ترامب وشي... من انتصرفي استعراض القوة؟
تاريخ النشر: 1st, November 2025 GMT
ترجمة: بدر بن خميس الظفري -
يا لها من حرب تجارية أنيقة! فقد أُتيحت للولايات المتحدة والصين فرصة لاختبار ترسانتيهما من الرسوم الجمركية والحظر الاقتصادي دون أن يلحق أيٌّ منهما أذى حقيقي بالآخر. ثم خلال قمتهما التي انعقدت في كوريا الجنوبية يوم الخميس تراجع الزعيمان خطوةً عن حافة ما وصفه الخبراء منذ سنوات بـ«الانفصال الاقتصادي» بين القوتين العظميين.
يقول كريستوفر جونسون -كبير محللي الشأن الصيني السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية الذي يدير حاليًا مؤسسة استشارية تُعرف باسم مجموعة استراتيجيات الصين-: «رأى الطرفان بعينيهما ما الذي يعنيه الانفصال الحقيقي. تطلعا إلى الهاوية وقالا لنفسيهما: لا نريد أن نسقط». ويضيف أن هذا «الترميم المؤقت» يمنح الحكومتين فسحة لالتقاط الأنفاس، وإعادة ترتيب الأولويات.
منتقدو ترامب وصفوا ما حدث بأنه أسلوب ما يسمى (تاكو) وهو اختصار لعبارة باللغة الإنجليزية تعني «ترامب يتراجع دائمًا»؛ فبعدما وافق الرئيس على تعليق الرسوم الجمركية البالغة 100% على البضائع الصينية -تلك الرسوم التي كان هو نفسه قد اعترف بأنها «غير قابلة للاستمرار»- واستبدلها بمعدل أدنى. جاء تراجعه بعد أن وافقت بكين على تعليق حظرها شبه الكامل على تصدير المعادن النادرة لمدة عام. ويرى جونسون أن الصين أظهرت بذلك قدرتها على نزع «هيمنة التصعيد» من يد ترامب باستخدام أدواتها التجارية.
لكن من وجهة نظري؛ لم تكن القمة خسارة لترامب بقدر ما كانت ما يصفه الصينيون بـ«فوز للطرفين». فقد أظهر الجانبان قوتهما، وأثارا قلق الأسواق المالية بما يكفي لجعل تهديداتهما تبدو جدّية، ثم توصلا إلى هدنة مؤقتة تمهد لعامٍ من الدبلوماسية المكوكية والزيارات المتبادلة. وكما يقول المثل الفرنسي: «لا يدوم سوى المؤقت». وهذا يبدو صحيحًا تمامًا بالنسبة لأكبر قوتين في العالم؛ إذ يخدمهما الحفاظ على الوضع الراهن أكثر من إبرام «صفقة كبرى» قد تنقلب عليهما معًا.
وكما جرت عادته بالغ ترامب في وصف اللقاء؛ فقد أخبر الصحفيين على متن طائرته الرئاسية أنه «على مقياس من واحد إلى عشرة أعطي الاجتماع درجة اثني عشر». والمثير في متابعة الرجلين اليوم أنهما يتشابهان في نزعة الحكم الفردي الممزوجة بشخصيتين مختلفتين جذريًا في التجربة والمبادئ والطباع.
كلاهما مولع بالمجد والتاريخ، وكلاهما مهووس بتقديم نفسه كقائدٍ استثنائي. ترامب لا يتوقف عن الترويج لصورته فيما يقدّم شي نفسه حارسًا للحضارة الصينية ومهندس نهضتها الحديثة. وهناك خمسة مجلدات تضم خطاباته ومقالاته تُعرف في الصين بـ«فكر شي جين بينغ». يقول جوزيف توريغان أستاذ في الجامعة الأمريكية ومؤلف كتاب «مصالح الحزب أولًا»، وهي سيرة عن والد شي: «يرى شي نفسه رجلًا اختاره القدر لحمل راية الأمة الصينية نحو تجديدها». وترامب بدوره يرى نفسه المخلّص الذي سيعيد لأمريكا عظمتها كما يردد أنصاره وهم يعتمرون قبعاتهم الحمراء الشهيرة: «لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا».
لكن أوجه الاختلاف بينهما لا تقل وضوحًا. أحدهما تربّى في بيئة مرفهة وسار على طريق مفروش بالذهب إلى السلطة، والآخر عانى من القمع والإذلال في حملات التطهير التي عصفت بالصين في سبعينيات القرن الماضي. أحدهما يغوص في مستنقع الفساد، والآخر يعتبر الفساد سمًّا يقوّض أركان حكمه. ترامب يلعب لعبة قصيرة المدى، متقلّب السياسات سريع الانفعال بينما شي يمارس سياسة النفس الطويل والتخطيط الدقيق.
ترامب رجل صفقات فوضوي يتخذ قراراته الارتجالية كسلاح ضغط في المساومة بينما شي قائد منضبط شديد الحزم. ومع ذلك تلاحظ الصحفية البارزة في وول ستريت جورنال لينغلينغ وي أن شي تعلم من مواجهاته مع ترامب، وتبنّى ما يمكن تلخيصه بشعار: «اضرب بقوة وتنازل قليلًا».
المفارقة أن الرجلين رغم تباين خلفياتهما يتقاسمان سمة مشتركة، وهي حربهما على الطبقة الحاكمة من حولهما. ترامب الملياردير الشعبوي يخوض معركة مفتوحة ضد ما يسميه «الدولة العميقة» داخل مؤسسات الحكم الأمريكية. أما شِي فقد شنّ حملة صارمة لتطهير الحزب الشيوعي والجيش وأجهزة الاستخبارات من الفساد والمحسوبية.
عندما تسلّم شي السلطة عام 2012 تعهّد بـ«اصطياد النمور والذباب معًا» أي ملاحقة كبار الفاسدين وصغارهم دون تمييز. ووفقًا لتقارير وول ستريت جورنال؛ فإن الحزب الحاكم عاقب منذ ذلك الحين أكثر من 6.2 مليون شخص، وارتفع عدد من طالتهم التحقيقات من نحو 180 ألفًا عام 2013 إلى ما يقارب 890 ألفًا العام الماضي.
أعنف موجات التطهير كانت في صفوف الجيش؛ فقد اكتشف شي أن كبار ضباط جيش التحرير الشعبي يشترون مناصبهم، ويرشون رؤساءهم، ثم يبتزون مرؤوسيهم. عام 2023 أقال قائدين في «قوة الصواريخ» التابعة للجيش، وفي العام التالي أزاح وزيرين للدفاع. وقبل أسابيع فقط، وقبيل انعقاد مؤتمر الحزب الحاسم أطاح بتسعة قادة عسكريين آخرين بينهم القائد المسؤول عن «القيادة الشرقية» التي تشرف على عمليات تايوان.
رمز حملته ضد الفساد العسكري هو اختياره للجنرال تشانغ شنغمين -كبير المفتشين العسكريين- نائبًا لرئيس لجنة مكافحة الفساد التي يرأسها بنفسه. قال شي في عام 2014 عندما بدأ حملته: «حين أقرأ تقارير عن فساد الجيش أشعر بالاشمئزاز، وأضرب الطاولة غضبًا؛ فإذا فسد الجيش فلن يقاتل».
أما عن المرحلة المقبلة؛ فيشير جونسون إلى أن ترامب يسعى إلى بناء علاقة مع شي تشبه تلك التي جمعت الرئيس رونالد ريغان بزعيم الاتحاد السوفييتي ميخائيل غورباتشوف. ولتحقيق ذلك عليه أن يخفض التوتر ويهيئ الأرضية. يقول جونسون: «كانت تعليماته لوزير الخزانة سكوت بيسنت بسيطة: فلنعقد صفقة».
يتعامل ترامب مع السياسة الخارجية كأنها نادٍ للرجال الأقوياء، ويرى في شي شريكًا جديرًا بالعضوية. لكنه ربما يستخفّ بمدى انضباط خصمه وصلابته. فقد أثبت شي أنه منافس شرس أكثر مما توقعه ترامب في الحرب التجارية التي جُمّدت مؤقتًا.
إنّ فكرة أن يحكم العالم زعيمان استبداديان مقلقة بلا شك، لكنها في الوقت الراهن ربما أفضل من عودتهما إلى الصدام المباشر. فالحوار بينهما مهما بدا ناقصًا يظل أقل خطرًا من الصمت بين بندقيتين.
ديفيد إغناتيوس: كاتب عمود في واشنطن بوست يخصّص مقالتين أسبوعيًا للشؤون الخارجية. آخر مؤلفاته رواية «المدار الشبحي».
الترجمة عن واشنطن بوست
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً: