كيف لجهل الإنسان وحده أن يكون محرضا كافيا لنوازع الشر ومكامن العنف والقسوة فيه، تلك الغرائز التي تستثار بدافع الدفاع عن الذات من خطر المجهول الوشيك، وتحت تأثير خوف الإنسان المتصاعد من غموض المعطيات وقلق الاحتمالات المحيطة به؟ فهو يبدأ جاهلا بطبيعة مكانه الذي ينتمي إليه، بتضاريسه وتقلبات أنوائه، وما إن تستقر علاقته بالطبيعة والمكان، نسبياً، بعد العودة من جولاته الاستكشافية، نجده يبدأ بالإنصات إلى قلقه الآتي من انعكاس نظرته الغامضة نحو الغرباء (الآخرين) من حوله، أكانوا أفرادا أم شعوباً وقبائلَ، وذلك قبل أن ينتهي به الدوار الكوني إلى سؤاله المركزي -الذي يشغله أكثر بوصفه إنسانا معاصرا وذا خبرة- عن غموض الذات ومدى جهله بها وهي المركز الذي ينطلق منه في رؤيته للعالم وتفسيره.
العلاقة بالآخر الغريب، أو المختلف، ستبقى بالنسبة له مفترق لقاء وانفصال، ساحة بيضاء مفتوحة للحرب والسلام. ولكن ما يحدد طبيعة هذه العلاقة هو مدى عمق المعرفة الأصيلة والصادقة بالآخر، على الجسر الذي يبدأ من تحية الغريب للغريب. ولا تسطع فدائح جهل الإنسان بالغرباء إلا عندما يتطور الجهل إلى ارتياب متحول مع الوقت إلى عُنف. ولكم ترددت على أسماعنا حكمة تقول (إن الإنسان عدو لما يجهل)؛ وهي حكمة مهمة أتمنى أن أنجح في جعلها دليلا مصوبا في سياق الكتابة عن الارتباط السببي بين الجهل، الجهل بالآخر، والكراهية، بدءا من الكراهية التي تتخلل العلاقات الشخصية بيننا كأفراد إلى الكراهية التي تتحول إلى حالة عامة في علاقة شعب بآخر، أو جماعة إثنية أو عرقية بجماعة أخرى.
عند التفكير بالكراهية المؤسسة على الجهالة، يجدر بي أن أتساءل: متى يا ترى سنتوقف عن الادعاء بأننا نعرف بعضنا البعض جيدا؟ هذا سؤال لا ينبغي إرجاؤه إلى آخر لحظة، إلى لحظة الاشتباك الدموي، فمن غير المنطقي ولا الأخلاقي أن نبقى رهن غمزات ولمزات هذه الكراهية المتبادلة دون أن نتوقف للحظة عن إبداء ثقتنا المتبجحة بأننا نعرف أولئك الذين نكرههم، شكلا ومضمونا، ونعلن عنهم كأعداء، دون أن ننتبه إلى حقيقة مفادها بأن ثقتنا القطعية بمعرفة من ندعي معرفتهم هي في كثير من الأحيان لا تتجذر إلا مستمدة ومستوحاة من وحي الكراهية العميقة ذاتها، فالجهل ليس حالة فارغة، مجرد عدم معرفة، بل هو حالة امتلاء بسوى الحقائق، ذهنية مسكونة بالارتياب وتقتات على الإشاعة والوهم والصور النمطية.
عداء الإنسان لما يجهل، أو كراهيته، تأتي إرهاصا للحرب، والتي يمكن تفسيرها كسلوك عدواني ينمو تاريخيا في ظل منظومة مركبة من الجهل بحياة الآخرين (الأعداء) وطبيعة المعطيات والظروف المحيطة بهم. وعادة ما يتدخل العمل السياسي والدبلوماسي في ضباب التكهنات والاحتمالات التي تسبق التحركات العسكرية، وذلك بهدف تعويم التناقضات السياسية والاقتصادية العالقة، إلا أن العملية السياسية وحدها لا تصنع سلاما.
قبل فترة قصيرة سمعت أحد رجال السياسة السابقين في لبنان يقول إن تاريخ بلاده الحديث لم يعرف سلاما في يوم من الأيام، بل غاية ما بلغ إليه من استقرار في ظل الحكومات المتعاقبة لم يكن سوى سلسلة من الهدنات المؤقتة. العراقي بدوره يمكنه أن يقول الكلام نفسه، السوري أيضا، وكذلك الأوروبيون الذين يعتبرون أنفسهم في قلب «العالم الحر» فقد استفاقوا بعد الحرب الروسية على أوكرانيا من حلم السلام ليكتشفوا أنهم واقفون على جغرافيا نائمة فوق أجفان الحرب. وبالطريقة نفسها فإننا جميعا، كمواطنين في هذا العالم الكبير، يمكننا أن نتوحد في الشعور المرعب ذاته: ما الحرب إلا مسألة وقت، وما السلام سوى حلم، وما السياسة والاقتصاد سوى اجتهادات لتحقيق هدنات قابلة للتجديد من عقد إلى عقد آخر. العالم بحاجة إلى القليل من السياسة والكثير من الثقافة.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
أحمد موسى: نمتلك جيشا وطنيا عظيما ولازم نعرف قيمته
قال الإعلامي أحمد موسى، إن أمن واستقرار الدولة هو هدفنا الأول والأساسي، موضحا أن أخطر شيء تعرضت له إيران هو الوضع الداخلي بإيران.
وأوضح الإعلامي أحمد موسى، خلال تقديم برنامج على مسئوليتي المذاع على قناة صدى البلد، أن الموساد الإسرائيلي زرع عملاء منذ أكثر من 30 عاما داخل إيران، موضحا أن إسرائيل قتلت أحد أكبر العلماء النوويين في إيران ومسئولين بالدولة.
كما أضاف الإعلامي أحمد موسى، أن هناك عشرات الشبكات والخلايا، لصالح الموساد عملت هدم وتدمير الدولة الإيرانية، معلقا: كل يوم إيران تكتشف أعداد من الخلايا والجواسيس.
وذكر: في عام 1993 قناة سي إن إن استضافت الإرهابي عمر عبدالرحمن لمدة 45 دقيقة والقناة قالت عليه بطل وهو إرهابي يريد تنفيذ خطط لتدمير الدولة.
وأردف الإعلامي أحمد موسى: نمتلك جيش وطني عظيم ودايما كل ما يحصل أزمة لازم ديما نكون شايفين كدا .. لازم تعرف قيمة الجيش المصري لما تجد دول بدون جيش ويتم اختراقها ولا تستطيع الرد.
أوضح الإعلامي أحمد موسى: "ترامب سمح للصين شراء النفط من إيران ولذلك تراجعت أسعار النفط بأكثر من 2% اليوم".
كشف الإعلامي أحمد موسى، أن الكثيرين يتساءلون حول ما حدث بين إسرائيل وإيران وهل يمكن اعتباره تمثيلية أم لا، مؤكدا أن قرار تل أبيب بشن هجمات ورد طهران لا يعتبر تمثيلية.
تابع خلال تقديم برنامج على مسئوليتي، المذاع على قناة صدى البلد، أن تل أبيب اغتالت قيادات الحرس الثوري والعلماء النوويين والمواقع العسكرية وبالتالي هذا لا يمكن يكون تمثيلية.
ولفت الإعلامي أحمد موسى، أن إيران لا زالت تطلق الصواريخ حتى فجر اليوم وقبل بدء وقف إطلاق النار الذي أعلن عنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وأوضح أنه لا أحد يعلم هل تدمرت المنشآت النووية الإيرانية الثلاث أم لا، حيث إنه لم يذهب لها أحد منذ الهجوم ولم تنشر صورة واحدة لها وهي موجودة تحت الأرض.
وأشار الإعلامي أحمد موسى، إلى أن الولايات المتحدة نقل كل طائراتها من قاعدة العديد الموجودة في قطر قبل الضربة الإيرانية التي وقعت مساء أمس.