أمين عام الأمم المتحدة قال إن الوقت ينفد، وأكد أنه لا ينبغي إغفال الخسائر الهائلة التي يلحقها الصراع المتنامي في الشرق الأوسط بالمدنيين.

التغيير: وكالات

في اجتماع مجلس الأمن الدولي حول الأوضاع في الشرق الأوسط، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن الحرائق المشتعلة في الشرق الأوسط تتحول بسرعة إلى جحيم، مؤكدا على ضرورة وقف هذه الدائرة القاتلة من العنف المتبادل.

وفي إحاطته لمجلس الأمن الدولي اليوم الأربعاء، قال الأمين العام “قبل أسبوع واحد بالضبط، أطلعتُ مجلس الأمن على الوضع المقلق في لبنان. ومنذ ذلك الحين، ساءت الأمور كثيرا”. ونبه إلى أن الأيام القليلة الماضية شهدت تصعيدا دراماتيكيا “إلى الحد الذي يجعلني أتساءل عما تبقى من الإطار الذي أنشأه هذا المجلس بالقرار 1701”.

وشدد غوتيريش على أن “المدنيين يدفعون ثمنا باهظا. وأنا أدين ذلك بشدة”.

وأشار إلى أنه منذ أكتوبر الماضي، قُتِل أكثر من 1700 شخص في لبنان، بما في ذلك أكثر من 100 طفل و194 امرأة، وتأكد نزوح أكثر من 346 ألف شخص من منازلهم، وتشير تقديرات الحكومة إلى أن هذا العدد يصل إلى مليون شخص.

وأضاف أنه منذ الثامن من أكتوبر، أسفرت هجمات حزب الله على إسرائيل عن مقتل 49 شخصا، مع نزوح أكثر من 60 ألف شخص من منازلهم.

وشدد غوتيريش على أن حفظة السلام التابعين لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (الـيونيفيل) يظلون في مواقعهم، ولا يزال علم الأمم المتحدة يرفرف على الرغم من طلب إسرائيل نقل قواتها.

إدانة الهجوم الصاروخي

وتحدث أمين عام الأمم المتحدة عن إطلاق إيران أمس الثلاثاء نحو مائتي صاروخ باليستي باتجاه إسرائيل.

وقال غوتيريش: “كما فعلت فيما يتصل بالهجوم الإيراني في أبريل، وكما كان من الواضح أمس في سياق الإدانة التي عبرت عنها، فإنني أدين بشدة مرة أخرى الهجوم الصاروخي الضخم الذي شنته إيران أمس على إسرائيل”.

وأوضح أنه من المفارقة أن هذه الهجمات لا تفعل شيئا لدعم قضية الشعب الفلسطيني أو الحد من معاناته.

معاناة تتجاوز التصور

وقال الأمين العام إنه مر ما يقرب من عام منذ الأعمال المروعة التي ارتكبتها حماس في السابع من أكتوبر واحتجاز رهائن. وأضاف منذ أكتوبر الماضي، شنت إسرائيل في غزة “الحملة العسكرية الأكثر دموية وتدميرا في سنواتي كأمين عام. إن المعاناة التي يتحملها الشعب الفلسطيني في غزة تتجاوز التصور”.

وأشار كذلك إلى استمرار تدهور الوضع في الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، مع العمليات العسكرية الإسرائيلية، وبناء المستوطنات، وعمليات الإخلاء، والاستيلاء على الأراضي، وتكثيف هجمات المستوطنين، الأمر الذي يقوض تدريجيا أي احتمال لحل الدولتين، مضيفا أنه في الوقت نفسه استخدمت الجماعات الفلسطينية المسلحة العنف أيضا.

الوقت ينفد

وشدد غوتيريش على أن أحداث الأسبوع الماضي، والشهر الماضي، بل وحتى العام الماضي تقريبا، توضح أنه حان الوقت للوقف الفوري لإطلاق النار في غزة، والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الرهائن، وتسليم المساعدات الإنسانية بشكل فعال إلى الفلسطينيين في غزة، وإحراز تقدم لا رجعة فيه نحو حل الدولتين.

وأضاف أنه حان الوقت لوقف الأعمال العدائية في لبنان، والعمل الحقيقي نحو التنفيذ الكامل لقراري مجلس الأمن 1559 و1701، وتمهيد الطريق للجهود الدبلوماسية من أجل السلام المستدام.

وقال غوتيريش: “حان الوقت لوقف هذه الدائرة المروعة من التصعيد تلو التصعيد والتي تقود شعوب الشرق الأوسط إلى الهاوية. لقد كان كل تصعيد بمثابة ذريعة للتصعيد التالي”. وشدد على أن “الوقت ينفد”، مؤكدا أنه “لا ينبغي لنا أبدا أن نغفل عن الخسائر الهائلة التي يلحقها هذا الصراع المتنامي بالمدنيين”.

إلى جانب أعضاء المجلس الخمسة عشر، من المقرر أن يتحدث أمام مجلس الأمن: لبنان، إسرائيل، إيران، سوريا والعراق.

الولايات المتحدة

قالت السفيرة الأميركية ليندا توماس غرينفيلد إن إيران “فشلت في تحقيق أهدافها” من الهجوم الذي شنه الحرس الثوري، لكنها أكدت أن هذه النتيجة لا تقلل “من حقيقة أنها كانت تنوي التسبب في موت ودمار كبيرين وتمثل تصعيدا كبيرا من جانب إيران”.

وقالت السيدة توماس غرينفيلد إن إيران “متواطئة” في هجمات 7 أكتوبر على إسرائيل “بسبب تمويلها لحماس”، مؤكدة أنه لا شك في أن الدعم الإيراني “للوكلاء الإقليميين ساهم بشكل مباشر في الأزمة في غزة ولبنان”.

وشددت على أن الهجوم الإيراني على إسرائيل “لم يكن دفاعيا بأي حال من الأحوال”، وقالت إنها لا تستطيع أن تفكر في مثال أكثر وضوحا على “دعم الدولة للإرهاب من إطلاق الصواريخ الباليستية للانتقام لمقتل زعيم إرهابي. إنه أمر لا يمكن الدفاع عنه وغير مقبول”.

ودعت مجلس الأمن إلى فرض عقوبات إضافية على الحرس الثوري الإيراني “لدعمه للإرهاب”، وأعربت عن مخاوفها من أن “الصمت والتقاعس لن يؤدي إلا إلى دعوة الحرس الثوري الإيراني إلى تكرار مثل هذه الهجمات مرة تلو الأخرى”.

وقالت ليندا توماس غرينفيلد إن أحداث الأسبوع الماضي يجب أن ترسل رسالة “لا لبس فيها” إلى قيادة حماس، “التي تواصل الاختباء في الأنفاق تحت غزة. لن ينقذكم حزب الله وإيران. الطريق الوحيد للمضي قدما هو اتفاق وقف إطلاق النار”.

وقالت السفيرة الأمريكية إن سكان إسرائيل وغزة والضفة الغربية ولبنان وجميع أنحاء المنطقة يستحقون السلام الدائم، “وقد حان الوقت لهذا المجلس لمحاسبة إيران على تأجيج نيران الحرب”.

الجزائر

الممثل الدائم للجزائر لدى الأمم المتحدة، السفير عمار بن جامع أعرب عن تضامن بلاده التام “وإعجابها ودعمها” للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في أعقاب ما وصفه بـ”القرار المدهش” الذي اتخذته السلطات الإسرائيلية “بإعلانه شخصية غير مرغوب فيها”. وقال السفير بن جامع “إن هذا القرار يعكس ازدراء واضحا” للأمم المتحدة والمجتمع الدولي بأسره. وقال إن إسرائيل لا تقبل “أي رواية ولا حقيقة سوى روايتها وحقيقتها”.

وأضاف بن جامع أن هذا الاجتماع يمثل المرة الثالثة التي يتحدث فيها الأمين العام بشأن الوضع في الشرق الأوسط، مشيرا إلى أن ذلك يعد “شهادة على خطورة الوضع”. وقال إن الوضع تدهور أكثر بسبب “العدوان الإسرائيلي على لبنان” بدءا باستهداف الأجهزة الإلكترونية المدنية ثم “القصف العشوائي والغزو البري” الذي قال إنه “يُظهر تجاهلا صارخا للحياة البشرية وانتهاكا صارخا للقانون الدولي الإنساني”.

وقال السفير الجزائري إن مجلس الأمن عقد اجتماعا بطلب من بلاده في أعقاب الهجمات باستخدام الأجهزة الإلكترونية المدنية. وأضاف: “سعينا جاهدين لجعل المجلس يرسل رسالة بسيطة واضحة: نداء من أجل وقف فوري لهذا التصعيد. وقد فشل المجلس في هذه المحاولة”.

ثم تابع قائلا: “لقد منح تقاعسنا إسرائيل تفويضا مطلقا لمواصلة هجومها في غزة، وتصعيد الموقف ضد لبنان ومواصلة أجندتها الدموية المتمثلة في الموت والدمار”.

ونبه السفير الجزائري إلى أن البعض أصبح، على ما يبدو، غير مبال بمحنة شعب غزة، مشددا على أن أي جهد لمعالجة التصعيد الأوسع في المنطقة يجب أن يبدأ بوقف “الهجوم الوحشي في غزة”. وأكد الحاجة إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة.

واختتم السفير عمار بن جامع حديثه بالقول: “الوضع في الشرق الأوسط يتطلب بشكل عاجل إجراءات متضافرة منا جميعا لإيجاد حل مستدام، وتتطلب هذه الحلول إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية في لبنان وفي سوريا وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشريف”.

إسرائيل

قال السفير الإسرائيلي داني دانون إن العواقب التي ستواجهها إيران بسبب أفعالها “ستكون أعظم بكثير مما يمكن أن تتخيلها”.

وأضاف أن ملايين الإسرائيليين أجبروا على دخول الملاجئ نتيجة “أكبر هجوم صاروخي باليستي في التاريخ”، مضيفا أن هذه المشاهد لم يشهدها العالم “منذ الغارات الجوية على لندن”.

وقال دانون إن الدفاع الجوي الإسرائيلي “حقق شبه معجزات الليلة الماضية، وأنقذ أرواحا لا حصر لها”، إلا أن ذلك لا يقلل من “الشر المطلق الجامح” وراء تصرفات إيران. وأضاف: “الآن يجب على العالم أن يتدخل. يجب أن تدفع إيران ثمنا باهظا لهذا الهجوم. أي شيء أقل من ذلك هو تواطؤ”.

وقال دانون إن إيران ليست عدوة إسرائيل فحسب، “إنها عدوة كل الدول المتحضرة”. وأكد أنها كانت حتى الآن “تعمل إلى حد كبير في الظل، باستخدام كل وكلائها”، ولكن الليلة الماضية “تم نزع القناع الذي يرتديه قادتها في هذه القاعات” وخرجت “بفخر إلى العلن باعتبارها مهندس الفوضى والدمار”.

وأضاف: “تخلى النظام الإيراني عن كل أشكال الإنكار. لم يعد الإيرانيون مجرد أسياد دمى صامتين. إنهم معتدون متعطشون للدماء، يتلذذون بعنفهم وتدميرهم. لا يستطيع العالم أن يتجاهل هذا الواقع بعد الآن. نطالب بفرض عقوبات فورية معوقة على إيران. يجب تصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية كما هو عليه”.

وقال السيد دانون إن وقت “الدعوات الفارغة لخفض التصعيد قد انتهى”، مضيفا أن إسرائيل ستدافع عن شعبها وأن ردها “سيكون سريعا وحاسما”. وأضاف: “أولئك الذين يهاجموننا سيواجهون عواقب وخيمة. لكل صاروخ تم إطلاقه، سنرد بقوة”.

لبنان

القائم بأعمال المندوب الدائم للبنان لدى الأمم المتحدة، هادي هاشم قال إن بلده “عالق بين مطرقة آلة التدمير الإسرائيلية، وبين طموحات البعض في المنطقة، واللبنانيون يرفضون هذه المعادلة القاتلة”.

وأشار هاشم إلى أن منطقة الشرق الأوسط مشتعلة من كل حدب وصوب، مضيفا “فلا لبنان بخير، ولا غزة بخير، والحشود الإسرائيلية العسكرية، وأرتال الدبابات والمصفحات على طول الحدود الجنوبية للبنان”.

وأشار إلى إقرار الحكومة الإسرائيلية “اجتياحا بريا للبنان”، مضيفا أن “كل ما تقوله إسرائيل عن عمليات عسكرية جراحية ومحدودة هو غير صحيح. فالأضرار هائلة في صفوف المدنيين وفي البنى التحتية”.

وقال إن الاجتياح اليوم ستكون نتيجته “هزيمة أخرى تضاف إلى سجل إسرائيل في لبنان”. وأضاف: “لم يعد للكلام من معنى ولا للشكاوى من فائدة، فكم من مرة جئناكم إلى هذا المجلس وحذرنا من الوضع الكارثي على طول الحدود الجنوبية؟”

وقال هاشم: “ها نحن اليوم نتجه أكثر وأكثر إلى حرب إقليمية مفتوحة وبلا ضوابط. والحل يبقى بالعودة إلى الحلول السياسية المبنية على قرارات الشرعية الدولية ذات صلة”.

وكرر الموقف الرسمي لرئيس الحكومة اللبنانية بما في ذلك الموافقة على الالتزام بالنداء الذي صدر عن الرئيسين الأمريكي والفرنسي، والتعهد بتطبيق كل النقاط التي وردت فيه ومنها وقف إطلاق النار فورا من أجل بداية البحث في تطبيق قـرار مجلس الأمن رقم 1701 بشكل كامل.

ونبه إلى أن لبنان يواجه أزمة إنسانية غير مسبوقة، وهو بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة، مشددا على أن لبنان واللبنانيين “يستحقون الحياة”.

* مركز أخبار الأمم المتحدة

الوسومأنطونيو غوتيريش إسرائيل الأمم المتحدة الجزائر الولايات المتحدة غزة فلسطين لبنان ليندا توماس غرينفيلد مجلس الأمن الدولي

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: أنطونيو غوتيريش إسرائيل الأمم المتحدة الجزائر الولايات المتحدة غزة فلسطين لبنان ليندا توماس غرينفيلد مجلس الأمن الدولي فی الشرق الأوسط توماس غرینفیلد الأمم المتحدة الأمین العام الحرس الثوری على إسرائیل إطلاق النار مجلس الأمن حان الوقت مضیفا أن فی لبنان أکثر من بن جامع على أن قال إن إلى أن فی غزة

إقرأ أيضاً:

هل هناك مخطط سري لتفكيك سوريا؟

نشر السفير الأميركي في أنقرة، توم باراك، بصفته مبعوثًا خاصًا لبلاده إلى سوريا، رسالة لافتة عبر حسابه على مواقع التواصل الاجتماعي، تناول فيها بالنقد سياسة الدول الإمبريالية الغربية في الشرق الأوسط، وكشف عن الإستراتيجية التي تعتزم بلاده اتباعها في سوريا، قائلًا:

"قبل قرن من الزمان، فرض الغرب خرائط وحدودًا مرسومة وإدارات انتدابية وحكومات أجنبية. لقد قسم اتفاق سايكس-بيكو سوريا والمنطقة الأوسع من أجل المكاسب الإمبريالية، وليس من أجل السلام. وقد كلّف هذا الخطأ أجيالًا متعاقبة. لن نكرّر ذلك مجددًا.

إن زمن التدخلات الغربية قد ولى. المستقبل للدبلوماسية القائمة على الحلول الإقليمية، والشراكات، والاحترام المتبادل. وكما أكد الرئيس ترامب في خطابه في الرياض بتاريخ 13 مايو/ أيار، فإن الأيام التي كانت فيها القوى الغربية تأتي إلى الشرق الأوسط لتعطي دروسًا حول كيفية العيش وإدارة الشؤون، قد انقضت.

لقد وُلدت مأساة سوريا من رحم الانقسام. ولا يمكن أن تولد من جديد إلا عبر الكرامة والوحدة والاستثمار في شعبها. وهذا يبدأ بالحقيقة والمساءلة والتعاون مع أبناء المنطقة، لا بتجاوز المشكلة دون حلها.

نحن إلى جانب تركيا ودول الخليج وأوروبا- لا بالجنود والخطب والحدود الوهمية، بل إلى جانب الشعب السوري ذاته. بسقوط نظام الأسد، فتحنا الباب نحو السلام؛ ومن خلال رفع العقوبات، نتيح للشعب السوري فرصة فتح ذلك الباب واكتشاف طريق نحو ازدهار وأمن متجددين".

إعلان

من اللافت أن تأتي رسالة كهذه من سفير الولايات المتحدة، التي لطالما كانت واحدة من أركان القوى الإمبريالية المتورطة في غمر الشرق الأوسط بالدم عبر سياسات الاحتلال، متحدثًا عن "المندوبين" البريطانيين والفرنسيين، كما لو أن بلاده لم تسلك النهج ذاته.

ومن اللافت أيضًا، أن الولايات المتحدة -التي تنتقد ما فعلته بريطانيا وفرنسا قبل قرن- هي نفسها اليوم من تحدد مصير دول الشرق الأوسط، من بُعد 15 ألف كيلومتر.

محتوى الرسالة

ما أثار استغرابي استشهاد السفير الأميركي باراك باتفاقية سايكس-بيكو، التي لم تتجاوز في حقيقتها تبادلًا للمراسلات بين وزراء ودبلوماسيين وبيروقراطيين في بريطانيا، وفرنسا، وروسيا، ولم تُوقَّع قط.

لقد سميت "اتفاقية سايكس-بيكو" نسبة إلى الدبلوماسي البريطاني مارك سايكس والفرنسي فرنسوا جورج بيكو، وهي خطة سرية صيغت إبان تفكك الإمبراطورية العثمانية، لتحديد كيفية تقسيم الشرق الأوسط بين هذه القوى الاستعمارية.

لكنها، رغم تسميتها "اتفاقية"، لم تتعدَ كونها خطة بقيت في طور النقاش. فقد جرت المفاوضات بشأن بنودها بين 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 1915، و3 يناير/ كانون الثاني 1916 بمشاركة روسيا، وبريطانيا، وفرنسا. ولكنها لم تتحول إلى اتفاقية رسمية بسبب قيام الثورة البلشفية في أكتوبر/ تشرين الأول 1917 في روسيا.

وبعد سقوط الحكم القيصري، نشر البلاشفة نص "خطة سايكس-بيكو" في صحيفة "إزفستيا" بتاريخ 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 1917، في إطار حربهم الإعلامية ضد القوى الرأسمالية الأوروبية التي خشيت من تمدد الشيوعية إلى أراضيها. وكانت تلك المرة الأولى التي اطلع فيها العالم على نوايا بريطانيا، وفرنسا لتقسيم المنطقة، ما كشف الأهداف الحقيقية للإمبريالية الغربية.

لقد تجاهلت هذه الخطة الخصوصيات الإثنية والدينية لسكان الشرق الأوسط، وسعت إلى تقسيمه على الورق إلى دول وحدود اصطناعية. والاستثناء الوحيد في الخطة كان ما يتعلق بفلسطين، إذ دعم وزير الخارجية البريطاني آنذاك، آرثر بلفور، في رسالته الشهيرة بتاريخ 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 1917 إلى اللورد روتشيلد، إقامةَ وطن قومي لليهود في فلسطين. وكانت تلك الرسالة بمثابة الشرارة الأولى في حريق الشرق الأوسط.

إعلان

وقد تأسست الدولة الصهيونية الإسرائيلية في عام 1948، ومنذ عام 1967 وحتى اليوم، تواصل إشعال الحروب في المنطقة، وعلى رأسها فلسطين، لتحقيق أهدافها الصهيونية.

ورغم أن "خطة سايكس-بيكو" لم توقّع رسميًا، فقد تم تطبيقها جزئيًا: خضعت سوريا للانتداب الفرنسي، بينما وُضع العراق وبعض دول الخليج تحت انتداب بريطاني.

وفي أعقاب توقيع هدنة مودروس عام 1918، والتي أنهت الحرب بين الدولة العثمانية والحلفاء، تم تسريح الجيش العثماني، واحتلت فرنسا مدن عنتاب وأورفا ومَرعش في جنوب الأناضول. وبإيعاز بريطاني، نزلت القوات اليونانية إلى إزمير يوم 19 مايو/ أيار 1919، لتبدأ مرحلة احتلال الأناضول.

وفي 23 أبريل/ نيسان 1920، ومع افتتاح الجمعية الوطنية الكبرى في أنقرة، انتهت الدولة العثمانية من الناحيتين القانونية والعملية. وبعد عامين، أنهت حرب الاستقلال التركية الوجود الأجنبي، ورسمت حدود الجمهورية الحديثة.

وهكذا، أدّى انسحاب الدولة العثمانية من الشرق الأوسط، وتحديدًا من سوريا، والعراق، إلى فوضى مستمرة منذ أكثر من قرن، كانت الدول الغربية السبب الرئيسي فيها.

وقد أدار البريطانيون والفرنسيون المنطقة عبر أنظمة انتدابية تابعة لهم، واستمرت هذه الأنظمة حتى سبعينيات القرن الماضي. ثم جاء دور إسرائيل، التي زرعت الفوضى والحروب والانقسامات، ولم تعرف هذه البلدان الاستقرار، ولم تتوقف الصراعات الإثنية والدينية منذ ذلك الحين. وما نشهده اليوم في العراق، ولبنان، وسوريا هو نتيجة ذلك الإرث الاستعماري.

هل الهدف تقسيمات جديدة؟

من الواضح أن رغبة الولايات المتحدة في أن تحلّ محل بريطانيا، وفرنسا في معركة السيطرة على الشرق الأوسط تمثل العامل الأبرز وراء هذه الرسالة. لكن مضمون الرسالة يحمل دلالات عميقة وإشارات إلى ما قد يحدث في المستقبل.

حين تحدّث السفير عن سوريا وحدودها بعد الحرب الأهلية، انتابني شك عميق. فبيانه الذي لم يركز بشكل كافٍ على وحدة الأراضي السورية يثير تساؤلات: هل تمهّد الولايات المتحدة عبره الطريق لتقسيم جديد داخل سوريا بناءً على الانتماءات الدينية والإثنية؟

إعلان

وهنا تذكرت ما قاله الرئيس الأميركي وودرو ويلسون أمام الكونغرس يوم 8 يناير/ كانون الثاني 1918، حين عرض رؤيته لعالم ما بعد الحرب العالمية الأولى في 14 بندًا، أحدها يتناول الدولة العثمانية:

"يجب ضمان سيادة آمنة للأتراك في المناطق التركية الحالية من الدولة العثمانية، ويجب تأمين حرية تامة للتطور الذاتي للشعوب الأخرى التي تخضع للحكم التركي، بما يضمن أمنها التام دون أي تهديد".

إذا كان توم باراك يريد أن يبشرنا برسالة من هذا القبيل، فعلينا أن نتهيأ لصراعات جديدة؛ لأن هذا التوجّه يعني، في جوهره، تفكيك الدولة القومية في الشرق الأوسط، وإرساء كيانات على أسس طائفية أو عرقية، وهو ما سيمهّد لحروب أهلية ونزاعات دموية لا تنتهي.

وفي العراق مثلًا، قد يتم تقسيم البلد إلى ثلاث مناطق: شيعية، وسنية، وكردية. وفي سوريا، قد تُرسم خرائط جديدة على أساس العرقيات والطوائف: العرب، والدروز، والأكراد، وتنظيمات مثل PKK/PYD، والعلويين.

ولعل ما تقوم به إسرائيل من تحركات تجاه الدروز والمنظمات الكردية الانفصالية مثل PKK/PYD-YPG في سوريا ليس إلا مؤشرًا على هذا المخطط.

ومن الأسباب الأخرى التي تدعو إلى الشك، ما قاله السفير باراك عقب لقائه مع الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني في إسطنبول، حيث صرّح: "أوضحت أن تعليق العقوبات الأميركية على سوريا سيساهم في تحقيق هدفنا الأساسي، وهو الهزيمة الدائمة لتنظيم الدولة، وسيوفر فرصة أفضل لمستقبل الشعب السوري. كما هنأت الرئيس الشرع على خطواته العملية التي تتماشى مع ما طرحه الرئيس ترامب بشأن المقاتلين الأجانب، وتدابير مكافحة تنظيم الدولة، والعلاقات مع إسرائيل، والمخيمات ومراكز الاعتقال في شمال سوريا".

وأبرز ما طالب به ترامب خلال زيارته السعودية كان: "الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام مع إسرائيل".

إعلان

إن مطالبة سوريا، التي تحتل إسرائيل أراضيها، بالانضمام إلى "اتفاقيات أبراهام" ليست مجرد فكرة شخصية للرئيس ترامب. لذا، علينا أن نتفحص بعناية كلمات وتصريحات توم باراك. لأنه من غير الممكن أن تقدم الولايات المتحدة على أي خطوة في الشرق الأوسط دون علم إسرائيل أو إذنها أو دعمها.

وفي كل علاقة تكون إسرائيل جزءًا منها، سواء علنًا أو سرًا، تكون الحسابات دائمًا لصالح المشروع الصهيوني. ولهذا، يجب الحذر مما قد تخفيه التصريحات المفرطة في الود والغموض التي تصدر عن السفير الأميركي في تركيا والمبعوث الخاص لبلاده إلى سوريا، توم باراك، لأن بلاده، التي تتخذ النسر شعارًا وطنيًا، ليست صاحبة تاريخ في تبني سياسة سلام دون حسابات خفية.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • الأمم المتحدة تدعو إلى فتح جميع معابر قطاع غزة وإدخال المساعدات الإنسانية
  • هل هناك مخطط سري لتفكيك سوريا؟
  • جيش الاحتلال يعترض صاروخا أطلق من اليمن باتجاه إسرائيل دون تفعيل صفارات الإنذار
  • من مركزية إعلان البندقية 1982 إلى هوامش حرب غزة 2023
  • صفقات الغضب بين ترامب و نتنياهو
  • "غلوبانت" تفتتح مقرها الإقليمي في الشرق الأوسط بالرياض
  • إيران تعارض تعليق تخصيب اليورانيوم
  • نعيم قاسم مخاطباً ترامب: تحرّر من إسرائيل من أجل مصلحة أمريكا في الشرق الأوسط
  • حماس تتهم إسرائيل بتعمد تجويع غزة وتؤكد تمسكها بدور الأمم المتحدة في توزيع المساعدات
  • بعثة أممية تزور الحديدة لتقييم الأوضاع الإنسانية وسلطات الحوثيين تدعو لاستئناف المشاريع المتوقفة