في الحياة هناك دائمًا تلك المساحة الوسيطة بين كل نقيضين، بين اليمين واليسار، بين الفقر والغنى، بين التأييد المُطلق والمعارضة غير الواعية، بين التزيُّد والتسيُّب، بين الأصالة والحداثة، ولكن حين غُيِّبَت تلك المنطقة عن واقعنا المعاصر سقطنا جميعًا في فخ التعصب بدرجات متفاوتة. حين غابت أو تآكلتِ الطبقة الوسطى انفصل الناس كما ينفصل الزيت عن الماء، فلا يمتزجان.
كانت تلك الطبقة الوسطية اقتصاديًا واجتماعيًا وفكريًا هى رمانة الميزان بين طرفَي المعادلة، كانتِ الضامن الوحيد للتقريب بين وجهات النظر، والوصول إلى مساحة مشتركة تتسع للجميع. حين تلاشت تلك الطبقة بفعل سنوات التأرجح الأخيرة تحوَّل
المجتمع إلى طبقتين فقط على طرفَي معادلة الحياة، فلا يلتقيان ولا يتفقان. أن لا تكون معي فأنت ضدي، أهلي وزمالك، ساحل ومسحول، وطني وخائن، هكذا أصبحت معادلات حياتنا على كل المستويات، لا وجود للطبقة الوسطى التي تربط بين أجزاء المجتمع. اختفى صوت العقل والهدوء وزاد الصراخ، كل طرف يرى أنه يمتلك الصواب وحده وأن الآخر لا يفهم شيئًا. غابتِ الوسطية حتى فى الشكل العام للناس وملابسهم وطريقة كلامهم، بين لغة عربية يتحدث بها القلة، وبين لغة (فرانكو) مستغرِبة، واندثرت أو كادت تندثر تلك العامية الراقية التي كانت سائدة بين المصريين من قبل. فى الفن والفكر والثقافة ستجد هذا الأثر قويًا، فإما أن تكون في حاضنة (بيكا) وأشباهه أو تظل متمسكًا بما كان موجودًا قبل عشرات السنين، لا وجود للرابط الذى يقرب المسافة، ويمزج الحديث بالقديم، فيستفيد بإمكانيات العصر، ويقدم إبداعًا يحترم عقل الناس وقيم المجتمع فى ذات التوقيت. جيل يُخاطب نفسه فوق المنصات والغرف المغلقة، وجيل شاب لا يعنيه ما يقولون وإنما يعيش وفق هواه دون جذور، لا وجود لجيل الوسط الذى كان قادرًا على تضييق فجوة الأجيال المزمنة. حين أصبحنا على أطراف المعادلة، زاد الصراخ والتعصب بل والشجار الذى يصل أحيانًا إلى أقصى درجات التكفير والتخوين وقطع الأرحام وخسارة الأصدقاء، فقط لأننا أهملنا تلك المساحة التى كان يمكن أن نلتقي جميعًا فوقها، هناك فى براح المنتصف الآمن الذي قد يتسع لكل الأفكار والمستويات دون تمييز. دعوة للهدوء والبعد عن الأطراف والعودة لمنطقة الدفء بين الناس، حتى يسود المجتمع درجة من التراحم والتكافل والتقارب الفكري القائم على التنوع دون تعصب أو احتداد، قرّبوا بين الأجيال والأفكار والاتجاهات، ففى النهاية كلنا مصريون، وكلنا مسئولون عن هذا الوطن، ليس كل مَن يصفق (مُغرض)، ولا كل مَن ينتقد (خائن)، ليس كل جديد (صالحًا) ولا كل قديم (طالحًا). نحن نسقط بإرادتنا فى دوامة العنصرية والتعصب دون سبب، وسننسى يومًا كيف كنا قبل سنوات مضت، وكيف حملت تلك الطبقة المتوسطة راية الإبداع والفكر والتنوير وربطت بين جنبات المجتمع وطبقاته المختلفة، كيف كنا أسوياء ولكننا اليوم تُهنا.. حفظ الله بلادنا الطيبة من التمييز والتشتت والفُرقة. حفظ الله الوطن الأبي الغالي.
المصدر: الأسبوع
إقرأ أيضاً:
حماس تدعو المجتمع الدولي للضغط من أجل وقف جرائم الابادة في غزة
الجديد برس| دعت حركة حماس، المجتمع
الدولي إلى تكثيف تحرّكاته الضاغطة لوقف سلاح
التجويع الذي تستخدمه سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحق المواطنين في غزة. وقال
حماس في بيان صحفي اليوم الأربعاء، إن “حكومة مجرم الحرب بنيامين نتنياهو تواصل استخدام التجويع كسلاح في حرب الإبادة التي تشنّها ضدّ شعبنا في قطاع غزة، في استخفاف فاضح بالدعوات الدولية المتزايدة لوقف هذه الجريمة البشعة، المترافقة مع مجازر وحشية متواصلة منذ نحو تسعة عشر شهراً”. وأضافت أن حكومة الاحتلال الفاشي تحاول تضليل الرأي العام العالمي بادّعاء إدخال مساعدات إنسانية إلى القطاع، في وقت تستخدم فيه هذه الدعاية الزائفة غطاءً لإدارة واحدة من أبشع جرائم التجويع والإبادة التي عرفها العصر الحديث. ودعت حماس المجتمع الدولي إلى تكثيف تحرّكاته الضاغطة لوقف هذه الانتهاكات الصارخة للقانون الدولي، والعمل العاجل من أجل إنهاء حرب الإبادة والمجازر المستمرة بحقّ المدنيين الأبرياء في غزة، وفرض كسر الحصار، وإدخال المساعدات دون قيود أو اشتراطات.