تطبيق القانون وتحديات العمالة المنزلية
تاريخ النشر: 4th, June 2024 GMT
بدر بن علي بن سعيد الهادي
تتجدد الذاكرة لأوَّل مقال سطّرته منذ عشر سنوات بعنوان "هيبة القانون وسباحة الوافدين"، وما زالت تتجدد قصص العمالة الوافدة في مجتمعنا، وتستمر في طرح العديد من التحديات التي تعكس مشكلات مُتعددة الأبعاد، القضايا المتعلقة بهروب العمالة واستغلالهم لأغراض غير مشروعة ليست جديدة، لكنها تتزايد مع مرور الزمن وتغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية.
من المعروف أنَّ العمالة الوافدة تُؤدي دورًا مُهمًا في الاقتصادات الخليجية، فهي توفر قوة عاملة أساسية في قطاعات مُختلفة، ولكن المشكلة تكمن في التوازن بين الاستفادة من هذه العمالة وضمان تطبيق القانون وحفظ حقوق الجميع، من خلال تطبيق النظام القانوني، رغم وجوده، إلا أنه يُواجه تحديات كبيرة في التطبيق والتنفيذ الفعلي، مما يتيح فرصًا لاستغلال الثغرات من قبل بعض أصحاب النفوس الضعيفة؛ سواء من الوافدين أو المواطنين أو العاملين من أبناء المجتمع.
نشهد اليوم كما شهدنا سابقًا ظواهر متكررة للهروب الجماعي والمُنظّم للعمالة الوافدة، إضافة إلى تشغيل بعضهم في أعمال غير مشروعة تتنافى مع القيم والأخلاق السائدة في مجتمعنا، هذه الظواهر ليست مجرد انتهاكات قانونية وحسب؛ بل هي انعكاس لمشكلات أعمق تتعلق بالتواطؤ بين بعض أفراد المجتمع من المواطنين وبعض العمالة الوافدة والعاملين في المراكز الخدمية، وعدم وجود القوانين واللوائح المنظمة أو عدم وجود نية جادة لتطبيقها.
وهذا التواطؤ يتمثل في أشكال متعددة، منها تشغيل العمالة الهاربة في المنازل والمزارع والأعمال التجارية بهدف التوفير المالي على حساب القانون.
وتساهم هذه الممارسات في الإضرار بصورة الوطن داخليًا وخارجيًا؛ حيث يصبح مجتمعنا كأنه مُستامِح مع المخالفين، مما قد يضعنا في مواقف مُحرجة مع الآخرين ويؤثر على جهود تطبيق القانون. لذلك نحن بحاجة إلى إعادة النظر في القوانين واللوائح المنظمة للعمالة الوافدة لجعلها تحمي حقوق جميع الأطراف بشكل عادل ومتوازن؛ حيث لا يستقيم العدل إلّا أذا أُعطى كل ذي حق حقه، ولا يجوز أن يتحمل صاحب العمل أخطاء الآخرين، حيث إن صاحب العمل قد التزم باللوائح والقوانين وقام بدفع مبلغ 140 ريالًا لتصريح عمل عاملة المنزل، ثم مبلغ آخر لمكتب جلب الأيدي العاملة قد يصل في بعض الأحيان لمبالغ كبيرة تصل لمبلغ 1000 إلى 2000 ريال، بعد ما كانت قبل 10 سنوات مبالغ أقل قد تتراوح بين 300 إلى 600 ريال، وهنا كذلك نفتح نافذة أخرى حول المكاتب التي تقيدت باللوائح والأنظمة؛ حيث إنها كذلك تتحمل في أحيان كثيرة أخطاء الآخرين؛ كونها ملزمة بضمان العاملة وغيرها من التكاليف، منها رسوم الاتفاقيات والتصديقات التزامًا باللوائح والقوانين والذي يُكلفها رسوم فتح وتجديد السجلات والنشاط للعمل وغيرها من متطلبات هذه النشاط. وتتعرض هذه المكاتب لمنافسة غير شرعية من قبل الوافدين الذين يعملون في جلب الايدي العاملة دون الحصول على التراخيص، ولا حتى ملتزمين بالشروط التي تلتزم بها المكاتب النظامية، غير ذلك يصدر بين الحين والآخر قرارات تتضارب فيها الاختصاصات بمجرد تغيير كلمة في القانون من جلب إلى توريد، كما يقوم صاحب العمل بدفع مبلغ آخر كتذكرة ذهاب للعاملة أو العامل رغم انه غير مستفيد من العاملة / العامل ولم يسأل عن من آوى وشغّل العاملة / العامل خلال تلك المدة، لذا يجب أن تتعزز إجراءات الرقابة والتفتيش وتطبيق العقوبات بشكل صارم على المخالفين؛ سواء كانوا من العمالة الوافدة أو المواطنين المتواطئين معهم أو حتى أصحاب النفوس الخبيثة من العاملين في تقديم الخدمات العامة.
إن أفراد المجتمع أيًّا كانت مواقعهم، هم الركيزة الأساسية في تطبيق واحترام القانون، لذلك يجب علينا جميعًا أن نتكاتف ونعمل معًا لوقف هذه الممارسات السلبية التي تضر بنا جميعًا، كما يجب أن نبدأ بتوعية أفراد المجتمع حول أهمية الالتزام بالقانون واحترامه، وأن نوضح لهم أن التواطؤ مع المخالفين لن يحقق لهم سوى الضرر على المدى الطويل.
في الختام.. علينا أن ندرك أن تطبيق القانون لا يتم فقط بوضع اللوائح؛ بل بتطبيقها بصرامة وعدالة على الجميع دون استثناء، ونحن بحاجة إلى زيادة وعي المجتمع لدعم جهود الجهات المختصة لحفظ النظام وتحقيق العدالة، كما نحتاج لموظفين تكون أولى أولوياتهم الوطن وسلامته.
نسأل الله أن يحفظ بلادنا ويُديم عليها الأمن والاستقرار وأن نكون جميعًا حماةً لهذا الوطن العزيز.
حفظ الله عُماننا وحفظ الله سلطاننا.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
بين الإصلاحات الاقتصادية وتحديات الإيرادات: المواطن بين التفاؤل والقلق
د. احمد بن اسحاق
شهدت الساحة الاقتصادية في الآونة الأخيرة مؤشرات إيجابية لافتة، أبرزها استقرار سعر العملة المحلية بعد فترة طويلة من التقلبات، وهو ما انعكس على الأسواق وأعاد نسبيًا شيئًا من الثقة لدى المواطن. هذا التحسن لم يأتِ من فراغ، بل جاء نتيجة حزمة من الإجراءات الصارمة التي اتخذتها الحكومة ضد المضاربين بالعملة وضد العبث المالي الذي كان يهدد ما تبقى من قدرة الدولة على إدارة مواردها.
وللمرة الأولى منذ سنوات، بدا أن هناك توجهاً جاداً لإصلاح المنظومة المالية، من خلال إحكام الرقابة على الإيرادات العامة وضمان توريدها إلى البنك المركزي، تمهيدًا لتوحيد مصادر الصرف والحد من العشوائية التي كانت سمة المرحلة السابقة. هذا التوجه منح المواطنين شعورًا بالتفاؤل والأمل بأن مرحلة جديدة من الانضباط المالي والشفافية قد بدأت.
لكن، ورغم هذه المؤشرات الإيجابية، تلوح في الأفق بعض العوائق التي تثير تساؤلات الشارع وتختبر جدية الإصلاحات.
فمع تأخر صرف رواتب الموظفين، تتردد أنباء تفيد بأن عملية الصرف باتت مرهونة بالتزام أكثر من ٢٠٠ جهة إيرادية بتوريد إيراداتها إلى البنك المركزي، في حين تشير مصادر أخرى إلى تجميد تسليم مبلغ ١.٣٨ ريال سعودي مخصص لدعم الموازنة إلى حين حسم الخلافات المالية والإدارية بين بعض الجهات القيادية.
وفي خضم هذه التطورات، تبرز خطوة الهيئة العليا لمكافحة الفساد التي أحالت ملف الجهات الإيرادية المخالفة إلى النائب العام، كخطوة منتظرة نحو ترسيخ مبدأ المساءلة والمحاسبة.
غير أن المواطن لا يزال يتساءل:
هل ستؤدي هذه الإجراءات إلى حسم الملف وإعادة الانضباط المالي؟
أم أن الرواتب ستظل رهينة الخلافات البيروقراطية والصراعات بين مراكز النفوذ؟
في نهاية المطاف، تبقى ثقة المواطن هي الركيزة الأساسية لأي إصلاح اقتصادي ناجح، ولن تُستعاد هذه الثقة إلا عبر الشفافية الكاملة في إدارة الموارد، وتطبيق القانون على الجميع دون استثناء، بما يضمن أن تؤتي هذه الإصلاحات ثمارها في حياة الناس ومعيشتهم اليومية.