طهران تؤجّل الردّ على الردّ: تجنّباً لعودة ترامب
تاريخ النشر: 29th, October 2024 GMT
كتب جورج شاهين في" الجمهورية": كل ما هو ثابت يشير إلى انّ تل ابيب استخدمت في عمليتها المعقّدة ما يقدّر بـ 100 طائرة من مختلف الأنواع الأكثر تطوراً، عدا عن الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية. وهي استهدفت أنظمة صواريخ أرض ـ جو ورادارات وقدرات جوية أخرى مختلفة موزعة على ثلاث محافظات تجاوزت طهران، عندما دمّرت محطة إنتاج كهربائية في كرج غربي العاصمة وموقع برديسان قيد الإنشاء في مدينة قم جنوبها.
وإلى اجتياح الطائرات الاسرائيلية وهي في طريقها إلى إيران قواعد ومنصّات الصواريخ المضادة للطائرات في سوريا والعراق ومجموعة من مواقع الرصد بهدف تعطيلها مسبقاً وهي في طريق العودة، فإنّها لم تقترب من الأجواء الإيرانية، وبقيت بعيدة مسافة بحدودها الدنيا 70 كيلومتراً، ما يوحي بأنّها أطلقت صواريخها من الاجواء العراقية، بدليل أنّ العراق اشتكى لدى مجلس الأمن الدولي من استخدام أجوائه في هذه الضربة، فيما لم تحرّك سوريا ساكناً في ظل تأكيدات أردنية وسعودية أنّ أجواءهما كانتا مقفلتين أمام أي من طائرات العدو وهي في طريقها إلى أهدافها.
وبعيداً من هذه القواعد العسكرية التي لا يمكن إخفاؤها على أحد، نصحت مراجع عسكرية بعدم الإسراع في الحكم على نتائج الضربة الاسرائيلية، ذلك أنّها استهدفت دولة واسعة وكبيرة تختلف فيها ساعتها ثلاث ساعات ونصف بين شمالها وجنوبها، ولا يمكن لأي من سكان محافظاتها فهم ما يجري عند جارتها ما لم يُشر إليها من وسائل الاعلام المحلية، على وقع ما حملته تغريدات الإيرانيين من سخرية إزاء هزال الضربة ونتائجها، قبل ان يدعو مرشدها إلى عدم الاستخفاف بها والتريث إلى حين إحصاء نتائجها إن ارادت ذلك السلطات الإيرانية هذه المرّة ومهما طال الزمن.
على هذه الخلفيات، قرأت المراجع الديبلوماسية ما سبق وأحاط بالضربة الاسرائيلية وما تلاها بكثير من التريث قبل الحكم على شكل الردّ الايراني وتوقيته. ولفتت إلى انّ التجارب السابقة تدعو إلى انتظار طويل عملاً بمنطق "الصبر الاستراتيجي" الذي اعتمدته في ردّها على الضربات المتمادية التي طاولتها أكثر من مرّة. فبعد الغارة على القنصلية الايرانية في دمشق في 1 نيسان الماضي تريثت حتى 13 منه للردّ، وفي آخر عمليات مماثلة تردّدت طهران حتى الأول من تشرين الاول الجاري للردّ على اغتيال كل من اسماعيل هنية وفؤاد شكر ليل 30 – 31 تموز الماضي، ويُعتقد أنّه لولا اغتيال الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله في 27 ايلول الماضي لتردّدت أكثر في الردّ اكثر مما فعلت. وهي نظرية يُعتقد انّها ستخضع للاختبار هذه المرّة، بالنظر الى جملة عوامل لا بدّ من التوقف عندها واحتسابها بدقة، وخصوصاً إن صح بعض النظريات التي أحاطت بها، ومنها على سبيل المثال:
- إن صحت الرواية أنّ إيران تبلّغت مسبقاً بالردّ وتمّت طمأنتها عبر أكثر من وسيط وصديق مشترك بأنّ أي ضربة إسرائيلية لن تطاول اي موقع استراتيجي نفطي او نووي ومعهما المراكز القيادية الرسمية منها والمرجعيات الدينية، وستكون محصورة بالمواقع العسكرية التي استُخدمت في ضرباتها السابقة في اتجاه اسرائيل، وكل ذلك كان شرطاً لمنع استدراجها للردّ وسعياً إلى إقفال هذه المواجهة المدمّرة للطرفين وللمنطقة بأسرع وقت ممكن، خصوصاً أنّ نتائجها على مستوى ضحاياها البشرية شبيهة بما انتهت إليه الضربة الإيرانية على اسرائيل.
- إن صحّت الرواية التي تقول إنّ إيران عبّرت عن تفهمها للحرص الاميركي على عدم توسيع الحرب في المنطقة، ذلك أنّ مثل هذا الخيار الاستراتيجي هو خيار العاصمتين معاً. وقد اكّدا ذلك في أكثر من مناسبة، وأن ما يعني طهران وقف إطلاق النار في غزة وجنوب لبنان في سلة واحدة، وهو أمر التزم الاميركيون بتحقيقه ضمناً، رغم سعيهم إلى وقف حرب "الإلهاء والإسناد" قبل وقف النار في غزة مع علمهم المسبق بصعوبة المهمّة منذ فترة غير قصيرة، تمتد إلى مطلع الصيف عندما تبلّغت الإدارة الاميركية رفض اسرائيل ان يبقى قرار التحكّم بجبهتها الشمالية بيد "حزب الله"، وهي من ستُقدم على خرق هذه المعادلة حتى قلبتها رأساً على عقب، وهو ما فعلته بتصعيدها لحملات الاغتيال والقصف في منتصف أيلول الماضي.
وإلى هاتين الملاحظتين لا بدّ من الإشارة الى وجود اقتناع يتعزز يومياً بأنّ ايران تحتسب انّ اي تفجير عسكري واسع لن تقف تردّداته عند ارتفاع اسعار النفط او إحداث اي كارثة نووية إن طاول الردّ الإسرائيلي منشآتها. فهي تدرك انّ مثل هذا "الخيار المجنون" الذي كان يرغب به رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو مرفوض ايرانياً ودولياً، لأنّه قد يؤدي الى تقدّم دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية على كامالا هاريس، ولربما حسم المعركة مبكراً لمصلحته. فهو من كان يحرّض اسرائيل على مثل هذه الخطوة التدميرية علناً، وهو ما لا تريده طهران كما هو معتلم ديبلوماسياً وسياسياً.
وبناءً على ما تقدّم، ترجح المراجع الديبلوماسية والعسكرية انّ إيران لن تردّ في الوقت الحالي على الضربة الأخيرة، وهي تتريث إلى ما بعد الانتخابات الأميركية لتجاوز هذا القطوع، ليس محبة لا ببايدن ولا بهاريس. فهم يدركون انّ الاول امضى ولايته من دون ان يُجري اي تعديل على قرار بلاده بوقف العمل بالاتفاق النووي بين طهران ومجموعة الـ "5 +1" الذي جمّد ترامب العمل به. ولم تؤدِ المفاوضات بينهما طوال السنوات الاربع الماضية من ولايته بين فيينا ومسقط في عمان وفي عواصم مختلفة إلى أي تغيير كانت ايران تطمح اليه، وخصوصاً بغية الحصول على فك الحظر المفروض على عشرات مليارات الدولارات المجمّدة في بنوك العالم التي التزمت دولها بالعقوبات الأميركية عليها.
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
اعتراف إسرائيلي: اتفاق وقف إطلاق النار لصالح حماس رغم الضربات التي تلقتها
رغم عودة جميع الأسرى الإسرائيليين، واقتراب طي صفحة جثامين القتلى، فمع مرور الوقت تتبدّد نشوة الاحتلال، ويستيقظ على الواقع القائم، كما يصفه هو، ومفاده أن حماس لا تزال تسيطر على غزة، والتدخل الأمريكي يمنع دولة الاحتلال من انهيارها، مما يجعلهم في وضعٍ يُذكّرهم بلبنان، مع وجودٍ ثابتٍ للجيش الإسرائيلي في غزة الذي قد يتحوّل إلى حرب استنزاف.
وأكد مناحيم هوروفيتس الكاتب في القناة 12، أكد أنه "بعد شهرٍ من توقيع الاتفاق مع حماس لإنهاء الحرب وصفقة الرهائن، يبدو أننا أصبحنا أكثر ذكاءً، ونفهم إلى أين يتجه هذا الأمر برمّته، إنه يُشبه إلى حدٍّ ما الوضع مع حزب الله في الشمال، فالجيش يُعزّز قبضته على الأرض، ويُحافظ في الغالب على وقف إطلاق النار، ويتصرف أحيانًا على أساس كلّ حالة على حدة".
وأضاف في مقال ترجمته "عربي21" أن "النشوة العابرة التي سادت يوم إعادة الرهائن، وزيارة ترامب للكنيست، واحتمالية زيارة رئيس الوزراء لحضور قمة شرم الشيخ، ووصول الرئيس الإندونيسي لإسرائيل، وكلاهما لم يحدث في النهاية، حلّت محلها إدراكٌ بأننا، على ما يبدو، لا نندفع نحو شرق أوسط جديد، وأن السلام الإقليمي ليس على الأبواب".
وأوضح أن "القاعدة العسكرية التي اشتهرت بها إسرائيل خلال الشهر الماضي ليست تابعة للجيش إطلاقًا، بل تقع في كريات جات، وتستضيف جنودًا أمريكيين، وقريبًا أيضًا جنود القوة متعددة الجنسيات التي ستصل إلى غزة، مع أنه بعد ترامب، وصل نائب الرئيس ووزير الخارجية، ثم رئيس الأركان الأمريكي لمتابعة المشروع المهم للولايات المتحدة في سياستها الخارجية الجديدة عن كثب، حيث يشعر ترامب بضرورة نجاحه، وقد وقع الاختيار على إسرائيل لتكون نموذجاً في تحقيق التطلعات الأمريكية".
وأشار هوروفيتس إلى أن "الأمر يبدو غريبًا، وليس دائمًا سارًا، ولكن إذا تذكرنا أن ترامب ساعد إسرائيل كثيرًا في الهجوم على إيران، سواءً بالهجوم المباشر، أو كمظلة دفاعية، وبفضله عاد عشرون رهينة إلى ديارهم أحياء، ويحرص على تزويدنا بالأسلحة الضرورية، فقد يكون هذا ثمنًا يستحق الدفع، والمعنى الحالي للتدخل الأمريكي العميق غير المسبوق، أننا لا نملك حاليًا القدرة على شن هجوم واسع النطاق على حماس في غزة، ولكي يحدث ذلك، علينا تغيير رأي الأمريكيين، أو خرق القواعد والعمل بما يخالف اتفاقنا معهم، وكلا الأمرين مستبعد جدًا".
وأكد أن "حماس تحرص على مصافحة الأمريكيين في كل حادثة يُهاجم فيها جنود الجيش، لكن من الواضح أن كل ما تم الاتفاق عليه معها مُعلّق، وإن لم يكن واضحًا حتى الآن، فقد أدركنا بعد شهر من توقيع الاتفاق أن حماس لا تزال على قيد الحياة، وتُسيطر على قطاع غزة، حتى مع وجود عدة عصابات محلية تُعارض حكمها، فهل يظن أحد أنه بعد انتهاء مرحلة إعادة الرهائن القتلى ستمضي الحركة ببساطة، وتترك الآخرين يُديرون الأمور في غزة".
وبين الكاتب، أن "تهديدات ترامب بتدمير الولايات المتحدة لحماس تبدو فارغة بعض الشيء، إذ يتجنب ترامب إرسال قوات أمريكية لمناطق الصراع قدر الإمكان، ولن يكون سعيدًا بالتأكيد بدخول جبهة أخرى، ولنتذكر أن هذا هو ترامب نفسه الذي تفاوض مبعوثوه مُباشرةً مع قادة حماس، التي تنجو بعد عامين من الحرب، وقد أسفرت عن تدمير غزة بالكامل تقريبًا، ووصل عدد الضحايا الفلسطينيين لأرقام فلكية، وتم القضاء على جميع كبار قادة الحركة تقريبًا، لكنها لا تزال موجودة".
وأوضح أنه "من الناحية الموضوعية، قد يعتبر هذا نجاح إسرائيلي غير مسبوق، يشبه الضربة القاتلة التي تلقاها حزب الله وإيران، ورغم أنه قيل لنا منذ شهور عديدة أن حماس تفقد قبضتها، وفي طريقها للتفكك، وأن القليل من الضغط، وستنهار، لكننا نكتشف أن الصورة مختلفة تمامًا، مما يذكرنا إلى حد ما بصور الجياع في قطاع غزة في ذروة الأزمة الإنسانية، واختفت تمامًا من الصور القادمة من القطاع فور توقيع الاتفاقية، واليوم يمكننا بالفعل رؤية سكان غزة يحتفلون في محلات بيع السكاكر بهواتف آيفون الجديدة".
واعترف بالقول إننا "نواجه مشكلةً تتشكل أمام أعيننا، وسيكون صعبا خروجنا منها، فنحن الآن في وضعٍ يُذكرنا بالثمانينيات والتسعينيات في لبنان: الجيش موجودٌ هناك، ولكن ليس بشكلٍ كامل، والجنود في حالة ركودٍ معظم الوقت، لذا، ربما يكون وصفهم للأمر بـ"البط في ميدان الرماية" مبالغةً بعض الشيء، ولكن بالنظر لقدرات حماس، ونفاد صبر واشنطن، قد نواجه حرب استنزاف طويلة، بل ربما بدأناها بالفعل".
وتابع" "خلال العامين الماضيين، تخيلنا المستقبل بشكلٍ مختلف، من حيث العودة لبناء المستوطنات في غزة، ومغادرة مليوني غزاوي للقطاع إلى دولٍ عربيةٍ أخرى، لكن بعد عامين من الاستخدام غير المسبوق للقوة، حدثت تغييرات بعيدة المدى في الشرق الأوسط، بما في ذلك الوجود الأمريكي على المستويين السياسي والعسكري، وقد تعلمنا من التاريخ أن جيش لا يمكنه القضاء على المنظمات المسلحة تمامًا، لا في الضفة الغربية، ولا في جنوب لبنان، ولا في اليمن، ولا في أي مكان آخر، وبالطبع في غزة أيضاً".
يمكن الخروج باستنتاج واضح من هذه القراءة الإسرائيلية مفاده أن البقاء العسكري في غزة ليس له فائدة الذي سيكلف الاحتلال في المستقبل المنظور قتلى وجرحى، مع أنه في النهاية، سيغادرها، رغم أن الشيء الوحيد الذي يقلق بشأنه هو وجود عدد كافٍ من الجنود على عمق كيلومتر واحد على الأقل وراء حدود غزة لمنع أي احتمال للعودة إلى سيناريو السابع من أكتوبر، حتى هذا التصور ليس مضمونا تحققه أيضاً.