الجزيرة:
2024-06-11@17:43:31 GMT

إستراتيجية استمرار الحرب الإسرائيلية

تاريخ النشر: 5th, April 2024 GMT

إستراتيجية استمرار الحرب الإسرائيلية

لا تلوحُ في الأفق أية رغبة إسرائيلية بوقف العدوان الحالي على قطاع غزّة، وكل الشواهد العملية على الأرض، والتصريحات التي يردّدها مسؤولو الحرب الإسرائيليون، تدلّ على أن خيار الحرب المستمرة، هو الخيار المفضل لديهم، بل الخيار الوحيد.

ربما هي المرّة الأولى في تاريخ الكيان التي لا يكون قادتُه حريصين فيها على الوصول لوقف إطلاق نار، وهدنة ممتدة تسمح له بإعادة الاستقرار الداخلي، ومعالجة ما لحق به من أضرار نتيجة الحرب التي امتدّت لنحو ستة أشهر.

ففي الحروب الخمسة الماضية على غزة، كان الوصول لوقف إطلاق النار أمرًا يسعى إليه جميع الأطراف، سواء الإسرائيلي أو الفلسطيني، أو المحيط العربي، وخاصة الوسيط المصري، وكذلك الأميركي الذي أعلن بنفسه من واشنطن في حرب "سيف القدس" عام 2021 عن الوصول لوقف إطلاق النار، وفرض ذلك على نتنياهو الذي كان في ذلك الوقت رئيسًا للوزراء، ثم سرعان ما سقطت حكومتُه بعد ذلك على وقع نتائج الحرب.

فما الذي يجعل هذه الحرب مختلفة عن سابقاتها؟ ولماذا لا يحرص الاحتلال على إنهائها والعودة إلى الحياة الطبيعية؛ لترميم ما أصابه من أضرار بالغة وطويلة المدى؟

 

إنّ أول ما يتبادر للذهن للإجابة عن هذه الأسئلة، هو موضوع الأسرى، حيث لا يبدو أن وقف الحرب دون استعادة الأسرى، سيكون أمرًا سهلًا على الاحتلال؛ لأنه يدرك أن ثمن الإفراج عنهم بعد ذلك من خلال عملية تفاوضية سيكون أضعافَ ما يمكن دفعه أثناء عمليات عسكرية مستمرة وضاغطة على المفاوض الفلسطيني؛ بسبب آثارها الإنسانية، من قبيل المجاعة في الشمال، وانعدام الاستقرار والأمن في مختلف مناطق القطاع.

ومن المؤكد أن قادة الاحتلال يأملون أنهم في مرحلة ما من مراحل الحرب المستمرة، سيتمكنون من تحرير جزء من الأسرى، إما بالقوة العسكرية، أو باستجابة المقاومة تحت ضغط العمليات العسكرية.

أما الموضوع الشخصي؛ فيرتبط بخسارة نتنياهو موقعه، وبالتالي احتمال ذهابه للسجن؛ بسبب تهم الفساد في المحاكم، وكذلك التحقيقات التي ستصل إلى تحميله مسؤولية ما يسمّى الفشل في يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأوّل. تضافُ لتلك الاحتمالات الدّعوة لانتخابات سيخسرُها قطعيًا هذه المرّة، حسبما تفيد استطلاعات الرأي.

وهو أمرٌ منطقيّ، فالناخبون سينظرون إلى الأشهر الستة الأخيرة من عُمر حكومته التي تسبّبت بأكبر الكوارث في تاريخ الاحتلال على كافّة المجالات. وأصلًا لم يكن هؤلاء الناخبون سعداء بحكومة تضمّ الأكثر تطرفًا في المجتمع الإسرائيلي بن غفير وسموتريتش، وكانت المظاهرات تعمّ الكيان الإسرائيلي على مدى تسعة أشهر؛ بسبب مقترحات التعديلات القضائيّة التي كان نتنياهو يرغب بتمريرها.

مع أن موضوع الأسرى يبدو منطقيًا بالنظر لحساسيته، ولكونه أحد أهم نتائج السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فإن هناك أسبابًا أخرى أكثر تأثيرًا في القرار الإسرائيلي، وتدفع نحو استمرار هذه الحرب حتى لو تم الإفراج عن الأسرى

الأسباب الموضوعية لاستمرار الحرب

يتصل الجانب الموضوعي بالأمن بين قطاع غزة، والاحتلال، وفيه نقطتان:

الأولى: هي الرغبة في الخلاص من المقاومة، وكسر قدرتها على الهجوم مجددًا، وتنفيذ عمليات مثل تلك التي حدثت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أو مجرد القدرة على إطلاق الصواريخ، وهذا الأمر كان يبدو ممكنًا في بداية الحرب، لكن مرور ستة أشهر دون تحقيق هذا الهدف، ودون الوصول لقيادة المقاومة، وعلى رأسها يحيى السنوار، يجعل استمرار الحرب أمرًا ضروريًا، ولا يمكن التراجع عنه. الثانية: هي من سيحكم قطاع غزة في حال استطاع الاحتلال القضاء على المقاومة فيه؟ وهذه قضية أثارت كثيرًا من الخلافات والجدل بين الاحتلال وحلفائه، وبين القوى ذات العلاقة مثل بعض الدول العربية.

ولا يزال هذا الموضوع مثارَ خلاف بين نتنياهو والإدارة الأميركية. هذا الخلاف ليس أمنيًا فقط فكلاهما يرغب بأن يوفر أعلى درجات الأمن للاحتلال. الخلاف هنا سياسي بامتياز، فالإدارة الأميركية تريد إعطاء فرصة جديدة لمشروع قديم بدأ في "أوسلو"، ويتحدّث عن حل الدولتين، ولذلك هي تفضل إعادة السلطة الفلسطينية إلى غزة؛ تمهيدًا لاستئناف البحث في ترتيبات دائمة فلسطينية – إسرائيلية.

أما نتنياهو فيرى أن حلَّ الدولتين بمثابة كابوس ثقيل؛ لأنّ أيديولوجيته ومواقف شركائه في الحكومة ترفض إعطاء الفلسطينيين دولة تحت أي ظرف، وتفضّل الاستمرار في السياسات الاستيطانية والتهويدية، وإضعاف البنية الفلسطينية من خلال الملاحقات الدائمة، والاعتداءات والاعتقالات، وتحويل الحياة الفلسطينية في الضفة والقطاع إلى جحيم لا يطاق؛ ما سيدفع الكثيرين للهجرة، وتفريغ الأرض ليستولي عليها الاحتلال.

الحرب أصبحت غاية لا وسيلة

أمام كل ذلك، تحوّلت الحرب الجارية على غزة إلى غاية وهدف، بدلًا من أن تكون وسيلة لتحقيق الأهداف التي أعلن عنها نتنياهو مرارًا وتكرارًا، وذلك ببساطة لأنها أهداف لا يمكن تحقيقها بالحرب، بل يلزم أن يرافقها فعلٌ سياسي جدي يأخذ بعين الاعتبار تطلعات كل الأطراف، بمن فيها الشعب الفلسطيني، وتصورات الحل المقبول فلسطينيًا، والذي لا يقلّ عن دولة فلسطينية على حدود 67، وعاصمتها القدس، وحقّ اللاجئين بالعودة.

لقد استفاد نتنياهو خلال الأشهر الماضية من ردة الفعل الأميركية التي أيدت الحرب مدفوعة بالخوف على مستقبل المشروع الصهيوني، أو الرغبة في كسب الشارع الأميركي، الذي يستعد لتصويت جديد في الانتخابات المقررة نهاية العام. وقد كانت استطلاعات الرأي تظهر دعمًا كبيرًا للحرب، بينما تراجع هذا التأييد تدريجيًا حتى وصل أدنى مستوى له حسب نتائج استطلاع معهد غالوب الذي كشف أن 75 ٪ من مؤيدي الحزب الديمقراطي الحاكم يعارضون الحرب، مقابل 18٪ فقط ممن لايزالون يؤيدونها.

كما أنّ مؤيدي الحزب الجمهوري، تراجع تأييد الحرب عندهم، ووصل إلى 64٪ فقط بدلًا من 71٪ في نوفمبر الماضي. ويفيد الاستطلاع أيضًا بأن 55 ٪ من مجموع الأميركيين يعارضون استمرار الحرب

هذه النتائج ربما تفسّر التغير في موقف الإدارة الأميركية، الذي ظهر بأوضح صورة خلال التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي الأخير، حين سمحت الولايات المتحدة بتمريره عبر الامتناع عن التصويت، وعدم الاستجابة لمطلب نتنياهو باستخدام الفيتو، وهو القرار الذي يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار.

سيكون إذن على نتنياهو وفريق المتطرفين في حكومته أن يعيدوا التفكير في مسار الحرب برمته، وهو أمر سيضع حكومتهم ومستقبلهم السياسي على المذبح. تلك هي المعضلة الكبرى التي تواجه نتنياهو وفريقه مما دفعهم للصراخ بأعلى صوت ممكن بأنهم لن يستجيبوا لقرار مجلس الأمن الدولي بوقف الحرب، فذاك قرار يتعارض تمامًا مع الإستراتيجية التي باتوا يتمترسون خلفها، ألا وهي الحرب من أجل الحرب، والقتل بلا حدود، ولَيكن ما يكون.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات استمرار الحرب

إقرأ أيضاً:

بعد استقالة جانتس.. ماذا سيحدث لحكومة الحرب الإسرائيلية؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

قالت وسائل الإعلام العبرية، إن انسحاب حزب "معسكر الدولة" الإسرائيلي أمس الأحد، من حكومة الحرب الإسرائيلية الذي انضم إليها في بداية الحرب، يعني أن عضوين في الحكومة المصغرة، بيني جانتس وغادي آيزنكوت، لم يعودا عضوين فيها، وحتى الآن لم يبق هناك سوى رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو والوزراء يوآف جالانت ورون ديرمر.

ووفقا لوسائل الإعلام العبرية، يطالب وزير الأمني القومي المتطرف إيتمار بن جفير، وهو عضو في الحكومة السياسية الأمنية، بالانضمام إلى الحكومة المصغرة، لكن بينما تستمر الحرب على جميع الجبهات - في الوقت الحالي لا يزال من غير الواضح ما الذي سيحدث للحكومة التي كانت حتى الأمس ربما الأكثر أهمية في إسرائيل.

وبحسب القناة الـ12 العبرية، فإن نتنياهو لم يتخذ قراره بعد، حيث لا تزال حكومة الحرب موجودة، لكن من المحتمل أن يقوم بإلغائها ونقل كل شيء إلى الحكومة الموسعة.

 ومع ذلك، تشير التقديرات إلى أنه بدلاً من حكومة الحرب، ستجري مشاورات محدودة مع بن جفير وبتسلئيل سموتريش.

وأعلن رئيس "معسكر الدولة" جانتس، في مؤتمر صحفي أمس، قراره بالانسحاب من حكومة الطوارئ التي انضم إليها بعد خمسة أيام من هجوم 7 أكتوبر.

وفي نهاية الكلمة أعلن الوزير بن جفير أنه بعث برسالة إلى نتنياهو، وطالب في رسالته بالدخول إلى حكومة الحرب. 

مقالات مشابهة

  • بعد استقالة جانتس.. ماذا سيحدث لحكومة الحرب الإسرائيلية؟
  • هذا ما نعرفه عن مجلس حرب الاحتلال.. ما تأثير خروج غانتس وآيزنكوت؟
  • فتح: استقالة قائد العمليات الإسرائيلية في غزة يشكل ضغطا على نتنياهو وحكومته
  • غانتس يستقيل من حكومة الحرب الإسرائيلية ونتنياهو يرد
  • بيني جانتس يعلن استقالته من حكومة الطوارئ الإسرائيلية
  • عاجل | بيني غانتس يعلن استقالته من حكومة الطوارئ الإسرائيلية
  • بيني غانتس يعلن استقالته من حكومة الطوارئ الإسرائيلية
  • شهود عيان يروون كيف دخلت القوة الإسرائيلية مخيم النصيرات لاستعادة الأسرى
  • نتنياهو يوجه رسالة مهمة الى غانتس
  • شهود عيان يروون للجزيرة كيف دخلت القوة الإسرائيلية مخيم النصيرات لتحرير الأسرى