الجزيرة:
2025-10-16@01:57:57 GMT

إستراتيجية استمرار الحرب الإسرائيلية

تاريخ النشر: 5th, April 2024 GMT

إستراتيجية استمرار الحرب الإسرائيلية

لا تلوحُ في الأفق أية رغبة إسرائيلية بوقف العدوان الحالي على قطاع غزّة، وكل الشواهد العملية على الأرض، والتصريحات التي يردّدها مسؤولو الحرب الإسرائيليون، تدلّ على أن خيار الحرب المستمرة، هو الخيار المفضل لديهم، بل الخيار الوحيد.

ربما هي المرّة الأولى في تاريخ الكيان التي لا يكون قادتُه حريصين فيها على الوصول لوقف إطلاق نار، وهدنة ممتدة تسمح له بإعادة الاستقرار الداخلي، ومعالجة ما لحق به من أضرار نتيجة الحرب التي امتدّت لنحو ستة أشهر.

ففي الحروب الخمسة الماضية على غزة، كان الوصول لوقف إطلاق النار أمرًا يسعى إليه جميع الأطراف، سواء الإسرائيلي أو الفلسطيني، أو المحيط العربي، وخاصة الوسيط المصري، وكذلك الأميركي الذي أعلن بنفسه من واشنطن في حرب "سيف القدس" عام 2021 عن الوصول لوقف إطلاق النار، وفرض ذلك على نتنياهو الذي كان في ذلك الوقت رئيسًا للوزراء، ثم سرعان ما سقطت حكومتُه بعد ذلك على وقع نتائج الحرب.

فما الذي يجعل هذه الحرب مختلفة عن سابقاتها؟ ولماذا لا يحرص الاحتلال على إنهائها والعودة إلى الحياة الطبيعية؛ لترميم ما أصابه من أضرار بالغة وطويلة المدى؟

 

إنّ أول ما يتبادر للذهن للإجابة عن هذه الأسئلة، هو موضوع الأسرى، حيث لا يبدو أن وقف الحرب دون استعادة الأسرى، سيكون أمرًا سهلًا على الاحتلال؛ لأنه يدرك أن ثمن الإفراج عنهم بعد ذلك من خلال عملية تفاوضية سيكون أضعافَ ما يمكن دفعه أثناء عمليات عسكرية مستمرة وضاغطة على المفاوض الفلسطيني؛ بسبب آثارها الإنسانية، من قبيل المجاعة في الشمال، وانعدام الاستقرار والأمن في مختلف مناطق القطاع.

ومن المؤكد أن قادة الاحتلال يأملون أنهم في مرحلة ما من مراحل الحرب المستمرة، سيتمكنون من تحرير جزء من الأسرى، إما بالقوة العسكرية، أو باستجابة المقاومة تحت ضغط العمليات العسكرية.

أما الموضوع الشخصي؛ فيرتبط بخسارة نتنياهو موقعه، وبالتالي احتمال ذهابه للسجن؛ بسبب تهم الفساد في المحاكم، وكذلك التحقيقات التي ستصل إلى تحميله مسؤولية ما يسمّى الفشل في يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأوّل. تضافُ لتلك الاحتمالات الدّعوة لانتخابات سيخسرُها قطعيًا هذه المرّة، حسبما تفيد استطلاعات الرأي.

وهو أمرٌ منطقيّ، فالناخبون سينظرون إلى الأشهر الستة الأخيرة من عُمر حكومته التي تسبّبت بأكبر الكوارث في تاريخ الاحتلال على كافّة المجالات. وأصلًا لم يكن هؤلاء الناخبون سعداء بحكومة تضمّ الأكثر تطرفًا في المجتمع الإسرائيلي بن غفير وسموتريتش، وكانت المظاهرات تعمّ الكيان الإسرائيلي على مدى تسعة أشهر؛ بسبب مقترحات التعديلات القضائيّة التي كان نتنياهو يرغب بتمريرها.

مع أن موضوع الأسرى يبدو منطقيًا بالنظر لحساسيته، ولكونه أحد أهم نتائج السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فإن هناك أسبابًا أخرى أكثر تأثيرًا في القرار الإسرائيلي، وتدفع نحو استمرار هذه الحرب حتى لو تم الإفراج عن الأسرى

الأسباب الموضوعية لاستمرار الحرب

يتصل الجانب الموضوعي بالأمن بين قطاع غزة، والاحتلال، وفيه نقطتان:

الأولى: هي الرغبة في الخلاص من المقاومة، وكسر قدرتها على الهجوم مجددًا، وتنفيذ عمليات مثل تلك التي حدثت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أو مجرد القدرة على إطلاق الصواريخ، وهذا الأمر كان يبدو ممكنًا في بداية الحرب، لكن مرور ستة أشهر دون تحقيق هذا الهدف، ودون الوصول لقيادة المقاومة، وعلى رأسها يحيى السنوار، يجعل استمرار الحرب أمرًا ضروريًا، ولا يمكن التراجع عنه. الثانية: هي من سيحكم قطاع غزة في حال استطاع الاحتلال القضاء على المقاومة فيه؟ وهذه قضية أثارت كثيرًا من الخلافات والجدل بين الاحتلال وحلفائه، وبين القوى ذات العلاقة مثل بعض الدول العربية.

ولا يزال هذا الموضوع مثارَ خلاف بين نتنياهو والإدارة الأميركية. هذا الخلاف ليس أمنيًا فقط فكلاهما يرغب بأن يوفر أعلى درجات الأمن للاحتلال. الخلاف هنا سياسي بامتياز، فالإدارة الأميركية تريد إعطاء فرصة جديدة لمشروع قديم بدأ في "أوسلو"، ويتحدّث عن حل الدولتين، ولذلك هي تفضل إعادة السلطة الفلسطينية إلى غزة؛ تمهيدًا لاستئناف البحث في ترتيبات دائمة فلسطينية – إسرائيلية.

أما نتنياهو فيرى أن حلَّ الدولتين بمثابة كابوس ثقيل؛ لأنّ أيديولوجيته ومواقف شركائه في الحكومة ترفض إعطاء الفلسطينيين دولة تحت أي ظرف، وتفضّل الاستمرار في السياسات الاستيطانية والتهويدية، وإضعاف البنية الفلسطينية من خلال الملاحقات الدائمة، والاعتداءات والاعتقالات، وتحويل الحياة الفلسطينية في الضفة والقطاع إلى جحيم لا يطاق؛ ما سيدفع الكثيرين للهجرة، وتفريغ الأرض ليستولي عليها الاحتلال.

الحرب أصبحت غاية لا وسيلة

أمام كل ذلك، تحوّلت الحرب الجارية على غزة إلى غاية وهدف، بدلًا من أن تكون وسيلة لتحقيق الأهداف التي أعلن عنها نتنياهو مرارًا وتكرارًا، وذلك ببساطة لأنها أهداف لا يمكن تحقيقها بالحرب، بل يلزم أن يرافقها فعلٌ سياسي جدي يأخذ بعين الاعتبار تطلعات كل الأطراف، بمن فيها الشعب الفلسطيني، وتصورات الحل المقبول فلسطينيًا، والذي لا يقلّ عن دولة فلسطينية على حدود 67، وعاصمتها القدس، وحقّ اللاجئين بالعودة.

لقد استفاد نتنياهو خلال الأشهر الماضية من ردة الفعل الأميركية التي أيدت الحرب مدفوعة بالخوف على مستقبل المشروع الصهيوني، أو الرغبة في كسب الشارع الأميركي، الذي يستعد لتصويت جديد في الانتخابات المقررة نهاية العام. وقد كانت استطلاعات الرأي تظهر دعمًا كبيرًا للحرب، بينما تراجع هذا التأييد تدريجيًا حتى وصل أدنى مستوى له حسب نتائج استطلاع معهد غالوب الذي كشف أن 75 ٪ من مؤيدي الحزب الديمقراطي الحاكم يعارضون الحرب، مقابل 18٪ فقط ممن لايزالون يؤيدونها.

كما أنّ مؤيدي الحزب الجمهوري، تراجع تأييد الحرب عندهم، ووصل إلى 64٪ فقط بدلًا من 71٪ في نوفمبر الماضي. ويفيد الاستطلاع أيضًا بأن 55 ٪ من مجموع الأميركيين يعارضون استمرار الحرب

هذه النتائج ربما تفسّر التغير في موقف الإدارة الأميركية، الذي ظهر بأوضح صورة خلال التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي الأخير، حين سمحت الولايات المتحدة بتمريره عبر الامتناع عن التصويت، وعدم الاستجابة لمطلب نتنياهو باستخدام الفيتو، وهو القرار الذي يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار.

سيكون إذن على نتنياهو وفريق المتطرفين في حكومته أن يعيدوا التفكير في مسار الحرب برمته، وهو أمر سيضع حكومتهم ومستقبلهم السياسي على المذبح. تلك هي المعضلة الكبرى التي تواجه نتنياهو وفريقه مما دفعهم للصراخ بأعلى صوت ممكن بأنهم لن يستجيبوا لقرار مجلس الأمن الدولي بوقف الحرب، فذاك قرار يتعارض تمامًا مع الإستراتيجية التي باتوا يتمترسون خلفها، ألا وهي الحرب من أجل الحرب، والقتل بلا حدود، ولَيكن ما يكون.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: رمضان 1445 هـ ترجمات حريات استمرار الحرب

إقرأ أيضاً:

إحباط داخل إسرائيل.. حكومة نتنياهو لا تملك السيطرة على تنفيذ اتفاق غزة

بينما تعتقد قطاعات واسعة من الاسرائيليين أن خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوقف الحرب تقدم فرصةً برزت بعد عامين منها، عندما أدرك الاحتلال وحماس أن الاتفاق أفضل من الجمود الدموي، بجانب إطلاق سراح الرهائن، لكن الخطة ذاتها تحمل في طياتها نقاط ضعف قد تعيق تنفيذها بالكامل، وبالتالي فقد تُصبح هذه الفرصة النادرة إخفاقًا تاريخيًا آخر أمام الاحتلال.

البروفيسور إيلي فوديه أستاذ الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية في الجامعة العبرية، وعضو المجلس التنفيذي لمنظمة "ميتافيم"، وعضو تحالف الأمن الإقليمي، ذكر أنه "بعد عامين من هجوم حماس، وُقّع اتفاق قد يُبشر ببداية عهد جديد، وقد جاء نتيجة اجتماع مسألتين: أولاهما ضغوط هائلة مارسها ترامب ومساعدوه، ومن خلال حلفائه، مصر وقطر وتركيا، على حماس، وثانيهما أن الاحتلال وحماس وصلتا نقطة تُسمى في العلاقات الدولية "الجمود المؤلم للطرفين"، حيث أدركا أن الاتفاق أفضل من الوضع الحالي".


وأضاف في مقال نشرته القناة 12العبرية، وترجمته "عربي21" أن "حماس التي تعرضت لضربات عسكرية قاسية، وتم القضاء على معظم قياداتها في غزة، حصلت على ضمانات بعدم تجدد القتال، وإلا لما وافقت مُسبقًا على التخلي عن ورقة الرهائن، وهذا يُبقيها عاملًا مهمًا في المفاوضات حول مستقبل القطاع والقضية الفلسطينية عمومًا، ويُقدم انتصارًا على مستوى الوعي، بصمودها في المعركة، رغم كل الصعاب، بل وإعادتها القضية الفلسطينية لمركز الاهتمام الإعلامي".

وأشار أن "الاحتلال حقق إنجازات عسكرية على جبهات متعددة، وألحق أضرارًا بالغة بحماس، لكنه لم يُقضَ عليها بعد، ونجا قادتها من محاولة الاغتيال في الدوحة، وبعد عامين من الحرب، أدرك الجيش، الذي يعتمد بشكل كبير على جنود الاحتياط، أنه يُجرّ إلى حرب استنزاف في غزة، قد تستغرق وقتًا طويلًا، وتُسفر عن سقوط العديد من الخسائر، كما أدى إرهاق المجتمع الاسرائيلي من الحرب، والضغط المستمر من المظاهرات من أجل المخطوفين، إلى شعور بالإرهاق من التحرك العسكري، وإدراك أن الوقت لا يعمل لصالح المخطوفين".

وأوضح أن "خطة ترامب تتيح فرصة عظيمة للحل، ومن خلال في بحثي حول إخفاقات الصراع العربي الإسرائيلي، اكتشفت أن المشكلة تكمن في أن كل فرصة مثالية لا تُستغل فعليًا، وهناك أمثلة كثيرة على الإخفاقات: خطة ريغان 1982؛ مبادرة السلام العربية 2002، خارطة الطريق 2003، وغيرها، وتكمن مشكلة خطة ترامب المكونة من 20نقطة في أنها عبارة عن عدة خطط أو خطة واحدة بمراحل متعددة، دون جدول زمني مفصل، وشروط الانتقال من مرحلة لأخرى".

وأشار أنه "يجري حاليًا إنجاز المرحلة الأولى، وتشمل إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين والأسرى الفلسطينيين، وتقديم المساعدات الإنسانية، وقد أُدخلت بالفعل تغييرات على خطة ترامب الأصلية في هذه المرحلة، سواءً فيما يتعلق بعدد الأسرى المفرج عنهم، أو بخط انسحاب الجيش، ويرجّح أن تنتهي هذه المرحلة بنجاح، لأن شروطها مقبولة من جميع الأطراف منذ البداية، ولكن بجانب الفرحة التي سادت نهاية الحرب وإطلاق سراح الرهائن، فإن استمرار المفاوضات بشأن المراحل التالية يطرح مشاكل معقدة".

وأضاف أن "القضايا الرئيسية التي تنتظر الأطراف هي إنشاء إدارة مؤقتة لحكم غزة مسؤولة عن تنفيذ خطط التنمية الاقتصادية، وقد طُرحت أسماء لقيادتها مثل رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير الذي يثير العداء لدى الجانبين العربي والإسلامي، وصولا لتفكيك حماس، ونزع سلاح القطاع، وانسحاب الجيش، ودخول قوة عربية/دولية.

وبالتالي والكلام للكاتب، فإن هذه هي المرحلة الحاسمة التي ستُختبر فيها جدية جميع الأطراف في الالتزام بالاتفاق، ويُحتمل أن تُشكل كل قضية بؤرة لتأخير المفاوضات، وربما حتى انفجارها، مع أن حماس تقدّم الاتفاق كوصفة لتعزيز شرعيتها في المجتمع الفلسطيني".


وختم بالقول إن "تأثير الاتفاق على السياسة الداخلية في دولة الاحتلال كبير جدا، فقد خلق تنفيذ المرحلة الأولى من خطة ترامب الشقوق الأولى في الحكومة اليمينية، ومن المفترض أنه مع تقدم المفاوضات، ستزداد معارضة اليمين، مما يهدد بقاء الحكومة، ومن المنطقي افتراض أن انتهاء الحرب وعودة المختطفين سيؤديان لتعزيز المطالب بتشكيل لجنة تحقيق رسمية، وهذه المطالب، بجانب استمرار المفاوضات، ستؤدي للتقدم في الانتخابات".

وتشير هذه القراءة الاستشرافية لمآلات الاتفاق في غزة أن الرؤية الإسرائيلية تعتمد الإصرار على مواصلة المفاوضات الفورية بوساطة أمريكية ومصرية، وربط مراحلها المختلفة، مما يعتبر الوصفة الأمثل لنجاح خطة ترامب، رغم أن تنفيذها يعتمد على عوامل عديدة خارجة عن سيطرة الاحتلال، وهنا قد يكشف حجم الإخفاق الذي مني به منذ اللحظة الأولى التي شنّ فيها حرب الإبادة على غزة، حتى نهايتها.

مقالات مشابهة

  • الحكومة الإسرائيلية: نتنياهو يعاني من التهاب في القصبة الهوائية
  • إحباط داخل إسرائيل.. حكومة نتنياهو لا تملك السيطرة على تنفيذ اتفاق غزة
  • مصدر : 9 قتلى جراء استمرار الانتهاكات الإسرائيلية لوقف إطلاق النار في غزة
  • هل سيلتزم نتنياهو باتفاق شرم الشيخ لوقف حرب غزة؟
  • الجنون المختلق.. إستراتيجية للتلاعب بالخصوم وتحقيق تنازلات في المفاوضات الدولية
  • أسرى محررون من السجون الإسرائيلية يصلون خان يونس
  • تحليل: صفقة نهاية حرب غزة أسقطت أهدافها و"نتنياهو" رضخ للمقاومة
  • صفقة نهاية حرب غزة أسقطت أهدافها و"نتنياهو" رضخ للمقاومة صاغرًا
  • نتنياهو: الحرب في غزة انتهت
  • صالح الجعفراوي صوت غزة الذي صمت برصاص الغدر