حلوى المخارق الرمضانية.. فخر مدينة باجة التونسية
تاريخ النشر: 1st, April 2024 GMT
عند دخولك إلى أسواق مدينة باجة العتيقة شمال غرب تونس، يشد انتباهك الزحام أمام دكاكين صنع حلوى "المخارق"، التي يزداد الطلب عليها خلال شهر رمضان.
ويمكن لأي زائر أن يشاهد الحلوانيين وهم يصنعون بمهارة توارثوها أبا عن جد حلوى "المخارق" من خلال خلط مكوناتها الأساسية، المتمثلة في السميد والدقيق والبيض والزيت والسكر والعسل.
وفي حين يثير أصل هذه الحلوى كثيرا من الجدل، يتمسك عبد الرزاق المرساوي، صاحب أشهر دكاكين صنع المخارق في باجة، برواية تشير إلى أن أصلها باجي.
يقول المرساوي، "إذا قلنا المخارق، قلنا باجة، فهذه الحلوى بشكلها ومذاقها لا مثيل لها في العالم إلا في مدينتنا".
أول طبق "مخارق" في باجة
ويضيف الحلواني، بينما تنبعث أنغام المدائح والأذكار الدينية من السوق النشط بحركته التجارية، "نشأت قطعة المخارق الأولى في باجة، لأن هذه المدينة تنتج السمن والعسل والسميد"، التي تمثل أهم مكوناتها.
ويتابع: "محمد التعبوري هو أول من صنع المخارق عام 1860، ثم انتقلت المهنة إلى جدي، ثم عمي وأبي، ولاحقا أخذها عنا آخرون. تراث أصيل لباجة، وامتدت صناعتها إلى عائلات أخرى مثل عائلة بن زلاوية والحداد والسويسي والشلبي وعائلة بالشريفة.. والآن بقيت عائلتا بالشريفة والمرساوي محافظتين على صنعة الجدود".
وعن أصل تسميتها، يروي المرساوي قصة طريفة، قائلا: "عندما صنع التعبوري أول طبق مخارق في باجة، المعروفة بكثرة علماء الدين، خرج فوجد شيخا فأذاقه قطعة منها. فقال الشيخ: هذه مخروقة، أي اخترق العسل العجين".
ويضيف "ظلت صناعة المخارق تقليدا عائليا، إذ يشارك فيها الأب والأخ وابن الأخ والعم، بينما تتولى النساء، تحضير العجين في جو من الفرح والبهجة. وخلال شهر رمضان، تفتح البيوت أبوابها لاستقبال الضيوف وتقديم المخارق لهم".
وعن زبائنه، يقول المرساوي: "بفضل الله، يأتينا زبائن من جميع أنحاء تونس، فباجة لا تبعد سوى 100 كيلومتر عن العاصمة تونس، و100 عن مدينة سليانة، و50 كيلومترا عن مدينة جندوبة، والناس يأتون إلى هنا ليعيشوا الأجواء الرمضانية والحنين إلى الماضي".
ويضيف، "المخارق من ألذ ما يؤكل، خاصة للذين يحافظون على الصنعة مثلنا. فالبدن يعمل في النهار ويضعف السكر فيه، فتأتي المخارق لتعيد له النشاط، فهي متكاملة غذائيا، حيث تحتوي على السمن والعسل والسميد".
وبخصوص أسعارها، يقر المرساوي بضغوط أصحاب الصنعة لرفع الأسعار، لكنه يصر على عدم إثقال كاهل المواطن، ويقول: "المخارق العادية تباع بسعر 10 دنانير للكيلوغرام (3.3 دولارات)، والممتازة المعدة بمكونات أفخر بـ12 دينارا (4 دولارات)".
ويضيف، "نضع مصلحة المواطن في مقدمة أولوياتنا، لكن ارتفاع أسعار المواد الأولية يشكل تحديا كبيرا لنا. هدفنا هو تغطية أجور عمالنا والحصول على دخل شهري معقول، فصناعة المخارق بالنسبة لنا فن قبل أن تكون مصدر رزق".
ويظهر المرساوي تمسكا كبيرا بصنعة الجدود، ويقول: "قد نفكر في التخلي عن العمل أحيانا، لكن الحنين إلى الصنعة يعيدنا إليها في رمضان، وسأحرص على نقلها إلى أبنائي من بعدي".
ويختتم حديثه بِطلب الدعم من السلطات: "نأمل من الدولة مساندتنا من خلال تزويدنا بالمواد الأولية، ونقدّر جهودها في هذا المجال".
من جانبه، يقول الأكاديمي زهير بن يوسف إن حلوى المخارق تعرف في جميع أنحاء تونس، وخاصة في باجة.
ويضيف بن يوسف، الحاصل على دكتوراه في اللغة والآداب والحضارة العربية، إن شهرة المخارق لا تقتصر على شهر رمضان فقط، بل تقدم أيضا في المناسبات العائلية المختلفة، ومنها المآتم، حيث توزع كنوع من الصدقة على الميت في ذكرى الأربعين من وفاته.
ويشير إلى أن هذا النوع من الحلوى يعرف بشكل أكبر في بلاد الغرب الإسلامي، مثل تونس وليبيا والجزائر، مع اختلاف التسمية، ففي تونس تسمى "مخارق"، بينما تعرف في الجزائر وليبيا باسم "مخيرقات".
ورغم تقارب لون المخارق والمخيرقات، فإن هناك اختلافا في الشكل والمذاق، وفق بن يوسف، فالمخيرقات تشبه نوعا من الحلويات يسمى "قرن الغزال" الذي يصنع في الجنوب الشرقي التونسي، وخاصة في مدينة تطاوين.
ويشير بن يوسف إلى أن أصل حلوى المخارق يثير كثيرا من الجدل، ولا يوجد إجماع حول ذلك. ويضيف أنه لا تمكن المجازفة بنسبتها للمطبخ الباجي لاختلاف الروايات، معتبرا أن الروايات الشفوية تمثل ثقافة الذاكرة، وليس ثقافة الأرشيف.
ويذكر أن من بين الروايات الشفوية تلك المنسوبة إلى محمد التعبوري، كما يلفت إلى رواية أخرى تقول إن المخارق وصلت باجة بواسطة جندي تركي استضافته عائلة من المدينة فصنعها لهم.
إلا أن ما يضعف هذه الرواية، وفق بن يوسف، هو عدم وجود تسمية "مخارق" في اللغة التركية، وغياب هذه الحلوى في تركيا اليوم.
ويضيف بن يوسف أن هذه الرواية كذلك ترجع الواقعة إلى عام 1860، و"لا يمكن وقتها الحديث عن وجود جنود عثمانيين" في تونس، كونها كانت آنذاك تحت كنف البايات الحسينيين، ولا يوجد جنود عثمانيون على أراضيها.
وتشير رواية أخرى إلى أصل أندلسي للمخارق، حيث جلبها الأندلسيون إلى باجة، وهناك تطورت طريقة صنعها.
لكن بن يوسف يضعف جميع الروايات الشفوية مستندا إلى مصادر أرشيفية تونسية، خاصة دفاتر مصروفات قصور حكام البايات، التي تؤكد وجود حلوى المخارق والزلابية والمدموجة منذ القرن 18، في كل من الأوساط الشعبية والملكية.
ويشير بن يوسف بصفة خاصة إلى مراسلة تعود إلى عام 1849 من المشير أحمد باشا باي (حكم تونس في الفترة بين 1837 و1855 أثناء حكم البايات)، يطلب فيها من أحد وزرائه إحضار الزلابية والمخارق والمدموجة، وهو ما يعد أول أثر مكتوب عن هذه الحلوى.
ويخلص بن يوسف إلى أن المخارق حلوى تونسية بامتياز، لا يوجد أصل عثماني أو أندلسي محدد لها، مع التأكيد على تأثير المطبخين التركي والأندلسي على المطبخ الباجي.
ويختتم قائلا، "هذه الحلويات هي اختراع حصري مرتبطة بحرفيي الصنعة في باجة، لكنه أصبح رائجا بحيث اكتسح الأوساط الشعبية وأوساط النخبة الاجتماعية على حد سواء إلى أن اكتسب هذه الشهرة".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات رمضان 2024 هذه الحلوى فی باجة بن یوسف إلى أن
إقرأ أيضاً:
هل سددت تونس كامل ديونها الخارجية لعام 2025؟
أثار الإعلان عن سداد تونس كامل ديونها الخارجية لسنة 2025 بنسبة 125% حتى سبتمبر الماضي، جدلاً كبيراً في الأوساط الاقتصادية والإعلامية، وسط تباين في تفسير الأرقام المنشورة.
وفق ما نشرته وكالة الأنباء التونسية الرسمية (وات)، فإن تونس تمكنت من سداد أقساط ديونها الخارجية بنسبة 125% مقارنة بما تم برمجته في قانون المالية لسنة 2025، والذي قدر بـ8469 مليون دينار.
وأشار التقرير إلى أن الدولة أنهت كل القروض الخارجية المبرمجة قبل نهاية السنة بثلاثة أشهر، مع تحسن في مستوى المدخرات وتراجع في الاقتراض الخارجي.
لكن خبراء اقتصاديين ومختصين أكدوا في تصريحات لـ”سبوتنيك” أن هذه القراءة لا تعكس الوضع المالي الحقيقي، وأن هناك فهمًا مغلوطًا للأرقام.
الخبير الاقتصادي بسام النيفر أوضح أن الرقم 8469 مليون دينار لا يشمل الفوائد المالية المبرمجة، التي تقدر بحوالي 1924 مليون دينار، مما يجعل إجمالي خدمة الدين الخارجي لعام 2025 يصل إلى نحو 10,393 مليون دينار.
وأضاف أن تونس ما زالت مطالبة بسداد أقساط كبيرة لم يحن أجلها بعد، مثل قروض البنك الإفريقي للتصدير والاستيراد وقروض صندوق النقد الدولي.
الأستاذ الجامعي آرام بالحاج أكد أن إعلان سداد كامل الديون بنسبة 125% غير دقيق ومبالغ فيه، مشيراً إلى أن تونس سددت جزءًا هامًا من ديونها، لكنها لم تسدد أكثر مما هو مستحق فعلاً.
وأشار إلى أن الأقساط المتبقية حتى سبتمبر 2025 تبلغ حوالي 516 مليون دينار، ومن المتوقع سدادها في مواعيدها.
وأضاف بالحاج أن التحدي الحقيقي ليس في السداد فقط، بل في كيفية توظيف القروض، حيث يذهب جزء كبير منها إلى تمويل الأجور والدعم بدلاً من الاستثمار التنموي.
كما أشار إلى أن الوضع المالي في تونس لا يزال هشًا، مع دين عمومي يشكل نحو 80.5% من الناتج المحلي الإجمالي، منها 33.6% ديون خارجية، في حين تبقى معدلات البطالة والفقر مرتفعة.