البحوث الإسلامية: نصوص ديننا الحنيف وتوجيهاته دعوة صادقة إلى العلم
تاريخ النشر: 17th, February 2025 GMT
شارك الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، الدكتور محمد الجندي، في حفل تخرج دفعة جديدة من طلاب منظمة منهاج القرآن الإسلامية بالدانمارك؛ وذلك على هامش مشاركته في مؤتمر «قراءة في وثيقة المدينة المنورة» بالعاصمة الدنماركية كوبنهاجن.
ووجه الأمين العام خلال كلمته التي ألقاها عن العلم عدة رسائل مهمة للطلاب والطالبات الذين سيلتحق بعضهم بالأزهر الشريف وذلك بحضور مسؤولين عن المنظمة من خريجي الأزهر الشريف، حيث قدموا ثناء غامرا بمنهج الأزهر ووسطيته واقتداء واضح من المنظمة بمناهج الأزهرالشريف، وإكبار من رئيس المجلس الأعلى للمنظمة الدكتور حسن محي الدين القادري لفضيلةالأستاذالدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر ولوسطية المقررات الأزهرية الأصيلة المعتدلة.
وقال الأمين العام في كلمته التي ألقاها إن العلم نور والنور مستمد من قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم والعلم أساس في بناء المجتمعات ورُقِيِّها وحضارتها وسلامها وأمنها وأمانها؛ إذ يُحْكَمُ على المجتمع بمقدار ما يملك أفراده من رصيدٍ معرفي وثقافي وأخلاقِيّ، وكلما كان المجتمع يتحلى أفراده بالعلم والثقافة كلما كان ذا رُقِيٍّ وتَحَضُّرٍ.
وأضاف أنه إدراكًا من الإسلام لمكانة العلم وأهميته كانت أول آيات الوحي الشريف نزولًا: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ »، ومن مهد الرسالة المحمدية، نجده صلى الله عليه وسلم يدرك تلك المكانة المتميزة للعلم؛ حيث رأيناه يجعل فداء أناس من الأسرى يوم بدر بأن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة، فشرع الأسرى يعلمون غلمان المسلمين القراءة والكتابة، وكل من يعلم عشرة من الأولاد يفدي نفسه. فقبول النبي صلى الله عليه وسلم تعليم القراءة والكتابة بدل الفداء في ذلك الوقت الذي كان فيه المسلمون في أشد الحاجة إلى المال، يرينا سمو الإسلام في نظرته إلى العلم والمعرفة وإزالة الأمية.
وأوضح الجندي، أن من يتأمل نصوص ديننا الحنيف وتوجيهاته يجد أنه دعوة حارَّةٌ وصادقةٌ وملحةٌ إلى العلم؛ وذلك بكثرة الوصايا بنشر العلم والرحلة في طلبه، هذا في الدنيا، ثم قرَّر أنه خير ما يخلفه الرجل من بعده، أي بعد موته، وتعليم العلم الصحيح وتعمله هو الأساس في الوصول إلى السلام بين الناس؛ حيث دلّت الدراسات وأثبتت التجارب أنَّ الخلاف الذي يقع بين بعض الأمم وبعضها الآخر، وبين الأفراد بعضهم البعض، يقوم على جهل أحد الطرفين أو كليهما للطرف الآخر، فكان الجهل هو أساس الخلاف والعداء، والحكمة السائرة تقول: «مَن جهل شيئا عاداه»، موضحًا أنه لا سبيل إلى التطور المستمر وإعمار الأرض وتنميتها لصالح البشرية إلا بالعلم، وقبل ذلك كله فإن معرفة الله عز وجل الحقة، وعبادته عبادة صحيحة، ونشر دينه وهداه، تتطلب علمًا صحيحًا، ولا يتم كل ذلك، إلا بمتعلمين (طلابًا) ومربين (علماء) أكفاء ذوو صفات خاصة، يدركون مغزى رسالتهم السامية في هذه الدنيا.
أوضح الأمين العام أن فضل طالب العلم عظيم في الإسلام، وقد جاءت نصوص كثيرة من القرآن والسنة تبين مكانته ورفعة قدره، منها رفعة الدرجات في الدنيا بالاحترام والمكانة، وفي الآخرة بالثواب العظيم، «يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ»، ومنها: تسهيل طريق الجنة: «من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنة»، ومنها: محبة الملائكة لطالب العلم: «إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع»، ومنها أن العلماء هم ورثة الأنبياء، «إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يُورّثوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر»، ومنها: استغفار المخلوقات له، «وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض، حتى الحيتان في الماء» مشيرًا إلى أن طلب العلم عبادة مستمرة، لا تنقطع، قال الحسن البصري: «مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء»؛ لأن العلم ينفع صاحبه وغيره، ويستمر أثره حتى بعد وفاة صاحبه، وكان للإخلاص أثر في جهود العلماء، فانتشرت مؤلفات كتب لها القبول، وذاع صيتها، وأخرى اندثرت ولم يعد لها ذكر.
وتابع: فإمام دار الهجرة مالك ابن أنس قالوا له: ما فائدة موطئك بعد كتاب ابن أبي ذئب فقال: «ما كان لله سيبقى»، مضيفا أن العلم في الإسلام مفهوم عام وشامل، يتسع ليشمل جميع نواحي المعرفة، النظرية منها والتطبيقية، علوم الدين، وعلوم الدنيا، ومن ثم فإن الإخلاص المطلوب هو في العلم بجميع فروعه، وهذا النوع الأخير عليه مدار التعمير والتقدم، وصنع الحضارة التي أمرنا الله بها، ويتحقق الإخلاص في العلم بالجد في التحصيل والطلب، بمعنى أن يقبل المتعلم على العلم بجد ونشاط، وعزيمة قوية لا تفتر مهما واجهته المصاعب، ويحرص على السعي للمعرفة والتحصيل بكل الوسائل المتاحة، فيتعرف على الجديد، ويغترف منه بقدر حاجته، وكذلك يتحقق الإخلاص في العلم بالعمل به؛ لأنه ثمرته، فالعمل بالعلم من لوازم الإخلاص فيه، وسببٌ لنمائه وزيادته وبركته، أما من يُعلِّم العلم ولا يعمل به، فهو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الْعَالِمِ الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ الْخَيْرَ ويَنْسَى نَفْسَهُ كَمَثَلِ السِّرَاجِ يُضِيءُ لِلنَّاسِ ويَحْرِقُ نَفْسَهُ».
وأكد الجندي، على أن صاحب العلم ينبغي أن يكون قدوة لكل من حوله في أخلاقه، وفي عمله، وفي سلوكه مع الناس، وأن يكون ملهمًا للخير، ودافعًا للنجاح لكل من حوله، وكل هذا لن يتحقق إلا بالإخلاص، وتبليغه للناس وعدم كتمانه، ففي الحديث الشريف: «مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ عَلِمَهُ ثُمَّ كَتَمَهُ أُلْجِمَ يَوْمَ القِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ»، فتعلم العلم وتبليغه للناس من أفضل الأعمال إلى الله، وأشرفها، لأنه ينشر الخير والفضيلة إلى غيره، ففي الحديث الشريف: «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَبَلَّغَهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ»، فالعلم ليس أقوالًا تحفظ، ولا سرًّا فيخبأ، وإنما هو تعليم وتطبيق وتبليغ وعمل.
كما ركز على أهمية التواضع وعدم الكبر، فالتواضع ينبغي أن يكون سمة العالم وطالب العلم، وأن يحذر من الرياء وطلب ثناء الناس، أو انتظار رضاهم، وقد أخبر صلى الله عليه وسلم عن أول ثلاثة تسعر بهم النار؛ فقال: «قَارِئُ الْقُرْآنِ، وَالْمُجَاهِدُ، وَالْمُتَصَدِّقُ بِمَالِهِ، الَّذِينَ فَعَلُوا ذَلِكَ لِيُقَالَ: فُلَانٌ قَارِئٌ، فُلَانٌ شُجَاعٌ، فُلَانٌ مُتَصَدِّقٌ، وَلَمْ تَكُنْ أَعْمَالُهُمْ خَالِصَةً لِلَّهِ»، فالتواضع سلوك حميد، نابع من ثقة الإنسان في ذاته، واحترامه لغيره، وينبغي أن يظهر آثاره على العالم خصوصًا، ليلقى علمه القبول.
أما المرائي بعلمه لعدم إخلاصه، فإن الله يفضحه يوم القيامة، ففي الحديث: «مَنْ سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ يُرَائِي يُرَائِي اللَّهُ بِهِ»، وكذلك تحري الحق والانقياد له، والاعتراف بالخطأ إن بدا له، ولو كان ذلك على لسان غيره، فمن سمات العالم المخلص، إذا وقع في مسألة مع غيره، فلا يخاصم، ولا يجادل بالشبهات والباطل، بل يكون همه تحري الحقيقة، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: « مَنْ خَاصَمَ فِي بَاطِلٍ وَهُوَ يَعْلَمُهُ, لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللهِ حَتَّى يَنْزِعَ عَنْهُ».
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: البحوث الإسلامية الدانمارك كوبنهاجن وثيقة المدينة المنورة الدكتور محمد الجندي المزيد صلى الله علیه وسلم الأمین العام
إقرأ أيضاً:
الاعتصام بحبل الله.. اعرف كيف يكون وماذا يتضمن وما ثمراته
قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف إن آية {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} سورة آل عمران، صارت مثلا، وأصبحت مبدأ وشعاراً للمسلمين، والمفتاح الذي نفتح به باب كل خير.
الاعتصام بحبل الله
وبين أن {وَاعْتَصِمُوا} أمرٌ بالتمسك الشديد، لا مجرد الأخذ اليسير.. فالاعتصام فيه طلب حماية من الفتن والضياع، كما يحتمي المرء بجدار من السهام.
بماذا يتضمن حبل الله فى الآية
وأوضح أن "حبل الله" يتضمن: "القرآن الكريم، شريعة الله، جماعة المؤمنين، التوكل على الله وقوته".
ولفت الى أن التعبير بـ "حبل الله" بدلاً من "القرآن" فقط؛ لأنه أوسع في المعنى، ويجمع بين دلالات متعددة.
دلالات بحبل الله
-فـ {بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} إشارة إلى الجماعة لا الفرد. فالاجتماع على الحق سرّ التمكين، والفرقة سبب الخذلان. كل انتصارات الأمة (الصحابة، صلاح الدين، مقاومة التتار) كانت نتيجة وحدة واعتصام.
وكل الانكسارات (مثل الأندلس وملوك الطوائف) كانت بسبب الفرقة والتنازع.
- {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} أمر يقوّي النفس على الاعتصام.. ومن أعظم النعم: تأليف القلوب بعد العداوة، وهي نعمة لا يملكها بشر.
ثمرة الاعتصام بحبل الله
وذكر أن الأخوة الصادقة ثمرة الاعتصام بحبل الله.
وقيل فيها:"سعادة الدهر"، وهي فوق كل متاع.. فالخل الوفي نادر، فمن وجد أخًا في الله فليحفظه.
- من سنن الله في التاريخ : النصر عند الوحدة والاعتصام. الهزيمة عند التفرق والتخاصم.
- الهداية ثمرة الطاعة {لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}. الهداية لا تكون إلا عبر:
" الاعتصام، الشكر، الأخوة، طاعة الله ورسوله، وحدة الأمة".
كيفية الاعتصام بحبل الله؟
قال الدكتور عبدالله الجهني، إمام وخطيب المسجد الحرام، إن الله سبحانه وتعالى أمر عباده المؤمنين بالاعتصام بحبل الله وهو القرآن الذي أنزله الله سبحانه وتعالى، وما يتبع ذلك من سُنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
وأوضح «الجهني» خلال خطبة له من المسجد الحرام بمكة المكرمة، أن الاجتماع على العقيدة الصحيحة والتمسك بها هي التي تجمع القلوب وتؤلف بينها، وعد هذا بالمجتمعات قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم كيف كانت الفرقة والتنابذ والتناحر والعداوة، حتى بين أفراد القبيلة الواحدة.
وواصل: فلما جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجاء هذا الدين معه، ودخل فيه من أراد الله له السعادة اجتمعت القلوب وتآلفت، ولهذا يذكر الله جل وعلا بهذه النعمة فيقول جل وعلا: « وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا» .
وأكد أن بالشكر تزاد النعم وتدفع النقم ، قال تعالى: « لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ»، ويقول الله تبارك وتعالى : « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ» بأن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر، وقال تعالى: «اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ».
وبين أن يد الله مع الجماعة ، ومن شذ شذ في النار داعيًا إلى الايمان بالقضاء والتوكل على الله والصبر على البلاء وشكر الله على النعماء فذلكم هو الخير كله.