صرخة في وجه الفاسدين
تاريخ النشر: 21st, October 2025 GMT
سالم البادي (أبو معن)
إنَّ الفَسَادَ إِذَا مَا أُهْمِلَ انْتَشَرا
داءٌ خَبِيْثٌ بُذُوْرَ الظُّلمِ قَدْ نَثَرَا
يَغْدُو اللَّئِيمُ بهِ في النَّاسِ سَيِّدَهُمْ
والنَّذْلُ يَغْدُو أميرًا يَقْهَرُ البشرَا
قَدْ قَالَ: قَوْمٌ هَلُمُّوا كي نُغَيِّرَ مَا نَلْقَاهُ
مِنْ عِوَجٍ.. قَاطَعْتُ مُعْتَذِرَا
مَا لَمْ نُغَيِّرْ فَسَادًا في طَوِيَّتِنَا
فَكَيْفَ نَطْلُبُ تَغْيِيْرًا لِمَا ظَهَرَا؟!
في كل عام مع صدور تقرير جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة، يتم الإفصاح عن جرائم اختلاس أو رشوة، أو إساءة أمانة أو تزوير، واستغلال النفوذ، والإثراء غير المشروع، وغيرها من جرائم المال العام، وقد تتجاوز مبالغ تلك الجرائم ملايين الريالات.
السؤال هنا: إلى متى سيستمر مسلسل الفساد في المؤسسات؟
والفساد ما يزال ينتشر في مؤسسات الدولة على الرغم من الجهود الوطنية المكثفة لمكافحته والحد من تفشيه من خلال دور الجهات المعنية التي لا تألو جهدًا في القيام بدورها الرقابي وتعمل بمهنية والتزام لحماية المال العام وتعزيز مستوى النزاهة والمسؤولية وتحقيق قيمة مُضافة للاقتصاد الوطني.
إن آفة الفساد من الصعوبة بمكان اجتثاثها بالكامل، ولكن الجهود الوطنية المكثفة لمكافحتها تسعى دوما إلى الحد من تقليل انتشارها.
ويعتبر الفساد نوعاً من أنواع الظلم والشر والفسوق والطغيان، وهو فطرة كونية موجودة حتى قيام الساعة، قال تعالى{وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ}( البقره ٢٠٥).
إن استمرار هذه الظاهرة السيئة والآفة الخبيثة يعكس تعقيداتها وتجذّرها في أركان الدولة ويستدعي فهمًا أعمق لأسباب استمرارها، وتطبيق حلول أكثر شمولية وفعالية للحد منها.
وهنا نقف على بعض أسباب استمرار تفشي الفساد ويمكن أن نلخص أبرزها في الآتي:
"استمرار ضعف دور الأنظمة والأجهزة الرقابية بمؤسسات الدولة العامة والخاصة"
إذ ما زالت تفتقر المؤسسات الرقابية إلى الموارد الكافية، والكفاءات البشرية المؤهلة، فضلا عن الصلاحيات اللازمة للقيام بدورها بفعالية أكبر وأعمق.
"غياب الشفافية"
يؤدي الافتقار إلى الشفافية في الإجراءات والقرارات الحكومية إلى إفساح المجال للممارسات الفاسدة، فعندما تكون المعلومات سرية، يسهل التلاعب بها واستغلالها.
"فجوة الرواتب "
في بعض الحالات تدفع الرواتب المتدنية في القطاعين العام والخاص مما يدعو أصحاب النفوس الضعيفة للجوء لطرق مختلفة من الفساد للحصول على دخل إضافي، خاصة في ظل البيروقراطية المعقدة.
"ضعف القوانين أو ضعف تطبيقها"
قد تكون التشريعات والأنظمة المخصصة لمكافحة الفساد ضعيفة أو غير رادعة أو غير فاعلة، أو لا تُطبّق بصرامة، مما يشجع الفاسدين على الاستمرار في ممارساتهم دون خوف من العقاب.
"التقاليد البيروقراطية"
في كثير من الأحيان، تؤدي الأنظمة البيروقراطية المعقدة إلى خلق فرص للفساد، حيث يضطر الآخرون لدفع رشاوى لتسهيل معاملاتهم.
"التأثير على ثقة المواطنين"
يتسبب الفساد في تآكل ثقة المواطنين في المؤسسات الحكومية، مما يؤدي إلى عدم احترامهم للقوانين وانظمة وتشريعات الدولة، وتفشي ظواهر مثل التهرب الضريبي.
"الحلول المقترحة للحد من انتشار الفساد"
تتطلب مواجهة الفساد استراتيجية وطنيه شاملة ومتكاملة تتضمن الإجراءات الوقائية والاحترازية، والردعية، والتقنية، واليكم بعض الحلول المقترحة لتعزيز الشفافية وتمكين المساءلة ومنها:
"رقمنة الخدمات الحكومية"
يقلل التحول إلى الخدمات الإلكترونية المتطورة الحديثة من الحاجة إلى التعامل المباشر مع الموظفين، وهو ما يحد بشكل كبير من فرص الرشوة والمحسوبية.
فمن خلال رقمنة كل المعاملات، يتم إنشاء مسار رقمي يمكن تتبعه وتزويدها بالموارد اللازمة، وتطبيق قوانين صارمة وعقوبات رادعة على الفاسدين.
"استخدام التكنولوجيا المتقدمة"
يمكن استخدام تحليلات البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي للكشف عن أنماط الفساد وتحليل المخاطر.
"توعية المجتمع وإشراكه"
يجب تشجيع منظمات المجتمع المدني على لعب دور فعال في رصد بؤر الفساد والتنسيق مع الجهات المعنية لتطبيق الإصلاحات.
"إشراك الشباب"
أدركت بعض الدول أهمية إشراك الشباب في الاستراتيجيات الوطنية لمكافحة الفساد، وتوعيتهم بأهمية النزاهة.
"تحسين بيئة العمل"
يجب مراجعة رواتب الموظفين في القطاعين العام والخاص بشكل دوري لضمان توفير دخل لائق يقلل من دوافع الفساد.
"تبسيط وتسهيل وسرعة الإجراءات"
يجب مواصلة العمل في تبسيط القوانين وتسهيل وتسريع إنجاز الإجراءات الإدارية المعقدة لتقليل الفرص المتاحة للفساد.
"تدوير الموظفين"
تغيير المناصب والمسؤولية واستمرار النقل بشكل دوري
لمنع تشكّل شبكات فساد منظمة.
"تشديد الأحكام وتغليظ العقوبات"
فرض عقوبات صارمة ورادعة على مرتكبي جرائم الفساد، بما في ذلك عقوبات قاسية قد تصل الى المؤبد في بعض الأحيان.
"من أين لك هذا"
التدقيق الدوري في مصادر ثروة المسؤولين لضمان عدم كسبهم أموالاً غير مشروعة حتى لو لزم التدقيق مرتين في العام، وصياغة قانون الإفصاح والمعمول به في العديد من الدول المتقدمة.
"التعاون الدولي"
الانضمام إلى الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد للاستفادة من تجارب الدول الأخرى والعمل المشترك ضد الجريمة المنظمة.
"تعزيز ثقافة النزاهة والشفافية"
يساهم تعزيز وتمكين ثقافة النزاهة والشفافية لدى الموظفين والمسؤولين في الحد من الفساد.
"تعزيز الهوية الوطنية لمكافحة الفساد"
ركزت ثقافة العمل والالتزام بالقيم والمبادئ وتعزيز الهوية الوطنية على التميز والتنافسية الأخلاقية.
ترسيخ هذه الثقافة تدريبًا وتوعية وتعزيزًا للوعي العام بالقوانين والأخلاقيات، خاصة بين الشباب.
"دور الإعلام"
استخدام وسائل الإعلام بمختلف أشكالها وانواعها ومنها وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة لنشر الوعي بمخاطر الفساد وآثاره السلبية على الجوانب الثقافية والاجتماعية والاقتصادية.
يُعد الفساد تحديًا متعدد الأوجه يتطلب استجابة قوية وشاملة.
فبينما يستمر الفساد في التطور، يجب أن تتطور معه أدوات مكافحته، ومن خلال تعزيز الشفافية، والمساءلة، ودعم المؤسسات الرقابية، واستغلال التكنولوجيا، وإشراك المجتمع بأكمله، يمكننا أن نضع حدًا لهذا الوباء الذي يعرقل التنمية ويقوض ثقة الشعوب في مستقبلها.
المجتمع العماني كان وما زال ضد الفساد بشتى أنواعه وأشكاله، ومساهما إسهاما كبيرا في مكافحته من خلال رفع الوعي، والمشاركة المدنية، والتوعية الأخلاقية، وتبادل الخبرات، والضغط من أجل الشفافية والمساءلة.
حيث تتضافر جهود أفراد المجتمع مع المؤسسات الرسمية لإنشاء بيئة صحية قادرة على الحد من الفساد وتعزيز النزاهة.
ويجب على الإنسان المؤمن أن يعي ويدرك أهمية خطورة أكل السحت والكذب والإثم والعدوان وتعاطي الرشوة والمحسوبية وغيرها من الأفعال التي نهى عنها ديننا الإسلامي الحنيف، لأن هذا داء عضال وهذه السلوكيات ليست من سلوكيات العماني، قال تعالى: ﴿ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: ١٨٨].
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
3 ماكينات غسيل كلوي من مؤسسة "مصر الخير" لدعم مستشفى صدفا والغنايم بأسيوط
وقعت مديرية الصحة بمحافظة أسيوط، بروتوكول تعاون مشترك مع مؤسسة "مصر الخير"، تقوم بموجبه المؤسسة بدعم مستشفى صدفا المركزي والغنايم المركزي بعدد ثلاث ماكينات غسيل كلوي، وذلك في إطار دعم القطاع الصحي، وضمن المبادرة الرئاسية «حياة كريمة» التي أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسي رئيس الجمهورية، بهدف التخفيف من معاناة مرضى الفشل الكلوي المترددين على المستشفيات.
وأوضحت المديرية، في بيان اليوم "الثلاثاء"، أن توقيع البروتوكول تم بين مديرية الصحة ومستشفي صدفا والغنايم المركزي في وجود وكيل وزارة الصحة بأسيوط الدكتور محمد زين الدين حافظ، والدكتور عاطف هاشم مدير الكلي بالمديرية ومديري المستشفيات ورؤساء أقسام الكلي بالمستشفيات ومحمد فراج مدير مكتب مؤسسة مصر الخير بالمحافظة، وبحضور الدكتور محمد جمال وكيل المديرية للشؤون العلاجية والدكتور عصام نبيل مدير عام الإدارة العامة للطب العلاجي والمعتصم بالله السيوطي مدير الإعلام مساعد مدير إدارة متابعة المديريات.
يأتي ذلك في إطار المشاركة المجتمعية ومساهمة المجتمع المدني في تطوير الخدمة الصحية المقدمة للمرضى بمحافظة أسيوط.
من جانبه أشاد الدكتور محمد زين الدين حافظ وكيل وزارة الصحة والسكان باسيوط بما تقدمه المؤسسات والهيئات الأهلية، وغير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني من خدمات للمواطنين والوقوف جنبًا إلى جنب مع مؤسسات الدولة في دعم وتقديم خدمات أفضل للمواطنين، لافتًا إلى تقديمه لكافة سبل الدعم الممكنة وتذليل العقبات أمام تلك المؤسسات لتحقيق تنمية مستدامة حقيقية وملموسة.
فيما أشار محمد فراج مدير فرع مؤسسة مصر الخير بأسيوط أن إجمالي تكلفة ال 3 أجهزة غسيل كلوي تصل إلى 2 مليون و 550 آلاف جنيه، لافتاً إلى التعاون والتنسيق مع المؤسسات والهيئات الحكومية وغير الحكومية والمجتمع المدني في تقديم الخدمات المختلفة للمواطنين بمراكز المحافظة في مختلف القطاعات، وفقاً للامكانات المتاحة، مشيرًا إلى الدعم والاهتمام الذي يقدمه اللواء هشام ابو النصر محافظ أسيوط لمؤسسات المجتمع المدني بالمحافظة، وهو ما يظهر جلياً في تذليل العقبات أمام تنظيم الفعاليات والبرامج والمبادرات وتحديداً التي تقدم خدمات للفئات الأكثر احتياجاً.