الأسبوع:
2025-12-01@16:42:05 GMT

مليشيات الخراب

تاريخ النشر: 5th, November 2024 GMT

مليشيات الخراب

قبل أن أبدا حديثى عن مليشيات الخراب، لابد ان أوضح شيئا مهما حتى لا يتصيد البعض أو يفهم أحد مقالى هذا على غير المراد منه.

فالأمر في حالة فلسطين مختلف ولا يدخل فى إطار المقصود من مليشيات الخراب، لأن حركة حماس والجماعات المسلحة الأخرى كالجهاد الإسلامي والقسام وغيرها يرتبط وجودها بشكل مباشر بظروف الاحتلال والاضطهاد التي يعيشها الشعب الفلسطيني، لذا يعد الوجود المسلح لهذه الفصائل بالنسبة للكثيرين حقا مشروعا في الدفاع عن الأرض، رغم اختلاف الأراء حول الأسلوب.

أما مليشيات الخراب التى أعنيها، فهى الجماعات المسلحة التى تعمل خارج سيطرة الدول المستقرة، وتمثل تهديدا كبيرا على استقرار المجتمعات وأمنها، حيث يمكن أن تؤدي هذه المجموعات إلى آثار سلبية تتعلق بالأمن الوطني، والاستقرار السياسي، والتنمية الاقتصادية، وتمزق النسيج الاجتماعي، حيث يمكن أن تتحدى هذه الميليشيات سلطة الحكومة وتؤدي إلى تصاعد النزاعات المسلحة أو الحروب الأهلية، مثل ما يحدث في كل من العراق واليمن وليبيا والسودان، لأنها تتصرف بمعزل عن النظام القضائي وتفرض قوانينها الخاصة، مما يضعف هيبة الدولة ويجعل المواطنين أقل احتراما للقوانين الرسمية، وتشيع ثقافة قانون القوة.

كما أن وجود ميليشيات مسلحة خارج إطار الدولة يؤدى إلى تهريب السلاح، والمخدرات، والبضائع، مما يلحق ضررا مباشرا بالاقتصاد المحلي ويؤدي إلى فقدان الثقة في الاستثمار، ويزيد من تكلفة الحياة بسبب انعدام الأمان. وعندما تعجز الحكومة عن السيطرة على الميليشيات المسلحة، ينشأ شعور بعدم الثقة لدى المواطنين تجاه قدرتها على حماية الدولة وحفظ الأمن، مما يفتح المجال لتنامي نفوذ هذه الميليشيات وجذب تأييد مجتمعي في بعض الأحيان. وغالبا ما تستغل هذه الميليشيات الانقسامات الدينية أو الطائفية أو العرقية، مما يعزز الانقسامات داخل المجتمع ويؤدى إلى صراعات بين المجموعات المختلفة، كما قد تؤدى إلى تهجير السكان وانتهاكات لحقوق الإنسان. وغالبا ما تحاول الميليشيات التأثير على القرارات السياسية والانتخابات من خلال التهديد والترهيب، مما يعطل أي عملية ديمقراطية، ويفقد المواطنين حقهم في المشاركة الإيجابية في أى انتخابات رئاسية أو برلمانية، أو حتى انتخابات الوحدات المحلية.

وعلى سبيل المثال، فقد عانت الحكومة العراقية منذ عام 2003 من تزايد نفوذ الميليشيات الطائفية التي يتم تمويلها ودعمها من دول خارجية. وكذلك اليمن التى شهدت صعود ميليشيا الحوثيين التي تسيطر على العاصمة صنعاء وأجزاء أخرى من البلاد، ما أدى إلى نزاع مدمر. وحزب الله اللبناني هو مثال آخر على ميليشيا مسلحة خارج إطار الدولة، حيث يمثل لاعبا عسكريا وسياسيا مستقلا بشكل كبير عن الحكومة اللبنانية.

من هذا المنطلق نستطيع أن نؤكد أن وجود ميليشيات مسلحة منفصلة عن الدولة يعقد المشهد الأمني والسياسي، ويجعل أي جهود لإرساء السلام أو تحقيق النمو الاقتصادي مستحيلة دون معالجات جذرية لهذا الوضع.

وهذا ما فطنت إليه قواتنا المسلحة فى عهد الرئيس السيسى، وتحركت بقوة نحو تطهير سيناء الحبيبة من دنس الإرهابيين المتسربلين برداء الدين، والدين منهم براء. حيث كانوا يخططون للاستقلال بسيناء وإعلانها بالزور والبهتان ولاية إسلامية، ثم سرعان ما تقدم لها الدول التى ترغب فى زعزعة استقرار الدولة المصرية يد العون وتمدها بالسلاح حتى تقوى شوكتها وتمثل تهديدا وخطرا حقيقيا على مصر وشعبها.

وفى سبيل القضاء على هذه المليشيات، خاضت قواتنا المسلحة حربا حقيقية على هؤلاء المجرمين الخونة، تكبدت خلالها خسائر كبيرة فى المعدات والعتاد والأرواح، حماية لوحدة الأمة المصرية، وكسرا لشوكة هذه المليشيات قبل ان يقوى نفوذها، وتفرض سيطرتها على جزء من أرض مصر عزيز وغال على كل المصريين.

اللهم احفظ مصر وشعبها، ووحد صفها، وانصرها على من عاداها، واجعل كيد المتربصين بها فى نحورهم، وكن معنا عليهم، اللهم آمين.

[email protected]

المصدر: الأسبوع

إقرأ أيضاً:

بين رثاء الأندلس ومأساة غزة

تمثل قصيدة رثاء الأندلس لأبى البقاء الرندى، التى ألفها عام 1267 م، صرخة تاريخية خرجت من أعماق عصر الانهيارات، يوم تداعت المدن الإسلامية مدينة بعد أخرى، وانطفأت مآذن قرطبة وإشبيلية، وسقطت حصون المسلمين تحت ضربات الجيوش القشتالية. كان الرندى شاهداً على زمن تتقوض فيه الحضارة التى امتدت ما يقرب من ثمانية قرون (711-1492 م)، فكتب نونيته الخالدة ليؤرخ للحظة السقوط، وليذكر الناس بأن ما يبدو ثابتاً قد ينهار، وأن غفلة الأمم أخطر من أسلحة الأعداء.

وهذه القصيدة لم تكن مجرد تأبيناً للفردوس المفقود، بل كانت بياناً إنسانياً وسياسياً فى آن واحد؛ استنهاضاً للهمم، وفضحاً لصمت المتخاذلين، وإدانة لتشتت المسلمين الذى مهد للطامة الكبرى. والقصيدة، فى جوهرها، تحذير من التواطؤ بالصمت، ومن ترك المظلومين وحدهم يصرخون دون مجيب.

يا رب أم وطفل حيل بينهما/ كما تفرق أرواح وأبدان

طفلة مثل حسن الشمس إذ طلعت/ كأنما هى ياقوت ومرجان

ومن هنا تأتى صلتها العميقة بما يجرى اليوم فى غزة. فالمأساة التى وصفها الرندي— سقوط المدن، وانهدام الأسوار، وخراب دور العبادة، وتحول أهل العزة إلى مهجرين ومقهورين— تجد لها صدى مريراً فى الجراح الفلسطينية المعاصرة. حرب الإبادة التى يشنها الجيش الإسرائيلى فى غزة، والقتل والتدمير والتشريد، يعيد إلى الذاكرة صورة الأندلس حين تحولت ديارها إلى أطلال، وحين صار أهلها بين قتيل وأسير ولاجئ كما أن صرخة الرندي:

أعندكم نبأ من أهل أندلس/ فقد سرى بحديث القوم ركبان؟

كم يستغيث بنا المستضعفون وهم/ قتلى وأسرى فما يهتز إنسان؟

هى ذاتها الصرخة التى تنبع اليوم من بين ركام غزة، حيث يباد الأبرياء على مرأى من عالم يقف فى معظم أجزائه متفرجاً أو متواطئاً.

إن رثاء الرندى ليس مجرد نص تاريخى، بل مرآة نرى فيها وجوه المآسى المتكررة. إنه تذكير بأن الشعوب يمكن أن تحاصر حتى اليأس، وأن الظلم إذا لم يجد من يوقفه تمدد حتى يصير قدراً. ولعل أعظم ما فى صوته أنه يثبت أن الذاكرة العربية— بما تحمله من خسارات كبرى— لا تزال قادرة على أن تقرأ حاضرها من خلال ماضيها.

وفى نهاية نونيته كتب الرندى كمن يودع ويشهد: «فاسأل بلنسية ما شأن مرسية…» واليوم، وكأن القصيدة تكتب من جديد: فاسأل غزة ما شأن المدن التى تتفرج عليها، وما شأن هذا العالم الذى يكتفى بالعد بينما تتضاعف الخسائر؟

هكذا تلتقى الأندلس وغزة فى مأساة واحدة، فكلتاهما نزيف لم يلتئم، وصدى صرخة ما زال يتردد عبر القرون. ومن يقف أمامهما يرى الحقيقة العارية: هكذا يعلمنا التاريخ أن الظلم إن لم يواجه عاد مثل حرب مدمرة لا تتوقف إلا حين ينهض من يقاومها.

 

مقالات مشابهة

  • مصر.. وزير الدولة للإنتاج الحربي يكشف عن أسلحة جديدة
  • الإطار يسيطر على تشكيل الحكومة وحده رغم التحذيرات الأميركية
  • أحوال المزارعين
  • بين رثاء الأندلس ومأساة غزة
  • عميد كلية الهندسة بالاسكندرية بؤكد: السوشيال ميديا أصبحت مصدرًا رئيسيًا للمعلومات
  • تركيا.. رحلة إلى قلب ما بين النهرين
  • دفتر أحوال وطن «٣٥١»
  • الحكومة: القوات المسلحة تشارك بتجهيز مدينة عمرة وتخصص 10% من أراضي المشروع
  • نجني الثمار قريبًا.. مصطفى بكري يكشف عن إعلان هام من الحكومة
  • السوق فى قبضة «المحتكرين»