سودانايل:
2024-06-11@21:26:08 GMT

عام من الحرب.. السودان ينزف والاقتصاد ينهار

تاريخ النشر: 15th, April 2024 GMT

بعد مرور عام على اندلاعها في جنوب العاصمة الخرطوم، صبيحة الخامس عشر من أبريل 2023، خلفت الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع نحو 17 ألف قتيل، وأحدثت دمارا اقتصاديا قدرت خسائره بمليارات الدولارات، وأوجدت وضعا إنسانيا وصف بالأكثر مأساوية في العالم حيث شردت الملايين من منازلهم وأدخلت 25 مليونا في دائرة الجوع، وسط مخاوف من تحولها إلى حرب أهلية شاملة، بحسب أحدث تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق المساعدات.



أوضاع إنسانية مأساوية

تتفاقم المخاوف من تدهور الأوضاع الإنسانية بشكل أكبر في ظل انكماش مساحات الملاذات الآمنة للفارين من مناطق القتال. واتسعت رقعة الحرب بشكل لافت خلال الفترة الأخيرة لتشمل اكثر من 70 بالمئة من مساحة البلاد، حيث انتقل القتال من الخرطوم إلى دارفور وكردفان في الغرب والنيل الأبيض في الجنوب وولايتي الجزيرة وسنار في الوسط والجتوب الغربي.

ورسم تقرير صدر الأحد عن الأمم المتحدة صورة قاتمة عن الأوضاع الإنسانية في البلاد. وقال التقرير إن السودان يواجه واحدة من أسرع الأزمات التي تتكشف على مستوى العالم، حيث يحتاج نحو 25 مليون شخص - منهم أكثر من 14 مليون طفل - إلى المساعدة والدعم الإنساني.

ووفقا للتقرير فإن 17.7 مليون شخص - أكثر من ثلث سكان البلاد - يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، من بينهم 4.9 مليون شخص على حافة المجاعة. وأشار التقرير إلى فرار أكثر من 8.6 مليون شخص – حوالي 16 بالمئة من إجمالي سكان البلاد – من منازلهم منذ بدء النزاع.

خسائر اقتصادية

قدر الخبير الاقتصادي وائل فهمي قيمة خسائر الأصول التي دمرتها الحرب حتى الآن، بما بين 500 إلى 700 مليار دولار، محذرا من أن يؤدي استمرار الحرب إلى المزيد من الانكماش في قواعد الإنتاج الوطنية وربما انهيار كلي في إيرادات المالية العامة مما يرفع الخسائر بشكل أكبر بكثير من التقديرات السابقة.

وأشار فهمي إلى أن القطاع الصناعي هو الأكثر تأثرا حيث تشير التقديرات إلى فقدان نحو 75 بالمئة من وحداته الإنتاجية يليه قطاع الخدمات بنسبة 70 بالمئة فالقطاع الزراعي بنسبة 65 بالمئة.

وإلى جانب المجهود الحربي وتدمير الترسانة العسكرية، فقد شملت خسائر الحرب بنيات أساسية مادية كالجسور والسدود وشبكات نقل الكهرباء والمياه والوقود والاتصالات والمنشآت الصحية والتعليمية والمباني العامة والقطاعات الإنتاجية والصناعية والأسواق، إضافة إلى دمار منازل وممتلكات المواطنين، وتكلفة التدهور والتلوث البيئي.

وبسبب الحرب انكمش الناتج القومي باكثر من 40 بالمئة، وتقلصت الايرادات العامة بنحو 80 بالمئة لتعتمد على طباعة النقود مع غياب التمويل الدولي، في ظل انهيار المصارف والمشاريع الانتاجية التي يعتمد عليها الاقتصاد المحلي في تمويل الايرادات.

وتجاوزت معدلات التضخم 520 بالمئة، ودخل اكثر من 40 بالمئة في دائرة البطالة بعد الحرب نتيجة لفقدان مصادر دخلهم في ظل إغلاق معظم مؤسسات الدولة والقطاع الخاص.

وتضاعفت السلع الغذائية الرئيسية بأكثر من ثلاث مرات بسبب توقف سلاسل الإمداد وانخفاض قيمة الجنيه السوداني؛ حيث يجري حاليا تداول الدولار الواحد عند 1400 جنيها، مقارنة مع 600 جنيها قبل اندلاع الحرب.

وتعرضت البنية الصناعية في البلاد؛ إلى دمار وتخريب كامل، فبالتزامن مع العمليات القتالية؛ انتشر المئات من اللصوص والمتفلتين في المناطق الصناعية ونهبوا كل شيء بما في ذلك الماكينات وأجزاؤها والمواد الخام والمخزون الإنتاجي وحتى اسقف المباني واجهزة التكييف والإضاءة.

ويقول فهمي لموقع سكاي نيوز عربية إن الخسائر تفاقمت أكثر بسبب ثقل مساهمة الولايات الاكثر تأثرا بالحرب في الناتج المحلي الاجمالي، وهي العاصمة الخرطوم وولايات الجزيرة ودارفور وكردفان وسنار والنيل الأبيض. ويوضح "تتركز معظم قواعد الانتاج والبنيات الأساسية التي تشكل العمود الفقري للاقتصاد السوداني، في الولايات الأكثر تأثرا بالحرب حتى الآن".

انعكاسات خارجية

حذر مراقبون من التداعيات الخطيرة للحرب السودانية على الأمن الإقليمي والدولي.

من جانبه، عبر جوزيف بوريل فونتيليس، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية عن تلك المخاوف بالقول إن أمن اوروبا والعالم على المحك، وأوضح "يعد البحر الأحمر أهم رابط بحري لأوروبا مع آسيا والمحيط الهادئ، ويمكن أن يصبح السودان بابًا دوارًا للاتجار بالبشر والمقاتلين المتطرفين والأسلحة وجميع أنواع التجارة غير المشروعة بين منطقة الساحل وشمال أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى".

وفي ذات السياق، قالت الأمم المتحدة إن الحرب في السودان قد أثرت بشكل كبير على على البلدان المجاورة، خصوصا دولتي تشاد وجنوب السودان حيث يؤدي تعطل التجارة ونزوح أعداد كبيرة من السكان إلى استنزاف الموارد وتفاقم الجوع.

وقالت سيندي ماكين، المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي، "ملايين الأشخاص في جنوب السودان وتشاد مهددون بالمجاعة لأن هذه الحرب دمرت الزراعة والشركات والاقتصادات الوطنية - تاركة ضحاياها جائعين ومفلسين". "يجب أن يتوقف القتال الآن، وإلا فقد تصبح المنطقة قريباً أكبر أزمة جوع في العالم."

وتوقع التقرير تراجعا كبيرا في اقتصاد جنوب السودان في ظل معاناة الأسر من التضخم المفرط والانخفاض الشديد في قيمة العملة، بسبب توقف خط أنابيب تصدير النفط الرئيسي في البلاد والذي يمر عبر السودان في مارس. والنفط هو المصدر الرئيسي للدخل في جنوب السودان ويشكل 95 بالمئة من الإيرادات.

ويحدث سيناريو مماثل في تشاد، حيث تضاعفت أسعار المواد الغذائية في شرق البلاد تقريباً في العام الماضي. وقد أدى إغلاق الحدود إلى تقييد التجارة بشدة وسبب نقصا حادا في الغذاء في الأسواق.

آفاق الحل

في حين تسعى المجموعات الموالية وذات التأثير القوي على صناعة القرار في بورتسودان، للدفع في اتجاه استمرار الحرب ورفض كافة الجهود الدولية والإقليمية والمحلية الرامية لحل الأزمة، يعقد معظم السودانيين آمالا على جولة المفاوضات المقترحة خلال الأيام المقبلة في إطار منبر جدة المتوقف منذ اكثر من 4 أشهر.

وفي ظل تعثر كافة الجهود الدولية والإقليمية التي سعت إلى وقف الحرب خلال الأشهر الماضية، أكد مصدر دبلوماسي موثوق لموقع سكاي نيوز عربية وجود اتفاق دولي واسع على الاستناد إلى خارطة الطريق الأفريقية كأساس للمفاوضات المقبلة.

وأوضح المصدر ان جولة المبعوث الأميركي للسودان توم بيريلو الأخيرة في المنطقة واتصالات دبلوماسية أجرتها الخارجية الأميركية مع عدد من الأطراف الدولية والسودانية، خلصت إلى تأييد دولي وإقليمي كبير للخطة الأفريقية المكونة من 6 نقاط تشمل إدخال قوات أفريقية مدعومة من الأمم المتحدة للفصل بين القوتين المتحاربتين وتجميع قوات الجيش والدعم السريع في مراكز خارج المدن وفتح مسارات إنسانية عبر لجنة أممية تساعدها لجنة خبراء وطنية غير حكومية ومن ثم البدء في عملية سياسية تنطلق من معطيات الصيغة التي تم التوصل إليها قبل اندلاع الحرب والتي كانت تستند إلى الاتفاق الإطاري الموقع في الخامس من ديسمبر 2022.

لكن، في الجانب الآخر تدور شكوك كبيرة حول إمكانية نجاح الجهود الرامية لاستئناف المفاوضات، خصوصا بعد التصريحات التي ادلى بها البرهان يوم السبت والتي قال فيها إن الجيش لن يعود للمفاوضات قبل خروج قوات الدعم السريع من كافة المدن التي تسيطر عليها.

ووفقا لمصادر موثوقة فإن البرهان يواجه ضغوط كبيرة من قبل عناصر تنظيم الإخوان لمنعه من القبول بإرسال وفد أكبر تمثيلا للمفاوضات المقترحة خلال الأيام المقبلة. وأكد المصدر أن خلايا التنظيم السياسية تطالب بالاستمرار في الإمساك بالعصا من المنتصف وإرسال وفد غير مكتمل الصلاحيات بحيث يتم تقييم كل مرحلة على حدا بالرجوع إلى القيادة في بورتسودان وتطويل أمد التفاوض إلى حين تقوية موقف الجيش ميدانيا.

وتدلولت تقارير خلال الأسابيع الماضية سيناريو يجعل قادة الجيش والدعم السريع جزءا من تسوية سياسية ويمنحهم حصانة ضد الملاحقة القانونية في جرائم سابقة، لكن قيادي في تنسيقية القوى المدنية السودانية "تقدم" التي تضم قوى الحرية والتغيير وأكثر من 20 كيانا حزبيا ومدنيا ومهنيا وأهليا، قال لموقع سكاي نيوز عربية إن ذلك لن يكون مقبولا.

وأشار إلى أن تنسيقية تقدم تطرح حلا يعطي الأولوية لوقف الأعمال العدائية وتيسير تدفق المساعدات الإنسانية ومن ثم الدخول في عملية سياسية تشارك فيها كل القوى الوطنية المؤمنة بالتحول المدني وتستثني المؤتمر الوطني - الجناح السياسي لتنظيم الإخوان - وكافة واجهاته. وتطرح "تقدم" رؤية من 10 بنود لحل الأزمة، تشمل وقف شامل لإطلاق النار وتطبيق اجراءات لبناء الثقة وإطلاق عملية سياسية شاملة، وبناء و تأسيس جيش قومي مهني واحد، ينأى بنفسه عن السياسة والاقتصاد. وتتضمن الرؤية التوافق على برنامج للعدالة الانتقالية يضمن المحاسبة على الجرائم المرتكبة منذ انقلاب الثلاثين من يونيو 1989 وحتى اندلاع الحرب الحالية، بما في ذلك تسليم المطلوبين لمحكمة الجنايات الدولية، ويسمح في ذات الوقت بتحقيق السلام والمصالحة والتعويضات وجبر الضرر.

حصيلة قاسية

● الخدمات: تعاني اكثر من 60 في المئة من مناطق البلاد شحا كبيرا في إمدادات الكهرباء والمياه وخدمات الاتصالات بعد ان دمر القتال الكثير من المنشآت والشبكات الرئيسية؛ ولا زالت العديد من المناطق في العاصمة ومدن أخرى تعيش في ظلام دامس وتوقف كامل لإمدادات المياه منذ الاسابيع الأولى من بدء القتال.
● الصحة: يواجه القطاع الصحي خطر الانهيار الكامل بعد خروج اكثر من 60 في المئة من المستشفيات عن الخدمة تماما، وقدر وزير الصحة حجم التمويل اللازم لإعادة تأهيل القطاع بنحو 11 مليار دولار. وبسبب صعوبة الوصول للمستشفيات وانعدام الأدوية المتقذة للحياة يموت يوميا المئات من المصابين بالأمراض المزمنة مثل الكلى والسكري وغيرها.
● التعليم: فقد نحو 19 مليون طالب وطالبة عام دراسي كامل، حيث توقفت الدراسة في المراحل المختلفة كليا منذ اندلاع الحرب. وتعرضت اكثر من 70 في المئة من المدارس والجامعات والمعاهد والكليات العليا المتخصة الحكومية والأهلية في الخرطوم لتخريب كلي او جزئي.
● المباني والمنشآت: دمر القصف الجوي والمدفعي المكثف نحو 10 في المئة من المباني السكنية و40 في المئة من الأسواق و60 في المئة من المباني والمنشآت الحيوية بالعاصمة من بينها القصر الرئاسي وأجزاء من القيادة العامة للجيش وعدد من المتاحف والمباني التاريخية والوزارات والهيئات الحكومية والخاصة التي احترق بعضها بالكامل.

سكاي نيوز عربية - أبوظبي  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: سکای نیوز عربیة الأمم المتحدة اندلاع الحرب جنوب السودان فی المئة من ملیون شخص بالمئة من أکثر من اکثر من

إقرأ أيضاً:

السودان: عسكرية الحرب ومدنية الحل

ناصر السيد النور
الأحداث السودانية تسارعت وتيرتها على الصعيدين الميداني والسياسي، في سياق تعقد وقائعها وما نتج عنها من تجاوز حدود المعقول بالمعايير الإنسانية والسياسية. وترتبط هذه الأحداث المتفاقمة كنتيجة منطقية لآثار الحرب منذ اندلاعها في الخامس عشر من أبريل 2023 واستمرارها على الجبهات كافة كحرب أهلية شاملة تتباعد فيها مسافات الحل يوما بعد آخر، مع انسداد في الأفق السياسي، وبالتالي صعبت معالجتها في واقع عسكري وسياسي مأزوم.
ولم تكن تنقص هذه الحرب حلول فقد تعددت منابر ومبادرات تفاوضية، لكنها أخفقت في وقفها لعدم توفر الإرادة السياسية الحقيقية. فمن بين ما استجد على تداول الشأن السوداني من محاولات مدنية، بعيداً عن تجاذبات التفاوض، سعي القوى المدنية في الخارج، التي تنادت لإيجاد حلٍ لحرب يصمم طرفاها على مواصلة معاركها الضروس، مهما كلفت من ضحايا ودمار، أصاب البلاد بأكبر كارثة إنسانية، وما أفرزته من موجات نزوح في الداخل ولجوء إلى الخارج بشكل غير مسبوق. واللافت اجتماع القوى المدنية ممثلاً في تنسيقة القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) هذا الأسبوع بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا لوقف الحرب، وضمت عددا من أطياف المشهد السياسي السوداني، هذا التجمع أطلق عليه «المؤتمر التأسيسي»، ويقود هذا المبادرة رئيس الوزراء المدني السابق الدكتور عبدالله حمدوك، للتوافق على بناء جبهة مدنية موحدة لإنهاء الحرب.
ومن المشهد المدني إلى الوجهة العسكرية التي تحكم البلاد باسم مجلس السيادة على رأسها الفريق البرهان، وهجين حكومته من العناصر العسكرية والمدنية المتهمة بالوقوف وراء استمرار الحرب، وهي عناصر محسوبة على النظام السابق من الإسلاميين، ومؤخراً تصاعد خطابها الداخلي، وهي تواجه موقفاً عسكرياً ليس في صالحها بخروج ولايات بأكملها في غربي ووسط البلاد من سيطرتها كدولة وجيش، والخناق يتصاعد حول المدن في دارفور، وغيرها من نقاط ملتهبة على طول البلاد. وهذا الموقف يقابله موقف آخر ممثل في المساعي المدنية لوقف الحرب، التي يرفض الجانب الحكومي دعواها متهماً إياها بممالأة قوات الدعم السريع، بل يصفها الإعلام الرسمي بالحاضنة السياسية «للميليشيا المتمردة» الأمر الذي تنفيه وتشدد على ضرورة وقف الحرب وفق أسس جديدة للحوار، تخرج البلاد من أزمتها الكارثية. وأكثر ما تواجهه الأزمة السودانية سير المفاوضات التي تتعلق بحل النزاع بين طرفي الحرب، وقد تعقد مؤخراً الموقف التفاوضي، بعد أن رفض الفريق البرهان طلب وزير الخارجية الأمريكي انطوني بلينكن بالعودة إلى منبر جدة، وما تبع ذلك من تصريحات قد تخلق أزمة دبلوماسية بين بلدان تتشارك التدخل والدور في الشأن السوداني. فبعد تصريحات مسؤولين رسميين قللوا من أهمية المفاوضات، بطريقة تجاوزت الأعراف الدبلوماسية، وافتقرت بالتالي إلى الحس السياسي، رفضاً للعودة إلى التفاوض، بما حسبته إملاءات تقوم بها الدول الكبرى. وبهذا تكون الأزمة السودانية قد دخلت اتجاها آخر في معرض تداخلها الإقليمي والدولي، وهو ما لا تستطيع الحكومة الحالية مواجهته، أو تملك القدرة على التعامل مع نتائجه. فالولايات المتحدة إحدى الدول الراعية للمفاوضات مع المملكة العربية السعودية، منذ انطلاقها في مايو 2023 إلى جانب تأثيرها غير الخفي على مجريات الأمور وقدرتها بالتالي على دفع الأطراف نحو مائدة التفاوض المباشر أو غير المباشر، ولأن مبدأ السيادة الذي عبرت عنه الحكومة القائمة هو ما كان سبباً وراء رفضها العودة إلى جدة.
وقد أثبتت الحرب الجارية أن موازين القوة لا يملكها أي طرف من أطراف الصراع، بما يمثل موقفاً قوياً يتيح مستوى من الحركة أو المناورة. فعلى الصعيد العسكري تزداد الحشود المسلحة من حركات متحالفة مع الجيش (الحركات الدارفورية) وجماعات أخرى شعبية مسلحة بعض دعاواها ما هو مبرر، طلباً ودفاعاً، وهو ما عجز الجيش النظامي عن القيام به، ولا تزال قوات الدعم السريع تحدث تقدما، لم تفلح قوات الجيش في صده أو سحقه. وبهذا يكون الحل العسكري هو طريق القوى المتصارعة عسكرياً، حتى لو أدى لنهايات لا ترغب الأطراف في تحمل نتائجها أو مواجهة حقائقها.
إذن هل تستطيع القوى المدنية ولديها ما يؤهلها القيام بهذا الدور؟ تعول القوى السياسية المدنية على شرعيتها التاريخية، كأحزاب سياسية ذات تمثيل مجتمعي مقدر، وقوى أخرى من اليسار واليمين تستمد جزءا من هذه الشرعية من ثورة ديسمبر 2019 التي اقتلعت النظام السابق، ومن ثم انقلب عليها في أكتوبر 2021 الفريق البرهان، مسنوداً بقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي). ويغلب عليها العمل من المنافي، بسبب نشوب الحرب، فما تم تداوله في اجتماعات أديس أبابا لقوى تنسيقة القوى الديمقراطية كصوت مدني يدعو إلى وقف الحرب قد لا يتحقق الكثير مما خرجت به الاجتماعات، ولأن طبيعة المسارات التي ستتخذها في تنفيذ هذه المقررات تعول فيها على الشارع السوداني، كما يصرح منظمو الاجتماع، وهو كما يبدو بحاجة إلى أدوات تفعل هذا الدور على أرض الواقع أكثر من الطرح المثالي. وبما أن مطلب إيقاف الحرب تستدعيه الحالات الإنسانية أكثر من حسابات السياسة، إلا أن ذلك بحاجة إلى قرار سياسي على صعيد إدارة الأزمة نفسها، أو التقدم نحو حل تنجزه قوة يمتلكها طرف ما، فالمسار العسكري بما بدا من تصرفات الطرفين يشكل الصوت الأعلى مهما كانت دواعي استعادة حكومة مدنية ومسار ديمقراطي، كما تزعم قوات الدعم السريع. ومعادلة المساعي المدنية تحيط بها ظروف هيكلية داخلية وإقليمية ودولية في مناخ صراعات المصالح، لا يخلو من ظلال المؤثرات على اتجاه الحرب. فالرمزية السياسية للدور المدني لا يمكن تجاهلها وإن بدت مسارات مخرجاتها وصولا إلى غايات السلام تحيط به الشكوك. فعبثية الحرب الجارية تُغيِّب الرؤية الواضحة نحو مسار السلام، فالسلام مقابل الحرب لم يعد معنى محسوساً في الخطاب السياسي والعسكري السائد، فكل الأطراف انتابتها حالة من التدمير الذَّاتي تخطت كل هدف موضوعي للحروب.
فإذا كان أهم ما دعت إليه تنسيقة القوى المدنية يقوم بالأساس على الدعوة لمؤتمر مائدة مستديرة بمشاركة كل الأطراف، بمن في ذلك الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ، إلا أن هذه الدعوة المستنسخة من أدبيات السياسة السودانية التأريخية، مهما يكن وضوح طرح رؤيتها السياسية، لم تعد فاعلة في ظل حرب بهذا التمدَّد، أثرت على البنية المُشكلة للتركيبة الديمغرافية التي تصارع ويلات الحرب، فقد اتخذت الحرب أبعاداً جغرافية تعبِّر عن بنية المكونات الاجتماعية (القبائل) في حسم نتائج المعركة، وليس خيار السلام. فأصبح السودان استثناء في توصيف حروبه بين عرقية وقبلية وحدودية وصراع على سلطة في بلد منهار. إن حتمية التوصل لحل مدني للأزمة السودانية رهين بمطالب يصعب توافرها في مناخ تسوده الاختلافات، بين المكونات السياسية المدنية نفسها، ولا تملك قرار إيقاف الحرب إلا في حدود ما تضعه من تصورات إن لم تكن أماني. فالراجح أن استمرار المفاوضات أصبح جزءاً من إطالة أمد الحرب، ومثلما احتاجت الحرب إلى استراتيجية تحكمها بالضرورة إمكانياتها ووسائلها، ربما يحتاج السلام إلى استراتيجية عقلانية تعيد الأطراف إلى مبدأ الحوار.
كاتب سوداني
نشر بصحيفة القدس العربي اللندنية#07/يونيو2024م

nassyid@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • الهجرة الدولية: السودان يسجل أكثر من 10 ملايين نازح
  • استنكروا صمت المجتمع الدولي .. مدونون يطلقون حملة إسفيرية بعنوان «#العالم_يتجاهل_السودان»
  • العالم يتجاهل السودان.. حملة تسلط الضوء على الوضع الكارثي في البلاد
  • اكثر من 19 ألف صاروخ غير موجه أطلق على إسرائيل منذ بدء الحرب وفق الجيش الإسرائيلي
  • رقم صادم .. اكثر من ربع سكان السودان نازحون ولاجئون
  • هل الحرب ضد البرهان أم الكيزان؟
  • أنقذوا شعب السودان!
  • منظمة أممية: «سوء التغذية» بين أطفال السودان يثير القلق
  • د. الشفيع خضر سعيد يكتب: أنقذوا شعب السودان!
  • السودان: عسكرية الحرب ومدنية الحل