أما آن للجميع أن يفهم حقيقة العالم الذى نعيش فيه، المشهد بات واضحًا كالشمس، لا يحدثنى أحد عن حرية أو ديمقراطية أو حقوق الإنسان فى عالم شرير حوّل هذه المسميات إلى أدوات هدم وتقسيم.
تطور شكل الحروب من المواجهات إلى نشر الفتن والشائعات، وتنوعت المخططات حسب المجتمعات، جاء بعضها فى شكل استقطاب أشخاص، تدريبهم كذبًا على نشر ثقافة حقوق الإنسان والديمقراطية، ودعمهم ماليًا لتكوين مجموعات وكيانات يصبح لها ثقل فى المجتمع، تسعى لتأجيج المشاعر وإثارة الغضب لدى العامة بزعم تغيير حياتهم إلى الأفضل، وفى مجتمع آخر تشكيل مجموعات مسلحة تحت أسماء مختلفة مثل تطهير وإنقاذ وصبغها بأيديولوجيا دينية، ودعمها بالمال والعتاد والأفراد، ليتقاتل أبناء الوطن الواحد، الميليشيات المعارضة والجيوش الرسمية فتضعف الجبهتان ويسيطر كلاهما على جزء من الأرض، فتنقسم الدولة وتتشرذم، وتسقط إلى غير رجعة.
لم نكن ننتظر ما يحدث فى سوريا لندرك حجم المخاطر التى تحيط بنا، ولكن ما حدث جعلنا ندرك رؤية وبصيرة الرئيس السيسى عندما بدأ فترة حكمه بجملة تحيا مصر، ثم القسم الشهير عام ٢٠١٦ عندما قال «قسمًا بالله اللى هيقرب لها لأشيله من فوق وش الأرض»، الرئيس كان يعلم كم التحديات التى تواجه مصر، وبالتالى حاجته إلى جيش قوى عصرى يمتلك أحدث الأسلحة والإمكانيات.
خصص الرئيس ميزانية ضخمة للجيش، وأجرى عملية تطوير شاملة ضمت كافة أفرع وأسلحة القوات المسلح، وبخطوات غير مسبوقة، وفى تطور نوعى كبير على كافة المستويات، وفى نفس الوقت تنوعت مصادر التسليح الجديدة من الشرق والغرب، وبالتوازى أقام علاقات الشراكة مع دول كبرى فى مجال التصنيع العسكرى، وحصل الجيش على أسلحة تتماشى مع التحديات التى فرضتها الظروف فى ظل التطورات الإقليمية، وكذلك تطلعات مصر فى تنمية وحماية مواردها الاقتصادية، حيث كانت خطة التسليح تتماشى مع رؤية الدولة الشاملة فى تأمين وحماية مصالح مصر، وحماية حقوقها السيادية، وكذلك التعامل مع المستجدات فيما يخص العمليات الإرهابية، وعلى مستوى تسليح الفرد المقاتل لمواجهة كافة العدائيات المحتملة.
انظروا إلى مصر وسوريا، كان المشهد عام ٢٠١٥ تقريبًا متشابها، الرئيس السيسى جعل مصر مستقلة قرارها بيدها تعتمد فقط على نفسها وسواعد أبنائها، جيشها فقط هو من يحميها لذلك كان النصر حليفها عندما حاول المرتزقة احتلال سيناء لإقامة إمارة إسلامية وسحقهم أبطال جيشنا الجسور.
انظروا إلى سوريا لم تسلح الجيش واعتمد نظامها على حماية روسيا وإيران وهو لا يدرك أن المصالح قد تغير الاتجاهات والمواقف، فكان هذا المشهد الذى نراه عودة التنظيمات الجهادية فى صورة هيئة تحرير الشام والاستيلاء على حلب بعد تراجع الجيش السورى وقد ينجح المخطط ويتفكك جيشها وتنقسم سوريا كما حدث فى العراق وليبيا والسودان وهذا ما لا نتمناه بالطبع.
الآن علينا أن نصطف ونرفع القبعة بل ونلقى التحية العسكرية لمن حمى مصر بعد الله سبحانه وتعالى، لمن حافظ على هيبتها وثقل وزنها على كافة المستويات، لمن وقف صامدًا يحذر ويضع الخطوط الحمراء لمن تسول له نفسه الاقتراب من حدود مصر.
أعتقد أن الصورة باتت واضحة، سقطت الأقنعة ولتذهب ديمقراطيتهم ومسمياتهم الإنسانية الزائفة إلى الجحيم، فعندما تسحق أحذية جنود الاحتلال الاسرائيلى بسمات أطفال غزة فلا حقوق للإنسان، لا مكان الآن إلا للقوة فى عالم مفترس لا مكان فيه للضعفاء.
اللهم احفظ مصر وجيشها وقائدها من كل سوء.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: هوامش خالد إدريس للجميع أن ديمقراطية
إقرأ أيضاً:
هل يجب على المقاومة الانسحاب من المشهد الفلسطيني؟
هل يجب على المقاومة الفلسطينية الانسحاب نهائيا من المشهد بعد تعرضها لنكسات خطيرة، في ظل اتهامها بأنها السبب في الكارثة التي حلّت بغزة، وكان يجب قبل اتخاذ قرار إطلاق طوفان الأقصى إجراء تقدير موقف موضوعي ودقيق للتداعيات المحتملة؟ وبما أن الأمور تُقاس بالنتائج المتحقّقة، فإن الفعل المُقاوم بات عبئا على الشعب الفلسطيني وقضيته، فبالتالي هل الواجب الوطني بات يُحتّم على المقاومة مغادرة المشهد وترك إدارة الشأن الفلسطيني لجهات تستطيع العبور به إلى احتمالات أفضل؟
ثمة معطيان هامان عند إجراء أي تقييم للمقاومة، سواء تم هذا التقييم من داخل أطر المقاومة أم من جهات خارجية؛ المعطى الأول: أن إسرائيل لن تدع للمقاومة فرصة لالتقاط الأنفاس والتفكير بما حصل وما يجب أن يكون عليه الوضع في المستقبل، وإسرائيل تستخدم وضعية فائض القوّة الذي تملكه الآن لفرض رؤاها على المنطقة بمجملها، وليس على الساحات الفلسطينية فقط، والمعطى الثاني: عدم وجود مشروع دولي حقيقي لبناء السلام، فما تم التوصل له ليس سوى وقف إطلاق للنار، تحت طائلة تجدّد القتال، مع عدم وجود أفق لحل سلمي يقوم على حل للدولتين.
المقاومة باتت أمام استحقاقات ضاغطة تتمثل مداواة جراح حواضنها الشعبية والمساعدة على إخراجها من الوضع الكارثي الذي وصلت له بعد حرب مدمّرة أتت على البشر والحجر
من جهة ثانية، لا تملك المقاومة خيارات ذات قيمة، أو بدائل يمكن الركون إليها، حتى الانسحاب من المشهد الفلسطيني لم يعد ممكنا، ليس فقط لأنه يساوي الانتحار، بل كونه سيعني القضاء حتى على الانتصار السياسي الذي حققته المقاومة، عبر إعادة القضية الفلسطينية إلى قائمة أولويات واهتمامات العالم، وهو انتصار كلّف الشعب الفلسطيني غاليا؛ دع عنك ما يُقال عن أن أهل غزة قد سئموا المقاومة ويتطلعون إلى غد أفضل يعيشون فيه بسلام وأمان، لكن الحقيقة أن أهل غزة باتوا يدركون سوداوية الأفق في ظل الانزياح الإسرائيلي صوب اليمين وإعلان قيادات الصهاينة عزمهم إبادة الفلسطينيين وتهجيرهم في أقل تقدير.
لا شك أن وضع المقاومة الفلسطينية سيئ إلى درجة كبيرة، بعد تدمير مقدراتها ومقتل قياداتها الميدانية، وعودة الاحتلال الإسرائيلي، وما يعنيه ذلك من إضعاف، بل إلغاء لهامش الحركة والمناورة عبر تضييق الجغرافيا إلى حد كبير، ما يُحتم على المقاومة إعادة صياغة أساليبها وأنماط مقاومتها والتكيّف بأسرع وقت مع هذا المتغير، وإلا فإنها ستواجه خطر الزوال، أو الاستسلام بدون شرط أو قيد، كما أن المقاومة باتت أمام استحقاقات ضاغطة تتمثل مداواة جراح حواضنها الشعبية والمساعدة على إخراجها من الوضع الكارثي الذي وصلت له بعد حرب مدمّرة أتت على البشر والحجر.
أظهرت حرب السنتين وجود مشاكل بنيوية خطيرة في أسلوب عمل المقاومة وطرائق تفكيرها، وقد كشفت الحرب الفوارق الكبيرة بين ما وصلت له إسرائيل من قوّة تقنية واستخباراتية وأساليب قتالية، في حين بقيت المقاومة مقيمة ضمن الأنماط والأساليب القديمة، مع تغيرات طفيفة لم تؤثر بشكل كبير في مسارات الحرب، ولا في نتائجها؟ ورغم ما حقّقته المقاومة من خسائر في صفوف العدو وتدمير لعدد كبير من معداته، إلا أنها بقيت في إطار المحتمل بالنسبة لإسرائيل، ما يعني أن قدرات المقاومة كانت محسوبة ومدروسة بالنسبة للطرف الآخر، وهذه إشكالية كان لا يجب أن تقع بها حركة تحرر، المطلوب الآن هو الصمود في المفاوضات، وفي مرحلة لاحقة يجري إعادة بناء المقاومة، لكن وفق طرائق وأساليب جديدةحيث غالبا ما تنجح حركات التحرر في التغلب على اختلال موازين القوى وحجم إمكانيات الطرف الآخر عبر إبداع أنماط وأساليب تنطوي على المفاجأة، والأهم أنها تحقق نتائج لا يستطيع العدو تحمّلها؛ ما يدفعه إلى التنازل والبحث عن مخارج عبر التفاوض.
لكن السؤال المهم هو: هل تملك المقاومة الفلسطينية ترف تغيير أساليبها وأنماط تفكيرها من أجل تحقيق جدوى أكبر وهي تحت حمم النار الإسرائيلية؟ الجواب بالطبع نعم، إذ إن تاريخ المقاومة يؤكد أنها طالما كانت تعمل ضمن واقع صعب ومعقّد، وإن الإبداع تمثّل دائما بالقدرة على إنتاج المقاومة واستمرارها في ظل هكذا ظروف، والمطلوب الآن هو الصمود في المفاوضات، وفي مرحلة لاحقة يجري إعادة بناء المقاومة، لكن وفق طرائق وأساليب جديدة، إذ لم يعد مجديا استخدام نمط الحروب الكلاسيكية في ظل موازين قوى لم يعد ممكنا إحداث توازن فيها، والتركيز، بدلا من ذلك، على إبداع أفكار جديدة، فالحروب اليوم باتت تُخاض بأساليب وحيل وفرتها التطورات التقنية الهائلة، والتي يملك الشعب الفلسطيني الكثير منها.
المقاومة الحقيقية اليوم مسؤولية الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، من خلال الصمود في وجه سياسات الاقتلاع وقضم الأراضي التي تمارسها إسرائيل بلا هوادة، وقد شاهدنا حجم التلاحم الفلسطيني للدفاع عن المسجد الأقصى، وصمودهم في وجه سُعار المستوطنين، ومن شأن هذ الصمود والمواجهة توليد ديناميكيات جديدة للمقاومة يستطيع من خلالها الشعب الفلسطيني تحصيل حقوقه، وهنا يجب الاستفادة من الدعم الدولي للحق الفلسطيني، وهذه مهمة المثقفين والمجتمعات الفلسطينية في بلاد المهاجر.
x.com/ghazidahman1