كل أسبوع.. الحج المشروع والسبيل الممنوع
تاريخ النشر: 25th, June 2024 GMT
للأسف الشديد البعض يفهم قول الله تعالى: "وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا" (آل عمران: آية 97) فهما خاطئا، ويتصور أنه يسعى لأداء الفريضة بأي وسيلة وإن لم تكن مشروعة، وينسى أو يتناسى أن الغاية المشروعة لابد لها من وسيلة مشروعة، لأن الغاية عندنا في دين الإسلام لا تبرر الوسيلة، بمعنى أن الحج المشروع لا ينبغي التوصل إليه بسبيل ممنوع.
فهناك فرق بين تأشيرة الحج وتأشيرة الزيارة غير المصرح لصاحبها بالحج، بل إنه يوقع على إقرار قبل السفر بأنه لن يتوجه لأداء مناسك الحج، فأقل ما يوصف به هذا الحاج أنه نقض العهد وخان الإقرار الذى وقع عليه.
وما حدث في حج هذا العام يلفت الانتباه إلى أن ارتفاع عدد الوفيات بين الحجاج المصريين على وجه التحديد كان سببه سفر الآلاف بتأشيرات زيارة، غير الذين سافروا قبل موسم الحج بدعوة من الأقارب المقيمين في المملكة العربية السعودية، وكسرو التأشيرة وتخلفوا عن العودة بهدف أداء مناسك الحج، ولم يجدوا من يوفر لهم أدنى خدمات الحماية من الحر القائظ، فضلا عن عدم توفير المياه الضرورية للحياة، والحماية من الجفاف الذى كان سببا في وفاة النسبة الأعلى بين الذين لقوا حتفهم على عرفات أو قبل الوصول إليه، أو بعد النزول لاستكمال المناسك.
ورغم أن عددا من أفراد عائلتي، والمقربين منى سافروا هذا العام بالطريقة المخالفة نفسها وقد سلمهم الله وعادوا بفضل الله، إلا أن ما أعتقده ولا أجد حرجا في إعلانه، أن احترام القواعد المنظمة للحج والعمرة، سواء من بلد السفر أو من بلد المناسك، يجب احترامها تماما، ومخالفتها يعد مخالفة شرعية لما يترتب على ذلك من أضرار تصل إلى حد إزهاق الأرواح.
فلا بد من وضع ضوابط وقواعد واضحة ومحددة لتنظيم الحج والعمرة في مصر، بحيث لا تتكرر هذه المأساة، وتحفظ على الناس حياتهم، وتؤمن لهم طريق حجهم وعمرتهم، حتى يعودوا سالمين، ولابد كذلك من الحساب الرادع للكيانات التي شاركت في تسفير هذا العدد الضخم بتأشيرات الزيارة، وتخلت عن تقديم الخدمات لهم أثناء أداء المناسك، وهذا ما شرعت فيه خلية الأزمة التي تشكلت برئاسة الدكتور مدبولي رئيس مجلس الوزراء، بسحب تراخيص ١٦ شركة مخالفة، وإحالة أصحابها للنيابة العامة.
ولابد من التوعية الدائمة بضرورة أن يكون السبيل إلى الحج المشروع غير ممنوع، وإلا يكون مرتكبا لإثم عظيم، لأنه يعرض نفسه وغيره إلى التهلكة، والله تعالى يقول: "وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ" (البقرة: آية 195).
فهذه الآية الكريمة ذكر أهل التفسير أنها نزلت في الأنصار لما أرادوا أن يدعوا الجهاد، وأن يتفرغوا لمزارعهم، فالإلقاء باليد إلى التهلكة التأخر عن الجهاد مع القدرة، والآية عامة، والقاعدة الشرعية: أن العبرة في نصوص القرآن والسنة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فلا يجوز للإنسان أن يلقي بيده إلى التهلكة كأن يلقي نفسه من شاهق ويقول: أتوكل على الله أني أسلم، أو يتناول السم ويقول: أتوكل على الله أني أسلم، أو يقتل نفسه بالسلاح ويقول: أنا أتوكل على الله أني أسلم، كل هذا لا يجوز، ويجب على الإنسان البعد عن أسباب الهلكة، وأن يتحرز منها إلا بالطرق الشرعية كالجهاد ونحوه.
خالص التعازي لأسر الذين وافتهم المنية، وتهانينا للذين عادوا سالمين إلى أرض الوطن، وإن كانوا عرضوا أنفسهم إلى التهلكة، ولكن الله سلم، وأعتقد أن ما حدث سيكون رادعا لهم ولغيرهم، خاصة أن الله لم يكلفنا بما لا نطيق.
وأسأله سبحانه أن يعفو عن اللذين فارقوا الحياة ويتقبلهم في الشهداء حيث ماتوا غرباء وربما عطشى، وأن يعذر الآخرين بجهلهم، وأن يوفقنا وإياكم إلى حج مشروع وبسبيل غير ممنوع. [email protected]
اقرأ أيضاًلجنة الشئون الدينية والأوقاف بمجلس النواب تنعي الحجاج الذين وافتهم المنية أثناء تأدية مناسك الحج
غرامات ووقف نشاط وإحالة للتحقيقات.. قرارات رئيس الوزراء بشأن وفاة الحجاج المصريين
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: مكة الحج السياحي حج الجمعيات عرفات قرعة الحج 2024 وفيات الحجاج الحج المشروع
إقرأ أيضاً:
حبل ممدود بين الأرض والسماء .. خطيب المسجد الحرام يوصي بهذا العمل
قال الشيخ الدكتور ياسر الدوسري، إمام وخطيب المسجد الحرام ، إن الدعاء سلوة المناجين، وأمان الخائفين، وملاذ المضطرين، فهو حبل ممدود بين الأرض والسماء، وهو المغنم بلا عناء.
حبل ممدود بين الأرض والسماءوأوضح “ الدوسري” خلال خطبة الجمعة الثالثة من شهر ذي القعدة، اليوم، من المسجد الحرام بمكة المكرمة، أن أعجز الناس من عَجز عن الدعاء، كما أخبر بذلك خاتم الأنبياء -صلى الله عليه وسلم - منوهًا بأن الدعاء من أعظم أسباب التوفيق والنجاح، فيه تنزل الرحمات، وتهب الخيرات، وبه ترفع المصائب والعقوبات، وتدفع النوايب والكُربات.
وتابع: فكم من نعمة به مُنحت، وكم من نعمة به رُفعت، وكم من خطيئة به غُفرت، فما جلبت النعم ولا استدفعت النقم بمثل الدعاء، فنوح عليه السلام دعا من أعرضوا عن دعوته، وأصروا واستكبروا استكبارًا.
وأشار إلى أن تقوى الله عز وجل، فهي الزيادة المأمولة، ومفتاح القبول، وطريق الوصول، وبها تعمّ البركات، وتدفع الآفات، وتستجيب الدعوات، مبينًا أن للدعاء آدابًا مرعية يحسن التزامها.
للدعاء آداباوأضاف أن له موانع شرعية ينبغي اجتنابها، تأدبًا من العبد مع ربه، وتقربًا لإجابة دعائه وطلبه، أولها: إخلاص الدعاء لله تعالى، فالدعاء هو العبادة، والعبادة لا تُصرف إلا لله وحده، وثانيها: متابعة سنة النبي -صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-، فَمِنْ هديه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في الدعاء؛ أَنَّهُ كان يبدأ بالثناء على الله بأسمائه الحسنى وصفاته العليا.
واستشهد بقوله تعالى: (وَلِلهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)، ثمَّ يشفع ذلك بالصلاة على رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-، ويدعو بجوامع الكَلِمِ، مشيرًا إلى أن موانع إجابة الدعاء: أكل الحرام، وأن يدعو العبد وقلبه غافل.
وأردف: وليحذر المرء من الاعتداء في الدعاء كأن يدعو بإثم أو قطيعة رحم، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمِ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ» رواه مسلم، مشددًا على الدعاء لمن تكالبت عليه الهموم والغموم.
واستطرد: وضاقت عليه الأرضُ بما رحبت، وأرهقته الأمراض وأغرقته الديون، وأثقلته المعاصي والذنوب فعند الله الفرج، ولا يهلك مع الدعاء أحد، ولا يخيب مَنْ الله رجا وقصد.
أيام الحجونبه إلى أن أيام الحج من أعظم مواسم الطاعات، وأرجى أوقات إجابة الدعوات، فاغتنموها برفع الأكف وسكب العبرات، رجاء القبول وقضاء الحاجات، وغفران الذنوب وتكفير السيئات.
وأبان أن من نوى الحج وقصد البيت الحرام، فليأتِ البيوت من أبوابها، وليؤد الفريضة على وجهها، وليتأدب بآداب الشريعة، وليلتزم بأنظمة هذه الدولة الرشيدة، ومن ذلك ما أكدت عليه الجهات المعنية من اشتراط الحصول على تصريح الحج مراعاة للمصالح الشرعية .
ولفت إلى أن الحج عبادة جليلة، مبناها على التيسير ورفع الحرج، وقد جاءَتِ الشريعة بجلب المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد وتقليلها، ولا يتم ذلك بالفوضى، ولا بمخالفة ولاة الأمر ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ يَعْصِنِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ يُطِعِ الْأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الْأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي».