في سياق الصراع المستمر بين المركز الإمبريالي والأطراف الواقعة تحت سطوته، يبرز خطاب الرئيس مهدي المشاط، بوصفه تحدياً مباشراً للهيمنة الأمريكية في المنطقة. هذه المواجهة ليست مجرد ردّ فعل على قرارات سياسية ظرفية، بل هي انعكاس لبنية الصراع الطبقي على المستوى العالمي، حيث تمارس الإمبريالية آلياتها القمعية لفرض التبعية، بينما تتشكل حركات المقاومة كردّ موضوعي على هذا القمع.
لا يمكن النظر إلى قرارات الإدارة الأمريكية تجاه اليمن بمعزل عن موقع الولايات المتحدة كقوة إمبريالية تسعى إلى إعادة إنتاج سيطرتها على النظام العالمي. العقوبات التي تفرضها واشنطن ليست سوى أداة من أدوات الحرب الاقتصادية التي تهدف إلى عرقلة القوى التي تخرج عن نطاق سيطرتها. وكما هو الحال مع العقوبات المفروضة على كوبا، فنزويلا، وإيران، فإنّ الهدف النهائي هو تدمير أي نموذج مقاوم للهيمنة الأمريكية، سواء كان عسكرياً، اقتصادياً، أو حتى رمزياً.
الخطاب السياسي الصادر عن صنعاء يقرأ هذه الحقيقة بوضوح، إذ يربط بين العقوبات المفروضة عليها وبين محاولات واشنطن لحماية الكيان الصهيوني، باعتباره وكيلها الاستعماري في المنطقة.
العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة ليست فقط تحالفاً استراتيجياً، بل هي علاقة بين قوة إمبريالية عالمية وقاعدة متقدمة لها داخل الشرق الأوسط، تستمد شرعيتها من استمرار العدوان الاستيطاني على الأرض الفلسطينية ومنع أي تهديد محتمل لهذه الهيمنة.
إنّ خطاب المشاط لا يتحدث فقط عن العقوبات كإجراء قانوني، بل يفكك البنية الكاملة للمنظومة الإمبريالية، موضحاً كيف أنّ الولايات المتحدة لا تتوانى عن التضحية بمصالح الشعوب الأخرى خدمةً لمصالحها الإمبريالية. يشير المشاط إلى أن اليمن ينسق مع “جهات تعتمد على الصادرات الأمريكية” للتخفيف من آثار العقوبات، فهو بذلك يشير إلى محاولة استخدام الاقتصاد كأداة مقاومة، مما يعكس وعياً بأهمية فك الارتباط بالنظام الاقتصادي الرأسمالي المهيمن، أو على الأقل تقليل الاعتماد عليه.
وهذا يتماشى مع فكرة “التنمية المستقلة” التي نظّر لها اقتصاديون ماركسيون مثل سمير أمين، حيث لا يمكن لأي دولة أو حركة مقاومة أن تتحرر سياسياً دون أن تمتلك الحدّ الأدنى من الاستقلال الاقتصادي. السياسة الأمريكية تجاه صنعاء هي امتداد لنفس النموذج الذي طُبّق ضد التجارب الاشتراكية في القرن العشرين، حيث يتم تجويع الشعوب الثائرة، وفرض الحصار عليها، لخلق حالة من الانهيار الداخلي تدفعها إما إلى الخضوع، أو إلى مواجهة شاملة لا تستطيع الاستمرار فيها على المدى البعيد.
من أبرز النقاط في خطاب المشاط هو استدعاء التاريخ كمصدر للشرعية السياسية. إذ يذكّر واشنطن بأنّ اليمن “كان ميدان الركلات الأخيرة للإمبراطوريات المتجبرة”، وهو استدعاء يحمل بُعداً أيديولوجياً يعكس فهم الصراع كجزء من استمرارية تاريخية.
في الفكر الماركسي، لا يعتبر التاريخ مجرد سجلّ للأحداث، بل هو سجلّ لصراعات القوى الاجتماعية، وهو ما يبدو حاضراً في هذا الخطاب الذي يضع المواجهة مع الولايات المتحدة ضمن سياق تاريخي طويل من مقاومة اليمن للهيمنة الخارجية.
هذا الاستدعاء للتاريخ هو أيضاً محاولة لإنتاج وعي طبقي ووطني في آنٍ واحد، حيث يتم تقديم الصراع ليس فقط على أنّه صراع بين دولتين، بل بين مشروع تحرري ومشروع استعماري عالمي. وهذا يعكس وعياً بأهمية الأيديولوجيا في الحروب الحديثة، حيث لم يعد الصراع يقتصر على المواجهة العسكرية، بل يمتد إلى الفضاء الرمزي والثقافي، وهو ما يتجلى في محاولة واشنطن فرض روايتها على العالم عبر أدواتها الإعلامية.
لم يقتصر خطاب المشاط على مهاجمة الولايات المتحدة، بل تضمّن أيضاً تحذيراً لمن أسماهم “المبتلين بمرض المسارعة”، في إشارة إلى الأنظمة العربية التي تسير في رَكْب التطبيع والتبعية.
ويمكن فهم هذا التحذير كجزء من صراع الطبقات الحاكمة ضد القوى المناهضة لها، حيث تعتمد الأنظمة الرجعية على الولاء للإمبريالية للحفاظ على مصالحها، مما يجعل أي حركة مقاومة تهديداً مباشراً لها.
يقدّم خطاب صنعاء نموذجاً لخطاب مقاومة يتجاوز كونه مجرّد ردّ فعل سياسي، ليصبح بياناً أيديولوجياً في وجه الإمبريالية العالمية. هذا الخطاب يعكس وعياً بأنّ المواجهة ليست مجرد صراع سياسي بين طرفين، بل هي جزء من الصراع العالمي بين الهيمنة الرأسمالية والقوى التي تسعى إلى التحرر منها.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
مستعدّة للتفاوض المباشر مع أمريكا لكن بشروط.. أوروبا تلوّح بالعقوبات وإيران ترد!
أفادت صحيفة فاينانشال تايمز بأن فرنسا وألمانيا وبريطانيا أبلغت الأمم المتحدة باستعدادها لإعادة فرض العقوبات على إيران في حال لم تعد إلى طاولة المفاوضات بشأن برنامجها النووي قبل نهاية أغسطس 2025.
وجاء في رسالة وزراء خارجية الدول الثلاث، التي أُرسلت إلى الأمم المتحدة يوم الثلاثاء، تحذير واضح مفاده: “إذا لم تكن إيران مستعدة للتوصل إلى حل دبلوماسي قبل نهاية أغسطس، أو لم تستغل فرصة تمديد المحادثات، فإن مجموعة الدول الأوروبية الثلاث مستعدة لتفعيل آلية إعادة فرض العقوبات”.
ويأتي هذا التحذير بعد محادثات “جادة وصريحة ومفصلة” عُقدت في إسطنبول الشهر الماضي، والتي كانت أول اجتماع مباشر منذ الضربات الإسرائيلية والأمريكية على المواقع النووية الإيرانية.
رداً على ذلك، أكدت المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية فاطمة مهاجراني أن تفعيل “آلية الزناد” سيضر بأوروبا، مشددة على استمرار الجهود مع الدول الأوروبية لمنع تفعيلها، واصفة هذه التهديدات بأنها حرب نفسية أكثر منها اقتصادية.
في سياق متصل، دعا وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى تصنيف العقوبات الغربية، التي تفرضها الولايات المتحدة وحلفاؤها، كجريمة ضد الإنسانية. وذكر عراقجي، في منشور على منصة “إكس”، أن العقوبات تسببت في وفاة أكثر من 500 ألف شخص سنويًا منذ السبعينيات، مشيرًا إلى دراسة نُشرت في مجلة “The Lancet” الطبية تؤكد أن العقوبات الأحادية يمكن أن تكون مميتة مثل الحروب.
وأضاف أن الوقت قد حان للاعتراف بهذه العقوبات اللاإنسانية كجريمة ضد الإنسانية، داعيًا الدول المتضررة إلى التنسيق والرد الجماعي على هذه السياسة.
وكان نائب قائد الحرس الثوري الإيراني للشؤون القانونية، علي شمخاني، قد طالب في العام الماضي الولايات المتحدة بتعويض إيران بمبلغ تريليون دولار عن العقوبات المفروضة عليها.
إيران مستعدة لمفاوضات مباشرة مع أمريكا لكن بشروط!
أعلن محمد رضا عارف، النائب الأول للرئيس الإيراني، أن طهران مستعدة لإجراء مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، شريطة توفر الظروف الملائمة واستيفاء الشروط التي حددتها إيران.
ووصف عارف الدعوات الأمريكية لوقف تخصيب اليورانيوم بشكل نهائي بأنها “مزحة كبيرة”.
وأكد عارف استمرار التواصل مع الدول الوسيطة في المفاوضات لمتابعة آخر التطورات المتعلقة بالملف النووي الإيراني، في وقت تتواصل فيه المشاورات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية حول الملف نفسه.
وكانت إيران نفت، صحة التقارير التي تحدثت عن استضافة النرويج للجولة المقبلة من المفاوضات النووية غير المباشرة مع واشنطن، مؤكدة أن هذا الأمر غير مؤكد.
في السياق نفسه، رفض المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، تصريحات وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بشأن الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية، واصفاً إياها بـ”سخيفة ومضحكة”، مؤكداً أن أمريكا شاركت بشكل مباشر في العدوان العسكري على إيران عبر دفع إسرائيل للتحرك بالوكالة.
وبينت طهران أن المفاوضات السابقة، التي عُقدت خمس جولات منها بوساطة عمانية، لا تزال تواجه خلافات جوهرية حول قضيتي تخصيب اليورانيوم ورفع العقوبات، وتؤكد إيران أن التخصيب حق مكفول لها بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وتشترط رفع جميع العقوبات قبل التوصل لأي اتفاق، مع التأكيد على الطابع السلمي لبرنامجها النووي وضرورة حصولها على ضمانات جدية لالتزام واشنطن بأي اتفاق مستقبلي.
ويأتي ذلك بعد انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي عام 2018 وإعادة فرض العقوبات على إيران، ما دفع الأخيرة للتخلي عن بعض القيود المفروضة على نشاطها النووي.