المال السياسي.. الوجه الخفي لتغييب الإرادة الوطنية
تاريخ النشر: 26th, October 2025 GMT
في الوقت الذي يستعد فيه المصريون لانتخابات برلمانية جديده، تتضح أجواؤها ملبدة بظلّ العزوف الشعبي الذي بدا جلياً في انتخابات مجلس الشيوخ الأخيرة. عزوفٌ لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة شعورٍ متنامٍ لدى المواطنين بأن مبدأ تكافؤ الفرص بين المرشحين لم يعد قائماً، وأن الصراع لم يعد بين أفكارٍ وبرامج، بل بين حجم الإنفاق وقدرة المال على شراء النفوذ.
لقد أصبحت الحملات الانتخابية مرآةً للفجوة الطبقية العميقة التي تضرب المجتمع. فمع الغلاء الفاحش والتضخم المتصاعد وتآكل الطبقة الوسطى، صار تمويل حملة انتخابية عبئًا لا يتحمله إلا أصحاب الثروات الضخمة. المؤتمرات، الإعلانات، الدعاية، رسوم البلديات... كلها تحولت إلى ساحة يتنافس فيها المال لا العقول. فغاب أصحاب الكفاءة والرؤية، وتقدّم أصحاب المال، حتى بات البرلمان في خطر أن يتحول إلى بورصة مصالح لا منبرًا للشعب.
كيف نطلب من المواطن الواعي أن يشارك، وهو يدرك أن صوته لن يُترجم إلى تغيير حقيقي؟ كيف نطالبه بالثقة في انتخاباتٍ تُدار بمنهجٍ يفتقر إلى العدالة والمساواة منذ وضع نظام القائمة المطلقة وتوسيع الدوائر على نحوٍ يكرّس الإقصاء؟
إن نجاح الانتخابات لا يُقاس بعدد الصناديق الممتلئة، بل بمدى الثقة والمصداقية التي تحظى بها العملية برمّتها لدى المرشحين والأحزاب والناخبين على السواء. فإذا غابت هذه الثقة، فلن نحصد سوى مجالس عاجزة، وحكومات ضعيفة، لتبقى القيادة السياسية وحدها في مواجهة أعباء الداخل والخارج.
من هنا، تبرز الحاجة إلى مراجعة جذرية تضمن المساواة وتعيد الروح للديمقراطية. يجب أن تُحدّد سقوف منطقية للإنفاق الانتخابي تتناسب مع الأوضاع الاقتصادية، وأن تُمنع الممارسات الباذخة التي تقتل أي فرصة للمنافسة النزيهة وأن يلغى نظام القائمة المطلقة الذي أفسد الحياة السياسية والحزبية. فطبقًا لدليل المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات (IDEA)، تُعدّ العملية الانتخابية دورة متكاملة لا تُختزل في يوم الاقتراع فقط، بل تشمل الإعداد، والمراقبة، والتقييم، وكلها مراحل تحتاج إلى ضوابط واضحة وبسيطة وشاملة تعزز وحدة المنهج والعدالة بين جميع الشركاء.
إنّ الديمقراطية الحقيقية لا تُختزل في صندوق اقتراع، بل في ضمان تكافؤ الفرص بين جميع المرشحين، بغض النظر عن ثرواتهم أو انتماءاتهم الطبقية. وعندها فقط، يمكن أن نرى مجالس تعبّر عن إرادة الشعب لا عن ثروات الأفراد، وتخفف العبء عن القيادة السياسية لتتفرغ لملفاتها الكبرى، بينما تتولى حكومات منبثقة عن انتخابات عادلة معالجة جراح الداخل.
لكن المشهد الحالي، الذي كشف بيع المقاعد البرلمانية وتوزيعها مقابل المال، أعاد إلى الواجهة ملفًا خطيرًا طالما أرهق الحياة السياسية المصرية: المال السياسي. هذه المرة لم يقتصر الأمر على شراء الأصوات، بل تعدّاه إلى محاولة أخطر: احتكار الحياة السياسية وإعادة إنتاج طبقة من الأثرياء كقدوة زائفة للشباب، حتى لو كان مصدر المال مشبوهاً.
وليس هذا جديداً على الساحة المصرية، فقد شهدت بعض الدورات البرلمانية بعد 2011 ظاهرة شراء المقاعد علنًا، ما أدى إلى تراجع غير مسبوق في مستوى الأداء البرلماني، وغياب الكفاءات والعقول لمصلحة النفوذ المالي. فالمال السياسي ليس مجرد فسادٍ انتخابي، بل هو جريمة استراتيجية لشراء المستقبل.
والخطر الأكبر أن يرى الشباب أن طريق النفوذ لا يمر عبر الكفاءة والعلم، بل عبر المال والصفقات، فيفقدوا الثقة في قيمة الوطنية والانتماء. ومع تآكل الطبقة الوسطى، التي كانت دومًا صمام الأمان للمجتمع، تزداد هشاشة الدولة أمام تغوّل المال السياسي، وتتعمّق الفجوة الاجتماعية، ويضعف الانتماء الوطني.
تتجلّى خطورة المال السياسي في نتائجه المدمّرة:
إقصاء الكفاءات: إذ تتحول مقاعد البرلمان إلى أدوات لحماية المصالح لا لخدمة التشريع والرقابة.
هجرة العقول: حين تنهار قيمة الكفاءة أمام المال، يهرب المبدعون من المجال العام.
تكريس اللامساواة: البرلمان يصبح واجهة للأثرياء، لا ممثلاً لكل فئات الشعب.
ما نشهده اليوم ليس مجرد فضيحة انتخابية، بل تحذير خطير من مسار يهدد هوية الدولة واستقرارها السياسي والاجتماعي. فالمعركة الحقيقية ليست على مقاعد البرلمان، بل على روح الوطن ذاته. وإذا لم نواجه المال السياسي بكل حزم، سنكون قد سمحنا بتحويل الديمقراطية إلى سلعة، والوطن إلى غنيمة.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: انتخابات مجلس الشيوخ تضرب المجتمع المال السیاسی
إقرأ أيضاً:
ما حكم الكلام أثناء الوضوء؟..الإفتاء تجيب
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا يقول صاحبه: ما حكم الكلام أثناء الوضوء؟
وأجابت دار الإفتاء عن السؤال قائلة: للوضوء آداب ينبغي مراعاتها، والكلام أثناء الوضوء بغير حاجة هو من ترك آداب الوضوء عند الحنفية، ومكروه عند المالكيَّة؛ وخلاف الأولى عند الشافعيَّة والحنابلة.
قال العلَّامة ابن مازه الحنفي في "المحيط البرهاني" (1/ 48، ط. دار الكتب العلمية) في بيان آداب الوضوء: [ومن الأدب: ألَّا يتكلم فيه بكلام الناس] اهـ.
وقال العلَّامة ابن نجيم الحنفي في "البحر الرائق" (1/ 30، ط. دار الكتاب الإسلامي): [ترك كلام الناس لا يكون أدبًا إلَّا إذا لم يكن لحاجة، فإن دعت إليه حاجة يخاف فوتها بتركه لم يكن في الكلام ترك الأدب؛ كما في "شرح المنية"] اهـ.
وقال العلَّامة الدردير المالكي في "الشرح الصغير" (1/ 127-128، ط. دار المعارف): [ويكره الكلام حال الوضوء بغير ذكر الله تعالى] اهـ.
وقال الإمام النووي الشافعي في "المجموع" (1/ 465-466، ط. دار الفكر): [قد ذكر المصنف أن سنن الوضوء اثنتا عشرة.. منها.. ألَّا يتكلم فيه لغير حاجة.. وقد نقل القاضي عياض في "شرح صحيح مسلم" أن العلماء كرهوا الكلام في الوضوء والغسل، وهذا الذي نقله من الكراهة محمول على ترك الأَوْلى، وإلَّا فلم يثبت فيه نهي فلا يسمَّى مكروهًا إلا بمعنى ترك الأَوْلى] اهـ.
وقال العلَّامة الحجاوي المقدسي الحنبلي في "الإقناع" (1/ 30، ط. دار المعرفة): [ولا يسن الكلام على الوضوء بل يكره، والمراد بالكراهة ترك الأَوْلى] اهـ. وممَّا ذُكِر يُعلَم الجواب عما جاء بالسؤال.
حكم غسل الوجه عند الوضوء مع وجود الكحل
تلقت دار الإفتاء المصرية سؤالا مضمونه: ما حكم غسل الوجه عند الوضوء مع وجود الكحل؛ فأنا أضع الكحل في عيوني للزينة، فلو كنت خارج المنزل أو داخله وأردت أن أتوضأ للصلاة، أغسل وجهي كله دون أن أجعل الماء يلمس جفوني، والكثيرات من الأخوات أخبرنني أن ذلك يجوز ولا حرج فيه طالما أنني توضأت أول مرة وقت صلاة الفجر وغسلت عيني وجفوني تماما. فما رأي فضيلة المفتي؟
وأجابت دار الإفتاء عن السؤال قائلة: إذا كان الحال كما ورد بالسؤال: من أن السائلة تضع الكحل في عيونها للزينة فإذا أرادت الوضوء غسلت وجهها كله دون أن تجعل الماء يلمس جفونها وقد أخبرها الكثيرات من الأخوات أن ذلك جائز ولا حرج فيه طالما أنها توضأت أول مرة وقت صلاة الفجر وغسلت عينها وجفونها تمامًا.
نفيد بالآتي: من المقرر شرعًا أن من واجبات الوضوء غسل الوجه أخذًا من قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ﴾ [المائدة: 6]، ومن قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا تَوَضَّأتُمْ فَأَشْرِبُوا أَعْيُنَكُمْ مِنَ المَاءِ» أخرجه ابن حبان وابن أَبي حاتم، ويدخل في الوجه الحاجِبَان وأَهْدَاب العين والعُنْفُقَة والشَّارِب، ومن باب أولى جفون العين. انظر: "المغني" و"الشرح الكبير" (1/ 98 مطبعة المنار).
وأكدت بناء على ذلك: فإنه عند إرادة الوضوء سواء كان تجديدًا له أو بعد انتقاضه يجب غسل الوجه كاملًا، بما فيه من شعر الحاجبين وأهداب العين وجفونها، ولا تصح الصلاة بغير ذلك.