سودانايل:
2025-06-18@21:01:02 GMT

عام على الحرب السودانية… أين نحن؟

تاريخ النشر: 20th, April 2024 GMT

د. أماني الطويل

نقلا عن اندبندنت عربية

يمر عام على الحرب السودانية التي اندلعت نتيجة خلافات سياسية وعسكرية داخلية مركبة ومعقدة، وتحت مظلة صراع إقليمي ودولي لا يقل تعقيداً، وخلال هذا العام تغير المشهد الديموغرافي والإنساني، ليس في السودان فحسب، بل أيضاً في الجوار السوداني المباشر والمتاخم، حيث رحل الناس عن بيوتهم مرغمين ومروعين بالملايين التي تحصى بالثمانية، كما يتهدد ربع السكان قريباً جوع ومجاعة قاسية.



على المستوى الاقتصادي فقد السودان 80 في المئة من مقدراته، معظم بنيته التحتية الضعيفة أصلاً باتت ركاماً، وربما يكون قد عاد قرناً ونيفاً إلى الوراء، إذ تتفكك حالياً مكوناته ويتهتك نسيجه الاجتماعي إلى مراحل ما قبل الدولة وتصعد العصبية العرقية والقبلية معاً لتتوج غالبية التفاعلات المحلية.

هذا المشهد المأسوي يتطلب منا رصد ماذا أنتجت هذه الحرب على نحو تفصيلي في جميع المجالات، ذلك أن التقديرات الكلية للمنظمات الدولية في شأن هذه المأساة لا ترسم فسيسفاء الدمار السوداني الذي لا بد من أن يكون مؤرقاً لهولاء الذين ما زالوا يمارسون فعل الصراع انتصاراً لطموحات في السلطة، أو انتصاراً لأيديولوجيا مقابل أخرى، في وقت يبدو أن هناك قصوراً عاماً في إدراك أن ما يتم الصراع عليه هو معرض للفناء الكلي ولن تستفيد منه أطراف محلية بقدر ما ستستفيد أطراف دولية يكون همها الأساس نهب الموارد السودانية.
في هذا السياق نرصد أنه في مراحل الصراع السياسي الداخلي، أي في مرحلة ما قبل الحرب، لم يتخطَّ معدل النمو الاقتصادي 0.3 في المئة بنهاية عام 2022 طبقاً لإحصاءات البنك المركزي، مما أسفر عن ارتفاع أسعار الأغذية والوقود والأسمدة بأكثر من 400 في المئة، وتراجعت قدرة الحكومة على دعم المدخلات الأساسية للإنتاج الزراعي، وقلّص المزارعون أيضاً المساحات المزروعة بصورة كبيرة، مما أسهم في تفاقم أزمة القدرة على تحمل الكلفة وإنتاج الغذاء.

قبل الحرب

أما على صعيد صادرات السودان، فتراجعت بنسبة 50 في المئة قبل الحرب، وغير مرصود حجم التقلص منذ أكثر من عام، إذ شكل الذهب أكثر من 50 في المئة من إجمالي الصادرات والبذور الزيتية 18 في المئة والوقود 10 في المئة والحيوانات الحية سبعة في المئة، فضلاً عن السمسم والصمغ العربي واللحوم المجمدة، وكلها صادرات مؤثرة في معدلات نمو الاقتصاد السوداني وكذلك بعض دول الجوار المباشر مثل أفريقيا الوسطى وجنوب السودان اللتين تعتمدان في سلعهما الغذائية بنسبة 70 في المئة على ما ينتج في السودان مثل الدقيق والزيوت وصلصة الطماطم والسكر وغيرها، وتعتبر مصر من أهم الشركاء التجاريين للسودان سواء في التصدير أو الاستيراد، وبناءً على معطيات الصراع الذي يدور تأثرت التجارة بين مصر والسودان نتيجة تأثر المعابر والمنافذ الحدودية.
وكنتيجة مباشرة للصراع العسكري توقفت الاستثمارات الزراعية في السودان، خصوصاً الخليجية، إذ خرج ما يتجاوز الـ20 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، منها بعض الاستثمارات للسعودية التي كانت وصلت إلى نحو 35 مليار دولار، بينما تخطت استثمارات دولة الإمارات 7 مليارات دولار، وفي ما يتعلق بالمشاريع المصرية في السودان فقد بلغت نحو 229 مشروعاً غالبيتها لقطاع الأعمال الخاص برأسمال نحو 10.8 مليار دولار أثناء الفترة من 2000 وحتى 2013، إضافة إلى مشاريع الدولة في الربط البحري والبري والكهربائي بين الجانبين.

أما الاستثمارات والمشاريع الصينية في السودان، فتخطت 5 مليارات دولار، والاستثمارات القطرية 4 مليارات، وكذلك الاستثمارات الكويتية بنحو 6 مليارات دولار.

إجمالاً، أسفر الصراع المسلح السوداني عن فقد الدولة السودانية كثيراً من مقدراتها، إذ تم تدمير 60 في المئة من البنية التحتية المتوافرة، منها نحو 2000 مبني حكومي بصورة كاملة أو جزئياً، شاملة المنظومتين الصحية والتعليمية، كما تم تدمير جسور ومصافٍ للنفط تدميراً جزئياً، فضلاً عن توقف 400 منشأة صناعية في مختلف المجالات، وتدمير 70 في المئة من المؤسسات التعليمية، مما أدى إلى خروج 10 ملايين طالب من العملية التعليمية في المدارس والجامعات.

في المحصلة، وطبقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي، فإن حجم انكماش الاقتصاد السوداني غير مسبوق تاريخياً، إذ وصل خلال عام 2023 إلى 18.3 في المئة، وقدّر حجم خسائره الكلية بنحو 100 مليار دولار نتيجة الحرب، وفقدت العملة السودانية 70 في المئة من قيمتها، فضلاً عن عجز الدولة عن تدبير مرتبات العاملين في جهازها الإداري.
في هذا السياق تشير تقارير الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الدولية إلى حجم الكارثة الإنسانية في السودان، والمترتبة على الصراع العسكري من عدد من الزوايا، وربما يكون ما ورد ضمن أحد هذه التقارير دالاً على حجم الكارثة، إذ قال إن "السكان شهدوا مصرع أحبائهم بالرصاص، وتعرضت النساء والفتيات للاعتداء الجنسي، ورأت العائلات ممتلكاتها تتعرض للنهب ومنازلها تحرق بالكامل".

أما على صعيد المؤشرات الإحصائية، فنزح نحو 8 ملايين سوداني من مناطقهم، سواء داخلياً أو خارجياً، إذ استقبلت تشاد نحو نصف مليون نازح، ومصر استضافت عدداً مقارباً عبر المنافذ الحدودية بينما يصعب تقدير حجم الهجرة غير الشرعية إلى القاهرة، في وقت كان نصيب كل من جنوب السودان وإثيوبيا آلافاً عدة.

على صعيد النزوح الداخلي، فر السودانيون أكثر من مرة في أنحاء التراب الوطني السوداني، خصوصاً إلى مدن الفاشر وعطبرة ودنقلا وود مدني، بحثاً عن مناطق آمنة بعد توسع العمليات العسكرية لتصل إلى عواصم إقليم دارفور وولاية شمال كردفان وكذلك ولاية الجزيرة في وسط السودان.

حدود المأساة

وطبقاً لتقارير الأمم المتحدة، تضاعفت حال انعدام الأمن الغذائي تقريباً، مما أثر في أكثر من 20.3 مليون شخص بمن فيهم 700 ألف طفل أصبحوا معرضين لخطر سوء التغذية الحاد والموت، وتفاقمت هذه الحال إلى حد كبير، إذ دعا برنامج الأغذية العالمي الأطراف المتحاربة في السودان إلى تقديم ضمانات فورية لإيصال المساعدات الإنسانية بصورة آمنة ومن دون عوائق إلى المناطق المتضررة من النزاع، بخاصة عبر خطوط النزاع، حيث يعاني النازحون المحاصرون الجوع من دون أن تتمكن المنظمات الإغاثية من الوصول إليهم بالمساعدات المنقذة للحياة.
وربما تكون آثار الصراع السوداني على نفوس البشر من الأمور المسكوت عنها، فشكلت الحرب المفاجئة ونزوح السكان تحت مظلة الهلع اضطرابات واسعة على المستوى النفسي، وتفيد بعض التقارير الصادرة عن جهات متخصصة بأن 60 في المئة من السكان السودانيين يحتاجون إلى عون نفسي متخصص نتيجة صدمة الحرب وما صاحبها من مظاهر عنف وابتزاز مارسها السودانيون ضد بعضهم بعضاً، ذلك أن الاضطرابات النفسية تهدد حياة المئات ومستقبل كثير من الأطفال في ظل الاستجابة المحدودة للمنظمات الدولية لهذا التهديد، باعتبار أنها تركز أنشطتها على معالجة الآثار الرئيسة للنزاع وتتجاهل المصابين بصدمات نفسية وحالات مشابهة، وعلى رغم هرب الآلاف من مسرح القتال فإن بعضهم يحتاج إلى الدعم النفسي.

وتشير الخبرات الميدانية الشخصية إلى أن غالبية اللاجئين السودانيين في القاهرة يعانون ظروفاً إنسانية واجتماعية صعبة تتدرج في صعوبتها طبقاً للملاءة المالية للأسر على الصعيدين الاقتصادي والإنساني، نتيجة خروجهم المفاجئ من بلادهم تحت صدمة الحرب، وتجلى تشتت الأسر وانقسامها طبقاً لظروف الحصول على تأشيرات الدخول، وكذلك في توقف العملية التعليمية لأطفال وشباب كثر نتيجة الكلفة الاقتصادية العالية لغالبية المدارس السودانية في القاهرة، وعدم وجود برامج محددة من جانب مفوضية اللاجئين أو الحكومة المصرية لاستيعابهم في منظومة التعليم الرسمي المصري، وربما ذلك ما يدفع فئات محدودة من بعض المراهقين والشباب إلى الدخول في أنشطة متعلقة بالمخدرات أو إدمانها نتيجة عدم تحمل الصدمة، أو عدم القدرة على الاستمرار في نمط الحياة وظروف المعيشة المعتادة، فضلاً عن ظواهر المرض أو الوفاة المفاجئة.

إجمالاً تبدو المحاولة الراهنة من جانب المجتمع الدولي لإنقاذ السودان عبر دعم متطلبات الأمن الإنساني في مؤتمر باريس غير كافية وربما تكون مهددة بالفشل، إذ تم استقبال جهود باريس على أرضية الاستقطاب السياسي والعسكري، وكذلك فإن مهمات توصيل الإغاثة الإنسانية ستكون مرهونة بإرادة الأطراف المتصارعة، من هنا فإنه لا مناص من حلول سياسية تفاوضية تتطلب جهوداً إقليمية ودولية متواصلة.

///////////////////  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فی المئة من فی السودان

إقرأ أيضاً:

ما هو الرقم الذي قد يُحدد نتيجة الصراع الإيراني الإسرائيلي؟

تحليل بقلم نيك باتون والش وجو شيلي من شبكة CNN

(CNN) --  قد تعتمد نتيجة الصراع بين إيران وإسرائيل على رقم بسيط واحد، وهو في أحسن الأحوال تقدير تقريبي.

تشير البيانات العسكرية الإسرائيلية وتحليلات الخبراء إلى أن إيران أطلقت حوالي 700 صاروخ باليستي متوسط ​​المدى على إسرائيل خلال الأشهر الـ14 الماضية، مما يترك لها ما بين 300 و1300 صاروخ في مخزونها.

وهذه الترسانة المتبقية عُرضة للهجوم الجوي الإسرائيلي العنيف خلال الأيام الخمسة الماضية، حيث يقول الجيش الإسرائيلي إنه استهدف ما لا يقل عن ثلث منصات إطلاق الصواريخ الباليستية متوسطة المدى، مما قد يُقلل بشكل أكبر من قدرة إيران على الرد على إسرائيل.

وقال محللون إن استنفاد إيران ترسانتها قد يُفاقم رغبتها في التفاوض للخروج من الصراع، كما قد يُفاقم ضراوة الحملة الإسرائيلية في الأيام المقبلة، حيث يجد سلاح الجو الإسرائيلي نفسه بلا منازع تقريبًا، ويبدو أن هجمات إيران الليلية على المدن الإسرائيلية قد انحسرت مؤخرًا.

وتوجد تقديرات قليلة موثوقة لمخزون إيران، على الرغم من أن قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال كينيث ماكنزي، صرّح في 2023 أن لديهم أكثر من 3000 صاروخ بمدى مختلف. 

قال بهنام بن طالبلو، الزميل البارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، إن من المرجح أن يكون هناك ما بين 1000 و2000 صاروخ من هذه الصواريخ متوسطة المدى، قادرة على تغطية مسافة 1400 كيلومتر بين إيران وإسرائيل. ووصف هذا التقدير بأنه "في أحسن الأحوال تقدير تقريبي".

ووفقًا للجيش الإسرائيلي، استخدمت إيران 120 صاروخا باليستيًا متوسط ​​المدى في هجومها على إسرائيل في 13 إبريل/نيسان من العام الماضي، و200 صاروخ آخر في 1 أكتوبر/تشرين الأول، وما مجموعه 380 صاروخًا في الأيام الخمسة الماضية.

 وسيؤدي هذا العدد إلى استنفاد ترسانتها الإجمالية المعروفة بما مجموعه 700 صاروخ. 

لكن مسألة ما إذا كان ذلك سيترك طهران في أزمة وجودية بشأن ردعها الصاروخي تعتمد على حجم مخزونها الأولي، والضرر الذي ألحقته إسرائيل بالبنية التحتية العسكرية الإيرانية، منذ أن بدأت بشن هجماتها في جميع أنحاء البلاد الجمعة.

وأشار بن طالبلو إلى أن هذا قد يترك إيران مع 1300 صاروخ باليستي متوسط ​​المدى.

وكانت تقديرات أخرى أكثر تشاؤمًا. 

مقالات مشابهة

  • تداعيات الحرب الإسرائيلية- الإيرانية
  • الحكومة السودانية تدعو المجتمع الدولي إلى تصنيف "الدعم السريع" ميليشيا إرهابية
  • تركيا.. ارتفاع الدين الخارجي للقطاع الخاص خلال أبريل
  • ما هو الرقم الذي قد يُحدد نتيجة الصراع الإيراني الإسرائيلي؟
  • نتيجة الحرب بين إسرائيل وإيران.. انخفاض في أعداد السفن التي تمر عبر مضيق هرمز
  • ارتفاع أسعار النفط بأكثر من 2%
  • محافظ مطروح والسفير السوداني يشهدان حفل تخرج جامعة الأحفاد للبنات
  • إيران والسودان تحالف قديم يهدد الحاضر…
  • الصمغ العربي السوداني: تأثير الحرب وتحديات القيمة المضافة
  • توترات الشرق الأوسط تصعد بالذهب لمستويات قياسية