بيان: حول الموقف من الدعوة الأمريكية للتفاوض في جنيف
تاريخ النشر: 29th, July 2024 GMT
بسم الله الرحمن الرحيم
حركة المستقبل للإصلاح والتنمية
بيان: حول الموقف من الدعوة الأمريكية للتفاوض في جنيف.
نتابع ما يجري في محيط السودان الإقليمي والدولي والمواقف والتطورات المُتسارعة تجاه السودان، من ضمن هذه التطورات الدعوة التي جاءت باسم وزارة الخارجية الأمريكية بخصوص مفاوضات تتعلق بالمسارات الإنسانية ووقف الحرب في السودان، تُعقد بالعاصمة السويسرية جنيف في الرابع عشر من أغسطس القادم، إننا نرى أن مصلحة السودان وبناء على ما قُدم في الدعوة تقوم على المُنطلقات التالية والتي ندعو الجميع للتمسك بها:
١- إقرار كامل بما تم التوصل إليه في مقررات إعلان جدة الموقع في الحادي عشر من مايو من العام الماضي، هذا أساس وشرط مهم لأي مُباحثات جادة ويدعم كذلك التقدم العملي على الأرض؛ على أن تُمنح مُهلة زمنية لمليشيا الدعم السريع لتنفيذ ما تم التوصل إليه في إعلان جدة تأكيدا لجديتها في المُباحثات.
٢- يجب ألا تُشارك القوات المسلحة في أي محادثات جديدة بصفة مُنتقصة، فهي مؤسسة ضمن مؤسسات وأجهزة الدولة القائمة ذات الشرعية والمُعترف بها والمُمثلة لسيادة الدولة.
٣- تُضمن جميع ملاحظات حكومة السودان التي وردت من خلال بعثة السودان الدائمة بالأمم المتحدة، ويتم الإقرار على جميع ما جاء في بياناتها وخطاباتها التي تم رفعها إلى الأمم المتحدة فيما يخص دعم وتمويل المليشيا من الجهات الخارجية وتقارير الانتهاكات والوضع الإنساني والغذائي.
٤- في هذا المنبر الدولي يجب إشراك الحكومة السودانية بخصوص القوى الدولية المُشاركة والمُراقبة للمباحثات، وحرصا منا على مصلحة السودان وأمنه واستقراره وحق شعبه في العيش فإن فتح الباب لصراعات المحاور والتكالب الدولي على السودان أمر سيضر بالبلاد ومسار السلام فيها؛ لذا لابد من حضور جيران السودان ومن تجمعنا بهم مصالح ومصائر مشتركة على أساس رؤية الشعب السوداني وحكومته وليس بناء على مصالح وأولويات القوى والمحاور الخارجية بما فيها الدول التي دعمت مليشيا التمرد.
٥- نُشجع خطوة التمييز بين القضايا السياسية وبين بقية مراحل وقف الحرب الأكثر جوهرية والقائمة على حماية المدنيين ووقف حالة التمرد والعنف، وعلى ذلك فإننا نؤكد موقفنا بأن العملية السياسية حينما تبدأ بعد الحرب ووقف انتهاكات مليشيا الدعم السريع وإنهاء حالة التمرد فإنها ستكون داخل السودان بكل مراحلها وترتيباتها، وبالتالي فإننا ندعو الحكومة السودانية والقوات المسلحة بألا تدخل في أي تفاهمات سياسية حول السلطة والدستور والمرحلة الانتقالية فلا مجال للتكسُب السياسي من الحرب والصعود نحو السلطة من خلال ممارسة العنف والإرهاب على الشعب السودان.
على أساس المُنطلقات السابقة فإننا ندعو الحكومة السودانية لأن تمضي في طريقها مؤيدة بجموع شعبها ومتمسكة بالحقوق والثوابت الوطنية؛ فأصحاب الحق لا يخشون المنابر والحرب على بلادنا ليست فقط حربًا عسكرية بل هي سياسية واقتصادية ولابد من اقتحام كل الميادين برؤية ثاقبة واضحة تُحقق النصر للبلاد وتحفظ أمنها ووحدتها.
الأمانة السياسية
٢٨ يوليو ٢٠٢٤مإنضم لقناة النيلين على واتساب
المصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
كيزانيات ٨: الحركة الإسلامية السودانية: كيف تحوّلت من مشروع أمة إلى صانع نعرة قبلية
المقدمة
هذا المقال هو الحلقة الثامنة في سلسلة مقالاتي "كيزانيات"، التي تناولتُ فيها بالتحليل النقدي بنية وسلوك التيار الكيزاني في السودان. سبقه: "كيزانيات-٦: الخطر القادم (الحركة الوطنية للبناء والتنمية)"، و"كيزانيات-٧: المنبوذون – الأصل والفصل والابتلاء"، الذي تناولت فيه كيف استحق الكيزان لقب المنبوذين نتيجة جرائمهم بحق الشعب السوداني والدين، وكيف دفعوا البلاد نحو الانهيار. اليوم أواصل الغوص، لا لتكرار التشخيص، بل لتفكيك كيف تحوّل المشروع الإسلامي نفسه إلى صانع رئيسي للنعرة القبلية.
صباح أليوم كتب أحد المتعصبين تغريدة يقول فيها: «البلد دي تاج راسها المحس والشوايقة والدناقلة والجعليين… شمالية تونجلي شمالية إسمِنقا تاما أي تاجرين.» فأجبته:
**يا للهول! يا من تعيش على وثيقة مزوّرة تدفع ثمنها وتنسب بها نفسك إلى فاطمة الزهراء والبيت الهاشمي! من يعتز بدمه وحمضه النووي لا ينسب نفسه لآخر. لكنه، بعد السقوط، يغرق في مواخيره النفسية والاجتماعية، ينخفض كلما ادّعى نسبًا ليس نسبه، وكلما أنكر عرقه النيلي الحامي الفوّاح.
**لا تخلط الأوراق: النوبيون (حلفاويون، محس، دناقلة، كنوز، فادجة) أهل حضارة، لا يمكن أن يكونوا عنصريين مستجدّي نعمة فاقدي أصل أو مستعيري مراتب دنيوية. القاع خرج منه البشير، ونافع علي نافع، وعلي عثمان (جنينة الحيوان)، وبقية الرمم التي لا تزال رائحتها تزكم الأنوف رغم ادعاءات سلطوية متقيحة.
١. من الفكرة إلى السلطة: صعود الحركة الإسلامية
الحركة الإسلامية لم تنشأ من فراغ، بل من جذور الإخوان المسلمين وسلوكياتهم السرية والعلنية، ممزوجة بطموح السلطة. جاء انقلاب ٣٠ يونيو ١٩٨٩ تتويجًا لعقود من التسلل في الجيش والنقابات، ليضع البشير واجهة للترابي وعلي عثمان، مشروع بدأ يتحدث باسم الأمة لكنه تحوّل منذ لحظاته الأولى إلى مشروع تمكين للطبقة السلطوية.
٢. المفاصلة الكبرى: عندما ابتلع الحكم الفكرة
في ١٩٩٩، تفجّرت المفاصلة الكبرى داخل الحركة. لم يكن الخلاف فكريًا بل صراعًا على من يمسك بمفاتيح المال والأمن والجيش. انهار الغطاء الإسلامي، وظهرت اللعبة الحقيقية: تحالف سلطوي يُدير البلاد بلا مشروع أخلاقي.
٣. تحالفات القاع واستغلال المهمّشين
الطبقة السلطوية لم تكتفِ بتهميش الغرب والجنوب والشرق، بل حتى الشمال النوبي: أغرقت أراضيهم، هجّرتهم، حرقت نخيلهم، وهددتهم بخزانات كجبار ودال، وقتلت شبابهم عند الاحتجاج. أبناء الأطراف المهمشين استُخدموا جنودًا ووقودًا للحرب، دون اشراك حقيقي أو مكانة.
٤. الحروب الأهلية وتفكيك وحدة المشروع
الحروب لم تكن قدرًا، بل نتيجة مقصودة لإبقاء المركز ممسكًا بالسلطة. في الجنوب، في دارفور، في الشرق، وحتى في الشمال النوبي، كانت السياسات قهرية لا تنموية، تقسّم لتسود.
٥. لحظة السقوط: الثورة واهتزاز الطبقة السلطوية
انتفاضة ٢٠١٨–٢٠١٩ لم تُسقط حكومة بل شبكة سلطوية كاملة. الهتافات الشعبية لم تكن ضد شعارات، بل ضد طبقة اغتصبت السلطة باسم الإسلام لعقود.
٦. تناقضات الكيزان: الأخلاق والجنس وطقوس التحلل
أخطر ما أضعف الكيزان هو فجوتهم الأخلاقية: يظهرون كوعاظ، بينما يمارسون في الخفاء الفساد الأخلاقي والجنسي، ثم يغسلون أنفسهم عبر طقوس يسمّونها التحلل. بهذه العقلية، انهارت الشرعية الأخلاقية، وصار السقوط السياسي مسألة وقت.
٧. الخلاصة والرسالة النهائية
الحركة الإسلامية لم تفشل لأنها أخطأت في الإدارة فقط؛ بل لأنها خانت الفكرة. من الأمة إلى الطبقة، من الدين إلى العصبية، من الوطن إلى الشبكة.
٨. البديل
كل الدلايل والأحداث الجسيمة التي مرت بها السودان منذ عام ١٩٥٦، مرورًا بانقلابات عسكرية سببها فشل الطبقة السلطوية وفشل النخبة المثقفة، كانت تشير إلى حتمية حرب ١٥ أبريل ٢٠٢٣ التي قضت على الأخضر واليابس وأدت إلى نزوح وتهجير ما يفوق ١٢ مليون مواطن، ودفعت ما لا يقل عن ٢٤ مليونًا إلى مجاعة طاحنة لم يسبق أن رأى العالم مثلها.
تدارك أمر هذا الفشل التحالف التأسيسي لإنقاذ السودان الذي جمع كل ألوان الطيف السوداني من هيئات وتنظيمات مدنية وأحزاب، بجانب الحركات المسلحة بما في ذلك قوات الدعم السريع، والحركة الشعبية لتحرير السودان، وعناصر الجبهة الوطنية الموقعة على اتفاق سلام جوبا، وآخرين. وانتهى التحالف بعد مشاورات موسعة وحضور مكثف من داخل وخارج الوطن الجريح، إلى وضع ميثاق ودستور مدني علماني لا مركزي توافقي، يرمي إلى إعلان الحكومة الشرعية التي كان قد انقلب عليها جيش الحركة الإسلامية، تحت مسمى حكومة السلام والوحدة. ولتنجح، عليها تكسير بنية هذه الطبقة السلطوية وبناء دولة مواطنة وعدالة حقيقية.
الملاحظات والهوامش
١. مصطلح "كيزان" يُستخدم شعبياً للإشارة إلى المنتمين للحركة الإسلامية السودانية.
٢. التحليل الوارد هنا يعتمد على مزيج من المصادر الأكاديمية والشهادات الميدانية.
٣. المقال جزء من مشروع بحثي أوسع حول الإسلام السياسي والتحولات الاجتماعية في السودان.
د. أحمد التيجاني سيد أحمد
٢ مايو ٢٠٢٥ روما – نيروبي
ahmedsidahmed.contacts@gmail.com