هل يمكن أن تصبح المستودعات المؤتمتة بالكامل واقعاً ملموساً؟
تاريخ النشر: 10th, October 2024 GMT
أليكسي فيليبوف، رئيس التطوير العالمي في يانغو روبوتيكس
يواصل مشهد الخدمات اللوجستية والمستودعات في دول مجلس التعاون الخليجي في التحول بفضل تقنيات الأتمتة المتطورة، حيث بادرت العديد من المستودعات بتبنّي آلية الأتمتة بصورة جزئية مع تسخير الروبوتات لإنجاز مجموعة من المهام المرتبطة بتعزيز العمليات اللوجستية مثل الانتقاء وتتبع المخزون.
من المتوقع أن ينمو قطاع الخدمات اللوجستية وأتمتة المستودعات في دول مجلس التعاون الخليجي بشكل كبير بدعم من تقنيات الأتمتة وأن تبلغ قيمته السوقية 1.6 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2025. تتصدّر المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة مشهد مناولة المواد والاستثمار في المناطق المتخصصة مما يجعلها مراكز رئيسية للخدمات اللوجستية والتخزين. وفي ظل الطلب المتزايد من المستهلكين على التجارة الإلكترونية والتسليم السريع، أصبح من الضروري أن تعزز الشركات من قدرتها على التكيف مع حلول المستودعات الآلية.
أبرز التطورات في مشهد الخدمات اللوجستية والمستودعات
تشهد المستودعات في جميع أنحاء المنطقة تطورات هائلة وسريعة لتلبية متطلبات التجارة الإلكترونية المتزايدة، والتي من المتوقع أن تصل إلى 57 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2026. لمناولة الصناديق والكراتين واختيار المنتجات وتنفيذ الطلبات، يتم استخدام الأذرع الروبوتية والروبوتات المتنقلة والمركبات الموجهة آلياً بشكل متزايد، خاصة وأن توقعات المستهلكين باستلام طلباتهم في غضون ساعة واحدة يدفع من ضرورة توافر بنية تحتية مرنة، مما يساعد الشركات على البقاء قادرة على المنافسة في السوق.
ساهمت التطورات المشهودة في الرؤية الحاسوبية وتكنولوجيا الاستشعار والتعلم الآلي بالارتقاء بالقدرات الروبوتية بشكل كبير، مما يسمح للروبوتات بالتنقل في البيئات الديناميكية بدقة أكبر. يعزز تكامل الذكاء الاصطناعي مع أنظمة إدارة المستودعات من تحسين عملية اتخاذ القرار في الوقت الفعلي وإدارة المخزون والتحليلات التنبؤية، وكذلك من تحسين عمليات الاختيار، وأتمتة عمليات إعادة الطلبات، وتبسيط مراقبة الجودة. تعمل هذه التطورات على تقليل تكاليف الخدمات اللوجستية، وتحسين مستويات الخدمة، وتعزيز إدارة المخزون، مما يجعل الذكاء الاصطناعي بمثابة حجر الزاوية في أتمتة المستودعات.
الذكاء الاصطناعي والتعلم المستمر
أحد التحدّيات الرئيسية التي تقف في وجه الأتمتة الكاملة هو تحسين براعة الروبوتات وقدرتها على التكيف في البيئات غير المتوقعة، إذ تحتاج الروبوتات إلى خوارزميات تعلّم متقدمة لتتمكن من صقل مهاراتها وتحسين قدراتها على الحركة. كما أن التواصل السلس بين الروبوتات وأنظمة الذكاء الاصطناعي يعد أمر ضروري أيضاً لتنفيذ العمليات بسلاسة، إلى جانب التصدّي للمخاوف التنظيمية والسلامة والأخلاقيات المتعلقة بالمستودعات المستقلة بالكامل.
مواصلة التعلّم أمر ضروري لأنظمة الذكاء الاصطناعي في مستقبل المستودعات المستقلة بالكامل. ومع نمو سوق الذكاء الاصطناعي العالمي، ستتكيّف الروبوتات ذاتياً من خلال التعلم الآلي، مما يمكنها من التعرف على الأنماط المختلفة، التنبؤ بالطلبات، الارتقاء بالأداء، تحسين سير العمل واتخاذ القرارات في الوقت الفعلي من خلال خبراتها المكتسبة، دون الحاجة للتدخل الخارجي.
في الشرق الأوسط، حيث من المتوقع أن يساهم الذكاء الاصطناعي بما لا يقل عن 320 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030، بادرت المستودعات بتبني التقنيات المتطورة مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي، مما يسهل التعلم الذاتي، ويسمح للروبوتات بالعمل بأقل قدر من التدخل البشري ويحدّ من وقت التوقف عن العمل. تستفيد الشركات بشكل متزايد من البيانات الضخمة وتقنيات الثورة الصناعية الرابعة لدفع الأتمتة المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وخاصة في المستودعات التي تحتوي على طوابق عالية لتوزيع المنتجات الموزعة على المنصات.
دور الأتمتة في تعزيز الربحية
تعمل المستودعات المستقلة بالكامل على خفض التكاليف التشغيلية، تعزيز الكفاءة العامة وتحسين السلامة من خلال تقليل التدخل البشري في المهام الخطرة. تساعد الأتمتة على تنفيذ الطلبات بسرعة، وزيادة الكفاءة، وتبسيط العمليات. لقد نجحت الشركات التي تبنّت منظومة سلاسل التوريد التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي مبكّراً في خفض تكاليف الخدمات اللوجستية بنسبة 15%. تساهم حلول الأتمتة القابلة للتخصيص والتطور بمساعدة الشركات على تحسين التخزين، وتحسين الدقة، والتكيف مع تقلبات القوى العاملة، وتلبية الطلب المتزايد من المستهلكين على التوصيل السريع، وتعزيز جاهزية رواد القطاع لتحقيق النجاح على المدى الطويل في سوق اليوم شديدة التنافسية.
مستقبل أتمتة المستودعات
سيصبح المستودع المستقل بالكامل منظومة مستدامة تنجز فيها الروبوتات مختلف المهام مثل التقاط البضائع وفرزها ونقلها، بينما يدير الذكاء الاصطناعي العمليات الإجمالية، ومن المتوقع نشر أكثر من 4 ملايين روبوت في أكثر من 50,000 مستودع على مستوى العالم بحلول عام 2025، وأن تدير الروبوتات ما يصل إلى 50% من طلبات التجارة الإلكترونية، مما يقلل بشكل كبير من أوقات التنفيذ ويعزز رضا العملاء. ومن المتوقع أيضاً أن يتجاوز سوق أتمتة المستودعات العالمي 30 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2026، مدفوعاً بقدرة الذكاء الاصطناعي على توفير الصيانة التنبؤية، وتبسيط عملية اتخاذ القرار، وتقديم حلول مخصصة، ووضع الشركات التي تعتمد هذه التقنيات كقادة في القطاع.
مع التقدم السريع في تقنيات الذكاء الاصطناعي والروبوتات والأتمتة، أصبحت المستودعات المؤتمتة بالكامل ممكنة بشكل متزايد. تسمح هذه التقنيات للشركات بتحقيق مستويات جديدة من الكفاءة والسلامة والربحية، بينما يؤدي تأخر أي شركة في تنفيذها إلى تخلفها عن الركب، ناهيك عن التكاليف الخفية المرتبطة بالعمليات اليدوية. ومع زيادة تطور الأتمتة وسرعة تبنّيها، ستكون هناك حاجة إلى الحد الأدنى من التدخل البشري في المستودعات، مما يشكل نقلة نوعية في مشهد الخدمات اللوجستية في دول مجلس التعاون الخليجي ويضع الشركات في وضع يسمح لها بالنجاح على المدى الطويل ويجعل المستودعات المؤتمتة بالكامل أقرب إلى الواقع.
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
الذكاء الاصطناعي يعزز دقة التنبؤ بهياكل الأجسام المضادة
طوّر باحثون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) نموذجًا حسابيًا جديدًا قادرًا على التنبؤ بهياكل الأجسام المضادة بدقة غير مسبوقة، مما قد يُحدث تحولًا كبيرًا في تصميم أدوية فعالة ضد أمراض معدية مثل كوفيد-19 وHIV.
الذكاء الاصطناعي يتجاوز التحديات السابقة
رغم التقدم الكبير الذي حققته نماذج الذكاء الاصطناعي المعتمدة على "نماذج اللغة الكبيرة" (LLMs) في التنبؤ بهياكل البروتينات، إلا أنها واجهت صعوبات عند التعامل مع الأجسام المضادة، خاصة بسبب المناطق شديدة التغير فيها والمعروفة بـ"المناطق مفرطة التغير". للتغلب على هذه العقبة، ابتكر فريق (MIT) تقنية جديدة تحسّن أداء هذه النماذج وتمنحها القدرة على فهم تعقيدات هذه البروتينات المناعية.
تقول بوني بيرغر، أستاذة الرياضيات في (MIT) ورئيسة مجموعة الحوسبة والبيولوجيا في مختبر علوم الحاسوب والذكاء الاصطناعي (CSAIL): «طريقتنا تسمح بالوصول إلى نطاق واسع من الاحتمالات، مما يتيح لنا إيجاد إبر حقيقية في كومة قش. وهذا قد يوفر على شركات الأدوية ملايين الدولارات بتجنب التجارب السريرية غير المجدية».
نموذج AbMap: أداة ذكية للتنقيب في بحر الأجسام المضادة
النموذج الجديد، الذي يحمل اسم (AbMap)، يعتمد على وحدتين مدربتين بشكل دقيق: الأولى تتعلم من بنى ثلاثية الأبعاد لحوالي 3000 جسم مضاد موجودة في قاعدة بيانات البروتينات (PDB)، والثانية تعتمد على بيانات تقيس مدى ارتباط أكثر من 3700 جسم مضاد بثلاثة أنواع مختلفة من المستضدات.
باستخدام (AbMap)، يمكن التنبؤ بهيكل الجسم المضاد وقوة ارتباطه بالمستضد، فقط من خلال تسلسل الأحماض الأمينية. وفي تجربة واقعية، استخدم الباحثون النموذج لتوليد ملايين التعديلات على أجسام مضادة تستهدف بروتين «سبايك» لفيروس SARS-CoV-2، وتمكّن النموذج من تحديد أكثرها فعالية.
وقد أظهرت التجارب بالتعاون مع شركة Sanofi أن 82 % من الأجسام المضادة المختارة باستخدام النموذج أظهرت أداءً أفضل من النسخ الأصلية.
اختصار الطريق نحو العلاجات الفعالة
يُعد هذا التقدم فرصة ذهبية لشركات الأدوية لتقليص الوقت والتكاليف اللازمة في مراحل البحث والتطوير. ووفقًا للبروفيسور روهيت سينغ، المؤلف المشارك للدراسة: «الشركات لا تريد المخاطرة بكل شيء في جسم مضاد واحد قد يفشل لاحقًا. النموذج يمنحها مجموعة من الخيارات القوية للمضي قدمًا بثقة».
تحليل الاستجابات المناعية على مستوى الأفراد
بعيدًا عن التطبيقات الدوائية، يُمكن للنموذج أن يُحدث نقلة في فهم التباين في الاستجابات المناعية بين الأفراد. فعلى سبيل المثال، لماذا يُصاب البعض بكوفيد-19 بشكل حاد، بينما ينجو آخرون دون أعراض؟ أو لماذا يبقى بعض الأشخاص غير مصابين بـHIV رغم تعرضهم للفيروس؟
الدراسة أظهرت أنه عند مقارنة البنية الثلاثية للأجسام المضادة بين الأفراد، فإن نسبة التشابه قد تكون أعلى بكثير من النسبة التي تُظهرها المقارنة الجينية التقليدية (10%). وهذا قد يفتح الباب لفهم أعمق لكيفية عمل جهاز المناعة وتفاعله مع مسببات الأمراض المختلفة.
يقول سينغ: «هنا يتجلى دور نماذج اللغة الكبيرة بوضوح، فهي تجمع بين نطاق التحليل الواسع القائم على التسلسل الجيني ودقة التحليل البنيوي».
دعم وتمويل دولي
حظي البحث بدعم من شركة Sanofi وعيادة عبد اللطيف جميل لتعلم الآلة في مجال الصحة، مما يعكس تزايد اهتمام المؤسسات العالمية بالذكاء الاصطناعي كأداة استراتيجية في الطب الحيوي.
بهذا الإنجاز، يُبرهن الذكاء الاصطناعي مجددًا على قدرته في إحداث ثورة صامتة في المختبرات الطبية، حيث لا تقتصر فوائده على التسريع والتحليل، بل تمتد لتوجيه القرارات الحاسمة التي قد تُنقذ أرواح الملايين.
أسامة عثمان (أبوظبي)