رشا سمير تكتب: مفهوم "الشرف" من قرطاس الروائي إلى سوط الجلاد
تاريخ النشر: 1st, June 2024 GMT
حين تسقط ورقة التوت من فوق العقائد البالية تتجرد الإنسانية من كل المعاني إلا الشرف..
حين تقع المبادئ في براثن الدجالين واللصوص تتحول المواقف إلى حلبة صراع لا يربح فيها إلا أصحاب الوجوه الزائفة..
حين يتشدق دعاة الفضيلة بمصطلحات عنترية لا أصل لها إلا في عقولهم المتحجرة يصبح المجتمع مجرد صورة باهتة لحقيقة تتوارى خلف أسوار الجهل.
هكذا تبدل المعنى الحقيقي لمفهوم الشرف من جوهر الكلمة إلى مظهرها الخارجي..
الشرف في المُعجم هو صفة تقيم مستوى الفرد في المجتمع، ومدى ثقة الناس به بناء على أفعاله وتصرفاته، وفي تلك الحالة تصف مدى النبل الذي يتمتع به الفرد اجتماعيا..
وماذا عن تعريف الكلمة في الحياة؟
حدث ولا حرج..تعريف له ألف معنى وقيمة ضائعة..
مؤخرا إحتل حادث فتاة "الأوبر" المانشتات، هذا الحادث الذي تكرر مرات في وقت قصير، إختلفت المواقف وباتت الضحية واحدة..فتاة ضعيفة هزمتها أفكار المجتمع البالية فجعلتها تقفز من السيارة أثناء سيرها بسرعة فائقة لأن تصرفات السائق جعلتها تتصور للحظة أنه سيعتدي عليها..وأنا أتصور أنه قد تهيأ لها في تلك اللحظات الصعبة عشرات الرؤى والأفكار..
علها تسائلت: ماذا سيكون ردة فعل الأهل؟ ماذا سيقول الجيران؟ كيف سيقيمها الأصدقاء؟ هل ستجلس أمام القفص أم خلفه؟!
الشرف في الحقيقة كلمة لها معنى واحد ولكن مع مر العصور وتغير المفاهيم تبدل المعنى بألف معنى جديد لتصبح أكثر المتحدثات عن الشرف هن العاهرات..وأكبر حاملي لوائه هم المرتشين!.
ولأن المعنى مغري وله ألف مدخل فقد تطرق الأدب العربي والعالمي إلى هذا المفهوم من خلال روايات وقصص..
سلط الأدب الضوء على هذه الأسئلة الصعبة التي تحتل عقول كل الفتيات في مجتمع كبلتها فيه الأعراف والقيل والقال، لدرجة جعلت فتاة الأوبر تختار أن تفقد حياتها بدلا من أن تفقد عذريتها؟!
فأي مجتمع هذا؟!
دعاء الكروان:
في عام 1934م نُشرت رواية عميد الأدب العربي طه حسين "دعاء الكروان" وهي الرواية التي كتبها ببراعة صاحب الفكر والرؤية على الرغم من أنه أديب فقد نور عينيه إلا أن الله قد أنعم عليه بنور البصيرة، فكتب هذه الرواية البديعة ليمزج فيها بتجرد وحنكة تغريد الكروان الشجيِّ بصرخات القهر والظلم على لسان بطلة الرواية "آمنة" تلك الفتاة الريفية رقيقة الحال التي تصطحبها الحياة في رحلة بائسة مع العوَز والترحال، ومن بعده تتعرض للغدر والانتهاك، ثم تعود وتنتقم من أجل شرف أختها التي قتلها المجتمع دفاعا عنه..إنها قصة استقاها المؤلِّف من واقع عاشه في الريف المصري، ولازالت حتى يومنا هذا هذه القصة تعبر عن واقع أليم تُضطهد فيه المرأة ويُهضم حقَّها.
حادثة شرف:
ثم يتألق فارس القصة القصيرة يوسف إدريس في قصة "حادثة شرف" فيكتب ليعري المجتمع أمام نفسه ويغوص ببراعة في الجهل المستفحل في الأرياف والتقاليد البالية التي لم ولن تنتهي مهما طال الزمان، تدور أحداث الرواية عن قصة فتاة قرويّة فائقة الجمال، تعيش مع أخيها وهو متزوّج في منزله، إلا أنه يلاحقها بنظراته الغريبة أينما ذهبت متشككا في سلوكها على الرغم حرصها على شرفها وسمعتها، يعترضها شاب ذات صباح ويحاول أن يجذبها فتصرخ بكلّ جوارحها حتى يهرع إليها الجميع، لكنّ أخاها يظنّ بأنّ الشابّ قد اغتصبها فيعلن رغبته في أن تخضع لكشف العذرية وإلّا قتلها واستراح..تسير الفتاة مجبرة في موكب يحفل بأهل القرية وقد توجهوا بأبصارهم على مكان واحد في جسدها وكأنهم إختزلوا شرفها فيه، تسير منكّسة الرأس، يسكنها الغضب الجامح، حتى تصل إلى منزل المرأة ويتبيّن للجميع من خلال الفحص أنّها ما زالت عذراء فعلاَ.
ثم تنتقل الرواية إلى اللحظة التي ينقلب فيها حال الفتاة بعد تلك الحادثة، لتتحول إلى فتاة شرسة نظراتها جريئة تجردت من الحياء، فلم تعد تكترث باكتساب ثقة واحترام الآخرين، بل وتتخلص من شرفها الذي طرحه شقيقها أرضًا.
الحرام:
يعود يوسف إدريس من جديد ليضع يده على جرح غائر في جسد مجتمع مريض، ويكتب من جديد رواية "الحرام" التي تبدأ بعثور الخفير عبد المطلب على جنين حديث الولادة ملقى بجانب شجرة كبيرة، فيتوقع دون تفكير أن هذا الجنين هو ابن سفاح أو حرام، لأن الأجنة الوليدة لا يتم التخلص منها إلا لهذا السبب البديهي.
الحقيقة أن يوسف إدريس في قصة "الحرام" لم يقصد إدانة المرأة المغتصبة، بقدر ما قصد أهانة المجتمع والفكر المريض وإدانة الثقافة الاجتماعية التي لا تتهم الجاني بل تتهم المجني عليها تماما مثلما يحدث في الكثير من حالات الإغتصاب والتحرش بالفتيات حتى يومنا هذا، إنها صورة متكررة حتى لو إختلفت المسميات والعصور!.
المصدر: بوابة الفجر
إقرأ أيضاً:
شيخة الجابري تكتب: الإمارات تصنعُ الدهشة
منذ اللحظة الأولى، وقبل أن تطأ قدمه أرض الدولة، والطائرات العسكرية الإماراتية من نوع «أف 16» ترافق طائرته، إلى أن حطت على أرض المطار الخاص، إلى أن ترجل من الطائرة، وتلقاه واستقبله بالترحاب والسلام والمحبة، صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وحتى مغادرته الدولة، كان الرئيس الأميركي دونالد ترامب يعبّر عن سعادته ودهشته، لما يشاهد في وطني من إنجازات لم تدهشه وحده، بل العالم بأسره.
نعم هي الإمارات الوطن الذي يصنع الدهشة، فكيفما عبرت طرق الوطن، وجلتَ في أرجاء الإمارات السبع، وجدت ما يخلب اللب، ويسلب القلب، ويروي ظمأك للجديد المبتكر، الذي لن تشاهده سوى هنا على أرض النمو والتطور الذي يسابق الزمن، والتي أصبحت الآن ثالث دولة تعمل على مشاريع الذكاء الاصطناعي الذي ستصدره قريباً للعالم.
جميعنا شاهد اللقطات التي اقتنصتها الكاميرات من طائرة الرئيس ترامب لنخلة دبي، هذا المشروع الكبير الذي يتسابق على الفوز بالإقامة فيه رجال الأعمال والأثرياء والمشاهير من كل أنحاء العالم، ويوم أن تُلتقط مشاهد من النخلة من طائرة أهم رئيس دولة في التاريخ الحديث، فهذا يعني أنها حصدت الإعجاب وأثارت الدهشة.
في زيارات الرئيس ترامب لمواقع مختارة في إمارة أبوظبي، كنّا نراه وابتسامته لا تفارق محيّاه، تعبيراً عن الإعجاب بالمنجزات الحضارية العظيمة التي تتحقق على مدار الساعة، حتى قصر الوطن، كانت نظرات الإعجاب به تكشف إلى مدى تصل لأهمية وجمال وروعة التصميم في القصر البهي. ومن الفتيات الجميلات اللاتي استقبلن الرئيس ترامب في المطار، في تعبيرٍ حيٍ عن اعتزاز الإمارات بتراثها وإرثها الوطني الضارب في عمق التاريخ، وإلى المشاهد التي نقلتنا إلى قصر الوطن، وعند صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، والرئيس الأميركي دونالد ترامب، والإعلان بحضورهما عن تدشين مجمّع الذكاء الاصطناعي الإماراتي الأميركي الشامل بسعة قدرها 5 جيجاوات، والذي يُعد الأكبر من نوعه خارج الولايات المتحدة، نقف حقيقة أمام الدهشة العظيمة التي تصنعها الإمارات بكل اقتدار.
إن الفرحة تخالج قلوبنا جميعاً، محبة وتقديراً وامتناناً لقيادتنا الرشيدة، التي ومنذ عهد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وحتى يومنا هذا، في ظل قيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، يتعاظم دور الإمارات الإنساني والاقتصادي والسياسي والثقافي، هذا الدور الكبير الذي يحصد إعجاب العالم ومحبته وتقديره، حفظ الله وطني وقيادته وكلّ من يعيش على أرضه من كل شر.