كتبت زينب حمود في "الاخبار": إلى خطر الموت والنزوح القسري وخسارة الأرواح والمنازل والأرزاق، تواجه النساء النازحات معاناة مضاعفة خلال الحرب، من بينها تحدّيات الحمل والولادة وتأمين الحاجات النسائية في أماكن النزوح، عدا عن ارتفاع مخاطر التعرض للاعتداءات الجنسية، سواء في مراكز الإيواء أو في الشقق السكنية التي تقطنها عائلات عدة.

ولأن تداعيات الحرب ليست متكافئة بين الجنسين، خصّ القرار 1325 الصادر عن مجلس الأمن عام 2000 النساء بالوقاية والحماية والإغاثة والإنعاش لأنها أكثر تأثراً بالحروب والنزاعات. لذلك «وضعت الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية خطة وطنية لتطبيق القرار الأممي عام 2017، صوّت عليها مجلس الوزراء عام 2019، ونقوم بترجمتها حالياً على الأرض من خلال المتابعة اليومية لشؤون النازحات في مراكز الإيواء»، بحسب رئيسة الهيئة كلودين عون.
الخطر الأكبر الذي تواجهه النازحات هو التعرض للتحرش الجنسي في مراكز الإيواء، حيث تشترك عائلات في غرف واحدة تفصل بينها شراشف من قماش، وتغيب الحراسة عن بوابات المراكز المشرّعة، إضافة إلى ارتفاع خطر التعرض للعنف الجنسي بين الأقارب والمعارف في الشقق السكنية التي تقطنها أكثر من عائلة. وتؤكد عون في هذا الإطار «بدء وصول شكاوى إلى الجمعيات عبر الخط الساخن عن حالات تحرش جنسي هي أقل بكثير من عددها الفعلي». لذلك، «وزّعنا بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية منشورات على العائلات النازحة لتوعيتها حول سبل توفير الحماية لبناتها، وطلبنا من جميع شركائنا تفعيل الاستجابة لهذه الأزمة». وتلفت عون إلى «أنّنا عموماً متقدمون في نظام حماية النساء من خلال إقرار القوانين وتفعيل الخط الساخن، لكنّنا نواجه تحديات في الشقّ التطبيقي بسبب نقص الإمكانيات المادية، كما أنّنا لم نتوقع أن تصل أعداد النازحين إلى ما هي عليه اليوم عندما وضعنا خطط استجابة ترتكز على تجربة عدوان تموز عام 2006 التي لا ترتقي إلى حجم الكارثة الحالية».
وإلى خطر التعرض للاعتداء الجنسي، تصعب رحلة الحمل كثيراً على النساء عندما تتزامن مع النزوح، وقد تنتهي بموت الأجنّة في بعض الحالات، كما حصل مع نادية التي فقدت جنينها في شهره الثالث بعدما توقف قلبه فجأة. وهي تعيد ذلك إلى «التهجير مرتين، الأولى تحت القصف من النبطية، والثانية من مكان نزوحنا في المنصورية بعدما طلب منا صاحب الشقة الإخلاء من دون مهلة لإيجاد مسكن آخر». وبعد الولادة، تعيش النازحة اكتئاباً من نوع آخر، لا علاقة له بالتغيير المفاجئ الذي طرأ على حياتها وعلاقتها بالمولود الجديد، بل بالظروف التي رافقت مجيئه إلى الحياة، وتهاوي أحلام كثيرات عن أجواء ولادة سعيدة، ليصل الحال إلى خجل من الاحتفاء والمباركة بالولادة في حين ترتكب مجازر على امتداد الأراضي اللبنانية. «عندما خرجت زهراء من منزلها في ديركيفا (قضاء صور)، لم يتسنّ لها أن تحمل سرير المولود الملكي الذي حضّرته بنفسها، لكن الاحتضان الواسع لإخواننا النازحين في المركز خفف عنها حزنها، إذ ركضوا لتأمين سرير وجهاز للطفل، كما حضّروا ما تيسّر من حلوى لإسعادها»، كما تنقل والدتها. من جهتها، ترى فاطمة التي وضعت مولودها الجديد حديثاً أنه «جاء بارقة أمل وسعادة وسط الظلام الذي نعيشه»، من دون أن تنفي «المعاناة في منزل النزوح بسبب الزحمة التي تعيق نوم المولود وعدم توفر مساحة خاصة للرضاعة».

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

أجنة مشوهة.. هكذا يتسلل رعب الحرب إلى أرحام الأمهات في غزة

غزة- إنها الصورة الأولى للجنين الذي تحمله سارة التي تقطن قطاع غزة في أحشائها منذ 6 شهور، تلمع عيناها وهي تنظر في شاشة التصوير التلفزيوني لفحص (الألتراساوند) لتتعرف على جنس طفلها الأول وتتأكد من سلامته.

وبينما تمسك الطبيبة الجهاز بيدها وتمسح به فوق بطن سارة، تبدو مرتابة ومتوترة، ثم تضع الجهاز وتخرج لتنادي الطبيب المشرف الذي أعاد الفحص ثانية.

وفي حين بدا الطبيبان في حالة مستغربة ويتحدثان معا بالإنجليزية، لم تستطيع سارة تفسير المشهد، ثم تنَّهد الطبيب قبل أن يصارحها قائلا: "إرادة الله شاءت أن تحملي طفلة بلا رأس"، مما حوَّل لهفة سارة لكابوس، وراحت تهز رأسها رافضة تصديق الخبر، وتوسلت للطبيب وهي تذرف دموعها "أمانة يا دكتور لا، أمانة قل لي إنك تمزح"، ثم انهارت وهي تحتضن بطنها وتقول: "حبيبتي يا ماما والله كنت أنتظرك على نار".

بلا جماجم

سألت الجزيرة نت، وقد حضرت في العيادة النسائية خلال الفحص، الطبيبة عما إذا كان بالإمكان "الإجهاض في هذه الحالات؟"، فقالت "من الناحية الشرعية لا يمكننا إجهاض الحمل إذا كان الطفل حيّا بعد الأسبوع الـ16، لأن الروح تكون قد نفخت في الجنين، إلا إذا كان وجود الجنين يشكل خطرا على الأم".

إعلان

وتواصل الطبيبة بعد أن تخلع قفازاتها "هذه الحالة الثانية التي تصلنا اليوم للتشوه نفسه، لقد أصبح الأمر مقلقا للغاية".

"أطفال بلا جماجم يولدون بوجه كالضفدع" كما يصفهم الأطباء، حيث نشرت وزارة الصحة الفلسطينية صورة الطفلة ملك القانوع التي ولدت بهذا النوع من التشوه.

وتواصلت الجزيرة نت مع والدة ملك التي منعتها حالة الانهيار التي تعيشها من الحديث، فقبل ميلادها بساعات علمت أم ملك أن طفلتها بلا جمجمة، ولم يسعفها الوقت لاستيعاب الصدمة فأجرت مباشرة عملية الولادة القيصرية لطفلتها المشوهة، التي تولت الجدة مسؤولية العناية بها، بعد أن رفضت الأم حملها أو النظر إليها أو حتى تغيير ملابسها.

ولا تريد الأم لقلبها أن يتعلق بابنتها التي أخبرها الأطباء أنه يفصلها عن الموت أيام، وتقول الجدة للجزيرة نت: "لم تفتح ملك عينيها، ولم تر النور أو وجه أمها، وليس بمقدورها الرضاعة، فهي بلا فك، وأسقيها الحليب عبر أنابيب موصولة في الأنف".

وتعتقد الجدة أنَّ تشوه الطفلة يعود لاستنشاق أمها كمية كبيرة من الغازات المنبعثة من الفسفور الأبيض الذي ألقته إسرائيل بكثافة حيث يقطنون في شمال قطاع غزة، كما لم تتمكن الأم من إجراء الفحوصات الروتينية نظرا لخروج المشافي القريبة عن الخدمة ونزوحهم المتكرر.

وفي حين أطلقت ملك صرختها الأولى لتولد على موعد مع الموت، لم يُمنح أطفال كُثر حتى فرصة الصراخ، إذ باغتهم الموت في أرحام أمهاتهم، وخطفهم قبل أن يُولدوا.

أحدثت الحرب العجائب في أجنة غزة وولدوا مشوهين وبلا جماجم (الجزيرة) غياب الرعاية

ووسط خيمة النزوح في جنوب القطاع، كان الصحفي سيف السويطي يتشبث بخيط أمل وسط كل هذه المأساة، فهناك أنثى تنمو في رحم زوجته بعد طفلين ذكرين، ويقول للجزيرة نت: "كان خبر ولادتها بارقة أمل وسط كل البؤس الذي نعيشه".

ومن ميدان العمل إلى الأسواق ظل سيف يجوب الأسواق بحثا عن علبة فيتامين أو طعام مغذٍّ رغم أثمانه الباهظة، ظنًّا أنه سيحمي زوجته وجنينها من وحش الحرب، لكن لا الطعام ولا الفيتامينات أوقفت الخوف والرعب الذي تسلل إلى قلب زوجته بعد كل قصف، ولا محت آثار النزوح المتكرر وقيامها بمهام تفوق قدرتها، وهي التي كانت تحاول النجاة بنفسها وجنينها في آنٍ واحد.

ومع غياب الرعاية الطبية اللازمة، وازدحام المشافي بالجرحى، كانت مواعيد متابعة الحمل تؤجل لأيام وأسابيع، ومع شح الطعام والاعتماد على المعلبات وغياب المكملات والحديد، بدأ الأمل يتآكل بصمت، فرغم أن المؤشرات الطبية كانت مطمئنة بداية الحمل، فإن سيف وزوجته تلقوا قبل الولادة بيومين فقط، خبر توقف نبض الطفلة في أحشاء أمها.

"أجهضناها بعد واحدة من أصعب رحلات الحمل التي خضناها"، يقول سيف متحسرا، ويتابع "ما زالت ملابس طفلتي مطوية كما هي، في انتظار من لن يأتي، كنت أتمنى سماع صوت حياة جديدة في مكان لا يعج إلا بالموت".

إعلان

صورة قاتمة

وتكررت عمليات الإجهاض وارتفعت معدلاتها خلال الحرب على غزة بنسبة 300%، كما أن أكثر من 180 طفلا ولدوا بتشوه خلقي، حسب وزارة الصحة الفلسطينية.

وكشف استشاري أمراض النساء والولادة في جمعية أصدقاء المريض في غزة، الدكتور صلاح الكحلوت، صورة قاتمة لما آلت إليه صحة النساء الحوامل وأجنتهن في ظل حرب تهاجم الأطفال حتى في بطون أمهاتهم.

ويقول الكحلوت إن الانفجارات المتكررة، والغازات السامة، والمواد الكيميائية المنبعثة منها، لا تكتفي بتمزيق الأجساد فوق الأرض، بل تخترق بصمت أنسجة الجنين، لتُحدث دمارًا داخليًا في أحشاء الأمهات.

وشكّل ذلك، واقعا مأساويا ارتفعت فيه أعداد الإجهاض التلقائي، والولادات المبكرة، وتكررت فيه حالات انفجار جيب المياه قبل الأوان، والتشوهات الدماغية والقلبية والكلوية والطرفية، والاستسقاء الدماغي، وتضخم مياه الرحم، وحتى غياب الجمجمة كليًا، ووجود أكياس على العمود الفقري.

هكذا تبدو التشوهات في أرحام الأمهات الغزيات بسبب غياب الرعاية الطبية والنزوح والقصف الإسرائيلي (الجزيرة)

 

ويضيف الكحلوت للجزيرة نت "أصبحنا نرى أجنَّة بلا رؤوس، نكتشفها بعد الشهر الرابع، ولا يمكننا الإجهاض بسبب الخطر على حياة الأم، ولأسباب دينية أيضًا، نضطر أن نُكمل الحمل حتى نهايته المؤلمة".

ولم تكن المواد الكيميائية وحدها المتهم في هذه الجريمة الصامتة يشرح الكحلوت، ويقول إن سوء التغذية الحاد، ونقص الفيتامينات الأساسية مثل حمض الفوليك والحديد، وغياب الأغذية المناسبة للحوامل، أضعفت أجساد الأمهات والمواليد على حد سواء، وأسهمت في انهيار عملية النمو الطبيعي داخل الأرحام.

ويتابع: "لقد أضحت الولادة الآمنة حلمًا، فعدد كبير من الأطباء غادروا القطاع، ومن بقي يعمل فوق طاقته، كما أن الفحوصات الضرورية لمتابعة الحمل لم تعد متاحة، وإن وُجدت فلا كهرباء لحفظ المواد اللازمة لإجراء التحاليل".

إعلان أسلحة محظورة

ولم تجد الجزيرة نت في غزة أي خبير محلي متخصص في علم الأجنة، ولا مختبرات يمكنها فحص المواد السامة أو الإشعاعات التي قد تكون خلف موجة تشوهات المواليد المتزايدة في القطاع المحاصر.

وبعد جهد مضنٍ، تواصلت الشبكة مع المختصة في علم الأجنة الطبيبة آلاء حمد التي تعمل في مشافي قطر، لتسليط الضوء على الكارثة الصامتة التي لا تظهر في صور المجازر، لكنها تستقر في أحشاء الأمهات.

تقول الطبيبة آلاء: إن استخدام أسلحة محظورة دوليًا، تحوي بداخلها مواد السارين والكلور والفوسفور الأبيض، إلى جانب المعادن الثقيلة واليورانيوم المُنضب، قد يُحدث تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على صحة الحوامل، بل ويهدد حياة الأجنَّة داخل الأرحام، كما أنها تُحدث طفرات في المادة الوراثية (دي إن إيه)، مما يزيد من احتمالية حدوث تشوهات خلقية لدى الأجنة أو حتى فقدان الحمل بالكامل.

يرجع الأطباء والمسؤولون هذه التشوهات في الأجنة لاستخدام إسرائيل أسلحة محظورة دوليا (الجزيرة)

 

وتشرح أن ارتفاع معدلات الإجهاض غالبًا ما يكون نتيجة التعرض لمستويات عالية من التوتر أو المواد السامة التي تطلقها هذه الأسلحة.

وحذرت الطبيبة القطرية من أن هذه المواد قد تعرقل تدفق الدم إلى المشيمة، مما يؤخر نمو الجنين داخل الرحم، أو وفاته قبل الولادة، خاصة في حالات التعرض المباشر أو المتكرر لهذه السموم.

واختتمت قائلة: إن بعض الغازات الكيميائية تؤثر في تطور الدماغ والجهاز العصبي للجنين، مما يترك آثارًا عصبية قد تلازم الطفل طيلة حياته.

وبينما يُولد الأطفال في غزة على موعد مع الفقد، فلا شيء أثقل من هاجس أم لا تعرف إن كانت تحمل داخلها طفلا أم ضحية أخرى للحرب.

مقالات مشابهة

  • تلوث الهواء يؤذي عظام المرأة في مرحلة ما بعد انقطاع الطمث
  • وزير الدفاع اللواء المهندس مرهف أبو قصرة في تغريدة عبر X: تلقى الشعب السوري اليوم قرار الاتحاد الأوروبي برفع العقوبات المفروضة على سوريا، وإننا نثمن هذه الخطوة التي تعكس توجهاً إيجابياً يصب في مصلحة سوريا وشعبها، الذي يستحق السلام والازدهار، كما نتوجه بال
  • أجنة مشوهة.. هكذا يتسلل رعب الحرب إلى أرحام الأمهات في غزة
  • «طرق الشارقة» تدشن إشارات مرورية ذكية تعزز الانسيابية وتحد من الازدحام
  • في يوم دموي جديد.. الاحتلال يستهدف الأبرياء بالتجمعات السكنية ومراكز الإيواء
  • ثلث الضحايا من القاصرات.. اغتصاب وزواج قسري.. ضحايا العنف الجنسي في السودان
  • شديد الحرارة.. الأرصاد تحذر من التعرض للشمس خلال هذه الساعات
  • عمرو حسن: تسمم الحمل القاتل للسيدات رقم 2
  • من إعدامي إلى بُنيان.. كاتبة عراقية استمدت قوتها من موزة لتطرح معاناة النساء
  • غسان حسن محمد.. شاعر التهويدة التي لم تُنِم. والوليد الذي لم تمنحه الحياة فرصة البكاء