شهدت الأقمار الصناعية تطورًا ملحوظًا خلال تسعينيات القرن الماضي، وكان ظهور الأقمار الصناعية المكعبة (CubeSats) من أبرز مظاهر هذا التطور. وبفضل حجمها الصغير وتكاليفها المنخفضة، فتحت هذه الأقمار آفاقًا جديدة لاستكشاف الفضاء ودراسة الظواهر الأرضية، مما أدى إلى تغيير المفهوم التقليدي للأقمار الصناعية. وأصبح بإمكان الجامعات ومراكز الأبحاث الوصول إلى المدار الأرضي المنخفض (LEO) بسهولة غير مسبوقة بفضل هذه التقنية المتطورة.

ظهرت فكرة الأقمار الصناعية المكعبة لأول مرة في أواخر التسعينيات، وتحديدًا عام 1999، على يد باحثين من جامعتي ستانفورد وكاليفورنيا، وهما الدكتور بوب تويغز والبروفيسور جوردي بويغ-سوير. كان الهدف من هذه الفكرة هو تطوير قمر صناعي صغير منخفض التكلفة يمكن استخدامه للأغراض التعليمية والبحثية، بحيث يتيح للأساتذة والطلبة المشاركة الفعالة في استكشاف الفضاء.

ومع النجاح الذي حققه الإطلاق الأول لهذا النوع من الأقمار الصناعية عام 2003، ازداد الاهتمام بها بفضل سهولة تصنيعها مقارنةً بالأقمار التقليدية. كما أن دورها البحثي والمعرفي جعلها وسيلة فعالة لدراسة ظواهر محددة بشكل معمّق، ومراقبتها عن كثب. فقد أصبح بالإمكان استخدامها في دراسة التغير المناخي، ومراقبة الغابات، وتحليل المسطحات المائية، إلى جانب العديد من المجالات العلمية والبيئية الأخرى التي كانت تتطلب ميزانيات ضخمة سابقًا.

وتختلف أنواع الأقمار الصناعية المكعبة باختلاف حجمها وتركيبها. فهناك الأقمار ذات الوحدة الواحدة ، وهي مخصصة للمهام البسيطة والمحددة، كما يمكن دمج عدة وحدات معًا لتشكيل أقمار صناعية أكبر.

وكلما زاد عدد الوحدات، زادت قدرة القمر الصناعي على حمل أجهزة إضافية وأداء مهمات أكثر تعقيدًا. فعلى سبيل المثال، تُستخدم الأقمار الصناعية المكعبة الأكبر في مهمات المراقبة الأرضية والاتصالات، بينما تُعَد الأقمار الأصغر مثالية لاختبار التقنيات الجديدة أو جمع البيانات الأساسية.

استخدامات كبيرة لأقمار صغيرة

أحدثت الأقمار الصناعية المكعبة تحولًا جذريًّا في مجال الفضاء، ومع التقدم التكنولوجي تزايدت استخداماتها، مما أسهم في توسيع آفاق المعرفة العلمية. فمنذ إطلاق أول قمر صناعي مكعب عام 2003، تم إرسال آلاف الأقمار حتى يومنا هذا، مما يوضح مدى انتشار هذه التقنية. ويمكن تلخيص استخداماتها فيما يلي:

.1 البحث العلمي

يُعَد هذا المجال من أهم أسباب تطوير الأقمار المكعبة، حيث تُستخدم في دراسة الغلاف الجوي للأرض، وتحليل الظواهر الفلكية، ومراقبة التغيرات المناخية، والغابات، والمسطحات المائية، إلى جانب العديد من الدراسات البيئية الأخرى.

2. الاتصالات

تؤدي الأقمار المكعبة دورًا محوريًّا في إنشاء شبكات اتصالات فضائية منخفضة التكلفة، بما في ذلك توفير الإنترنت في المناطق النائية التي تفتقر إلى بنية تحتية تقليدية، وهو ما أدى إلى تزايد استخدامها خلال السنوات الماضية.

3. استكشاف الفضاء

تُستخدم الأقمار المكعبة في رصد الأجسام الفضائية القريبة من الأرض، والتي قد تشكل خطرًا على كوكبنا، كما بدأت وكالات الفضاء بالفعل في إدماجها ضمن المهمات البعيدة، مثل إرسالها إلى كوكب المريخ لدراسة بيئته.

4. المهمات العسكرية

تُستخدم الأقمار المكعبة في مهمات الإنذار المبكر، وعمليات جمع البيانات، والمراقبة العسكرية والاستخباراتية، مما يوضح أهميتها في المجال الأمني والدفاعي.

انتشار أوسع

مع التطورات المتسارعة في مجال الذكاء الاصطناعي، يتوقع الخبراء أن يسهم دمج هذه التقنية مع الأقمار المكعبة في تحسين سرعة الاستجابة وتحليل البيانات، مما سيزيد من كفاءة هذه الأقمار بشكل غير مسبوق. كما أن هناك طموحًا متزايدًا لتعزيز التعاون الدولي في هذا المجال، خصوصًا في المهمات الفضائية التي تستهدف استكشاف الأجرام السماوية البعيدة أو التنبؤ بالكوارث الطبيعية التي قد تؤثر على الأرض.

وفي المجمل، تمثل الأقمار الصناعية المكعبة نقلة نوعية في استكشاف الفضاء، حيث ساهمت في إتاحة فرص جديدة للطلبة والباحثين لتطوير تقنيات فضائية بتكلفة أقل، مما كسر المفهوم التقليدي للأقمار الصناعية وسرّع من وتيرة التطور في هذا المجال. كما أنها أوجدت فرصًا اقتصادية، لا سيما للشركات الناشئة والمتوسطة، مما عزز من حضور الدول في هذا القطاع الواعد.

ومع استمرار الجهود في معالجة التحديات التقنية والبيئية، فإن هذه التكنولوجيا ستظل عنصرًا رئيسيًّا في مستقبل استكشاف الفضاء، حيث تحمل في طياتها فرصًا واعدة وتحديات كبيرة قد تعيد تشكيل معالم استكشاف الكون في العقود القادمة.

د. إسحاق بن يحيى الشعيلي رئيس مجلس إدارة الجمعية الفلكية العمانية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: استکشاف الفضاء

إقرأ أيضاً:

الصادرات الصناعية تقود النمو الاقتصادي في سلطنة عُمان

العمانية: يواصل القطاع الصناعي في سلطنة عمان تحقيق مؤشرات أداء عالية تعكس فاعلية السياسات الحكومية الهادفة إلى تعزيز التنويع الاقتصادي ورفع مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي في إطار رؤية "عُمان 2040" التي وضعت الصناعة ضمن أولوياتها.

وسجل قطاع الصناعة خلال النصف الأول من عام 2025م تطورات إيجابية وملموسة في عدة أنشطة صناعية، حيث ساهم التوسع في الإنتاجية، وارتفاع الطلب الإقليمي والدولي، في تعزيز نمو عدد من القطاعات الصناعية الحيوية.

وقال سعادة الدكتور صالح بن سعيد مسن، وكيل وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار للتجارة والصناعة، إن النتائج الإيجابية التي يحققها القطاع الصناعي هي انعكاس مباشر للتكامل بين السياسات الوطنية وخطط التحفيز التي تستهدف بناء قاعدة إنتاجية مرنة وتنافسية من خلال تنفيذ برامج ومبادرات الاستراتيجية الصناعية 2040م، وتمكين الاستثمارات النوعية، وتحسين جودة الخدمات في المدن الصناعية والاقتصادية، وتيسير الإجراءات أمام المستثمرين.

وأضاف سعادته في تصريح لوكالة الأنباء العُمانية أن القطاع الصناعي يُعد محركًا للنمو الاقتصادي، ورافعة للابتكار، ومستقطبًا للكوادر الوطنية، ومعززًا للأمن الغذائي والدوائي، وموسعًا لسلاسل القيمة المحلية في الاقتصاد الوطني.

من جانبه، أوضح المهندس خالد بن سليم القصابي، مدير عام الصناعة بوزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار، أن الأداء الصناعي خلال النصف الأول من العام الجاري يُظهر بوضوح قدرة المصانع العُمانية على تحقيق معدلات نمو متقدمة، والتوسع في الإنتاج والتشغيل، على الرغم من التحديات الإقليمية والدولية المرتبطة بتقلبات الأسواق وسلاسل الإمداد.

وقال إن هذا الأداء الإيجابي جاء نتيجة مباشرة لتكامل الجهود بين القطاعين العام والخاص، والاستفادة من حزم الدعم والمحفزات، وخفضًا في تكاليف الخدمات، ما انعكس في ارتفاع نسب توطين المشروعات داخل المدن الصناعية والمناطق الحرة، وتحقيق نسب تعمين متقدمة في عدد من الأنشطة الصناعية، مؤكدًا أن وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار مستمرة في دعم المبادرات التي تعزز القيمة المحلية المضافة، وتوسّع قاعدة الإنتاج الوطني، بما يتماشى مع مستهدفات الاستراتيجية الصناعية و"رؤية عُمان 2040" الرامية إلى بناء اقتصاد متنوع ومستدام.

من جهته، أكد المهندس جاسم بن سيف الجديدي، المدير الفني لمكتب وكيل الوزارة للتجارة والصناعة، أن القطاع الصناعي يحظى بثقة المستثمرين بفضل التحسن المستمر في بيئة الأعمال، والبنية التشريعية المحفزة، والفرص الواعدة التي يوفرها في عدد من القطاعات الصناعية من خلال تطوير سياسات تشجيعية جديدة تشمل: توفير التمويل الصناعي، وتطوير الخدمات اللوجستية، وتوطين التقنيات المتقدمة، وتحفيز الشراكات الدولية.

وشهد قطاع التصنيع خلال النصف الأول من العام الجاري تحسنًا ملحوظًا في أدائه، مدفوعًا بنمو قوي في قطاع صناعات البتروكيماويات وموصلات الكهرباء، وفي قطاع مواد البناء والإنشاءات، واصلت صناعة الحديد والألمنيوم تحقيق نتائج إيجابية ونموًّا مطّردًا، فيما بدأت شركات الأسمنت تظهر مؤشرات تحسن الأداء وتقليص الخسائر، أما مصانع البلاط والسيراميك فأظهرت بوادر تعافٍ، بينما لا تزال شركات الزجاج تواجه تحديات تشغيلية تعمل الوزارة على معالجتها ضمن خطط تطوير الصناعات التحويلية، أما في قطاع الصناعات الغذائية، فقد تصدرت شركات المطاحن والمشروبات الغازية والمرطبات مشهد التعافي بتحقيق أرباح ملحوظة بفضل تحسين الكفاءة التشغيلية وتوسيع قاعدة المستهلكين محليًّا وإقليميًّا.

وفي سياق تعزيز الاستثمارات، شهد القطاع الصناعي نموًّا كبيرًا في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر خلال الربع الأول من عام 2025م بنسبة نمو بلغت 27.5 بالمائة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، لتصل القيمة الإجمالية إلى مليارين و749.3 مليون ريال عُماني.

وتصدّر القطاع الصناعي القطاعات غير النفطية من حيث حجم الاستثمارات المستهدفة، والتي تركزت في قطاعات واعدة أبرزها: تصنيع تقنيات الطاقة المتجددة، ضمن توجهات سلطنة عُمان نحو الاقتصاد الأخضر، وقطاع المعادن الذي يشهد توسعًا في سلاسل الإنتاج والتصدير، والصناعات الغذائية والطبية التي تُعد عناصر أساسية في الأمن الغذائي والطبي.

أما على صعيد التجارة الخارجية، فسجلت الصادرات العُمانية غير النفطية نموًّا بنسبة 7.2 بالمائة خلال الفترة من يناير إلى مايو 2025م، لتصل إلى مليارين و701 مليون ريال عُماني، ما يعكس قوة المنتجات العُمانية في الأسواق الخارجية.

وجاءت دولة الإمارات العربية المتحدة في صدارة الدول المستوردة للمنتجات العُمانية بـ485 مليون ريال عُماني بنسبة ارتفاع قدرها 22.9 بالمائة، تلتها المملكة العربية السعودية بـ451 مليون ريال عُماني بنسبة ارتفاع قدرها 34.9 بالمائة، ثم جمهورية الهند بـ280 مليون ريال عُماني بارتفاع بلغ 38.9 بالمائة.

وتعكس هذه النتائج تنوع قاعدة الشركاء التجاريين، لتؤكد أهمية تنشيط أدوات الترويج التجاري، ورفع جاهزية القطاع الصناعي للدخول في أسواق جديدة، لا سيما في آسيا وأفريقيا التي تمثل أسواقًا واعدة للمنتجات العُمانية.

مقالات مشابهة

  • أرتيتا يشيد بقدرات فيكتور جيوكيريس الهجومية
  • أحمد موسى: لا توجد دولة في الكون تتعرض لحجم هائل من الشائعات مثل مصر
  • الصادرات الصناعية تقود النمو الاقتصادي في سلطنة عُمان
  • خطيب الجامع الأزهر: الإسلام أولى الوقت والزمان عناية فائقة.. فيديو
  • باستخدام صاروخ روسي.. إيران تطلق قمر ناهيد 2 المخصص للاتصالات إلى الفضاء
  • الفراغ لم يكن فراغًا.. قصة الكون التي لم يخبرنا بها أينشتاين
  • دراسة حديثة : الأرض محاطة بستة أقمار صغيرة
  • تأكيد موعد بدء تشييد خط حديدي فائق السرعة بين موسكو وسان بطرسبورغ
  • وكالة الفضاء المصرية: لدينا 13 قمرا اصطناعيا ونسعى لزيادتها بمجال الاتصالات
  • الأرض لديها "6 أقمار".. اكتشاف جديد يفاجئ العلماء