د. محمد بن خلفان العاصمي

وسط هذه المنطقة الجغرافية من العالم ليس من السهل أن تحافظ الدول على استقرارها، فمهما كانت حريصة لا بُد من أن تتأثر، خاصة عندما تستمر هذه الأزمات فترة زمنية طويلة، وهو ما يحدث في الشرق الأوسط منذ أكثر من 100 عام تقريبًا، وفي منطقة الخليج العربي منذ اكتشاف النفط فيها.

وخلال هذه السنوات تعددت الأزمات والقضايا التي واجهت دول المنطقة، ولعل المعضلة الكبرى التي واجهتها هي وجود الكيان الصهيونى الغاصب الذي يقف خلف 99% ؜ من صراعات المنطقة، ولن يتوقف هذا الكيان اللقيط عن افتعال الأزمات حتى يحقق أهدافه السياسية الاستعمارية التوسعية التي يسعى إليها.

وهذه حقيقة لا بُد أن تكون حاضرة في أذهان العرب والمسلمين، خاصة عندما يتعاطون مع قضية فلسطين، وكأنها أزمة مفاوضات وتقسيم وتوافقات، وهو التسطيح السياسي للقضية والذي نجحت فيه إسرائيل وأقنعت العرب به.

لقد وجدت سلطنة عُمان الحديثة منذ بزوغ فجر النهضة نفسها في صراع مباشر مع جارة شقيقة، وهي ما كان يعرف- وقتها- باليمن الجنوبي، بسبب أطماع غربية وصراعات دولية لا ناقة لها فيها ولا جمل، ولولا لُطف الله تعالى بهذه البلاد أن سخَّر لها قائدًا حكيمًا جاء في توقيت مناسب، لكُنَّا نتحدث اليوم عن صراعات مستمرة، وبفضل الله وشجاعة هذا القائد السلطان قابوس بن سعيد- رحمة الله عليه- وبسالة وإخلاص شعبه، استطاع أن يدحر المُعتدين ويُفسد مخططاتهم ويفضح أطماعهم، ويحافظ على دولته موحدة.

وبعد انتهاء الحرب مدَّ سلطان الحكمة يده البيضاء للأشقاء في اليمن، وترك الحرب والصراع والخلاف خلف ظهره، واعتبر كل ذلك من الماضي، ووقَّعت سلطنة عُمان اتفاقية مع اليمن الجنوبي في عام 1982 تُنهي حالة الحرب وتطوي صفحة من صفحات التاريخ، وتعلن بداية جديدة في علاقتها مع الدولة الجارة.

وقد ساهمت سلطنة عُمان بجهودها السياسية في ملف توحيد اليمن الشقيق، وعملت على تقريب وجهات النظر بين الأطراف اليمنية منذ بداية فكرة الوحدة إلى أن تحققت في عام 1989، معتبرةً أن هذه الخطوة هي الطريق الصحيح الذي يخدم أبناء الجمهورية اليمنية. وعندما حاولت بعض الدول وسَعَتْ لتفكيك هذه الوحدة، فيما بعد، وقفت سلطنة عُمان بحزم أمام هذا التوجه، ورفضت- من خلال مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية- التدخل في شؤون اليمن الذي سعت له بعض الدول التي كانت ترى في الوحدة ضربًا لمصالحها وأطماعها.

استمرت سلطنة عُمان في تقديم الدعم والمساندة لجهود الوحدة، وحتى عندما نشبت الحرب الأهلية وفَرَّ بعض قادة الصراع وطلبوا اللجوء السياسي، لم تغلق عُمان أبوابها؛ بل مدَّت يد السلام لمن أراد السلام، وسعت لاحتواء الأزمة واستمرار الوحدة اليمينة واستقرار النظام السياسي في اليمن، ومنعت أي شكل من أشكال الممارسة السياسية للفصائل اليمنية من داخل أراضي سلطنة عُمان، وكانت مسقط مدينة مرحبة دائمًا بهذه الأطراف للتفاوض وتقريب وجهات النظر وحل الخلافات. وبذلت سلطنة عُمان جهودَ وساطةٍ مشهودة بين القوى السياسية اليمنية على مدى السنوات الثلاثين الماضية، كل ذلك إيمانًا منها بأن استقرار اليمن يمثل جزءًا أساسيًا من الاستقرار السياسي في المنطقة.

لقد رفضت سلطنة عُمان المشاركة بأي شكل من الأشكال للتدخل في الشأن الداخلي اليمني، ووقفت بحزم أمام محاولات جرِّها إلى هذا الجانب، ورفضت بشكل صريح المشاركة في "عاصفة الحزم"، ورفضت التدخل لمصلحة أطراف معينة في الصراع الداخلي اليمني، ولم تدعم أي قوى من القوى السياسية اليمنية، ووقفت على الحياد والتزمت بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لليمن، وهذا مبدأ أساسي للسياسة الخارجية العُمانية، ينطلق من فكرة أساسية وهي أن التدخل في شؤون الآخرين يفتح الباب لتدخل الآخر في شؤونك الداخلية؛ وهو ما ترفضه سلطنة عُمان بشكل مُطلق نتيجة معرفة ودراية وخبرة حول آثر ذلك على الأمن الوطني والاستقرار الداخلي.

مواقف سلطنة عُمان وسياستها المعتدلة أغضبت أصحاب الأطماع والأهداف السياسية والاقتصادية، الذين يرون في اليمن المُتناحِر المُتصارِع فرصةً لتحقيق أطماعهم، ويسعون بكل قوة إلى استمرار حالة الفوضى والصراع وإطالة أمدها؛ تحقيقًا لمصالحهم، وهو ما جعلهم يشنون حربًا قذرة ضد سلطنة عُمان التي سعت وتسعى إلى تحقيق الاستقرار في اليمن.

وما نشاهده من حملة مسعورة مستمرة تحاول زج اسم سلطنة عُمان في هذا الصراع وتتهمها بدعم قوى معينة وتهريب الأسلحة والذخائر واحتضان قيادات هذه الفصائل، ما هي إلّا جزء من محاولة الانتقام من مواقف سلطنة عُمان وسياسة الاعتدال والنأي عن الصراعات السياسية، وجهودها لاستقرار اليمن وإنهاء حالة الحرب والفوضى التي تعصف بهذا الشعب منذ عقود طويلة.

لقد سُخِّرت جميع الإمكانيات لهذه المجموعة المُنظَّمة لتفتري الكذب على وطننا، وكل ذلك بسبب مواقفنا الثابتة، وخاصة موقف سلطنة عُمان من القضية الفلسطينية، ويبدو أن هذا الموقف هو الأشد إيلامًا لأعداء العدالة والحرية والصهاينة وأتباعهم الذين أخذوا على عاتقهم مهمة إرضاء هذا الكيان الغاصب. كما إن موقف سلطنة عُمان المُعتدل ورفضها التدخل في شؤون الآخرين وضع أصحاب الأطماع السياسية في موقف مُحرج، رغم أن ما قامت به قيادتنا الرشيدة هو حق أساسي من سيادة الدولة واستقلالية قرارها، وهو أمر تعوَّدنا عليه في عُمان؛ إذ لم ولن تكون سلطنة عُمان تابعًا لأحد في يوم من الأيام؛ فالدول العريقة التي ترتكز على تاريخ عريق وحضارة عميقة وماضٍ مجيد لا تكون إلّا هكذا.

لن تكون هناك دولة أكثر سعادة باستقرار الأوضاع في جمهورية اليمن أكثر من سلطنة عُمان، والأسباب عديدة وكثيرة ويعلمها أهل اليمن الشرفاء قبل كل أحد، ولن تجد دولة تسعى لاستقرار اليمن أكثر من سلطنة عُمان؛ ولذلك ظلَّت الحكومة تبذل جهودًا دبلوماسية مستمرة طوال أربعة عقود ونصف العقد، دون كلل أو ملل؛ وذلك لأهمية هذا الاستقرار في إعادة ضبط مستقبل المنطقة واستقرارها، ولتجنُّب الحروب والصراعات التي لا تأتي بخيرٍ، ولمعرفةٍ حقيقةٍ بأهداف الطامعين الذين يريدون تحقيق أهدافهم في المنطقة. كما لن تتوقف سلطنة عُمان عن دعم عملية السلام في اليمن الشقيق حتى يتحقق لشعبها الاستقرار والأمن والازدهار.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

"تقرير التنافسية": عُمان تُحرز تقدمًا ملحوظًا في عدد من المؤشرات الدولية

مسقط- العُمانية

أصدر المكتب الوطني للتنافسية النسخة الثالثة من التقرير السنوي لتنافسية عُمان 2024، الذي استعرض أداء سلطنة عُمان في خارطة المؤشرات الدولية التي يتابعها المكتب، وذلك بهدف رفع مستوى وعي المجتمع المحلي بالمؤشرات الدولية، ليكون مرجعًا للمؤسسات الحكومية والخاصة وللباحثين المهتمين بالوضع الراهن لتصنيف سلطنة عُمان في مختلف المجالات مقارنة بدول العالم الأخرى، ومعرفة الدول الأعلى تقدمًا في المؤشرات لاتخاذها معيارًا لرفع تنافسية سلطنة عُمان.

وأوضح التقرير أن سلطنة عُمان حققت تقدمًا ملحوظًا في عدد من المؤشرات الدولية؛ حيث حققت أكبر قفزة لها في مؤشر الأداء البيئي بنحو 94 مرتبة لتحل في المرتبة 55 من أصل 180 دولة، وحصدت المرتبة الأولى عالميًا في عدد من المؤشرات الفرعية للأداء البيئي أهمها: مؤشر صرامة حماية البحار، ومعدل نمو انبعاثات الكربون الأسود، والصيد بشباك الجر القاعية في المنطقة الخالصة. كما حصدت المركز 56 عالميًا متقدمةً 39 مرتبة عن عام 2023 في مؤشر الحرية الاقتصادية الصادر عن مؤسسة هيريتيج.

وصُنِّف اقتصاد سلطنة عُمان بأنه "حُر إلى حدٍ ما" بعد أن كان تصنيفه "غير حُر غالبًا"، وهو ما انعكس على ارتفاع نتائج سلطنة عُمان في المؤشرات الفرعية أهمها: مؤشر الإنفاق الحكومي حيث ارتفعت النتيجة من 59.4 إلى 70.8 من 100، وحرية الاستثمار حيث ارتفعت من 60 إلى 70 من 100، والحرية المالية؛ حيث ارتفعت النتيجة من 50 إلى 60 من 100.

ويأتي مؤشر جاهزية الشبكات في صدارة القائمة؛ حيث تقدمت سلطنة عُمان من المرتبة 54 إلى 50 محققةً بذلك قفزة بمقدار 4 مراتب دولية، ومتصدرةً دولًا عديدة في عدة مؤشرات فرعية أبرزها: المركز التاسع عالميًا في الترويج الحكومي للاستثمار في التقنيات الناشئة، والمركز الحادي عشر عالميًا في الفجوة بين الجنسين في استخدام الإنترنت، والمركز الثالث والعشرون عالميًا في مهارات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في منظومة التعليم.

وفي تقرير مستقبل النمو، حققت سلطنة عُمان نتيجة أعلى من المتوسط العالمي بنحو 50.59 من 100، وحققت المرتبة الأولى عالميًا بنتيجة 100 في عدد من المؤشرات الفرعية وهي: رأس مال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بالدولار الأمريكي، وفجوة الكهرباء في المناطق الريفية.

أما عن مؤشرات الحوكمة العالمية، فقد ارتفعت نتائج سلطنة عُمان في معظمها وخصوصًا تلك المدرجة في رؤية عُمان 2040، حيث حصدت نتيجة 70.2 من 100 في مؤشر سيادة القانون، و66.5 من 100 في مؤشر الجودة التنظيمية، و62.2 من 100 في مؤشر فعالية الحكومة.

وأكد الدكتور سالم بن عبدالله آل الشيخ، المتحدث الرسمي بوزارة الاقتصاد، أن المكتب الوطني للتنافسية يواصل رصد موقع سلطنة عُمان في جملة من المؤشرات والتقارير الدولية المهمة، والتي تحظى بمتابعة واهتمام واسع من قبل عشرات الآلاف من الأفراد والمنظمات حول العالم. وقال: "إن المكتب يواصل متابعة عمل الفرق الوطنية لتعزيز موقع سلطنة عُمان في المؤشرات الدولية من خلال العديد من البرامج والمبادرات، والمساهمة في معالجة التحديات التي قد تعترض عملها".

مقالات مشابهة

  • استعراض الفرص الاستثمارية بين السلطنة وكازاخستان
  • "تقرير التنافسية": عُمان تُحرز تقدمًا ملحوظًا في عدد من المؤشرات الدولية
  • عبدالله بلحيف: الإمارات نموذج عالمي في التنمية المجتمعية
  • الحوثيون يهددون بالرد على دول في المنطقة في حال تورطها مع إسرائيل بإستهداف اليمن
  • تحليل العملات والذهب بين الفائدة والجغرافيا السياسية
  • بين غزة الشاهدة.. وغزة الشهيدة
  • برلماني: رأس الحكمة ستكون بوابة مصر السياحية.. وعلينا تسويق المنتج المصري عالميا
  • تصاعد التضامن ’’العالمي’’ مع غزة تنديداً بجرائم الإبادة الصهيونية بحق الأطفال والنساء .. اليمن نموذجًا للموقف المشرّف
  • سكاي أبوظبي تستحوذ على 450 فداناً في رأس الحكمة
  • انعقاد الجولة الخامسة من المشاورات السياسية بين سلطنة عُمان وجهاز العمل الخارجي بالاتحاد الأوروبي