ونظرا لتراجع المنطق الدبلوماسي، وهشاشة القانون الدولي في العلاقات الدولية في الوقت الراهن، وتعويضها بشكل تدريجي بمنطق القوة العسكرية، سواء الردع العنيف، أو الحرب مباشرة، تذهب معظم الدراسات الاستراتيجية للتركيز على الجانب العسكري لسببين، الأول هو ارتفاع عدد الدول المصنعة للأسلحة، التي لم تعد تقتصر على الدول الكبرى الغربية وروسيا، وثانيا، ما تحدثه هذه الأسلحة من تغيير في مفهوم الحرب، وما يترتب عنها من تغييرات جيوسياسية.


وفي ذلك يقول الكاتب المغربي حسين مجدوبي في مقاله بجريدة القدس العربي بعنوان (الحوثيون يغيرون مفاهيم الحرب سنة 2024) ان العالم تابع كيف أن حربا تجري في القارة الأوروبية وهي الحرب الروسية – الأوكرانية من ضمن أبرز الأسلحة المستعملة فيها طائرات مسيرة تنتجها كل من تركيا وإيران، وهذا يحدث لأول مرة منذ قرون، أن سلاحا من الجنوب يعتبر رئيسيا في حروب دول الشمال.

وتطرق الكاتب إلى علاقة ذلك بالجانب العسكري لسنة 2024 وما يمكن أن يحمله خلال السنة الجارية والسنوات المقبلة، حيث تناول المعهد الأمريكي للبحرية الحربية، وهو من أقدم مراكز الدراسات، في تقرير مفصل، العمليات العسكرية لما اسماهم (الحوثيين في اليمن) واعتبرتها من أبرز الأحداث السياسية – العسكرية للسنة التي ودعناها. حيث استعرض التقرير كيف نجح الحوثيون في إشغال البنتاغون وقوى أوروبية عسكريا كل هذه المدة الزمنية بسبب استهداف سفن الملاحة الدولية، خاصة الغربية ثم السفن العسكرية. ومن الفقرات الواردة في التقرير «يمكن للحوثيين أن يحققوا الفوز بالجائزة الكبرى في عام 2024 بالنسبة للمشكلة الأكثر إلحاحاً للبحرية الحربية (الأمريكية).

المنعطف الحقيقي في التطورات العسكرية هو ما يقوم به اليمنيون من ضرب إسرائيل والتحكم في الملاحة البحرية في البحر الأحمر
واعتبر التقرير أن نصف الملاحة الدولية التي تمر من البحر الأحمر غيرت طريقها عبر جنوب إفريقيا، بما يعني ذلك ارتفاع تكاليف التأمين ومصاريف الطاقة والتأخر في تسليم البضائع، مشيرا إلى اننا قد نكون أمام رقم لا يقل عن 30 مليار دولار سنويا. وعند استعراض ما قام به اليمنييون سنتفاجأ كثيرا بالنتائج العسكرية غير المرتقبة، وهذه أبرزها:
في المقام الأول، فرض اليمنيون على إسرائيل حربا لم تكن تنتظرها، وهي على مستويين، الأول استهداف سفنها في البحر الأحمر وباب المندب، حيث لم تعد غالبية السفن الإسرائيلية تمر من قناة السويس، وهم بهذا يقومون بالدور الذي كان يجب أن تقوم به مصر من باب التضامن مع الفلسطينيين، أي منع السفن العسكرية التي تزود الكيان بالأسلحة من المرور، إذا استمروا في هذا العمل، وإجبار سفن الكيان على الدوران عبر المتوسط، فهذا سيعني ضربة ليست بالهينة للاقتصاد الإسرائيلي.

ويشير المقال إلى المقام الثاني، حيث ترتب عن هذه العملية، تخصيص الدول الغربية عمليتين بحريتين وهما «حارس الرفاهية» بزعامة الولايات المتحدة، ثم «أسبيديس» بزعامة فرنسا وألمانيا. ولم يسبق للغرب أن خصص سفنا حربية من حاملات طائرات ومدمرات وفرقاطات وطرادات منذ الحرب العالمية الثانية، كما يفعل الآن ضد اليمنيين. وكان البنتاغون على لسان قائد القوات البحرية الأمريكية في الشرق الأوسط، الأدميرال براد كوبر، قد اعترف بأن العمليات في البحر الأحمر «أكبر معركة تخوضها البحرية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية، سفننا الحربية منخرطة في القتال. وعندما أقول منخرطة في القتال، فهذا يعني أننا نطلق النار عليهم، وهم يطلقون النار علينا ونحن نرد عليهم».

وتابع المقال انه ومن خلال تتبع خرائط المعهد الأمريكي للبحرية الذي ينشر بشكل دوري تمركز السفن الحربية لهذا البلد في العالم، يلاحظ أنه منذ طوفان الأقصى تمركزت نسبة كبيرة من سفن الأسطول الأمريكي في بحر العرب والبحر الأحمر على حساب التمركز في مناطق أخرى ومنها، منطقة المحيط الهادئ القريبة من الصين التي يعتبرها البنتاغون استراتيجية لوجوده أكثر من الشرق الأوسط. وجاء في التقرير «وللاستجابة للتهديد الجديد في الشرق الأوسط، اضطرت القوات البحرية إلى تعديل جداولها وعمليات نشر حاملات الطائرات، والانسحاب من الساحل الغربي».
اما المقام الثالث بحسب المقال فانه: " لا أحد يعرف كيف نجح الحوثيون، رغم الحصار المشدد في التوصل أو تركيب صواريخ باليستية وفرط صوتية، خاصة الأخيرة التي تحتاج إلى كفاءة كبيرة جدا في تركيبها واستعمالها. ثم كيف نجح اليمنيون في تحقيق سبق في الصواريخ فرط صوتية، قبل دول ذات باع كبير في تاريخ السلاح مثل بريطانيا وفرنسا. وهذا النوع من الصواريخ هو الذي بدأ يفرض تصورا جديدا للحرب، يقوم على شن الحرب من مسافة بعيدة، وهي ميزة انفردت بها فقط الدول الكبرى خلال العقود الأخيرة، التي كانت تمتلك صواريخ عابرة للقارات ومقنبلات. ويعتبر الكيان أول من يعاني من هذه الحرب التي أصبحت في مقدور الدول الصغيرة والحركات المسلحة، وهذا هو التطور الذي يجعل الحديث عن انتصار الكيان في الحرب الحالية نسبية لما يحمله له المستقبل من الناحية العسكرية.
واضاف :شنت إسرائيل وبريطانيا والولايات المتحدة هجمات متكررة ضد "الحوثيين"، لكنها فشلت في تحييد التهديد، وتستمر الصواريخ اليمنية في استهداف إسرائيل والسفن الغربية التجارية والعسكرية منها. وهذا يبرز، كيف نجح اليمنيون المحاصرون من جيرانهم العرب، في تغيير مفهوم الحرب بصواريخ لا تكلف سوى القليل في مواجهة دول بميزانيات عسكرية تبلغ مئات المليارات من الدولارات.
واختتم الكاتب المغربي مقاله بالقول: مع التطور الحاصل في نوعية السلاح، خاصة الصواريخ والمسيرات التي لا تنتجها القوى الكبرى، بل دول جديدة، سنرى تصورات جديدة للحرب ستفرض واقعا جديدا في العلاقات الدولية. ويكفي أن المعهد الأمريكي للبحرية كتب في تقريره «يمكن للحوثيين أن يحققوا الفوز بالجائزة الكبرى في عام 2024 بالنسبة للمشكلة الأكثر إلحاحاً للبحرية الحربية (الأمريكية)».

 

 

 

المصدر: ٢٦ سبتمبر نت

كلمات دلالية: البحر الأحمر کیف نجح

إقرأ أيضاً:

محكمة إسبانية تبرئ مغربي بعد 15 عاما خلف القضبان دون التعويض والاعتذار

بعد مرور 34 عامًا على وصوله إلى إسبانيا بحثًا عن حياة أفضل، طويت صفحة مظلمة في حياة المغربي أحمد توموهي، البالغ من العمر الآن 74 عامًا، حيث ألغت المحكمة العليا الإسبانية خلال شهر ماي الجاري، إدانته الثالثة والأخيرة بتهم اغتصاب لم يرتكبها.

تقول صحيفة فوزبوبولي، إن قصة أحمد توموهي واحدة من أكثر القصص ظلماً التي حدثت في إسبانيا على الإطلاق. أحلام هذا الرجل تحطمت بعد ستة أشهر من استقراره في كتالونيا، بالضبط عندما ألقي القبض عليه وأدين بسلسلة من جرائم الاغتصاب التي وقعت في عام 1991 والتي لم يرتكبها.

بعد ذلك، قضى توموهي 15 عامًا في السجن وثلاثة أعوام أخرى تحت الإفراج المشروط، بعد أن أدين في قضايا اغتصاب وقعت 1991 وذلك بسبب تشابهه الجسدي مع الجاني الحقيقي، أنطونيو كاربونيل غارسيا، الذي ألقي القبض عليه لاحقا.

واعتمدت الإدانة الأولية لتوموهي بشكل أساسي على تعرف بعض الضحايا والشهود عليه خلال عرض تحديد الهوية، وهو ما وصفته صحيفة « فوزبوبولي » بأنه « الدليل » الوحيد ضده. وكشفت القضية عن تجاهل المحكمة الإقليمية في برشلونة لتحليل للسائل المنوي الذي استبعد تورط توموهي، وهو الدليل الحاسم الذي استندت إليه المحكمة العليا في قرار تبرئته.

على الرغم من ثبوت براءته، لم تتلقَ عائلة توموهي أي اعتذار أو تعويض من الدولة الإسبانية عن السنوات الطويلة التي قضاها خلف القضبان ظلمًا. وكان الصحفي براوليو جارسيا جيان وثق هذه المأساة بالإضافة إلى قصة عبد الرزاق منيب، الذي أدين زورًا في نفس القضية وتوفي في السجن عام 2000، في كتابه « العدالة الشعرية: رجلان مذنبان زورًا في بلد دون كيخوتي ».

لعب تحقيق جارسيا جيان دورًا محوريًا في الكشف عن الحقيقة وإثبات براءة توموهي، حيث التقى به في السجن عام 2006 وعمل بلا كلل للكشف عن الأدلة التي تدينه زورًا. وصف جارسيا جيان حياة توموهي في السجن بأنها كانت معقدة، حيث تملكّه اليأس بمرور السنوات رغم تحليه بالصبر والكرامة.

كلمات دلالية إسبانيا محاكم مغربي

مقالات مشابهة

  • CNN: الحرب الخاطفة بين الهند وباكستان تختبر التكنولوجيا العسكرية الصينية المتقدمة
  • محكمة إسبانية تبرئ مغربي بعد 15 عاما خلف القضبان دون التعويض والاعتذار
  • ما العوامل العسكرية التي مهدت لوقف إطلاق النار بين باكستان والهند؟
  • «حياة كريمة» تنظم معسكرًا بالغردقة لتدريب المتطوعين على مفاهيم التربية الإيجابية
  • كاتب إسرائيلي يدعو الاحتلال إلى مزيد من التدخلات العسكرية في المنطقة
  • مليشيا الحوثي تنشر تفاصيل وأرقام العمليات العسكرية التي نفذتها تجاه القوات الأمريكية وما تعرضت له من غارات جوية
  • افتتاح معرض جسور غداً في مراكش بحضور رسمي سعودي مغربي
  • الفريق ربيع يبحث تأثير التطورات الإيجابية التي تشهدها الأوضاع الأمنية بمنطقة البحر الأحمر على حرية الملاحة
  • صحف عالمية: شركات الشحن مترددة بالعودة للبحر الأحمر
  • بوتين: روسيا "بأكملها" تدعم العمليات العسكرية في أوكرانيا