علي جمعة: اللهم عاملنا بفضلك وإحسانك ولا تعاملنا بعدلك وميزانك
تاريخ النشر: 5th, January 2025 GMT
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن ربنا سبحانه وتعالى وضَّح وبيَّن وحدَّد ملامح الحلال وملامح الحرام، ثم جعل الحسنة بعشر أمثالها، والسيئة بواحدة، ثم أوجد مقارنة بين الحسنات والسيئات، وجعل الحسنات يذهبن السيئات. كما فتح باب التوبة وباب الاستغفار، وبهذه الطريقة لا يتم الظلم.
وأضاف جمعة، فى منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الإجتماعي فيسبوك، أنه ومع ذلك، فإن الله سبحانه وتعالى يتصرف في ملكه برحمته، وليس بمحض عدله. ومن الجهل عند بعض الناس أن يقول: "اللهم عاملني بعدلك لا برحمتك". فهذا جهلٌ بالله وجهلٌ بالنفس. إن هذا القول يعكس نوعًا من الكِبْر والغطرسة؛ إذ يظن الإنسان أنه لم يقترف خطأً، وهو في قوله هذا متكبر، والنبي ﷺ يقول: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبر». فالكبرياء لله وحده؛ لأنه المستحق لها، كما جاء في الحديث القدسي: «العظمة إزاري، والكبرياء ردائي». أي أن الكبرياء أمر مختص بالله سبحانه وتعالى، فهو الكبير المتعال.
أما الإنسان، فلا يدرك حتى حجمه المادي، فلو تأمل حجمه بالنسبة إلى الكون، لأدرك ضعفه. جسده الذي قد يبلغ مترًا وثمانين سنتيمترًا ووزنه الذي قد يصل إلى مائة كيلوغرام، ليس إلا هباءً أمام الأرض، التي هي نفسها هباءٌ أمام السماء الأولى، والتي هي كحلقةٍ في صحراء مقارنة بالسماء الثانية. إذا أدرك الإنسان حجم الكون، عرف مقدار نفسه، وعلم أنه لا شيء إلا بالله، وأنه أضعف المخلوقات في عالم الحيوان. فالأسد مثلاً قد يفترسه بسهولة.
ومع ذلك، فإن الإنسان مكرَّم ومشرَّف، فقد أسجد الله له ملائكته تكريمًا له، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}. فالإنسان مكرَّم بالله، وليس بحجمه ولا بقوته ولا بفعله ولا بعمله. لذا، على الإنسان أن يتقي الله، وألا يُقدم على مثل هذه المجازفات والمخاطرات في القول.
أما قولهم: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}، فهو كلام من كان في قلبه شك وريب على مر العصور. إذا جلست مع من غفلوا عن ذكر الله وتوغلوا في الدنيا، ستجدهم في النهاية في حالة من التيه، لا يعرفون كيف يتكلمون أو يعيشون.
لقد جلست مع كثير من الناس، ومنهم أطباء وعلماء، ووجدت أن من أدركتهم الغفلة يقولون مثل هذا الكلام، يعيشون حياة الدنيا ظانين أنهم أصبحوا قادرين عليها، وأنهم يعلمون ما لا يعلمه الآخرون، وأنهم دائمًا يجب أن يكونوا في الصدارة. فيتكلفون فوق طاقتهم، ويكفرون بالله، كما قال تعالى: {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}. وهذا الشعور نوع من الكفر.
النبي ﷺ كان دائمًا يخرج نفسه من هذه المنظومة، كما أمره ربه: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي ضَرًّا وَلَا نَفْعًا}. فهو ﷺ لا يدعي القدرة أو العلم بما هو فوق طاقته، بل يؤكد أن الله وحده هو الضار والنافع، وهو على كل شيء قدير.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: علي جمعة الاستغفار الظلم باب التوبة المزيد
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: الصلاة على النبي ﷺ تجوز بأي صيغة المهم أن تشمل هذا الأمر
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن الصلاة على النبي ﷺ تجوز بأي صيغةٍ، المهم أن تشتمل على لفظ الصلاة على النبي، أو «صلِّ اللهم على النبي»، حتى وإن كانت هذه الصيغة لم ترد، وإن كانت الصلاة الإبراهيمية أو الصيغة الإبراهيمية في الصلاة على النبي ﷺ هي أفضلها، فقد اهتم الصحابة رضوان الله عليهم أن يعرفوا صيغة الصلاة عليه، فقالوا: (يا رسول الله، أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد).
وأضاف جمعة، فى منشور له عبر صفحته الرسمية فيسبوك، أنه إذا أردنا الصلاة على النبي بالصيغة الإبراهيمية أو غيرها، فينبغي علينا أن نضع قبل اسمه الشريف لفظة (سيدنا) أو (سيدي)، فقد أجمع المسلمون على ثبوت السيادة له ﷺ، وعلى علميّته في السيادة.
قال الشرقاوي: فلفظ (سيدنا) عَلَمٌ عليه ﷺ، وذلك لما ثبت من إطلاقه على نفسه ﷺ، وعلى حفيده الحسن رضي الله عنه، ومن إطلاق بعض أصحابه عليه في حضرته ولم يُنكره.
فمنه قوله ﷺ: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر) [رواه مسلم]، وقوله عن الحسن رضي الله عنه: (إن ابني هذا سيد) [رواه البخاري].
وما ورد أن أحد أصحابه رضي الله عنهم قال له ﷺ: يا سيدي؛ فعن سهل بن حنيف قال: مرَّ بنا سيل، فذهبنا نغتسل فيه، فخرجتُ محمومًا، فنُمي ذلك إلى رسول الله ﷺ، فقال: (مُروا أبا ثابتٍ يتعوذ)، فقلت: يا سيدي، والرُّقى صالحة؟ قال: (لا رُقى إلا من ثلاث: من الحمى، والنفس، واللدغة) [أبو داود في سننه، والنسائي في سننه، والحاكم في المستدرك].
وجاء في "مفتاح الفلاح" للإمام العارف بالله ابن عطاء الله السكندري: «وإياك أن تترك لفظ السيادة؛ ففيها سرٌّ يظهر لمن لازم هذه العبادة» اهـ.
بل إن الفقهاء استحبوا الإتيان بلفظة (سيدنا) أو (سيدي) قبل اسمه الشريف حتى في الصلاة والأذان.قال الرملي: (الأفضل الإتيان بلفظ السيادة، كما قاله ابن ظهيرة، وصرح به جمع، وبه أفتى الشارح –ابن حجر الهيتمي–؛ لأن فيه الإتيان بما أُمرنا به، وزيادة الإخبار بالواقع الذي هو أدب، فهو أفضل من تركه) [تحفة المحتاج].
فالصلاة على سيدنا النبي ﷺ مفتاحُ الخيرات، ومرقاةُ الدرجات، وسببُ السعادة في الدنيا والآخرة؛ فبها تطهر النفس، ويسلم القلب، وينجو العبد، وتُغفر له ذنوبه، ويقبلها الله حتى من غير المسلم، وذلك لتعلّقها بجنابه الجليل.
وليس معنى أنه يقبلها أنه يثيبه عليها؛ فالثواب وقَبول العبادة فرعٌ على التوحيد، وإنما معنى قبولها من غير المسلم أنه إذا طلب من الله أن يصلي على نبيه، ويرحمه، ويرقيه في درجات الكمال، فإن ذلك سيحدث للنبي ﷺ، ولكن بغير ثوابٍ له لافتقاده شرط التوحيد.
رزقنا الله كثرة الصلاة عليه ﷺ، والانتفاع به في الدنيا والآخرة، ورفقته في الآخرة.