زوايا

حمّور زيادة

المدنيّون في السودان ينتظرون «جدَّة»

بعد أن تجاوزت حرب السودان ستمائة يوم، وخلّفت أكثر من 150 ألف قتيل (بحسب تقديرات لجنة الإنقاذ الدولية)، بعضهم أُسرٌ كاملةٌ لم ينجُ منها أحدٌ، ونزح بسببها أكثر من 12 مليون مواطن، وهدّدت مجاعتها أكثر من 25 مليوناً آخرين، ما زال إعلان جُدَّة للالتزام بحماية المدنيين يبدو أكثر الاتفاقات ضرورةً للتنفيذ.

لم يهدف الاتفاق الموقّع بين الجيش والدعم السريع (11 مايو/ أيار 2023) إلى إنهاء الحرب، إنما إلى حماية المدنيين من آثارها. بدأ الوصول بمبادرة من الجيش من طريق قوى الحرّية والتغيير بقبول أيّ وساطة أميركية “معقولة” (إن وُجِدت) لوقف الحرب.

هذه المبادرة التي نتجت عنها الوساطة السعودية الأميركية، ثمّ منبر جَدَّة التفاوضي (قبل تكوين التحالف الدولي من أجل السلام وإنقاذ الأرواح في السودان في أغسطس/ آب الماضي، وانضمام مصر والإمارات والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي)، تُوِّجت بإعلان يُعرّف نفسه بأنه “لن يؤثّر في أيّ وضع قانوني أو أمني أو سياسي للأطراف الموقّعة عليه، ولن يرتبط بالانخراط في أيّ عملية سياسية”، إنما هو حسب نصّه جاء “استجابةً لمناشدات الدول الشقيقة والصديقة عبر مبادراتها العديدة وعلى رأسها المبادرة السعودية الأميركية”. نصّ الإعلان على ضرورة تخفيف المعاناة عن المدنيين (لاسيّما في العاصمة الخرطوم، إذ لم تكن الحرب وقتها قد تمدّدت في أوّل شهر إلى أغلب مساحة البلاد)، واحترام القانونَين الدولي والإنساني.

لكنّ الإعلان لم ينفّذ حتى اللحظة. في الشهور التي تلت توقيعه ظلّ الإعلام الموالي للجيش، والآخر الموالي لقوات الدعم السريع، يهاجمان معاً الإعلان، ويعتبره كلّ طرف جزءاً من مؤامرة دولية لدعم الطرف الآخر، وتعزيز وضعه العسكري. وفي ديسمبر/ كانون الأول 2023 انهار منبر جُدَّة 2، الذي عقد لمناقشة كيفية تنفيذ الإعلان وآليات حماية المدنيين. كانت الشهور من مايو/ أيار إلى ديسمبر/ كانون الأول كافيةً لزيادة درجة التعنّت عند الطرفَين، بعد الشحن الكبير الذي مورس ضدّ الإعلان. وبشكل ما، ذهب وفدا التفاوض إلى الجولة الثانية، وليس في نيّة أحدهما تنفيذ ما اتّفق عليه.

اختصر الجيش الإعلان في نقطة واحدة هي “خروج الدعم السريع من منازل المواطنين والمؤسّسات الحكومية”. بينما اختصرته قوات الدعم السريع في “القبض على قيادات النظام السابق الفارّة من السجون”، في تحايل على نصوص الإعلان التي تتحدّث عن التزام الطرفَين الموقّعَين بـ”اتخاذ جميع الاحتياطات الممكنة لتجنّب وتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين، ممّا يهدف إلى إخلاء المراكز الحضرية بما فيها مساكن المدنيين”، بينما لم يلزم إعلان جُدَّة أيَّ طرفٍ بالقبض على أيّ شخص، إنما جاء ذلك في اتفاق إجراءات بناء الثقة بين الطرفَين.

لم يهتمّ أيّ من المتقاتلين بعدم تعريض حياة المدنيين للخطر، أو “الامتناع عن أيّ هجوم من المتوقّع أن يتسبّب في أضرار مدنية عرضية”، أو “الالتزام بحماية الاحتياجات والضروريات التي لا غنى عنها لبقاء السكّان المدنيين على قيد الحياة، والتي يمكن أن تشمل المواد الغذائية والمناطق الزراعية والمحاصيل والثروة الحيوانية”، أو حظر “النهب والسلب والإتلاف”. لا تبدو هذه النقاط مهمّةً لطرفي الاتفاق وهما يرسلان الطائرات والمُسيَّرات ويقصفان الأسواق والمدنيين.

في “جدَّة 2” تمسّكت قوات الدعم السريع بأن الاتفاق لا يطالب إلا بإخلاء المنازل والمصالح الحكومية، فعليه يمكن إخلاء المنازل، مع الاحتفاظ بالسيطرة على المناطق التي احتلّها. بينما تمسّك الجيش بأن إخلاء المنازل يعني خروج الدعم السريع من المناطق كافّة إلى معسكراتٍ خارج المدن. وفضلّ الطرفان تعليق التفاوض والانخراط في القتال، بدل محاولة حلّ الخلاف حول تنفيذ الاتفاق. هكذا تاهت نصوص أخرى لا تقلّ أهميةً، لم يعد يطالب بتنفيذها أحدٌ مثل عدم تجنيد الأطفال، والامتناع عن أيّ شكل من التعذيب، أو غيرهما من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية، والامتناع عن الانخراط في عمليات الإخفاء القسري والاحتجاز التعسّفي للمدنيّين.

اتفق الطرفان في جُدَّة على السماح بدخول الإغاثة والمعونات الإنسانية من دون مضايقات، واعتماد إجراءات بسيطة وسريعة لجميع الترتيبات اللوجستية لعمليات الإغاثة، وهي العمليات التي ينظر إليها الجيش بريبة، ويعتبرها محاولاتٍ دوليةً لتمرير الأسلحة إلى “الدعم السريع”، وتنظر إليها “الدعم السريع” غنيمةً مستباحةً.

هذه بنود اتفق عليها الطرفان في مايو/ أيار 2023، قبل الانخراط في تفاوض المنامة في يناير/ كانون الثاني 2024. ربّما لو نُفِّذ بعضها لأمكن تجنّب الكارثة التي وصفتها تقاريرٌ دوليةٌ بـ”الكارثة الإنسانية الأكبر على مستوى العالم”. لكن كيف يمكن تنفيذ اتفاق لا يرغب طرفاه فيه، إذ لا تُعتبَر قضية حماية المدنيين أولويةً لأيّ طرف، بل يعتبر قطاع كبير من المدنيين أنفسهم أن الانتصار العسكري هو السبيل الوحيد لتأمين هذه الحماية؟.

* نقلا عن العربي الجديد

الوسومالجيش الدعم السريع السجون السودان العربي الجديد الوساطة السعودية الأمريكية حماية المدنيين حمور زيادة زوايا منبر جدة

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الجيش الدعم السريع السجون السودان العربي الجديد الوساطة السعودية الأمريكية حماية المدنيين حمور زيادة زوايا منبر جدة حمایة المدنیین الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

«أوتشا»: قلق إزاء الهجمات على المدنيين في السودان وتحذير من انتشار الكوليرا

مكتب «أوتشا» حذر من أن أعداد حالات الكوليرا في ولاية الخرطوم (لا تزال مذهلة)، رغم انخفاض الحالات اليومية بالأسابيع السابقة.

التغيير: وكالات

أعرب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) عن القلق إزاء الموجة الأخيرة من الهجمات على المدنيين والبنية التحتية المدنية في السودان.

وفي آخر تحديث له اليوم الاثنين، أفاد المكتب بأنه في 30 مايو، تعرض مستشفى الضمان الدولي في الأبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان، لهجوم بطائرة مسيرة، مما أسفر عن مقتل ستة عاملين صحيين على الأقل وإصابة أكثر من 15 آخرين.

وقبل ذلك بيوم واحد فقط، تعرضت منشآت لبرنامج الأغذية العالمي في الفاشر لقصف متكرر، مما تسبب في أضرار جسيمة لمركز إنساني رئيسي.

وأوضح المكتب أن تقارير أفادت بأن قوات الدعم السريع هي التي نفذت كلا الهجومين.

ودعت القائمة بأعمال منسقة الشؤون الإنسانية في السودان كريستين هامبروك، في بيان لها، إلى احترام القانون الدولي الإنساني. وقالت إنه يجب عدم استهداف المدنيين والعاملين الصحيين وموظفي الإغاثة.

وأكد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية مجددا أن تلك المرافق ضرورية لاستمرار الحياة في مواجهة أزمة إنسانية متفاقمة.

مياه غير آمنة وانتشار للكوليرا

وقال مكتب أوتشا إن الهجمات على البنية التحتية للكهرباء في الخرطوم أدت إلى تفاقم نقص المياه، مما أجبر الكثيرين على استخدام مصادر غير آمنة، وعرض أكثر من مليون طفل لخطر الإصابة بالأمراض المنقولة بالمياه، في وقت ينتشر فيه وباء الكوليرا في السودان.

وأضاف أن الحالات اليومية في ولاية الخرطوم انخفضت مقارنة بالأسابيع السابقة، وذلك بفضل جهود العاملين الصحيين والمتطوعين المجتمعيين.

لكنه حذر من أن الأعداد الإجمالية هناك لا تزال مذهلة، حيث تم الإبلاغ عن أكثر من 16.500 حالة وما يربو على 340 حالة وفاة منذ بدء تفشي المرض.

وفي ولاية جنوب دارفور، ظهرت العشرات من حالات الكوليرا في نيالا، عاصمة الولاية والمناطق المحيطة بها، مما دفع المسؤولين إلى إعلان حالة طوارئ صحية.

ويناشد هؤلاء المسؤولون تقديم دعم عاجل لاحتواء تفشي المرض قبل أن ينتشر، وفقا لما ذكره مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية.

وأضاف أنه في ولايتي شمال دارفور ونهر النيل، يستمر انتشار الكوليرا، حيث تم الإبلاغ عن أكثر من 200 حالة وعدد من الوفيات منذ منتصف الشهر الماضي.

وأوضح أنه بدعم من الأمم المتحدة، أنشأت السلطات الصحية المحلية مراكز علاج وأطلقت أنشطة للرصد والصحة المجتمعية، إلا أن فجوات حرجة في الإمدادات والتمويل ودعم العاملين الصحيين المنهكين لا تزال قائمة.

وأكد المكتب أنه وشركاء الأمم المتحدة يعملون على توسيع نطاق الاستجابة، إلا أن مواجهة قيود متزايدة، مع نقص التمويل وصعوبة حركة الإمدادات والأفراد عبر خطوط النزاع، لا تزال تشكل تحديا أساسيا لقدرتهم على القيام بعملهم.

وحث المجتمع الدولي على التحرك بسرعة، لضمان وصول الموارد إلى الناس حيث هم في أمس الحاجة إليها، ولمنع انتشار الكوليرا، وحماية ملايين المدنيين العالقين والمعرضين للخطر.

الوسومالأبيض الخرطوم الدعم السريع السودان الكوليرا دارفور كردفان كريستين هامبروك مستشفى الضمان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية نهر النيل

مقالات مشابهة

  • السودان.. آلاف الأسر تهرب من الخوي بسبب اشتباكات دامية مع قوات «الدعم السريع»
  • شهادات مروعة.. العبور من مناطق وحواجز الدعم السريع في السودان (شاهد)
  • بالفيديو.. حميدتي يظهر في خطاب غاضب يهدد ويتوعد بتوسع العمليات العسكرية .. جدة تاني مافي وقوات الدعم السريع ستصل بورتسودان ويتحدث عن الدواعش وتدمير قدرات الجيش
  • «أوتشا»: قلق إزاء الهجمات على المدنيين في السودان وتحذير من انتشار الكوليرا
  • شبكة أطباء السودان: قصف الدعم السريع يؤدي لمقتل 3 أطفال وامرأة جنوب الفاشر
  • الفاعل مجهول.. 3 مسيّرات تقصف مواقع للدعم السريع غرب السودان
  • قصف مواقع للدعم السريع ووفيات بالكوليرا غرب السودان
  • تفاصيل حكم الإعدام شنقا على 4 متهمات بالتعاون مع الدعم السريع في دنقلا
  • السيطرة على 80 % من القطاع.. الجيش الإسرائيلي يلاحق المدنيين ويقصف باقي غزة
  • صدمة أممية إزاء قصف الدعم السريع لمنشآت «الأغذية العالمي» بالفاشر