لجريدة عمان:
2025-08-01@16:21:35 GMT

انفجارات (البيجر)

تاريخ النشر: 22nd, September 2024 GMT

الساعة الثالثة والنصف من يوم الثلاثاء السابع عشر من سبتمبر 2024، كانت فارقة فـي حياة اللبنانيين وفـي تاريخ حزب الله اللبناني بالذات، عندما انفجرت أجهزة الاتصال اللاسلكي «البيجر» فـي توقيت واحد غير مسبوق، نتج عنه وفاة اثني عشر شخصًا (حتى اللحظة)، وإصابة حوالي ثلاثة آلاف شخص، بمن فـيهم السفـير الإيراني فـي لبنان.

تحليلات كثيرة تناولت الحدث بهدف معرفة كيفـية حدوث الانفجار، ومنها ما أشار إلى أنّ الأجهزة كانت مفخخة من مصدر استيرادها عبر قطعة تسمى «آي سي»، التي احتوت المواد المتفجرة، وهي منظومة متكاملة تستخدم عادة فـي الأجهزة الإلكترونية للتحكم فـي بعض وظائفها حسب رأي الأمنيين اللبنانيين. ووفق ما نقلته قناة «الميادين» عن مصادر أمنية لم تسمها، تحتوي هذه القطعة على مواد متفجرة، ممّا يعني أنّ تفخيخ البيجر تم بشكل دقيق ومخفـي داخل مكونات الجهاز نفسه. وربما لكي تدافع الأجهزة الأمنية عن تقصيرها، فإنها ذكرت لقناة «الميادين» أنّ هذه المواد المفخخة والمتفجرة «لا تُكشف عند أي فحص عبر الأجهزة المتعارف عليها، ولم يكن فـي الإمكان لأجهزة الكشف المتوفرة وحتى لدول ومطارات عالمية كشف المادة المفخخة المزروعة وبتقنيات مركبة لخوارزميات خاصة بهذه العملية».

إذا كانت تلك التفجيرات قد أظهرت أنّ العالم متجه الآن إلى حروب غير تقليدية، فإنّ أبرز ما حققته أنها حطمت ميزة السرية التي تمتع بها حزب الله، إذ أنّ الأسر اللبنانية عاشت لسنوات طويلة وفـي وسطها أعضاء فـي حزب الله دون أن تعرف ذلك، ويحسب للحزب الذي استطاع أن يحافظ على سرية أعضائه حتى حادثة البيجر التي استطاع فـيها الكيان فـي أربع ثوان فقط أن يحولها إلى أسلحة دمار وإلى كشف أعضاء الحزب.

لا يهم النقاش الدائر حاليًّا بين شركة «غولد أبولو» التايوانية التي تصنع الأجهزة، وبين شركة «بي أي سي» المجرية حول مسؤولية ما حدث، بعدما أوضحت الشركة التايوانية، أنها وقّعت اتفاقًا قبل ثلاث سنوات مع الشركة المجرية، يمنحها ترخيصًا بتصنيع الأجهزة واستخدام اسم الشركة، وهي من صنعت أجهزة البيجر التي انفجرت فـي لبنان؛ ففـي كلِّ الأحوال هناك اختراق كبير سواء أكان من تايوان أو من المجر، وهو الشيء الوحيد المؤكد الآن، ولكن المثير فـي الأمر أنّ حزب الله الذي يُعدّ متطورًا فـي التكنولوجيا، واستطاع أن يخترق الكيان الصهيوني ببساطة، يصل به الأمر أن يُخترق بهذه السهولة، مما يطرح سؤالًا منطقيًّا: إذا كان حزب الله اخترق بهذه البساطة - مثلما اخترقت إيران أكثر من مرة -، فماذا عسانا أن نقول عن الآخرين؟! يقول مايكل يونغ، من مركز كارنيغي للشرق الأوسط فـي بيروت إنّ «حقيقة اختراق إسرائيل لحزب الله بسهولة على مدى أشهر لا بد أن يكون له تأثير مدمر على الروح المعنوية».

سؤال منطقي آخر فرض نفسه بقوة، هو: لماذا كانت كل التفجيرات متزامنة وفـي وقت واحد؟ وقد انبرت التحليلات والتفسيرات حول هذه النقطة، لكن أقربها إلى المنطق من وجهة نظري هو ما نقله الموقع الإخباري الأمريكي «أكسيوس» عن مسؤولين أمريكيين أنّ إسرائيل قررت تفجير أجهزة الاتصال المفخخة، خوفًا من اكتشاف عمليتها السرية من قبل حزب الله، «وأنّ القادة الإسرائيليين كانوا قلقين فـي الأيام الأخيرة من اكتشاف حزب الله أجهزة الاتصال التي زرعتها إسرائيل». وبما أنّ الحدث كان من الأهمية بمكان فإنّ معظم وسائل الإعلام تناولته بالتحليل، حيث ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» نقلا عن مسؤولين أمريكيين أنّ «إسرائيل عبثت بهذه الأجهزة قبل وصولها إلى لبنان، من خلال زرع كمية صغيرة من المتفجرات بداخل كلٍّ منها».

هل كان الهجوم متوقعًا؟!. الذي تابع خطاب حسن نصر الله أمين عام حزب الله يوم الثالث عشر من فبراير الماضي، يصل إلى قناعة أنّ الحزب على دراية تامة بخطورة أجهزة الاتصال الحديثة؛ ففـي الخطاب حذر أنصاره بشدة من «أنّ هواتفهم أكثر خطورة من جواسيس إسرائيل»، وقال يومها: «أغلقوها وادفنوها وضعوها فـي صندوق من حديد واقفلوها، افعلوا ذلك من أجل الأمن وحماية دماء الناس». وقد اتخذ حزب الله خطوات فعلية بعد الخطاب، للابتعاد عن الهواتف النقالة، حيث بدأ منذ شهر يوليو الماضي، باستخدام الرموز فـي الرسائل وخطوط الهواتف الأرضية وأجهزة البيجر، لمحاولة التهرب من تكنولوجيا المراقبة المتطورة لإسرائيل، بهدف تفادي محاولات الاغتيال التي طالت عددًا من كبار قيادييه فـي الفترة الماضية، وطالت عددا من قيادات حماس.

إنّ تحذير حسن نصر الله من الهواتف لم يمنع من وقوع الكارثة، التي وصفها فـي خطابه يوم الخميس الماضي 19 سبتمبر، بـ«ضربة قاسية»، لكن ما يثير الانتباه هو ما نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية بأنّ الشركة المجرية هي «شركة وهمية إسرائيلية»، ونقلت عن ثلاثة ضباط استخبارات اطلعوا على العملية، «أنه تم إنشاء شركتين صوريتين، لإخفاء حقيقة أنّ مُصنّعي أجهزة النداء كانوا ضباط مخابرات إسرائيليين»، وإن صحت مزاعم الصحيفة فإنّ الأمر يؤكد أنّ حزب الله وقع فـي فخ كبير، وقد لا يكون الأمر مقتصرًا على ما حدث فـي ذلك اليوم فقط، بل قد يكون له تبعات أخرى.

فـي كلّ الأحوال؛ لا يمكن التقليل من قدرات حزب الله العسكرية والتقنية؛ فحزب الله يسبق جميع الدول العربية فـي هذا الجانب بسنوات ضوئية، ولكن ذلك الهجوم، يجب أن يكون فاتحة خير ليس لحزب الله فقط؛ وإنما للأوطان العربية كلها؛ فمن بطن الشر يخرج الخير. إذ ماذا يُتوقع من أمة تستورد سلاحها، وتستورد طعامها وشرابها وكلَّ مستلزماتها من عدوها؟! وهذا يجرنا إلى سؤال أكبر: ماذا حقق العرب حتى الآن؟! ألا يكفـيهم التغني بالماضي؟! كم كان الروائي رشيد بوجدرة محقًا بقوله: «لو يتم صنع آلة للسفر عبر الزمن، لاختارت كلّ الأمم السفر إلى المستقبل، ما عدا أمة واحدة ستختار السفر إلى الماضي؛ فكلّ الأمم تدرس التاريخ لتأخذ العبر وتحسن نوعية الحياة فـي الحاضر والمستقبل، إلا تلك الأمة فإنها تدرس التاريخ لتقدسه وتقدس أشخاصه بلا وعي ولا تفكير».

لقد كتبتُ سابقًا فـي مقال بعنوان «أمة تستورد دواءها» فإنّ «أمة لا تهتم بالعلم وتستورد دواءها وغذاءها، وتعتمد فـي جميع شؤونها الحياتية على الخارج، لن يُكتب لها الحياة، ولن تستفـيد من قشور الحضارة المتمثلة فـي البنايات التي أقامتها، أو فـي كثرة الجامعات فـيها، التي هي أقرب للمباهاة فقط». لقد أصبحت وسائل الاتصالات ومنها الهواتف عصب الحياة، ويوجد شباب فـي الأمة ضليعون فـي التقنيات، فلماذا لا يستفاد منهم ومن خبراتهم، هل يحتاج الأمر أن نعتمد على الخارج (العدو) حتى يخترقنا؟! أتصور أنّ أيَّ دولة تعتمد على الخارج فـي برمجياتها وبرامجها، هي دولة فاشلة، ولا تلومنّ إلا نفسها عندما تخترق، وما حك جسدك مثل ظفرك.

إنّ هجوم «البيجر» وما تبعه من تهديد للكيان الإسرائيلي، يجعلني أقول إنني على المستوى الشخصي، قد مللتُ كثيرًا من تلك التهديدات التي لا تتبعها أعمالٌ انتقاميةٌ حقيقيةٌ، وأظن - وقد أكون لستُ مخطئًا - أنّ هذا هو شعور الكثيرين من أبناء الأمة الذين شبعوا من الخطب العصماء، وهذا بالتأكيد تشجيع للكيان الإسرائيلي على التمادي؛ فإذا لم يكن الرد واضحًا وصريحًا وقويًّا، فلا حاجة له.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: أجهزة الاتصال حزب الله

إقرأ أيضاً:

محللون: لبنان يريد نزع سلاح حزب الله لكنه لا يضمن إسرائيل

لا تبدو الحكومة اللبنانية قادرة على نزع سلاح حزب الله في ظل غياب أي ضمانات بعدم تعرض البلاد لاعتداءات إسرائيلية جديدة، وهو ما يجعل احتمال العودة للتصعيد أمرا قائما خلال الفترة المقبلة.

فالولايات المتحدة التي لا تتوقف عن مطالبة لبنان بنزع سلاح الحزب، لا تقدم أي ضمانات بعدم وقوع اعتداءات إسرائيلية على لبنان، ولا تلزم الجانب الإسرائيلي بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه مسبقا.

ففي حين ترفض إسرائيل الانسحاب من المناطق التي دخلتها في جنوب لبنان خلال المواجهة الأخيرة، ولا تتوقف عن ضرب أهداف في الأراضي اللبنانية، أكد المبعوث الأميركي توم براك ضرورة تجريد حزب الله من سلاحه في أقرب وقت ممكن وطالب الحكومة بتنفيذ المطلوب بدل الاكتفاء بالكلام.

وقد أكدت الرئاسة اللبنانية أن البلاد تمر بمنعطف خطير يقتضي حصر السلاح بيد الدولة، وأنها على تواصل مع الحزب بشأن هذا الملف، لكنها قالت إنها تحرز تقدما بطيئا في هذا الملف.

في المقابل، أكد الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم، أنه لا مجال للحديث عن نزع السلاح قبل رحيل قوات الاحتلال عن الأراضي اللبنانية، وإلزام إسرائيل ببنود اتفاق وقف إطلاق النار المبرم نهاية العام الماضي. كما قال قيادي بالحزب إن الولايات المتحدة تحاول تجريد لبنان من قوته.

ومن المقرر أن تبدأ الحكومة اللبنانية بحث ملف نزع سلاح الحزب الثلاثاء المقبل، لكنّ هذا لا يعني بالضرورة عزمها المضي قدما في هذا الملف الذي سيجد إشكالية كبيرة في نقاشه، كما يقول الكاتب الصحفي نيقولا ناصيف.

الرئاسة اللبنانية قالت إن البلاد تمر بمنعطف خطير يقتضي حصر السلاح بيد الدولة وإنها تتواصل مع حزب الله بهذا الشأن (الفرنسية)نقاش لا يعني نزع السلاح

ورغم عدم ممانعة رئيس مجلس النواب نبيه بري مناقشة نزع سلاح الحزب، فإن هذا لا يعني وجود توافق على هذا الأمر لأن الحكومة تتكون من 3 أطراف أحدها معتدل بينما الآخران لن يوافقا على هذه المسألة أبدا، وفق ما أكده ناصيف خلال مشاركته في برنامج "ما وراء الخبر".

إعلان

الأمر الآخر المهم الذي تحدث عنه ناصيف، يتمثل في أن أعضاء الحكومة يعودون إلى انتماءاتهم السياسية فور خروجهم من مجلس الوزراء، مما يعني أن مناقشة نزع سلاح الحزب يأتي في إطار التزام حكومة نواف سلام، بما أقسمت عليه عند توليه مقاليد الأمور.

ولا يمكن لحزب الله ولا لحكومة لبنان القبول بنزع السلاح ما لم تحصل بيروت على ضمانات أميركية فرنسية والتزامات إسرائيلية واضحة بعدم وقوع أي اعتداءات مستقبلا، وهو أمر ترفضه الولايات المتحدة.

لذلك، فإن حكومة نواف سلام تتفهم مخاوف الحزب ولن تقبل بحصر السلاح في يد الدولة التي تعرف أنها لن تكون قادرة على حماية البلاد من أي عدوان مستقبلي ما لم تكن هناك ضمانات واضحة بهذا الشأن، برأي ناصيف، الذي قال إن التاريخ مليء بالدروس المتعلقة بالتعامل مع إسرائيل.

في الوقت نفسه، فإن هناك تطابقا كاملا بين موقفي حزب الله وحركة أمل فيما يتعلق بمسألة نزع السلاح، ولا يمكن الحديث عن خلاف جوهري بينهما في هذه المسألة.

وبناء على هذا التطابق، فإنه من غير المتوقع أن يقبل الطرفان بالقفز على اتفاق وقف إطلاق النار والمضي نحو نزع السلاح بينما لم تلتزم إسرائيل بما عليها من التزامات حتى اليوم، كما يقول الباحث السياسي حبيب فياض.

التصعيد خيار محتمل

وفي ظل هذا التباعد في المواقف، تبدو احتمالات التصعيد كبيرة لأن الأميركيين يريدون وضع لبنان بين خيارين كلاهما سيئ، فإما أن يستسلم لشروط إسرائيل وإما أن يُترك وحيدا لمواجهة مصيره ووقف كل المساعدات التي يعول عليها في إعادة الإعمار وبناء الاقتصاد.

وحتى لو قدمت الولايات المتحدة ضمانات مستقبلية، فإن حزب الله وحركة أمل لا يمكنهما القبول بتسليم السلاح وفق الشروط الأميركية الإسرائيلية وهو ما يعني -برأي فياض- إمكانية العودة للتصعيد الذي قد يصل في مرحلة ما إلى مواجهة شاملة.

في المقابل، يرى الباحث في الدراسات الإستراتيجية والأمن الدولي كينيث كاتزمان، أن الولايات المتحدة وإسرائيل لا تريدان محو حزب الله تماما كما هي الحال بالنسبة لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وإنما تريدان نزع سلاحه والسماح له بالانخراط في السياسة.

وتقوم وجهة النظر الأميركية في هذه المسألة، على إمكانية ترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل وصولا إلى تطبيع محتمل للعلاقات مستقبلا، ومن ثم فإن إدارة دونالد ترامب -كما يقول كاتزمان- لا تصر على نزع سلاح الحزب اليوم أو غدا ولكنها تريده في النهاية لأنها تعتبره أداة إيرانية في المنطقة.

كما أن الفرق السياسية في لبنان نفسه ليست متفقة تماما مع الحزب حيث يعارضه بعضها ويتفق معه بعضها، وهو أمر يجعل مسألة تسليم سلاحه للدولة أمرا منطقيا، من وجهة النظر الأميركية.

لكن فياض يرى أن حديث كاتزمان عن التطبيع وخلاف اللبنانيين حول حزب الله "ينم عن عدم دراية بطبيعة الوضع في لبنان، الذي لن يطبع مع إسرائيل ولو طبعت كل الدول العربية"، مضيفا أن أقصى ما يمكن الوصول إليه هو العودة لهدنة 1949.

الموقف نفسه تقريبا تبناه ناصيف بقوله إن هناك 3 فرق لبنانية تتبنى مواقف مختلفة من حزب الله، حيث يريد فريق نزع سلاحه دون شروط، ويرفض فريق آخر الفكرة تماما، فيما يدعم فريق ثالث هذا المطلب لكنه يتفهم مخاوف الحزب.

إعلان

مقالات مشابهة

  • انفجارات غامضة تُربك حفل محمد رمضان وتثير شبهة محاولة اغتيال
  • حدث ليلا| أنغام تكشف تفاصيل حالتها الصحية…حجز هدير عبدالرازق في اتهام جديد..انفجارات تهز العاصمة كييف ومدن أوكرانية وسط تصعيد روسي
  • هل تساعدك أجهزة تتبع النوم فعلا؟ إليك ما يقوله الخبراء
  • الورداني: الشائعة اختراع شيطاني وتعد من أمهات الكبائر التي تهدد استقرار الأوطان
  • نعيم قاسم: سلاح حزب الله شأن داخلي ومن يطالب بتسليمه يخدم إسرائيل
  • الجماز: الرئيس الجديد للهلال لن يكون له الصلاحيات التي كان يتمتع بها من سبقه
  • ترامب: إسرائيل ترفض حصول حماس على المساعدات التي يتم توزيعها في غزة
  • محللون: لبنان يريد نزع سلاح حزب الله لكنه لا يضمن إسرائيل
  • مايكروسوفت ترفع الحظر عن تحديث ويندوز 11 للإصدار 24H2 على أجهزة الألعاب
  • حماية ذكية بأقل تكلفة.. «آبل» تتيح تأمين عدة أجهزة في باقة واحدة