه البلية التي يمكن أن يصاب بها، وأن يمتحن بها فـي هذه الحياة الدنيا، والله تعالى أعلم.